قال صاحب جوهرة التوحيد رحمة الله عليه:
وَمُعْجِــــــزَاتُـهُ كَثِيـــــــــــــــرَةٌ غُـــــــرَرْ مِنْهَـا كَـلاَمُ اللهِ مُعْجِـزُ الْبَـشَـرْ
وَاجْزِمْ بِمِعْرَاجِ النَّبِي كما رَوَوْا وَبَرِّئَـنْ لِعَائِشَــــــــــــــــــةْ مِـمَّـا رَمَــوْا
انتقل إلى مبحث معجزات سيدنا ومولانا المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وحينما يكون الحديث عن معجزات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فليس من أجل أن تكون سبب الإيمان، إنما من أجل أن تكون سبب زيادة طمأنينة.
قال تعالى: { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة:260].
فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أخرجه الله تعالى للناس ليكون نموذج الإنسان المطبِّق للقرآن في سلوكه وأوصافه وأخلاقه وأفعاله، بعيدًا عن الانفعالات البشرية التي قد تصرف الإنسان عن مساره.
الإنسان الذي لا يكون معصومًا، ربما يعلم الحق، ويجتهد من أجل أن يطبق هذا الحق، هو على قناعة تامة بهذا الحق، وهو لا يحب الباطل، لكن تتنازعه جواذب كثيرة، عقله يقبل الحق حينما يقرأ القرآن وحينما يتعرف إلى حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويدرك أن الحقيقة كلَّ الحقيقة هي مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ القرآن نور الله الذي أنزله ليضيء الكون، ليضيء الأرض, ليضيء البشرية من أجل أن يهدي الإنسان في سلوكه.
لكن تجد أن هذا الإنسان رغم قناعته، رغم أن عقله يقول بهذا يجد أن نفسه وما تنزع إليه من ميول، ربما في بعض الأوقات تصرفه أو تحرفه، فتجد أنه قد يداهن، وتجد أنه قد ينافق، وتجد أنه قد ينصرف عن منهج الحق، إما لرغبة في نفسه أو لرغبة فيمن يريده ويحبه.
وهكذا تجده بعيدًا عن المعيار والنموذج الثابت، أما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى قد ضمن حفظه، وضمن أمانته، وضمن عصمته، أما تذكرون عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى عُرس قبل البعثة، إذا كان هذا قبل البعثة فكيف سيكون الحال بعد البعثة، أراد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة أن يذهب إلى عرس كما يفعل الشباب، يحضر ويسمع الغناء واللهو، وبمجرد أن دخل صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى العرس ألقى الله عليه النوم، وما استيقظ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلا بعد انقضاء العرس وطلوع الشمس فاستيقظ على حر الشمس.
إذًا كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم محفوظًا قبل البعثة وبعدها، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى لنا:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فإنه يزكِّيه.
وعندما يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] فإنه سبحانه وتعالى يشهد بنص القرآن الكريم أن رسول الله يقتدى به، ويشهد بنص القرآن الكريم أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نموذج للاقتداء.
ما معنى أسوة{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ}؟ أي فتأسوا به، أي فاقتدوا به، أي فاتبعوه.
وقال بنص صريح: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158].
انظروا إليه، أينما سار، أينما توجه فهو صاحب ميزان الهداية، وهو معيار الاستقامة، فانظروا إليه واتبعوه.
وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عندما كان يصلي فيهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إمامًا مرة خلع نعله وهو يصلي, وقد كانوا يصلون بنعالهم لأن المسجد لم يكن فيه سجاد، إنما كانوا يصلون على التراب، وكان المسجد من جريد النخل، وإذا أمطرت يسجدون في الطين، فبعد أن بدأ صلى الله عليه وسلم الصلاة خلع نعله فخلع الأصحاب نعالهم من غير تأمل ولا تروٍّ ولا تفكير.
{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} فخلع كل الأصحاب نعالهم، وبعد أن انتهى النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة سألهم: (لماذا خلعتم) من أجل أن ينبه إلى خصوصية الموقف؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا يا رسول الله. قال: (أخبرني جبريل أن نجاسة أصابت النعلين وهذا ليس الحال الذي أنتم عليه).
فهي كانت خصوصية ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا يريد أن يخلع المصلي نعليه.
الشاهد في هذه الحادثة أن الأصحاب ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو عبيدة وسعد كلهم كانوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خلعوا نعالهم وكلهم من كبار العباقرة.
واليوم يأتي بعض الذين يتنطعون في الدين ويريدون أن يناقشوا كلام رسول الله ويعترضوا عليه, وكأنهم أكثر فهمًا من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
بعد أن زكّى الله هذا النموذج والمعيار، وبعد أن قال رب العالمين: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وبعد أن قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} انتهت القضية ووجب اتباعه.
لكنه مع ذلك قال سبحانه وتعالى له: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] وقال سبحانه وتعالى له: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ}[الأنفال:62] وكل تأييد لرسول الله صلى الله عليه وسلم تأييد لأمته لأن القائد عندما يُؤيد فجنوده بالتَّبع مؤيدون، إذا انتصر القائد إذًا الجنود انتصروا، فلما كان الله مؤيدًا لإمامنا رسول الله سيدنا ومولانا محمد عليه الصلاة والسلام فكل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد من الله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}[الفتح:29]
إن كنت معه، إن كنت متبعًا، و متأسيًا ومقتديًا، ومقتفيًا أثره الشريف عند ذلك ستكون مؤيدًا.
فقال صاحب هذا النظم:
وَمُعْجِــــــزَاتُـهُ: أي ومعجزات المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
كَثِيـــــــــــــــرَةٌ غُـــــــرَرْ: أي هي كالغرر ساطعة ناصعة الجبين.
ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: معلوم قطعًا، منقول بالتواتر، فمن شك فيها أو أنكر شيئًا منها يخرج من ملّة الإسلام.
وهذا النموذج من أوائله القرآن الكريم، فالقرآن الكريم المعجزة الكبرى لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
كما أن كل الرسل أيدهم الله بمعجزات كثيرة لكن كل واحد كان في حياته المعجزة الكبرى، فموسى عليه الصلاة والسلام معجزته الكبرى العصى واليد، ومعجزة عيسى عليه الصلاة والسلام إحياء الأموات، وهكذا.
وقد قال أهل العلم:" إن الله تعالى يبعث في كل زمان معجزة تتناسب مع ذلك العصر" فعندما اشتهر أهل مصر بالسِّحر وكانوا يتفوقون في صناعته أرسل الله إليهم معجزة مبطلة للسحر وهو أمر خارق للعادة، فكانت عصا موسى مبطلة للسحر، وعندما كان عيسى عليه الصلاة والسلام كان زمانه زمان تفوق في الطب، لكن الطب لم يصل إلى مرحلة يشفي الأبرص، أو يشفي الأعمى أو يحيي الموتى، فتفوق الإعجاز الرباني على العادة البشرية فكانت معجزة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام متفوقة على الطب السائد الذي كان الناس يعظمونه.
ولما أراد الله سبحانه وتعالى إرسال الرسول الخاتم لكل العصور الباقية بما لها من مزايا، أنزل عليه القرآن الكريم, فعند نزول القرآن كان العصر يتميز بالبلاغة والفصاحة، ثم بعد ذلك بدأ عصر البحث وعصر العلوم التطبيقية، وهكذا عصر بعد ذلك، التفوق العسكري، نحن الآن في هذا الزمان نعيش عصر العلم التجريبي، فنحن في كل عصر نرى ميزة، فلما أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله لكل العصور ولكل الأقوام فإن الله سبحانه وتعالى أعطى هذا القرآن سرّ إعجاز مستمر فلا تنقضي عجائب القرآن، فعندما تفوق أهل اللغة في لغتهم جاء القرآن فأسكتهم ببلاغته، وعجزوا عن معارضة القرآن بالبلاغة، وعندما جاء عصر العلوم التجريبية الذي نعيشه اليوم ظهر الإعجاز العلمي في القرآن الذي أخرس الناس.
كيف يمكن أن يتكلم قرآن نزل قبل خمسة عشر قرن عن دقائق تجريبية وصل العلماء إليها بعد بحث مضني وطويل في المختبرات؟ كيف يمكن أن يحصل هذا؟ كيف يمكن أن نجد آيات في القرآن تتحدث عن أنهار عذبة داخل البحار؟
وهذا أمر لم يثبته العلم إلا بعد دراسات طويلة حتى قال لي أحد السباحين الذين يسبحون ما بين الساحل السوري وجزيرة أرواد قال: نحن في الطريق عندنا استراحات ونعرف بعض الأماكن نتوقف عندها ونتزود من الماء ونشرب، لأننا نعلم أن في هذه المناطق تيارات من الماء العذب فنشرب منها ونرتوي، وتكون لنا فرصة للاسترخاء والشرب ونسد ظمأنا، فـأهل البحار يعرفون هذا التفصيل، واليوم الأقمار الصناعية كشفت ما هو فوق الأرض وتحت الأرض، فجاء العلم ليثبت هذا.
قضية حكاية القرآن عن الأطوار التي يمر بها الجنين، طور النطفة والعلقة، والمضغة، والعظام، عندما اكتشف العلم التجريبي بالتفصيل هذه المراحل، كان قبل ذلك في وهم، ومن رجع إلى الكتب الغربية قبل اكتشاف هذه الحقائق يجد صورة للإنسان الكامل, وقد كان اعتقادهم أن الإنسان بشكله الكامل موجود في النطفة، لكن المرأة تحتضن هذا الإنسان الموجود داخل النطفة وهو يكبر، لكن القرآن قرر أن خلق الإنسان يكون بالتدرج، وتحدث عن نطفة أمشاج، أي اختلاط نطفتين، وقرر أن الإنسان يكون من الرجل والمرأة، وحقائق دقيقة لم تكتشف إلا في العصر التجريبي، وقس على هذا هناك ما لا يحصى من الآيات القرآنية التي تتحدث عن القطع {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ}[الرعد:4] أي أن الكرة الأرضية هي قطع متجاورة. {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}[الأنبياء:30] كل النظريات التي بدأت تكتشف, قد سبقها القرآن الكريم بالحقائق، فعندما كان سوق عكاظ وفيه مباريات الشعراء، تفوق القرآن بفصاحته وبلاغته وكان معجزًا، وعجزوا عن التحدي، وعجزوا عن المعارضة والإتيان بمثله، وعندما جاءت العصور التي يكون فيها العلم التجريبي معبودًا، عندما بدأ الناس يعبدون المختبر، وبدأ الناس يعظمون ويمجدون البحث التجريبي الاستقرائي الإحصائي جاء القرآن وفاجئ العالم بحقائق عجيبة.
حقائق تاريخية، حقائق تشريحية، حقائق فيزيولوجية، حقائق كيميائية، حقائق فيزيائية، حقائق جيولوجية، حقائق فلكية، حقائق في الهواء، حقائق في النبات، زوجية المخلوقات {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49] وكلها كانت مفاجئة في عصر انبهر الناس فيه بالعلوم.
فالقرآن معجز، وقد قال المعتزلة: "إن وجه الإعجاز أن الله سبحانه وتعالى منع مخلوقاته من أن يأتوا بمثله" وهم في هذا على ضلال وقولهم مردود، أما قول الجمهور من أهل السنة والجماعة فهو:"أن القرآن معجز ولو حاول كل الناس أن يأتوا بمثله لا يأتون" أي لا يقدرون أصلاً، لا أنهم يقدرون لكن ربي يمسك أيديهم ويقول لهم: لا أسمح لكم أن تأتوا بإعجاز من هذا الإعجاز.
إذًا أول نوع من المعجزات: معجزة معلومة قطعًا منقولة بالتواتر ومثلها ونموذجها القرآن ومن أنكرها يخرج من الملّة.
النوع الثاني: معجزات مشتهرة قد وردت من أخبار كثيرة ورواها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها لم تصل إلى درجة التواتر، جاءتنا في الأحاديث الصحيحة ومن طرق عديدة جدًا لكن لم ترتقي بحسب قواعد أهل الحديث إلى درجة التواتر.
ومن ذلك نبع الماء من أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن عددًا كبيرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شهدوا ذلك وحضروه، وقد تكرر هذا في غزوة تبوك وفي يوم الحديبية وفي مواطن كثيرة، أي أن نبع الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن مرة واحدة إنما كان يتكرر كلما احتاجوا إلى الماء وكلما ظمئوا وكلما عطشوا, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده في الماء القليل فيكثر الماء ويكفي الجيش كلّه، كأس صغير يضع صلى الله عليه وسلم أصابعه فيها فينبع الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قرر أهل الفقه أن أشرف أنواع المياه الماء الذي نبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أشرف أنواع المياه في الرتبة الماء الذي نبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يليه في الرتبة ماء زمزم، ثم يليه في الرتبة ماء الكوثر.
فالماء الذي نبع من بين أصابع رسول الله أشرف المياه، الدرجة الثانية ماء زمزم، الدرجة الثالثة ماء الكوثر، ثم يأتي بعد ذلك ماء الفرات والنيل، حيث ورد فضلهما في بعض الأخبار.
ومن المعجزات المشتهرة، انشقاق القمر، ففي الصحيحين وغيرهما يروي بن مسعود قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انشق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه).
يعني هم ينظرون إلى السماء فكانت فلقة في طرف من الجيل، وفلقة في الطرف الآخر من الجبل, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشهدوا) فقال كفار قريش: هذا سحر, فابعثوا إلى أهل الآفاق هل رأوا مثل هذا أم لا؟ من الممكن أن محمد صلى الله عليه وسلم في مكة يسحرنا، لكن هل من الممكن أن يسحر الناس في بلاد الشام وفي بلاد اليمن؟
فإذا قالوا في الآفاق أنهم رأوا مثلما رأينا نصدق، فلما قال أهل الآفاق: نعم رأينا القمر منشقًا، قال كفار قريش هذا: سحر مستمر، هذا سحر محمد يغطي الكرة الأرضية.
وقد قرأنا وثيقة تاريخية قديمة أرخت في بلاد المشرق بعام انشقاق القمر، وقد اطلعت على بحث ربما اطلع عليه كثير منكم نشرته "ناسا" الفضائية وفيه تقرير عن كون القمر في مرحلة من المراحل انشق ثم التحم، ومكان التحام هذا الشق موجود، كما شق الله صدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأبقى علامة الشق كذلك شق القمر وأبقى علامة الشق، حتى يأتي العالم في آخر الزمان ويقولوا نعم قد تحدث القرآن عن هذا {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] وبعد أن عرفت وكالة "ناسا" أن مثل هذا الخبر يحول العالم كلّه إلى الإسلام، صدرت الأوامر الماسونية بإخفاء التقرير بعد نشره.
نُشِر وتاريخ النشر ويوم النشر معلوم, ثم اختفى هذا التاريخ، واختفى التقرير, ولم يعلم أحد بهذا الأمر إلا أصحاب الوكالة.
إذًا هذا مصداق قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ} [فصلت:53]
حديث نبع الماء في الصحيحين: يقول أنس رضي الله عنه: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) يعني أحضروا إبريق صغير يكفي لوضوء شخص واحد لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده وأمر الناس أن يتوضؤوا يقول أنس: (فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ). قال: قلنا لأنس كم كنتم؟ قال: (كنا ثلاثمائة)
ثلاثمائة رجل من أصحاب رسول الله توضؤوا بوضوء رجل واحد، ولو اجتمعت الكرة الأرضية تتوضأ، لأن هذا وضوء رسول الله ووضوء رسول الله يكفي لأهل الأرض.
هذا فيه إشارة يجب أن نفهما، رسول الله طهارته نورانية قرآنية ربانية، وهذه الطهارة تكفي أهل الأرض، ليت أهل الأرض يطهرون قلوبهم، يطهرون نفوسهم، يطهرون عقولهم، يطهرون سلوكهم، ولا يكون هذا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن المعجزات المشتهرة التي هي النوع الثاني: تسليم الحجر والشجر عليه صلى الله عليه وسلم.
فقد روى الترمذي وغيره عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا حجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله)
ومن المعجزات المشتهرة تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم، فقد روى البزار والطبراني في حديث أبي ذر أنه قال: (كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفًا من حصى، فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح، الصحابة كلهم سمعوا التسبيح من الحصى، ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن، ثم في يد عمر فسبحن، ثم في يد عثمان فسبحن، ثم صبهن في أيدينا فما سبحن).
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن التأييد يرتفع عند ظهور الفتن، وقد ظهرت الفتن في زمن عثمان رضي الله عنه.
النبي عليه الصلاة والسلام كان جالسًا وسيدنا أبو بكر يشتمه رجل، ورسول الله يتبسم، وأبو بكر رضي الله عنه ساكت، وبعد أن أطال هذا الرجل السباب والشتيمة، رد أبو بكر بكلمة فقام رسول الله، فتبعه سيدنا أبو بكر، قائلاً ما الذي فعلته يا رسول الله شتمني ساعة، وأنا رددت بكلمة واحدة؟ قال: (كنت أرى ملكًا يرد عنك، فلما رددت دخل الشيطان، ولا أجلس مع الشيطان)
الخصومات شيء مُخزٍ محزن، يختصم المسلمون من أجل كرة قدم، تسيل دماء من أجل كرة قدم، هذا حال الشباب، هذا يعطينا مؤشرًا يقول: إننا مقصرون تقصيرًا شديدًا جدًا جدًا أمام شبابنا لأن الشباب أصبحوا يقتتلون على كرة قدم، ووصلت الأمور إلى مستوى مُخزٍ، أولويات الشباب لم تعد أولويات علمية، لم تعد أولوليات أدبية، لم تعد أولويات خلقية، لم تعد أولويات السمو والحضارة والارتقاء، إنما أولويات فريقنا الوطني أم فريقكم الوطني، وأنت مصري أم جزائري، ويقتتلون وتسيل الدماء وتنزل قوات الجيش للحماية، لماذا؟ لأن فلسطين ستتحرر؟
لماذا الدماء تسيل والمسجد الأقصى في أيدي أعداء الله؟
أقول الآن للغرب العهدة العمرية التي وقعها عمر مع الروم ما تزال معكم، أنتم خلفاء الروم الذين وقعوا مع عمر بن الخطاب، ونحن خلفاء عمر بن الخطاب وقد وقع في العهدة العمرية أن لا يدخل اليهود إلى بيت المقدس.
فأين أنتم من توقيع أجدادكم؟
أين أنتم إن كان لكم تاريخ وكان لكم تراث، وكان لكم احترام لأجدادكم؟
لكنكم اليوم تركعون خلف اليهود.
لكنكم اليوم تنفذون ما يمليه عليكم اليهود.
هذا واقع عالمنا الإسلامي في شبابه، الأمل الواعد للأمة شبابه، وهذا هو ما نراه من الشباب، فلو أعلن عن مسابقة في العلم، أو مسابقة في الأدب لا تجد واحد على ألف من هذا العدد، لو أعلن عن مسابقة بين فريقين في العلم، في التجارب المخبرية، في الآداب، في الأخلاق، لما رأيت واحد على مليون من هذا العدد، لكن من أجل منتخبنا الوطني ومنتخبهم الوطني يعطِّل بلد كامل عن كل أشغاله ويخرج الناس، هذه هي ثقافتنا المعاصرة مع الأسف، لذلك يرتفع التأييد مع الفتنة، لذلك في زمن سيدنا عثمان رضي الله عنه حصلت الفتنة، ولما حصلت الفتنة ارتفع التأييد، هذه إشارة، هذا حديث معجز، يعني عندما تحصل الفتنة يرتفع التأييد.
ومن المعجزات المشتهرة: حنين الجذع.
معجزة حنين الجذع، وقد أخرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضعة عشر رجلاً، حتى إن بعضهم مثل القاضي عياض ذهب إلى أنه متواتر، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قبل أن يُصنع له المنبر كان يخطب عند هذا الجذع، فلما صنع له المنبر انتقل إليه، فلما انتقل رسول الله في وقت الخطبة إلى المنبر وترك الجذع سمع له كل من كان في المسجد حنينًا وصوتًا عظيمًا حتى كاد الجذع أن ينشق أسفًا على فراق رسول الله، كان الجذع يشم النبي عليه الصلاة والسلام، كان الجذع يأنس برسول الله, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسند ظهره إليه، فنزل رسول الله من المنبر وذهب إلى الجذع وضمه إلى صدره، فصار الجذع يئن أنين الصبي الذي تضمه أمه إليها، فلما التزمه سكت، كيف تضم الأم الصبي حتى يسكت، وهكذا بقي رسول الله يضمه ويلزمه حتى سكت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنًا على رسول الله) ثم أمر به فدفن تحت المنبر حتى يبقى تحت أقدام النبي.
وكأنه يقول إذا كنتَ يا رسول الله لا تريد أن تضعني عند ظهرك وتضع ظهرك علي، فضعني يا رسول الله تحت قدميك، أشم عبَق قدميك يا رسول الله، وأشرُف بأنك فوقي.
أنا تحت منبرك يا رسول الله، فكانت المصالحة مع هذا الجذع أن يدفن تحت المنبر حتى يبقى تحت قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى، وقال: "يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه".
ومن المعجزات المشتهرة: رد عين قتادة حين سالت على خده رضي الله عنه، كان يتلقى بوجهه السهام عن رسول الله، وضع وجهه فداء لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء السهم ففقئت عينه، فلما رآها في كفه دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى العين التي فدت عينه الشريفة، وقد سالت على يد قتادة، وقال له رسول الله (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئًا).
فقال يا رسول الله: إن لي امرأة أحبها، وأخشى إن رأتني أن تقذرني، أي: أنا أخشى إن ذهبت إلى امرأتي أن لا تقبلني، انتبهوا هذه فتنة النساء، لأنه يمكن للمرأة أن تحول مسار الرجل.
وقد قلت حديث: (مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ) قلت للأخوات هذا حديث لصالح النساء، لأنه يتحدث عن الرجل والمرأة وقت العاطفة فيقول: إن الرجل وقت العاطفة بلا عقل، والمرأة في وقت العاطفة بنصف عقل، فمن تفوق؟
هذا الحديث يشهد بتفوق المرأة، وهذا يحصل، ثم قلنا لهن ما سمعنا في التاريخ بمجنونة قيس لكننا سمعنا بمجنون ليلى.
أي ما سمعنا بامرأة جنّت برجل، لكننا سمعنا برجال جنّوا من أجل امرأة، فالمرأة مذهبة لعقل الرجل، والرجل يهاجر من وطنه من أجل المرأة (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها) لذلك يحثنا رسول الله على الظفر بالمؤمنة، ميزة المؤمنة أنها تعين الرجل على إيمانه، وتثبته على الحق.
(فاظفر بذات الدين) لذلك انتصر القرآن للمؤمنة، وذكرها وانتصر الحديث للمؤمنة ونقرأ في الحديث (لا يفرك مؤمن مؤمنة) أي إذا اختلف معها فلا يجوز أن يذمها ويذكر عيوبها أمام الناس...( إن كره منها خلقًا رضي منها غيره) لكن المؤمنة وليست المسلمة، انتبهوا المؤمنة التي هي الراضية بالله، الراضية برسول الله التي تعرف رسالتها، تدرك رسالتها، تفهم أنها مع زوجها تؤدي رسالة، عندما قال قتادة ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عينه وردها إلى موضعها وقال:( اللهم اكسه جمالاً) فكانت العين التي ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن عينيه وأحدّهما نظرًا، يعني العين الثانية ضعف بصرها وهذه العين بقيت شبابية، حادة النظر، وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى، كيف ترمد عين لمسها رسول الله عليه وسلم.
ومن المعجزات المشتهرة التي رواها البخاري ومسلم اهتزاز جبل أحد فرحًا برسول الله صلى الله عليه عندما كان عليه ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فضربه برجله وقال: (أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)
النوع الثالث: المعجزات التي جاءت بطُرق ليست متعددة، بطريق خبر الواحد, أو كان الحديث فيها حسن فإن المنكر لها يعذر.
إذًا المنكر للمنقول المتواتر قطعًا، يخرج عن الملّة، والمنكر لما اشتهر يتهم بالفسق، أما الذي ينكر ظنيًا ورد من خير الواحد، أو كان في رتبة الحسن أو أقل فإنه يعذر، ويبقى الأمر في المحتمل.
ثم قال:
وَاجْزِمْ بِمِعْرَاجِ النَّبِي كما رَوَوْا وَبَرِّئَـنْ لِعَائِشَــــــــــــــــــةْ مِـمَّـا رَمَــوْا
أي اعتقد اعتقادًا جازمًا بعروجه صلى الله عليه وسلم وصعوده إلى السماوات السبع إلى سدرة المنتهى، إلى حيث شاء الله بعد الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
واستغنى الناظم عن ذكر الإسراء لأنه جاء القرآن بذكره، ومنكر الإسراء يكفر، فاستغنى وقال:
وَاجْزِمْ بِمِعْرَاجِ النَّبِي كما رَوَوْا
لأن المعراج ثابت بالأحاديث المشهورة من المسجد الأقصى إلى السماوات السبع ومنها إلى الجنة والعرش، إلى آخر ما هنالك في الحديث، أو الأحاديث الكثيرة التي وردت في معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم ختم بقوله: وَبَرِّئَـنْ لِعَائِشَــــــــــــــــــةْ مِـمَّـا رَمَــوْا
أي اعتقد وجوبًا براءتها مما رماها به المنافقون زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث الإفك، وجاءت براءة السيدة عائشة أم المؤمنين في القرآن الكريم وانعقد الإجماع على براءة السيدة عائشة، النص القرآني جاء بالبراءة، وإجماع الأمة انعقد على براءتها، ووردت البراءة في الأحاديث الصحيحة، فدليل براءة عائشة الكتاب والسنة والإجماع، فمن شك فيها أو جحدها أو أنكرها خرج من ملّة الإسلام.
قال السهيلي: "من نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة يخرج من ملّة الإسلام" لأن ثبوت براءتها جاء بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومن تعدى هذه الحواجز كلها يخرج من ملّة الإسلام.
|