بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى يخاطب داعي زمانه : اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24)طه
أراد سبحانه وتعالى وجود الدعوة المقابلة للفرعنة ، ولما كانت الفرعنة ظاهرة مستمرة تتبدّى في صور متعددة كان على الدعوة المقابلة أن تكون مستمرة أيضاً في الصور المتعددة التي تناسب ذلك التقابل ..
وقد قدمنا فيما مضى مقدمة تدل على وجوب الدعوة عند كل طغيان فرعوني، وعلى أن مضمون الدعوة ينبغي أن يكون ربانياً لا يستند إلى المنطلقات البشرية ، ولا ينبعث من الأفكار الوضعية حتى يؤثر في الآخرين ، وحتى يكون دعوة لا دعوى ... دعوة تعبر عن رسالة ربانية :
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(16)الشعراء.
لا نخاطبك من آرائنا وأفكارنا وأهوائنا ، ولكننا نحمل إليك خطاب الله الذي خاطب به جميع المكلفين ، وأنت أيها الفرعون من المكلفين ، فإذا عارضتَ أمر الله ؛ وإذا أنكرت خطاب الله لم تعد الحرب بيني وبينك إنما ستكون بينك وبين الله ...
واليوم وفي الدراسة المنهجية لمفردات الدعوة المقابلة للفرعنة نقف عند مفردة من هذه المفردات .
ما هو الهدف العملي في هذه الدعوة المقابلة للفرعنة ؟
وكل أمر لا يتضح لك هدفه لا يمكنك أن تسلك مسلكه ولا أن تصل إلى ثمرته ، فوضوح الهدف في مبتدأ الدعوة هو من ضروريات الدعوة .
ونستطيع أن نلخص ذلك الهدف بعنوانين كبيرين :
العنوان الأول : على مستوى المدعوين .
والعنوان الثاني : على مستوى الدعاة .
- على مستوى من تدعوه وتخاطبه يتلخص الهدف بالهداية
- وعلى مستوى الدعاة يتلخص الهدف بالوقاية والحماية .
فإذا بدأنا نستقرئ تفصيلات الهدف في المدعويين الذي هو ( الهداية ) أقول :
إن مفردات الهداية ثلاثة : تزكية ، وتعريف ، وحجة .
و الهدف على مستوى الدعاة هو وجود تجمع إيماني فاضل سالم من الأذى آمن من الاعتداء عليه .
قال الله سبحانه وتعالى :
هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15)إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى(16)اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى(20)فَكَذَّبَ وَعَصَى(21)ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22)فَحَشَرَ فَنَادَى(23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى(25)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى(26)النازعات .
وإذا تأملتم هذا النص القرآني تجدون فيه المفردات الثلاثة التي تحمل إلى المدعو ، (هل لك إلى أن تزكى) :( التزكية ) وهي المفردة الأولى ، (وأهديك إلى ربك) : ( التعريف ) وهي المفردة الثانية ، (فتخشى) ثمرة أو نتيجة للمفردتين الأولى والثانية .. (فأراه الآية الكبرى) وهي المفردة الثالثة التي تحمل في معناها التبيين والدليل والحجة ، هذه هي المفردات الثلاثة التي ينبغي لنا أن نفكر في وسائلها ، وأن نؤطرها تأطيراً يتناسب مع الطغيان الفرعوني في زماننا هذا الذي يتمثل بالأمركة الحديثة أو ( فرعنة الأمركة ) أو ( الأمركة المتفرعنة ) التي تريد الهيمنة على كل شيء في العالم ، التي تريد أن تقدم ثقافة اللاثقافة ، تريد أن تقدم إنسانية اللاإنسانية ، تريد أن تقدم حرية اللاحرية ، تريد أن تقدم ديمقراطية اللاديمقراطية ، تريد أن تقدم التناقضات كلها بكل أشكالها ، وبكل صورها ، تريد أن تقدم الوحشية في أشكال مزوقة ، تسرق الإنسان وتسرق قيمه ومبادئه ، وتدعي أنها تقدم إليه ما يحتاج إليه من الإنسانية ..
نحن اليوم نعيش عصر الأمركة المتفرعنة ، أو عصر الفرعون الجديد المتمثل في إدارة صهيونية تعبث بالعالم من غير قانون يضبطها ، أو رادع يردعها ،
طغيان وعدوان لا يمتلك منهجاً ولا يستطيع أن يقدم منهجاً .
لكن ماذا عن المفردات الثلاثة التي ينبغي لنا أن نقدمها ، وقد قلت فيما مضى وأعيد:
إن علينا أن نفهم جميعاً أن مواجهة الفرعنة ينبغي أن تكون في الأرض المحتلة مواجهة خشنة ، و أن تكون خارج الأرض المحتلة مواجهةً لينة أشار القرآن إليها بقوله : (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ) (44) طه .
لا بد في وقت واحد ونحن نقابل الفرعنة أن نفهم آيتي اليد البيضاء والعصا الموسويتين ..
لا بد لمقابلة الفرعنة بالأسلوبين : بصورة العصا الخشنة ، وبصورة اليد البيضاء التي تنير الطريق وتحمل الحجة والتبيين ...
هناك على الأرض المحتلة أرض الرشيد ؛ ينبغي على الشعب الإسلامي الأصيل ينبغي على أولئك الأبطال أن يقاوموا ذلك الوجود الغريب مقاومة خشنة حتى يخرج ذليلاً مدحوراً مهزوماً ..
وعلى مستوى بلاد العالم الإسلامي ينبغي أن تستعمل الكف البيضاء ، وينبغي أن تمارس الدعوة ، فليس من الحكمة أن تتحرك الأمة كلها إلى الأرض المحتلة إن الكفاية في مقاومة الاحتلال واجب شرعي فلا بد أن تتحقق الكفاية بكل الوسائل التي تطرد ذلك المحتل ..
وعلى العالم الإسلامي أن يعين تلك الكفاية حتى تكون قادرة على ردع العدوان ورده ..
ها هي الفلوجة المحاصرة ثابتة صامدة ، لكنها تحتاج إلى الإعانة ، وتحتاج إلى الدعاء ، وتحتاج إلى السلاح ، وتحتاج الدواء ، وتحتاج إلى الغذاء ، وهاهي الأرض المحتلة كلها تعيش حالة الأزمة ..
لكن على أرض بلاد الإسلام ، وعلى وجه الأرض عموماً لا بد لنا أن نتذكر الشعوب التي غُيِّبَ الحقُّ عنها ..
لا بد أن نتذكر المليارات لا بد أن نتذكر ملايين البشر الذين غيبت عنهم الحقيقة ..
الذين لو وصلتهم الحقيقة يستطيعون التغيير ..
إن الإعلام العالمي يغيب الحق اليوم ويظهر الباطل ، ويقلب الحقائق ، فلا بد أن توجد الدعوة الصادقة التي تصل إلى كل القلوب والآذان ؛ من خلال هذه العناوين والمفردات الثلاثة :
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18) التزكية
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ التعريف
فَتَخْشَى(19) ثمرتا تعريف وتزكية
فأراه الآية الكبرى . الحجة والتبيين .
هذه المفردات الثلاثة ينبغي لنا أن نفهمها ونتحقق بها ، وأن لا نقدمها تقديماً فكرياً بشعارات وكلمات ..
إننا حينما نتحدث عن مفردة التزكية فإن ذلك يعني أن نقدم تزكية حقيقية قال سبحانه : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)الشمس.
فجعل الله سبحانه وتعالى الرسالة كلها بمقاصدها وأهدافها العملية منصبة على هذا العنصر الكامن داخل الإنسان ..
وإصلاح الإنسان لا يبدأ بإصلاح ظاهره ، إنما يبدأ الإصلاح بالباطن ، وهكذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول لهم : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا . ونزل القرآن في المدينة يقول : قَالَتْ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14) الحجرات.
إن الصلاح الإنساني لا يكون إلا حينما يبدأ الإنسان بإصلاح الباطن ، ونحن بحاجة إلى منهج عملي يصل إلى النفوس ..
قال تعالى : وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا(63) النساء.
قل قولاً يصل إلى نفوسهم ، ويهذبها ..
وقال : قل لهم في أنفسهم ولم يقل في عقولهم ولا في قلوبهم ، حرِّك أنفسهم حتى تتحرك إلى التزكية ..
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)
يقسم الله سبحانه وتعالى ، وإذا أقسم الله وهو أصدق الصادقين دل على أن الأمر الذي يقسم عليه عظيم ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)الشمس.
ستبقى في السوق معاملاتنا غشاً ورشوة وسرقة حتى نبدأ بالتزكية ، فإذا بدأ فينا منهج التزكية سينتفي الغش ، مهما أردنا أن نشرع القوانين والأنظمة ووسائل المحاسبة ... إذا كانت النفوس لا تدخل ميدان التزكية فلا أمل في الإصلاح أبداً ..
وقال سبحانه : وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ (18) فاطر. ؛ لأن التزكية يعود أثرها على الإنسان نفسه قبل أن يعود على الناس ، وأول من يجني ثمرة التزكية صاحبها .
وقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)،
لم يذكر النقيض لكنه دل على طريق الفلاح .
التزكية منهج يقول للمحتكر ارتدع عن ظلمك واحتكارك ، ويدعو إلى التكافل الإنساني المنبعث عن العبودية لله سبحانه ، والأمركة المتفرعنة لا تريد إلا مآربها كان ذلك طيباً أو خبيثاً ..
والقرآن الكريم يشير إلى جزئين من التزكية :
تزكية التطهير
وتزكية التنوير .
أولاً - تزكية التطهير :
وهي تنقسم إلى نوعين :
نوع يمارس التطهير في ذات النفس .
ونوع يمارس التطهير في علائقها .
أما ما هو من قبيل التطهير في ذات طبع النفس :
فيكون بتكلف التطبع الذي يسوق إلى الطبع .
قال الله سبحانه وتعالى :
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69)العنكبوت.
أي الذين تكلفوا فبذلوا جهداً يعاكس مذموم الأخلاق حتى تتلطف طبائعهم .
يعيش العالم العشوائية التي تطلق العنان للنفس ولطبائعها إلى حد غريب أصبح الإنسان فيه في نادي العراة وفي الشذوذ الجنسي حيث زواج الرجل من الرجل وزواج المرأة من المرأة .. ، وفي تنظيم تناول المخدرات ..
ذلك هو الحال الذي يعيشه عالم المادية ..
انحراف طبع النفس وإطلاق العنان للنفس مع شذوذها ..
ومنهج الدعوة ليس منهجاً تقريرياً إنما هو منهج تقويم وترشيد ، هو منهج يقدم التطهير للإنسان ويقول له : أيها الإنسان تعال وفكر فإنك إن أطلقت العنان لنفسك ستسير إلى نهايتك ودمارك ..
والتطهير يبدأ بمعرفة المرض ثم ينتقل عبر التطبع إلى الطبع الصحيح ..
تستطيع أن تصل إلى التواضع بتكلفه فينتفي الكبر ، وتستطيع أن تصل إلى الترفع عن الإفراط البهيمي والشذوذ بمعاندة النفس في خلقها الذميم وإعطائها ما تطلبه من الطريق المباح تطهرها من الشذوذ البهيمي بالصيام والقيام ، تستطيع أن تطهر النفس من البغي والعدوان بتكلف البر والإحسان ، وتستطيع أن تطهر النفس من الحقد والغل والحسد بتكلف الإيثار ، وتستطيع أن تطهرها من حب التطاول والرياسة بذكر الله ، وتستطيع أن تطهرها من المكر والخديعة حين تراقبها كل يوم وتحاسبها وتشارطها وتحملها حملاً على الاستقامة مع الإكراه ..
وهكذا يتلخص منهج التطهير في ذات طبع النفس بترويض النفس على طاعة الله واجتناب معصيته الظاهرة والباطنة ولو بالإكراه ، فإذا استطعنا أن نقدم الفكرة للعالم ، وأن نقدم الفكرة للإنسان الفوضوي حتى يفهم أبعادها ونتائجها ووسائلها حينها يمكن له أن يتبناها .
أما ما هو من قبيل تزكية التطهير بالعلائق المحيطة التي تحيط بالنفس :
فإننا نجد أن أكبر علائق النفس التعلق بالخلق والتعلق بالمال وتزكية التطهير تقدم منهجاً لعالم ينتظر الخلاص .
لا تظنوا أن هذه المفردات رخيصة ..
هل تعرفون على مستوى الواقع والتطبيق العملي أن من الغرب من يذهب ستة أشهر إلى مصح أومستشفى حتى يشفى من عادة ذميمة واحدة ؟
ويبذل الأموال في سبيل ذلك .. هذا مايفعله الغرب اليوم ..
وعلى كلٍّ فأكبر علائق النفس التعلق بالخلق والتعلق بالمال .
التعلق بالخلق ربما أوصل الإنسان إلى العبودية للخلق ، والتعلق بالمال ربما أوصل الإنسان إلى العبودية للمال .
أما التعلق بالخلق :
فإن المنهج يقدم تزكية التطهير له بالخلوة .
وأول من كان يخلو في أمتنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد توهم البعض أن أصل الخلوة الصفائية هو التحنث في غار حراء ..
ذاك خطأ فظيع ... أصل الخلوة التي فيها التزكية والتطهير هل كان قبل البعثة؟
ذلك يتنافى تنافياً كاملاً مع كون مفردات الإسلام كلها جاءت بعد البعثة ، رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له كل يوم خلوة ..
روى الترمذي في شمائله وابن راهويه في مسنده عن علي :
كان صلى الله عليه وسلم إذا أتى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ..
فكانت الخلوة كل يوم .
وفي الحديث المتفق عليه :
( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم : ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )
وهل أضر بالإنسان إلا صحبة قرناء السوء ؟
وحكى القرآن عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام :
(قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا(47)وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا(48)فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا(49)وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا(50) مريم .
المفاصلة الظاهرة تبدأ بمفاصلة باطنة فإذا كنت تركن إلى قرناء السوء لا بد أن تروض قلبك على المفاصلة الباطنة ، وبين المفاصلة الظاهرة والباطنة ترابط من تخالط ؟ من الذي تأنس به ؟
وفي مستدرك الحاكم / عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاما، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين.
وفي صحيح البخاري / عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض اعتكف عشرين يوماً.
وأما منهج تطهير النفس من علائقها على مستوى التعلق بالمال :
فإن القرآن صرح به :
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)الليل
أخرج المال المحبوب ، من أجل ا لله المحبوب ، فلما وجد التقابل بين محبة الله ومحبة المال غلبت محبة الله .
وقال :
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)التوبة
فهما رجلان رجل استطاع أن يخرج من تلقاء نفسه وهو : الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)الليل لديه حب المال لكنه قادر على إخراجه .
ورجل لا يقد ر على إخراج المال فقال يخاطب حاكمه:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)التوبة
خذ منه بالإكراه حتى تخلصه من العلائق .
ثانياً - تزكية التنوير :
والتزكية التنويرية التي هي الجزء الثاني من التزكية تنتج عن تنوير المصاحب النوراني ، قال تعالى :
( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (164)آل عمران
وهذه التزكية التي هي تزكية التنوير ، فالصحابة رضي الله عنهم ما وصلوا ما وصلوا إليه من الفضيلة إلا لأنهم صاحبوا الوجه الأنور صلى الله عليه وسلم فكان صاحبُ الحال الأنور مشرقاً على قلوبهم بحاله فلما أشرق بأنواره على قلوبهم بلغوا ما بلغوه من الفضيلة ..
إذا كنت تريد أن تدعو الآخرين ولا تملك تزكية تنوير فربما تكون متأثراً بالآخر بدلاً من أن تكون مؤثراً فيه ..
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا في واقع ظلماني تعبد فيه الأصنام وتطوف فيه المرأة عارية حول الكعبة المشرفة لكن ذلك لم يصرفه ..
عرضت عليه صلى الله عليه وسلم النساء ، وعرض الملك عليه ، وعرض المال عليه ، لكن أنواره كانت فوق تلك المآرب ..كانت محرقة لعلائقهم ..
وحين تقترن تزكية التنوير بتزكية التطهير يستطيع الإنسان عندها أن يرى مجتمع فاضلاً ، أو جماعة فاضلة ، اقرأوا قوله سبحانه وتعالى :
عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3)أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5)فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7)عبس
وهي تزكية التنوير ، فما جاء الأعمى إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا راغباً في تزكية التنوير حتى يقتبس من أنوار الشمس السراج
صلى الله عليه وسلم :
عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (بصحبتك ويتنور بأنوارك ، إنه جاء فارغاً من سواك وسيعود بأنوارك ملآنا , وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ( ينتفع بتعريفك ، فهو ينتفع منك بأمرين أثنين إذا سمع منك كلمة أخذ تعريفاً وإذا قبس من أنوارك أخذ تنويراً ، أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى عن صحبتك وهدايتك وتكبر وجحد وأعرض وتعالى ، فأنت له تصدى تقبل عليه وما عليك ألا يزكى ولن نحاسبك ولن يكون عليك وزر حين يرفض الانتفاع بك ويرفض التنوير بأنوارك .
وللحديث بقية ..
ذلك هو منهج ينبغي لنا أن نحوله إلى تطبيق على أرض الواقع .
نستقي المفردات من القرآن ثم نطبقها حتى لا يكون منهجنا عشوائياً أو فوضوياً ونحن نقابل الوجود الطغياني الفرعوني .
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أقول هذا القول واستغفر الله .
|