الباب السادس والعشرون باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم من كتاب رياض الصالحين الذي جمعه الإمام النووي رحمة الله عليه ونفعنا الله به آمين.
قال: قال الله تعالى {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]
وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}[الحج:71].
وأما الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة: يشير إلى الحديث القدسي كما ينقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى:
(يا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظالمُوا)
الظلم ثلاثة أقسام: منه الظلم السلوكي، ومنه الظلم الاعتقادي، ومنه الظلم المعرفي.
فالظلم السلوكي: منه ظلم بالأقوال، ومنه ظلم بالأفعال.
فمن الظلم السلوكي الذي ينتسب إلى ظلم الأقوال أن ينقل أحد ما عن أحد كذبًا، ومنه ما دلَّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم (منْ كَذَب علَيَّ مُتَعمِّدًا فَلْيتبَوَّأْ مَقْعَدهُ من النَّار) وهذا أشد أنواع الظلم القولي الذي هو من نوع ظلم الكذب.
ومن الظلم السلوكي القولي الغيبة: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات:12]
و الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره.
لا اختراع وصف أو فعل من الخيال إنما توصيف واقعي، لكن لخصلة فيه يكره ذكرها،أو لوصف فيه يكره ذكره، وهذا من الغيبة.
ولما أشارت عائشة إلى قصر صفية رضي الله تعالى عنهما وكان ذلك إشارة خاطفة قال صلى الله عليه وسلم (قَدْ قُلْتِ كَلِمةً لو مُزجتّ بماءِ البحْر لأنتـنـته) والبحر هو الطهور ماؤه, لو ألقيت فيه جيف العالم يبقى طهورًا، لكن كلمة واحدة من الغيبة يصبح بها البحر منتنًا.
فكم يتساهل الإنسان وهو يتحدث عن زيد وعمر في كلمات لا في كلمة ينتن منها ماء البحر.
ومن الظلم القولي النميمة وهي أن ينقل الإنسان كلامـًا مفسدًا من شخص إلى شخص، والمجالس في الأمانة، وما في المجلس أمانة حتى لو أن الذي كلمك نظر عن يمينه وشماله أي يتفقد هل يسمعه أحد وخصك بكلمة ثم نقلتها تكون بذلك مرتكبًا إثمًا كبيرًا.
ومن الظلم السلوكي: الظلم الفعلي.
شخص استأجرته ثم لم تعطه ما يستحق من الأجر,ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)
هذا إن أنقصته حقه فكيف إن منعته حقه؟
فكيف إن تسلطت عليه بالأذى؟
فكيف إن ضربته؟
فكيف إن فعلت أنواع المزعجات والمؤذيات...؟
وهذا لا يختص بظلم المسلم بل بظلم كل مخلوق، بل بظلم الحيوانات التي أطلقها الحق فقيدتها قال صلى الله عليه وسلم (دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا)
فالحكمة من إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام انتفاء هذا الظلم، عندما يشعر الإنسان بالمساواة الإنسانية {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25] أي ليتحقق العدل وينتفي الظلم.
وأنواع الظلم الفعلي كثيرة خلاصتها: أن يتصرف الإنسان في ملك غيره بغير إذنه.
أما الظلم الاعتقادي فإنه يظلم به عقله وقلبه وهو الشرك، حينما يتوهم أن زيدًا ينفع وأن عمرًا يضر، أخذك بالأسباب أخذ ظاهر لكن مع يقين القلب بأنه لا يخفض ولا يرفع ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، يجب أن يحقق الإنسان هذا في معاملاته، وفي كل أحواله.
سألني سائل ما معنى {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:3]؟ فقلت: الشاهد الله والمشهود التوحيد، لأن الله تعالى قال: {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران:18] فهو الشاهد الحقيقي {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ}[آل عمران:18] هذا هو المشهود وهو التوحيد.
إذًا فالشاهد هو الله والمشهود هو التوحيد.
أما الشاهد المجازي فهو الملائكة وأولو العلم كما قال تعالى:{وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] فهم منتسبون إلى معنى الشاهد، لأنهم شهدوا بشهادة الله أما الشهادة الأصلية فلا يملكونها.
وأما الظلم المعرفي فيكون بشهود سره غير مولاه، وهذا ليس شركًا اعتقاديًا إنما هو شرك معرفة.
ليس للغير إن ظهرت وجود وإذا ما بطنت أنت فريد
يا سنا الكل إن شهدناك يومًا فهو يوم من الزمان سعيد
إن للناس في كل عام لعيدين وفي كل ساعة لنا بك عيد
فخلاصة الاجتماع والتعاون والتآخي والتناصح في الله، هي أن تنفى أنواع الظلم الثلاثة.
يقول شخص أنا منتسب لطريق القوم وهو يظلم ظلمًا قوليًا كأن يقع في الغيبة، أو يقع في النميمة أو يقع في الكذب, هذا يدل على أنه غير مستفيد,ولم يحقق النسبة إلى طريق القوم.
شخص يقول أنا منتسب إلى الطريق منتسب إلى أهل الله وهو يظلم الناس؟
قال أحد أعداء أهل البيت -ممن كان يناصر حقدًا بعض من طغى- لعليّ زين العابدين ابن الإمام الحسين رضي الله عنه: لحيتك أفضل أم ذيل الكلب؟
هكذا يسأله أمام الناس ساخرًا يقول له: يا إمام لحيتك أفضل أم ذيل الكلب؟ فأجابه سيدنا علي زين العابدين رحمة الله عليه ورضي عنه: إن دخلت الجنة فلحيتي خير من ذيل الكلب، وإن دخلت النار فذيل الكلب خير من لحيتي,هكذا كانت أحوالهم.
وجاء رجل يريد أن يدخل في طريق أهل الله ، فأراد الأستاذ أن يختبره,فقال له:ينبغي أن تحقق شرطًا حتى تقبل في طريق أهل الله, قال: ما الشرط؟ قال الأستاذ: تدخل إلى السوق وأنت في السوق تقبل يد أخس الناس من تراه أخس الناس تقبل يده وتعال بعدها إلي.
ذهب وبدأ يبحث ويبحث ويبحث حتى رأى أخسهم سلوكًا، وأخسهم قدرًا، وأخسهم مظهرًا... ممن لا يؤبهُ له، وقبل يده وعاد، قال له: ما الذي فعلت؟ قال: ذهبت ونظرت إلى كل من في السوق ورأيت فلانًا فيه الوصف الفلاني والفلاني والفلاني -أي من الأوصاف السيئة- فقبلت يده.
فقال له الأستاذ: لقد أخطأت ولم تقبل اليد الصحيحة, كان ينبغي أن تقبل يدك، لو قبلت يدك عند ذلك نعلم أنك قد بدأت الطريق.
الظلم القولي، والظلم الفعلي، ناتج عن الاستكبار.
الاستكبار ينتج الظلم، لكن الذي يلتزم العبدية لا يقع في هذا الظلم ...
أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جُبِذ من ثوبه حتى أثر الثوب في عنقه الشريف فتبسم؟ لأنه في مقام العبدية.
لا تقل أصلي وفصلي إنما أصل الفتى ما قد حصل
أي ما قد حصل له من العناية الأزلية، فإذا اطلعت على الأزل تعرف، وبعد ذلك حدث بأصلك وفصلك.
ونفي الظلم الاعتقادي يكون بتكرير كلمة التوحيد، قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (جددوا إيمانكم، قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: " أكثروا من قول لا إله إلا الله)
اسأل نفسك ,إذا رأيت قلبك مشغولاً بالأشياء ومشغولاً بالأغيار,فافهم أنك مقلٌّ في ذكر الله، لو كنت من أهل الاستغراق والسباحة في الأذواق فإن سرك في كل أحواله يقول: لا إله إلا الله، لكن أما وأن القلب مملوء بالأغيار فلا بد من تحريك اللسان، لا بد من مجلس تجلس فيه تذكر بذكر التوحيد، إن كنت من أهل الاستغراق فيكفيك ما تقوله في الصلاة من التوحيد، لكن عندما ترى الشرك الخفي يغزو القلب إذًا هناك علة.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانًا فننتكس
مهما تكالب أهل الباطل على أهل الحق لا تلتفت.
مهما مكر أهل الباطل بأهل الحق لا تلتفت.
لا تتوهم أن أحدًا ينفع، لا تتوهم أن أحدًا يضر، قل: الله، وبعد ذلك سترى أنك تعامل الحق (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بشيء) وهنا الأمة ليس المقصود منها أمة الإجابة إنما أمة الدعوة.
(وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ) يعني أهل الأرض (لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بشيء لَمْ يَنْفَعُوك إلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَك، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك لَمْ يَضُرُّوك إلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْك رفعت الأقلام، وجفت الصحف) وفي رواية: (رفعت الصحف، وجفت الأقلام)
إذا وصلنا إلى مرحلة تخلصنا فيها من الظلم السلوكي القولي والفعلي، وتخلصنا فيها من الظلم الاعتقادي، عند ذلك يكون هناك أمل أن ندخل في نفي الظلم المعرفي، لكن نتحدث في الجمع والفرق والبقاء والفناء والشهود والذوق والسكر والري والصحو والاستغراقات... ونحن متلوثون بالظلم السلوكي القولي والفعلي، ومتلبسون بالظلم الاعتقادي إذا بقي حالنا هكذا فلا يوجد أمل أن ندخل في نفي الظلم المعرفي.
قال ابن عطاء الله السكندري: "أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته"؟
الحضرة ما تقبل نجس، ما تقبل ملطخ، المسجد لا يدخله من كان في جنابة الظاهر، حضرة الحق تبارك وتعالى لا يدخلها من كان في جنابة الباطن.
فلذلك نحكي في اجتماع ونحكي في استماع ونحكي في إتباع... إذا لم يكن الإنسان صادقًا في طريقه، صادقًا في إرادته وجه الله حتى يخرج عن كل إرادة في فناءه في إرادة مولاه، فلن يصل ,الطريق ليس ألعوبة، ولا هو تنظيم حزبي، ولا هو تشكيل هرمي... الطريق: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:32]
فإذا جاء بالطهارة، عند ذلك الحضرة حضرة كرم، حضرة قبول، حضرة حنان... إذا أقبلت عليه يُقبل عليك، (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) والحق سبحانه وتعالى مستغنٍ عنا جميعًا، لا يظنْ أحد أن المولى محتاج له، لا... قال تعالى:{ وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} [التغابن:6]
الحق لا ينتظر لا صغير ولا كبير، الحق غير محتاج إليك، وهو مُظهر دينه شئت أم أبيت، تحركت أو لم تتحرك، كنت من أصحاب الهمة أو لم تكن، الحق سبحانه وتعالى يقول :{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد:38]
الحق سبحانه وتعالى أراد إظهار دينه، فإن أقبلتم شرفتم بشرف لا يحظى به إلا مقبول، وإن أعرضتم حرمتم أنفسكم { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[البقرة:57]
الإنسان يظلم نفسه عندما يصير من أولياء الشيطان، بدل من أن يصير من أولياء الله، فلذلك هذا الدين وخدمة هذا الدين لا تحتاج أن نجر الناس إليها , بل يجب أن يتسابق الناس إليها، وإذا خدم الإنسان الدنيا وحقق منها المكاسب المادية وضيع من أجلها آخرته,فهذا إنسان جاهل لم يفهم حقيقة الدنيا،وضيع عمره في خدمة جزء من جناح البعوضة، فلذلك والله والله... لا يمكن أن يكون من أهل العناية والسعادة إلا خادم الدين، فمن كان خادم الدين نال سعادة الدنيا والآخرة.
جاء رجل إلى الشبلي وقال: كم الزكاة؟ قال عند أهل الفقه وعندك من الأربعين واحد، وعندنا المال كله لله ، قال: يا رجل هذا كلام يحتاج إلى دليل، أهل الفقه عندهم أدلة فما دليلك ,هذا كلام خطير؟ قال دليلي أبو بكر، عندما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لهم)؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
رحم الله من قال:
فالفتى من سلبته جملة لا الذي تسلبه شيئًا فشي
الدليل قوله تعالى:{ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:162] ماذا بقي بعد هذا؟
الصلاة والنسك عبادة،والمحيا والممات يغطيان المعاملة وبذلك تشمل الآية كل حياة الإنسان.
إذًا، كفى فلسفات وتنظيرات وكلام لا فائدة منه، إذا كان في باطن الإنسان صدق وتوجه، نعم هذا من أهل الله ، يجب أن يسأل كل منا قلبه بصدق ويقول: أنت منافق أم مؤمن؟ هل أنت تكذب، وتضحك على نفسك وتخدعها، أم أنت صادق؟
إذا وجّه الإنسان قلبه إلى الله فإنه لا يحتاج شيئاً بعد ذلك.
بك مهد كوني تمهيدا فغدوت جميعي توحيدا
رحم الله الإمام الشافعي عندما نظر إلى الدنيا فقال
وَماهِيَ إِلّا جِيَفَةٌ مُستَحيلَةٌ........ عَلَيها كِلابٌ هَمُّهُنَّ اِجتِذابُها
فَإِن تَجتَنِبها كُنتَ سِلمًا لِأَهلِها........ وَإِن تَجتَذِبها نازَعَتكَ كِلابُها
ورحم الله من قال:
إن لله عبادًا فطنا........ طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا........ أنها ليست لحيٍ سكنا
جعلوها لجة واتخذوا........ صالح الأعمال فيها سفنا.
سيدي عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه قال: الطريق خطوتان فقط. قالوا له: إذا كان الطريق خطوتين, دلنا على هاتين الخطوتين لنمشيهما ونصل، قال: خطوة تقطع بها الدنيا وخطوة تقطع بها الآخرة.
أما عبد الدنيا وعبد الآخرة من أين له أين يكون عبد الله؟
عباد الله مثل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم هؤلاء كانوا عباد الله، طلبهم فأجابوه.
جاء رجل إلى حلاق كان يحلق للإمام الشافعي دون أن يعرفه ,كان يحلق له رأسه، وكان الإمام الشافعي يلبس ثيابًا رثَّة.
الحلاق حلق نصف رأس الإمام ولم يكن يأبه من الذي يحلق له ولا يعرفه، ودخل رجل من التجار الأثرياء كان يعطيه كلما حلق له عشرين دينارًا من الذهب ، لما دخل هذا التاجر الثري الذي يعطيه على كل مرة يحلق رأسه فيها عشرين دينارًا من الذهب، ترك الإمام الشافعي دون أن يكمل له الحلاقة، وقال له انتظر قليلًا، سأرجع إليك، فترك نصف رأس الشافعي وحلق لهذا الثري، وقبل أن يعطيه ذلك التاجر الأجرة ,وبينما كان الإمام الشافعي جالس ينتظر دون أن يتكلم بكلمة، لأنه يرى هذا من فعل الله، مر شخص أمام دكان الحلاق يبحث عن الشافعي فرآه، وكان عنده أموال يريد أن ينفقها في سبيل الله, فقال للإمام الشافعي: أنا لا خبرة لي، وأريد أن أعطيك هذه الأموال لتنفقها وتتصرف فيها بما تشاء وبما تراه الأنفع، فأتى بصرّة فيها ألف دينار ذهبًا,وقال يا إمام هذه الصرة فيها ألف دينار ذهبًا, أنفقها حيث أردت، فقال: أعطها للحلاق، فتضاءل هذا الحلاق في نفسه وخجل، ورأى كم هو خسيس ولا يدرك النفيس، لأن قيمته عشرين دينار، هذا يُشترى بعشرين دينار، قال: يا إمام ألف دينار أعطيها له؟ قال: نعم أعطها له، أنت جئت تستشيرني وأنا أقول لك:أعطها لهذا الحلاق.
هؤلاء احتقروا الدنيا تعالوا فوق الدنيا، سخروا بالدنيا، ترفعوا... فصارت الدنيا خادمة لهم، صارت الدنيا عبدًا لهم.
كن مسخرًا لله وحده يسخَّرْ لك كل شيء.
|