لماذا نبحث في علم العقائد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق؟
ونقرأ في متون أهل هذا العلم قولهم:
وَأَفْضَلُ الخَلْــق عَلَى اْلإِطْــــلاَقِ......[نبِيُّنَـا] فَمِـلْ عَــنِ الشِّــــــــــــقَـاقِ
وَاْلأَنْبِيَا يَلُونَـهُ فِـي الْفَضْـــــــــــــــلِ......وَبَعْدَهُـمْ ملاَئِـكَـة ذِي الْفَـضْـلِ
أي وبعدهم ملائكة الله ذي الفضل.
لماذا نبحث هذا المبحث، هل هذا المبحث هو من قبيل التفكه، أم أن هناك ثمرة تبنى على هذا المبحث؟
عندما نقول إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق, ثم يأتي من بعده أولو العزم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم موسى ثم بعد ذلك يأتي عيسى ثم يأتي نوح ثم سائر الرسل الخمس والعشرين الذين وردت أسمائهم في القرآن، ثم بعد ذلك يأتي الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت...
لماذا نبحث هذا المبحث؟
هذا يعطي شعورًا بالمسؤولية، لأنك حينما تكون منتميًا إلى أفضل الخلق على الإطلاق فهذا يحملك مسؤولية.
لاحظوا ما قاله الله سبحانه وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح:29].
إذًا حينما تشعر بأنك منتم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فهذا الانتماء ينتج سلوكًا ووصفًا، فإذا تحقق فينا هذا الوصف استدل المسلم من خلال هذا الأثر السلوكي والوصف العملي على وجود صحة الانتماء إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما يكفي المسلم شرفًا أنَّ الله سبحانه وتعالى جعلهُ سبب تأييد لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أنا سأضرب مثالاً من أجل أن نتصور القضية.
عندما نقول: هؤلاء الخمسة من أعوان الوزير، أو نقول: هؤلاء الثلاثة من مساعدي الرئيس، أو نقول: هؤلاء الأربعة من الذين يقومون على شؤون الملك...
إذًا هذا شرف ما بعده شرف، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:62]
إذًا أنت سبب تأييد لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
إذًا هناك معيّة، هناك انتماء، ينتج وصفًا وهناك تشريف وتكريم حيث جعل الله سبحانه وتعالى منك مؤِّيدًا لأفضل الخلق على الإطلاق، فصرت مؤيدًا لسيد الكائنات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أي أنت خير ممن أيد موسى، وأنت خير ممن أيّد نوح، وأنت خير ممن أيّد عيسى، وأنت خير ممن أيّد ذا الكفل، وأنت خير ممن أيّد يوسف لأنك أيّدت سيد الكائنات عليه الصلاة والسلام.
إذًا هناك أمران: الأمر الأول أنك مشرف ومكرم من الله سبحانه وتعالى حيث كنت مؤيدًا لسيد الكائنات وأفضل الخلق على الإطلاق.
الأمر الثاني: أن هذا الانتماء ينتج فيك وصفًا وسلوكًا، فإذا أردت أن تعرف الانتماء انظر إلى الأوصاف: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}
يأتي الوصف: هذا يعني أن المسلم متعزز بدينه.
{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}
لا يعني أنه كلما رأى كافرًا يصفعه، لا ...، النبي عليه الصلاة والسلام استوعب اليهودي والمشرك ودعا الجميع إلى الله.
إنما { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}
{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} هذا اعتزاز بالإسلام، أي إياك أن تكون ضعيفًا في الحق، إذا رأيت ماديًا يفخر بأفكاره المادية الباطلة، سواء كانت هذه الأفكار ليبرالية، أو كانت هذه الأفكار ماركسية، أو كانت هذه الأفكار من أفكار العولمة، أو من مدرسة الحداثة، وما بعد الحداثة, وغير ذلك من هذه المدارس المادية التي يتفاخر أهلها بالانتماء إليها, وأما انتماؤك فإنه انتماء إلى الإسلام العظيم.
هذه أفكار بشرية، هذه أفكار وضعها الإنسان، اخترعها الإنسان, وتسقط كما تسقط الثمرة عندما تصفر وتذبل، أما الإسلام فإن الله سبحانه وتعالى جعله من الباقيات، لأنه سبحانه ضمن حفظه، وإذا ضمن الله حفظ شيء فإنه يبقى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر/9]
فالإسلام يبقى وإن حاربه من حاربه.
والمسلم عندما يعتز بإسلامه أمام كل هؤلاء, ورغم كل هذه الجهود المتضافرة لأهل الباطل، ورغم كل هذا التأثير المتوالي عبر الإعلام، وعبر المؤسسات المختلفة, فهو يقول: مهما قلتم سيبقى الإسلام الأول.
لكن هذا ليس على سبيل المعارضة والمعاندة.
إنما المقصود أنك فهمت الإسلام، فهمت ماذا يقدمه الإسلام في الاقتصاد؟ ماذا يقدمه الإسلام في علم الاجتماع؟ ماذا يقدم الإسلام في علم السياسة؟ ماذا يقدم الإسلام للأسرة؟ ماذا يقدم الإسلام لعلاقة الفرد بالفرد؟ ماذا يقدم الإسلام للصبي الصغير، للطفل ....؟
عندما استعرضنا ما كتب في الأمم المتحدة واتفاقية حقوق الطفولة المندرجة في حقوق الإنسان التي يتوهمون أنهم بها قد أحاطوا بحقوق الإنسان, ثم قارنا هذه البنود الموقعة بما يقدمه الإسلام, فوجدنا أنها قطرة صغيرة جدًا من بحر الإسلام، وقد عرضت هذا في أحد المؤتمرات لما كانت حلب عاصمة الثقافة في 2006 عرضت البنود التي يقدمها الإسلام.
إذاً عندما نقول للآخر: نحن نعتز بإسلامنا في الاجتماع والاقتصاد والسياسة وكل جزئيات سلوك الإنسان الفردي والجماعي، ولا نضعُف أمام الآخرين هذا مبني على قناعة، مبني على فهم، مبني على استيعاب، مبني على دراسة، مبني على قراءة.
فلا تكن ذليلاً في دينك، لا تكن ضعيفًا في دينك{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم/12].
{ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}
أي عندهم شدة في الحق، هذه الشدة في الحق أي أنه متمسك بإسلامه.
الآن توجد حرب المصطلحات التي تتوالى علينا، وقد ألمحت إلى هذا مرارًا أنهم يأخذون مصطلحًا منّا ويجعلونه عارًا، مثلما أخذوا مصطلح الإرهاب وقالوا: الإرهاب، ومكافحة الإرهاب، والحرب على الإرهاب، ...ونحن جرينا على مجراهم وصرنا مثل الببغاوات، لو أننا في المجتمعات الإسلامية نقول: الحرب على البغي،الحرب على العدوان، الحرب على الظلم...أما الإرهاب فهو مفهوم إسلامي محترم جاء في القرآن الكريم ذكره {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]
وبالمناسبة الخيل لفظة عربية تعني كل ما يختال به، فما أطلق لفظ الخيل على الحصان إلا لأنهم كانوا يختالون به، فاليوم إذا الإنسان اختال بالطائرات أو بالصواريخ, فهذا يطلق عليه باللغة العربية الخيل، كثير من الشباب يقول: نحن في قرن الواحد والعشرين وأنتم تتكلمون عن رباط الخيل، نقول له: ارجع إلى لغتك العربية حتى تفهم.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
يعني ما يختال به فيرهب العدو بعد ذلك ولا يستطيع العدو أن يقتحم بلادك، يحسب لك حسابًا، يصبح لك قيمة، نحن الآن ليس لنا قيمة عند الناس، لأننا قد أهملنا هذا الاعداد الذي طلبه الله سبحانه وتعالى منّا.
إذًا مفهوم الإرهاب ليس أن نعتدي على الآخرين.
العدوان ينهى الله سبحانه وتعالى عنه، البغي ينهى الله سبحانه وتعالى عنه، أما الإرهاب فهو أن تكون قويًا، فإذا كنت قويًا عند ذلك لا يمكن أن تُقتحم.
إذًا عندما نفهم هذه اللعبة، لعبة المصطلحات لا يستطيع أعداؤنا إدخالها علينا.
ومن ذلك قضية التكفير في قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}
إذا قلت هذا كافر لا يعني أنني أؤذيه، أنا لا أؤذي الكافر لكن لا تغيروا عقيدتي، عقيدتي أن من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو مؤمن، هذه ثوابت عَقدية في قلوبنا، والتكفير لا يعني القتل، هذا إنما هو من الأشياء التي أراد أعداؤنا إدخالها عليها.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}
إذاً الشدة في الحق.
من المصطلحات التي يغزوننا بها إذا تمسكنا بأصولنا وبثوابتنا يقولون: هذا أصولي بمعنى أنه عدواني، أصبحت كلمة "الأصولية" مرادفة في المصطلحات لكلمة المعتدي، المتطرف، يعني: ما يزال متمسكًا بالثوابت التي وضعها الله سبحانه وتعالى, وكأنهم يقولون: يجب أن تكون إبليسيًا، لماذا لا تنحوا منحى إبليس الذي غير الثوابت وأراد من الناس تغييرها عندما قال: {وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}[النساء:119]؟
إذًا الأصولي الذي يتمسك بالأصول والثوابت التي وضعها الله، والأصولية مصطلح محترم لأنه لا يعني التشدد والتطرف، إنما يعني وجود ثوابت للفضيلة، أما الفرعيات ففيها مرونة شديدة، هذا وصف محترم، هذا يدل على حضارية الإسلام، وقد قلت مرارًا ادرسوا ما جاء في التوراة، ادرسوا ما يعتقده اليهود، تجد أنهم لا يملكون قواعد إنما يقفون مع فروع، يتمسكون بجزئيات قانونية، لكن الإسلام وضع قواعد: لون الآيات{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}
كل شيء فيه عدل يحبه ربنا.
{وَالإِحْسَانِ}
كل شيء فيه إحسان يحبه ربنا.
{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}{وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ}
كل شيء اسمه فحشاء ربنا لا يحبه.
{وَالْمُنْكَرِ}
ما أنكره القلب وأنكره الناس {وَالْبَغْيِ}
وهو التعدي, إذًا الإسلام وضع قواعد منها: في الحديث الشريف: (لا ضرر ولا ضرار) كل شيء يُضر, فالإسلام لا يحبه.
فإذًا هذه أصول، عندما نقول أصول الفقه نعتز ونقول نحن ديننا مرن جدًا، فإذا قال المختبر هذا يضر نقول: الذي يضر لا يجوز أن نستعمله في الإسلام، والذي لا يضر نستعمله.
إذًا لاحظوا هذه المصطلحات, مصطلح إيجابي فحولوه إلى مصطلح سلبي، التكفير مصطلح عقدي حولوه إلى مصطلح سلبي.
الأصولية تعني التمسك بالقواعد, وأما الفروع فهي مرنة جدًا جدًا, ومتطورة وحضارية ومتكيفة مع المتغيرات.
{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
الأمة اليوم هل هي في واقع التراحم، هل هي في واقع التراحم، الجار لا يرحم جاره، الأخ لا يرحم أخوه، الولد لا يرحم أبوه، أين التراحم.
إذًا عندما نقول: وَأَفْضَلُ الخَلْق عَلَى اْلإِطْـلاَقِ...
يجب أن نسأل أنفسنا هل ننتمي إلى أفضل الخلق؟ هل عندنا هذه المعية، هل تحقق فينا هذا الانتماء؟
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}
هل نستشعر معنى الركوع؟
عجيب أننا لا نستعمل مفاتيح السعادة وهي في جيوبنا، عندنا مفاتيح لسعادتنا، عندنا مفاتيح تعرجون فيها إلى السماء، مفتاح في جيبك لكنك لا تخرجه.
هل تعرف أن تركع بين يدي الله؟
ومن الذي يركع الركوع الحقيقي؟
عندما تركع فأنت تقول: يا سيدي, يا مولاي، يا ربي, أنا لا أخضع لغيرك، تصوروا الفرق بين من يركع ويستشعر هذا المعنى, وبين الذي يركع فيحرك بدنه فقط أما قلبه فهو مع الدنيا ومع العمل ومع البيع والشراء ومع الزوجة والأولاد ... أنت ركعت لتقول وأنت راكع: يا سيدي، يا مولاي خضعت لك، أنت معبودي، أنت معبودي، فأنت في الركوع تعلن الخضوع وتقول: لا أخضع لغيرك، أنحني لك (إن الله في قبلة أحدكم) هذا مفتاح كبير تعرج فيه إلى السماء.
وحينما تقوم من الركوع تقول: أنا خضعت لك ولا أقوم بأمر إلا إذا أمرتني به، وحينما تسجد تقول: لا أنازعك في وجودك، وجودك هو العظيم وأنا عبدك الحقير، أنا لا شيء.
كان أهل الله يقولون: لا تقل: أنا، قل: الله.
في السجود استغراق في حضرة الله، فأنت في الركوع تُعلن انقيادًا سلوكيًا، وأنت في السجود تستغرق بروحك، لماذا أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؟ لأنه حذف وجودك، لأن الحق لا يقبل شريك، وأنت في السجود هل ترى نفسك؟ لما تضع رأسك على الأرض هل يوجد أحد يستطيع أن يرى نفسه، هل يستطيع أحد أن يعد أصابعه وهو ساجد؟
أبدًا لأنك في السجود تلتصق بالأرض، جبينك ملتصق بالأرض، أنفك ملتصق بالأرض، كان الناس أيام زمان يسجدون على التراب، والآن البحوث الحديثة كلها تقول: أنه عندما تلتصق الجبهة والأنف واليدين والركب والأقدام بالأرض، فإن كل الشحنات العصبية تتفرغ في مغناطيس الأرض، لأن مركز مغناطيس الأرض هي الكعبة، أما نحن فنسجد على السجاد من أجل أن نوفر قليلًا من النظافة لثيابنا لكننا فقدنا التذلل، وفقدنا شيئًا فيزيائيًا، فقدنا نفعًا لأبداننا ونفعًا لأرواحنا.
بعض المتوهمين يضع فخّارة ويسجد عليها...لا..لا... المقصود أن تلتصق بالأرض، المقصود أن تلتصق الطينة بالطينة، جسدك طين فألصق الطين بالطين, وانطرح في أعتاب الله، هذا ينتج في الإنسان وصفًا خاصًا.
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}
وبعد ذلك فإن هذا الراكع الساجد سيبني الحضارة، هذا سيبني النهضة, فبعد أن كان راهب الليل صار فارس النهار، صار متقنًا لصناعة الحضارة {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}
ماذا قال بعدها؟ أي يعمّرون الحضارة، أي يبنون النهضة.
فلماذا لم يقل مثلما قال في الموضع الآخر {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ}
طلب أن تعمروا الأرض لكن هنا قال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود/61]
{يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ}
حتى يلفت انتباهك إلى أن كل ما تبنيه من النهضة والحضارة إنما هو من فضل الله، يعني اجتهد على قدر ما تريد، كن ذكيًا على قدر ما تريد، اعمل معامل، اعمل مصانع، اعمل أبنية، ماذا تريد اعمل... هذا فضل الله {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل/40]
ولذلك {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}
فأنت في بنائك المادي الذي تعمّر فيه الأرض، تريد رضوان الله، لا تريد التفاخر، ولا الشهرة، ولا الجاه... {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}
{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}
يعني إذا نظرت إلى وجهه رأيت وجهه مرآة لأنوار الله، يتلألأ وجهه لأنه يستمد الإشراق من تجلي الخلاق.
إذًا هكذا أنتج الانتماء وصفًا وسلوكًا، ها هنا الآية وجهتنا إلى النتائج، نتائج الانتماء وفي الآية التي سبقتها شرفتنا وأكرمتنا حيث جعلتنا سبب تأييد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وممـــــــــــــــــا زادني شــــــــــــــرفًا وعـــــــزًا وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمـــــــــد لي نبيًا
صلى الله عليه وسلم.
إذًا يقول صاحب الجوهرة: وَأَفْضَلُ الخَلْق عَلَى اْلإِطْـلاَقِ.......[نبِيُّنَـا] فَمِـلْ عَــنِ الشِّـقَـاقِ
وَاْلأَنْبِيــــــــــــــــــــَا يَلُونَـهُ فِـي الْفَضْـلِ.......
كما رتبنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إبراهيم، فموسى، فعيسى فنوح، أولوا العزم، ثم بعد ذلك بقية الرسل وبعد الرسل هناك الأنبياء الذين لم يؤمروا بتبليغ شريعة أنزلت إليهم.
وَبَعْدَهُـمْ ملاَئِـكَـة ذِي الْفَـضْـلِ
ها هنا المعنى وبعدهم ملائكةُ ذي الفضل، لكن سكّن لضرورة الشعر، لكن الأصل وبعدهم ملائكةُ ذي الفضل، يعني وبعد الرسل والأنبياء ملائكة الله، فالذي يلي الأنبياء بعد الرسل وأولهم أفضل الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ثم بقية الخمسة من أولي العزم، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء، ثم يأتي بعد ذلك رؤساء الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، لماذا لم نقل عزرائيل؟ لأنه لم يرد اسم عزرائيل في الروايات الصحيحة، إنما ورد في بعض الروايات الضعيفة، فلذلك استحسن أهل هذا العلم أن لا نذكر اسمه، إنما نذكر وظيفته التي ثبت وجودها في القرآن {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة:11]
ثم بقية الملائكة، والمشهور أن أفضل الملائكة جبريل على خلاف، هل جبريل هو الروح، أم الروح هو ملك آخر، وهذا ليس من مبحثنا في هذا اليوم.
الملائكة خلقهم الله سبحانه وتعالى من نور، أجسام لطيفة نورانية تتشكل بأشكال مختلفة شأنهم طاعة الله سبحانه وتعالى، يسكن أغلبهم السماوات، ولكن يوجد ملائكة في غير السماوات، قال تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء/20]
وقال: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:6]
فلماذا الملائكة الآن معنا؟ الآن لو أننا نظرنا بأعين أرواحنا ليس بأعين رؤوسنا لرأيتم المسجد مليء بالملائكة، ثم الملائكة طبقات طبقات للسماء، يعني ليس فقط داخل المسجد، لا.. الملائكة يصطفون فوق بعضهم إلى عنان السماء.
ذلك من أجل أن نستفيد من صحبتهم، لأنهم لا يعصون الله، ونحن نعصي، يأتون إلينا حتى نستفيد منهم هذا الوصف الطاعة، يسبحون الليل والنهار ونحن لا نسبح.
إذًا هم ينزلون إلينا حتى نستفيد من أوصافهم، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
حتى نفعل ما نؤمر، لا يجوز وصفهم بذكورة ولا بأنوثة، فمن وصفهم بالأنوثة كفر، لأن ذلك يُعارض نصًا صريحًا في القرآن، لأن قوله تعالى: { وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف:19]
اتصلت بصديق لنا من أصدقائنا وهو رجل صاحب دين ويخاف على عقيدته وعنده مؤسسة إعلانات، لكنه أعلن في إعلاناته عن منتج اسمه الملاك الأبيض ويعني به امرأة، وقلت له: هذا مكفر يا أخي، ويجب أن تتصل بصاحب الماركة إذا كان يخاف الله ويهتم بدينه, فليعلم أن هذا الأمر مكفر، لأنهم يقولون الملاك الأبيض أو يصفون الممرضات يقولون الملائكة، لماذا لأن الاعتقاد الوثني الذي ورد من الإغريق والوثنيين أن الملائكة إناث، وهذا مكفر، فمن وصف الملائكة بالذكورة فسق، ومن وصف الملائكة بالأنوثة كفر، فلا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة.
جاء في الحديث (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وُصف لكم)
الإنسان خلْقه كان على عدّة تراتيب، أما الملائكة فكلهم قد خلقوا من نور، وأما الجان فكلهم قد خلقوا من نار، وأما الإنسان فآدم من بني الإنسان خلق من تراب، وحواء خلقت من آدم، وعيسى خلق من مريم، وبقية الناس خلقوا من أب وأم.
إذًا أربع تراتيب في خلق الإنسان: أول ترتيب آدم خلق من تراب، ثاني ترتيب حواء خلقت من آدم، ثالث ترتيب عيسى عليه الصلاة والسلام خلق من أم، رابع ترتيب بقية الناس خلقوا من أب وأم, لذلك النبي عليه الصلاة والسلام اختصر الأربعة بكلمة، فقال: (مما وصف لكم)
هذَا وَقَوْمٌ فَصَّلُـوا إِذْ فَضَّلُـوا.......وَبَعْضُ كُـلٍّ بَعْضَـهُ قَـدْ يَفْضُـلُ
يعني: اعرف هذا الذي ذكرناه من تفضيل الأنبياء على الملائكة وتفضيل الملائكة على بقية البشر من غير تفصيل، وهذه طريقة الجمهور، بدون تفصيل، لكن هناك قوم وهم السادة الماتريدية رحمهم الله فصلوا, فقالوا: الأنبياء أفضل من رؤساء الملائكة، ورؤساء الملائكة أفضل من عوام المؤمنين، يعني دخلوا في تفصيل لبعض الفرعيات، قالوا الأنبياء أفضل من رؤساء الملائكة، ورؤساء الملائكة أفضل من عوام البشر من المؤمنين، وعوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة.
هذا تفصيل فصّله الماتريدية ولكن الجمهور على غير هذا، ويكفي للاعتقاد ما قدمناه.
|