عن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حملَهُمْ على أَنْ سفَكَوا دِماءَهُمْ واسْتَحلُّوا مَحارِمَهُمْ) رواه مسلم.
الظلم، والشح.
الحديث يتحدث عن هاتين الخصلتين الذميمتين، أما الظلم فإنه كما يبين أهل العلم: التصرف في ملك غيره من غير إذنه، وأما الشح فإنه: ناتج عن وهم الامتلاك، توهم أنه يملك فأمسك وقتّر وبخل بما توهم أنه يملكه.
الظلم منه: ظلم حقيقي، ومنه ظلم مجازي.
والظلم الحقيقي: أن يَشهد أن الكون كلّه ملك الحق، وهذه هي الحقيقة، فإذا شهد أن الحق وحده يملك الكون فإنه لا يتصرف في ملك الحق إلا بإذن الحق، أي لا تمتد يده إلى مخلوق من مخلوقات الله إلا بالإذن الشرعي، فهو يتعامل مع الشجر، والحجر، والحيوان، والإنسان، والذكر، والأنثى، والصبي، والكبير، والفقير، والغني، والأجير، والأمير،...يتعامل مع الجميع وهو يشهد أنهم مملوكات لله، لا يتعامل مع مالكين إنما يتعامل مع مملوكين، وهو يشهد سعة ملك المالك، فلا يتصرف في ملك الحق إلا بإذن الحق، فالظلم الحقيقي أن يحيد عن هذا المعنى فيتصرفَ في هذا الملك بغير إذن الحق.
وهذا لا يكون إلا عندما يتخذ إلهه هواه، فأهل الله لا تمتد أيديهم ولا تتحرك جوارحهم إلا بالإذن الخاص، يستأذن المالك في مملكاته، لا يقول هذا في جيبي، ولا يقول هذا ثوبي،... حتى إن سفيان الثوري قال: دخلت على قوم في زاوية من الزوايا فلما قلت لهم أين عباءتي سقطتُّ من أعينهم، لأنهم نظروا أنه ينسب إلى غير الحق، ومشاهد أهل الحقيقة غير مشاهد أهل النسب المجازية، لأنهم مستغرقون في مشهد الحقيقة.
أما الظلم المجازي الذي يكثر بين الناس وهو من الممنوعات التي يتخبُّط فيها الناس فقد أشرنا إلى بعضٍ منه عندما تحدثنا عن الظلم القولي، وتحدثنا عن الظلم الفعلي، عندما يتحرك لسانه في غيبة أو نميمة، عندما يلوك لسانه عرض أحد من الناس، أو عندما يكون ظلمه ظلماً سلوكياً, فيتصرف في ملك غيره المجازي بما لا يكون مأذوناً فيه, فهذا ينقلب ظلماً، فإذا وقع في الظلم الحقيقي أظلم قلبه وأظلم سرّه، إذا شهد مُلكاً لغير الله لا يمكن أن يكون من أهل المعرفة ولا من أهل الحقيقة، يكون محجوباً، يكون بعيداً عن مشاهد أهل الحق، وإذا وقع في الظلم المجازي فإنه يعرّض نفسه للعقاب، ويعرّض نفسه للحساب والعتاب.
فالظلم المجازي أن يتصرف في ملك غيره من المخلوقين, حيث نسب الحق تبارك وتعالى لهم نسبة مجازية، قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] هذه نسبة مجازية ليست نسبة حقيقية، النسبة الحقيقية {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة:284] هذه نسبة حقيقية، المال وغير المال {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} هذه نسبة حقيقية.
النسبة المجازية {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} نسب إليك مجازاً، هي عارية، يعني مستعارة وأنت مؤتمن، قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7]
أما الخصلة الثانية التي هي الشح فإنها: تنتج عن توهم امتلاك حقيقي، يتوهم أنه يملك ملكاً حقيقياً مالاً، وجاهًا، ومتاعًا،... هذا كله ملك مجازي، فإنه إذا توهم أنه يملكه ملكًا حقيقيًا يكون منازعًا لله تبارك وتعالى، لأن الملك ملكه فكيف وقد جعلك مؤتمنًا ومستخلفًا؟
إذًا كن عند هذا الاستخلاف كما يحب ويرضى، إذا عرفت أن كلّ ما نسبه إليك هو ملكه، وشرّفك حينما أمرك أن تكون أميناً على هذا الملك، لم تنتفِ نسبة هذا الملك إلى الله, إنما نسب إليك هذا الملك مجازاً واختباراً، هذا الاختبار إذا أوقعك في وهم الملك الحقيقي تبخل.
لاحظوا كم هو يسير على الإنسان لما نقول له: هذا المال للتوزيع أنت ليس لك علاقة فيه وزِّعْه، مباشرة يقول: عشرين لفلان، وثلاثين لفلان، وخمسين لزيد، وأربعين لعمرو،... لكن قل له: أخرج من مالك، فتجد أنه يمسك يده، ما الفارق؟ ها هنا قد تشبع فيه حس التملك، وهناك لم يدخل فيه حس التملك، ولذلك كان يسيراً عليه أن يُنفق، يسهل عليه أن ينفق، فلو أنه ارتقى في الحقيقة سيجد أنَّ كل شيء هو ملك للحق تبارك وتعالى، وعند ذلك لا يمكن أن يقع في الشح أو البخل، وقد قالوا: "من أقبح القبيح صوفي شحيح" وحتى في الملك المجازي عندما يشعر أنه بإنفاقه يتقرب إلى الله، لما ملَّكك الحق ملكًا مجازيًا وقال لك هذا المال مالك على وجه المجاز، وهو اختبار لك حيث منع غيرك أن تمتد يدُه إليه، وأذن لك أن تتصرف فيه على وجه الملك المجازي فهذا اختبار.
لذلك جاء رجل إلى الشبلي وقال له: كم الزكاة؟ قال له: عند أهل الفقه من الأربعين واحد، وعندنا المال كله لله، فقال: أنا أسألك عن حكم شرعي، يجب أن لا تخرج عن الأحكام الشرعية، أقول لك: كم الزكاة؟ تقول: قال أهل الفقه ونحن نقول, فما دليلك على قولك؟ قال: دليلنا فعل الصديق، فلما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لهم يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
البعض يقول: لابد من الأسباب، نقول: لابد من الأسباب لكن المشكلة أننا نتوكل على الأسباب.
ليست المشكلة الأخذ بالأسباب كلنا نأخذ بالأسباب، لكن الحق سبحانه وتعالى أراد منا أن نوجه قلوبنا إلى الاعتماد عليه وحده, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا).
لما قال الله سبحانه وتعالى لمريم {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}[مريم:25] امرأة نفساء تشـكو من آلام الوضع, ويقول لها: هزي جذع النخلة، وجذع النخلة قطره سبعين أو ثمانين سنتيمترًا، ولا يمكن هزّ جذع النخلة هزًا يؤدي إلى حركة في أغصان النخلة، هذا لو جاء أبطال العالم ليهزوه لا يهتز, فكيف سيهتز حتى تتساقط الرطب؟ لكن الله سبحانه وتعالى ستر قدرته بعالم الحكمة، فمريم عليها السلام هزّت, فقط مدت يدها، المقصود منك أن تمد يدك، وليس مطلوبًا منك أن تقطف الرطب، فهي امتثلت أمر الله, ما قالت: أنا نفساء ضعيفة, ما الذي أصنعه عندما أكون في حالة الوهن والضعف الشديد؟ فهي مدت يدها امتثالاً.
مشكلة هذا العقل لما نفكر به بشكل مقلوب، الله سبحانه وتعالى يقول لك: هز النخلة، مريم هزت النخلة فنزل الرطب، لا تسأل كيف؟ هذا بقدرة الله، قدرة الله مدت يدها على يدها وهزتها وإذا بالنخلة في يدها مثل الوردة.
ألم يقل في حق داود {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10] وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه: ناولني الذراع فناوله الذراع، ثم قال: ناولني الذراع فناوله الذراع ثم قال: ناولني الذراع، قال يا رسول الله للشاة ذراعان، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام قال: لو امتثلت الأمر لبقيت تناولني ذراعاً ما طلبت منك، {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15] لكن نحن نعتمد على فهمنا، ونتعلق بالأسباب, والله تبارك وتعالى قال لنا في وصف الجنة: {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33] يعني تمد يدك إلى التفاحة وتقطفها والتفاحة باقية مكانها, وأنت أخذتها، كيف يكون ذلك؟
{لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} لا ممنوعة: يعني لم تمنع عنك، مددت يدك إليها وأخذتها ولم تقطع من مكانها، فكيف يكون ذلك؟ هذا بقدرة الله، هذا مشهد أهل الحقيقة، المشكلة أننا أصبحنا نعبد الأسباب، أصبحت وثنيتنا وثنية مادية، لما تغلغلت المادة في قلوبنا، فأصبحنا لا نعرف حقيقة التوكل.
أحد رجال القشيرية كان سبب توبته ورجوعه إلى الله أنه وهو في طريقه في الصحراء وجد قبرة عمياء -طير أعمى- نزل من على الغصن فخرج من الأرض إناءان إناء فيه طعام وإناء فيه شراب, فأكل وشرب, ثم اختفى الإناءان، فتاب إلى الله، وقال: الذي يرزق قبرة عمياء في صحراء ألا يرزقني وأنا الإنسان المكرم عنده.
وحدثنا أخ لنا في كفر تخاريم، أنه كان عنده حجر أسود من الصوان يستعمله أهله في الطبخ كثقل يوضع فوق قدر الطعام, وقد ورثه عن أبيه, وأبوه ورثه عن جده، وبعد مائة سنة من استخدامه في الطبخ وتثقيل القدر, وقع الحجر من يده وانكسر, وإذا به يرى داخل هذه الحجر دودة, وقد أنبت الله لها عشبة خضراء.
المشكلة أننا اعتمدنا على الأسباب, وتوهمنا أن الأسباب مؤثرة، يجب أن نقرأ سورة الضحى ونفهمها عندما قال الله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى، وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}[الضحى:6-8] هذه ترسخ التوحيد في القلوب {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى} طفل ليس عنده أب ليس عنده أم، كيف يمكن أن ينشأ؟ وُلِدَ وأبوه ميت، ولما صار عمره ست سنوات ماتت أمه، فولد يتيماً وماتت أمه وعمره ست سنوات، المتوقع أن هذا الطفل بمنطق العادة وبمنطق الأسباب سيكون مشرداً, سيكون فقيراً, سيكون بدون تعليم, سيكون في أبأس الحالات، وإذا به يكون سيد الكائنات، فآواه الله إليه, فكان هو المعتني به، فلما انقطع السبب اعتنى المسبِّبُ {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى}
أما الثانية {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} هذه أبلغ، لأنه صلى الله عليه وسلم ضيع الطريق لما كان صغيرًا في شعاب مكة, والذي يدخل في شعب من شعاب مكة لا يعرف كيف يخرج لشدة تشابهها وتداخلها، فسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام ضيع الطريق, فمن الذي دلّه على الطريق؟ الذي دلّه هو أبو جهل، فانظر كيف سخر الله له أعدى أعدائه, فدلّه على الطريق إلى مكة وإلى منزله بأعدى أعدائه.
مثل ذلك القصة التي قرأناها في الرسالة القشيرية, رجل متجرد عن الأسباب عاهد هذا الرجل الله أن لا يسأل مخلوقاً، وهو في الطريق في البيداء وقع في حفرة غير ظاهرة، فهمّ أن يصيح ويستنجد فتذكر أنه لا يستنجد إلا بالله, هذا مقام ليس لكل الناس، ولا يسمح بالدخول فيه إلا لكبار الرجال ، هذا هو التجريد، الذي ذكره صاحب الحكم العطائية: "إرادتك التجريد مع إقامة الله لك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية" فهذا أدخله الحق في التجريد, فهو لا يسأل الخلق، قال بقيت في الحفرة, وقلت لا أستنجد إلا بالله، وما أكملت الخاطر حتى جاء ركب مارون في الطريق, فقرروا أن يسدوا الحفرة حتى لا يقع الناس فيها، فهممت أن أصيح وأستغيث، فتذكرت العهد، فأتوا بالأغصان وبدؤوا يردمون الحفرة، وبعدما غطوا الحفرة وضعوا فوقها التراب وأحكموها, وإذا بذراع طويلة تمتد وكأنها تريد إنقاذه فتعلق بها, فلما خرج رأى مخلوقًا مخيفًا وكأنه عفريت من الجن, ثم سمع هاتفاً يقول: أنجيناك من الهلاك بالهلاك، أي أنجيناك من التلف بالتلف.
وهكذا قال {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} أنجيناك بعدوك، وعندما نصدق مع الله تبارك وتعالى, فإن الله سبحانه وتعالى يسخر لنا كل شيء، يسخر لنا الأرض، يسخر لنا السماء، يسخر لنا الأعداء، في غزوة بدر المطر ينزل، يثبت الله به أقدام الصحابة، ويتحول إلى مِزلقة بالنسبة إلى الأعداء، المطر ينزل بالنسبة للمؤمنين الرمل يثبت، وبالنسبة إلى الأرض التي عليها الأعداء وهي صخرية صاروا ينزلقون عليها، فهو بالغيث ثبت أقدام الأصحاب، وصارت بالنسبة للأعداء مزلقة.
المال قد يكون خيراً لك وقد يكون مزلقة، كن مع الله تر الله معك، الحق سبحانه وتعالى يسخر لك كل شيء، إذاً المعادلة كن مع مالك كل شيء، فإذا كنت مع مالك كل شيء تتخلص من الظلم والشح.
هذه هي خلاصة المعادلة، أن تشهد مالكية الله تعالى لكل شيء، فإذا شهدت مالكية الله تعالى لكل شيء عند ذلك تتخلص من الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة، ومن الشح الذي قاد الناس إلى سفك الدماء واستحلال المحارم، وكيف يمكن للإنسان أن يشهد مالكية الله تعالى لكل شيء؟ لابد من الذكر والصحبة، يعني هذه ليست مجرد معلومات توضع في الذهن، لابد من المداومة على الذكر والصحبة، فإذا داوم على الذكر والصحبة كان هذا حالاً مستصحباً, صاحَبه في كل أوقاته.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان مضطجعًا وسيفه معلق على الشجرة، وجاء أعرابي وقال له: من يمنعك مني؟ أمسك سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف بالسيف فوق رأسه صلى الله عليه وسلم، وقال: من يمنعك مني يا محمد صلى الله عليه وسلم؟ سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام بكل بساطة قال: الله - الذي يمنعني منك الله، لأنك في يده, أنت مملوك والسيف مملوك, وكل البشر مملوكون- وإذا بيد الأعرابي ترتجف ويسقط السيف منها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمسك السيف, ويقول: من يمنعك مني يا أخا العرب؟ فيقول: كن خير آخذ، قال له: أتدخل في الإسلام، قال: لا، لا أدخل في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: اذهب، فذهب حتى وصل إلى قومه وغير لباسه وتطهر وعاد، وقال يا رسول الله: أنا أشهد أنك رسول الله لكن ما أحببت أن أدخل مكرهاً.
هذا المشهد مشهد التوحيد الذي ترى فيه كل شيء بيد الله.
أنت صغير أنت مملوك أنت ضعيف، فإذا شعرت أنك ملك لله تبارك وتعالى, ولزمت عبديتك, وشهدت أن الكون كله إنما هو ملك للحق سبحانه وتعالى, في مشهد التوحيد هذا تكون عبدًا لله، وبعد هذا يهون كل شيء, لأن المهم أن تضمن الكرامة في النتيجة، قد يعطيك الحق سبحانه وتعالى تكريماً دنيوياً وأخروياً، سليمان عليه الصلاة والسلام كان في الدنيا ملكًا لكنه كان عبداً لله، ويكون في الآخرة عبداً لله ومقبولاً ومكرماً، لكن ورد في الحديث أنه آخر الأنبياء دخولاً إلى الجنة، لماذا؟ لأنه أخذ قليلاً من الدنيا، هذا جاء في الحديث آخر رسول يدخل الجنة سيدنا سليمان، لذلك لما خيّر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمداً أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبيًا، قال: (بل عبداً نبياً) ولذلك هو أول من يفتح باب الجنة، والفقراء الذين حرموا من نعمة الدنيا يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وخمسمائة عام ليست قليلة، إذا وقف أحدنا لينتظر دوره ساعة تؤلمه رجلاه، فكيف بمن سيقف خمسمائة عام، فالفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام لماذا؟ لأن المولى سبحانه وتعالى أعطى هذا الغني وأكرمه، فنام على وسادة من ريش النعام، وذاك الفقير نام على وسادة من ليف، هذا تعب في الدنيا فالمولى عوضه، حتى لا يفرح الإنسان إذا وجد قرشين زيادة في جيبه، لأنه سيتأخر, والأفقر منه سيدخل الجنة قبله، لذلك هذا الكون في الدنيا والآخرة ملك لله.
كما قال سيدي عبد القادر الجيلاني الطريق إلى الله خطوتان: خطوة تقطع بها الدنيا، وخطوة تقطع بها الآخرة، أي: تجاوز وقوفك عند الدنيا، وتجاوز وقوفك عند الآخرة تكون عبدًا لله.
|