مدعمات النجاح المحيطة بالدعاة
الداعية إلى الله تعالى حتى يكون موفقاً ومؤثراً في الآخرين لابد من أمور ذاتية فيه، ولابد من مدعمات ومعينات من حوله.
ومن أكبر الأمور الذاتية التي تسير به إلى التوفيق والنجاح ما تقدم بيانه حين طلب الكليم عليه الصلاة والسلام من ربه:
(قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي {27} يَفْقَهُوا قَوْلِي ) (25-28)
أي : شرح الصدر، وتيسير الأمر، والتعبير الواضح.
هذا في ذات الداعية، لكن لابد من ظروف تحيط به وتعينه يتوجب عليه السعي لتحصيلها وتحقيقها حتى يكون مدعَّماً.
وذلك هو جزء من تكليف الله تعالى للناس بالجماعية، ودعوتهم إليها ، وانتزاعه منهم الأنانية والفردية .
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة (2).
فالأمور المدعمة التي تعين الداعية إلى الله أمور ثلاثة أيضاً، نستوحيها من كتاب الله تبارك وتعالى ، قال تعالى :
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا، وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ )يونس (87)
فأشار في هذه الآية إلى أمرين اثنين :
الأمر الأول : هو البيوت المتخذة للتجمعات الإيمانية الصغيرة التي تتحد في مضمونها الباطن ، وإن كانت متفرقة في المكان ولا يجمعها مسجدٌ جامع واحد.
والأمر الثاني: الأسرة الطائعة المؤازرة المعينة التي تتوجه إلى الله تعالى مع ذلك الداعية.
والأمر الثالث: فيستوحى من كتاب الله تعالى أيضاً، وهو المؤازرة الأخوية التي نقرأها في كتاب الله في آيات عديدة ومنه قوله تعالى :
(اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي) طه(42).
1 - الأمر الأول: بيوت التجمعات الإيمانية :
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) يونس (78).
حين كان الاتحاد السوفييتي موجوداً قبل سقوطه كان المسلمون يجتمعون في بيوت تحت الأرض، ولم يكن يُسمح لهم أن يجتمعوا في المساجد، وكان القرآن يُعلَّم في البيوت، وفي مثل هذا الحال ليس من الضروري أن يجتمع المسلمون كلهم في المسجد الجامع الواحد.
فظاهرة الاجتماع في مسجد واحد يعرف بالمسجد الجامع الذي كان من سمات المدينة الإسلامية كان ظاهرة من ظواهر اجتماع الأمة على الإمام ؛ حين يوجد ذلك الإمام الذي ترتبط سلطته السياسية بسلطته الدينية ، فيكون إمام الجامع، ويكون الأفقه والأعلم ، يرجع إلى إليه في الأمور، ويستشير معه أصحاب العلم، وأصحاب الحل والعقد.
المسجد الجامع ظاهرة تدل على اجتماع الأمة على إمامها، وحينما أصبحت هذه الظاهرة ظاهرة مفقودة في البلاد الإسلامية أصبح المسلون يجتمعون في البيوت المتفرقة.
وهذه ظاهرة تتناسب مع واقع المسلمين، ليست ظاهرة مرضية أن تكثر المساجد، وأن تكثر البيوت التي يعبد الله تعالى فيها، ولابد من توظيف هذه البيوت التي فيها يعبد الله توظيفاً صحيحاً يُتوجه فيه إلى الله تعالى، ويقوم على خدمتها من توجهت قلوبهم إلى الله، فلا يطلبون منها منفعة ولا مكسباً .
ظاهرة تعدد المساجد لا تعتبر مرضية بل إن جمع المسلمين في مكان واحدٍ أو على خطبةٍ واحدةٍ مع فقدان الإمامة الجامعة لا يعدو كونه أسلوباً سياسياً يراد منه أغراض خاصة.
ونحمد الله أن هذه المدينة – حلب - لم تعرف توحيد الخطبة في المساجد، وهذه ظاهرة تدل على صحة السير، لأن الأمة في وقت شتاتها تحتاج إلى إثراء وإغناء ، اللهم إلا إن يوجد مجلس العلماء الذي فيه أصحاب الحل والعقد، وأصحاب الديانة، ويكون ذلك المجلس مع الإمام، وهي ظاهرة مفقودة بعد ما فصلت العَلمانية بين إمامة الدين وإمامة السياسة.
عندما بني مسجد واحد في المدينة المنورة ليجتمع الناس فيه مع وجود مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع وجود الإمام الجامع الذي كان وقتها شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمر صلى الله عليه وسلم بهدمه وسماه الله تعالى مسجداً ضراراً.
لكن هذا الوقت لا يقاس على ذاك بسبب فقدان الإمامة وفقدان مجلس الحل والعقد ، فتعدد المساجد في هذا الوقت ظاهرة صحية لأنها تستوعب تنوعاً علمياً وعملياً، لكن علينا أن نوحد المضمون لا أن نوحد الأساليب، علينا أن نجتمع على مضمون واحد دعا إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا إليه الأنبياء جميعاً أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وأن تحققوا حقيقة العبادة التي هي صلة العبد بربه في المسجد وخارج المسجد، التي هي صلة الإنسان بربه وهو في مصنعه، وصلة الإنسان بربه وهو في جامعته، وصلة الإنسان بربه وهو في بيته.
فلابد من توظيف هذه البيوت .
في زمن موسى كان تتخذ بيوت للعبادة لا يعلم بها أحد، لكنْ في زماننا ؛ هذه البيوت هي المساجد، مع عدم وجود المسجد الجامع، فعدم وجوده صحيح في هذا الوقت ، فإذا وجد الإمام الذي تجتمع فيه السلطتان السياسية والدينية كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ، وعمر بن عبد العزيز، الذين كانوا يمثلون الإمامة بشطريها يصبح المسجد الجامع فريضة .
وماذا عن الوزارات في الإسلام ؟
وانظروا إلى سعة الإسلام ، وليفهم من يصف الإسلام بأنه يدعوا إلى الطائفية أو التحكم الديني بالناس.
الوزارات في الإسلام تنقسم إلى قسمين : وزارة تسمى وزارة التفويض، ووزارة تسمى وزارة التنفيذ.
يصح أن يتولى وزارت التنفيذ مسلم أو غير مسلم، أما وزارة التفويض التي تمثل النيابة العامة –أو التفويض- فيكون ذلك الوزير الأول مفوضاً بجميع مهمات إمام الأمة ووظائفه، وهذه الوظيفة لا يجوز أن يتسلمها غير المسلم لعلة واحدة، لأنه سينوب عن الإمام في المسجد الجامع، ولا يمكن أن ينوب غير المسلم عن الإمام في المسجد الجامع.
فالإسلام دين الاتساع، الإسلام هو الذي كان بدائرته الواسعة ورحمته العالمية متسعاً للعالم كله بفكره وبشمائله وبأخلاقه، وبكل ما فيه من مضامين ومفردات.
2 - الأمر الثاني: الأسرة :
( وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) وذلك حينما يوجد مسجد في بيتك .
فأنت أيها الداعية محتاج إلى تجمع تجتمع فيه مع الناس، ثم أنت تحتاج إلى أن تحول بيتك أيضاً إلى مسجد .
حين يقف رب الأسرة في الأسرة يؤمها في صلاة الليل، يوقظها في قيام الليل لتجتمع على ركيعات فيه , حين تجتمع الأسرة على حلق القرآن, حين تجتمع الأسرة على انتهاض الحال، وتعلم مالا بد منه من الدين .
(كفا بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت ).
أليست هذه الظاهرة مفقودة أيها الإخوة ؟ هل نجد بيوتنا مساجد ؟ هل تحول بيوتنا إلى قبلة هي ظاهرة منتشرة ؟ أم أن قبلتنا صارت التلفاز والمسلسلات والأفلام والفضائيات التي تبث ما يضر أكثر مما ينفع زيادة على إشغالها للإنسان وهو يبحث ويبحث ؟.
إذا لم تتحول بيوتنا إلى مساجد , وإذا لم تتحول بيوتنا إلى قبلة , وإذا لم نجعل نوافلنا ومندوباتنا في البيت , كما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه حتى لا يجعلوا بيوتهم قبوراً , يصلون الفريضة في المسجد ، وتصلى المندوبات في البيت ,
لماذا ؟ لأن الفريضة تمثل حالة الاجتماع الأول ، ولأن المندوبات تمثل حالة الاجتماع الثانية , فإذا اجتمع الداعية في المسجد مع إخوانه , واجتمع في الأسرة مع أسرته تحقق له المدعمان الأوليان .
وجربوا ذلك .. وخذوه من هذه الخطبة من منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم .
أعجبني أن بعض الشباب استمع إلى بعض الشباب الذين ينشرون أفكاراً في المجتمع من الذين يدعون إلى الله ، ووجدت استجابة لأفكارهم العملية , فأعجبني أن الشباب بدأوا يحولون الكلمة التي يسمعونها إلى تطبيق عملي .. أشد على أيديهم .
أقول : خذوا من هذا المنبر هذه التجربة ، وستجدون أن الأسرة قد تغيرت ..
اجتمعوا قبل صلاة الفجر مع أسركم في ركعتين يؤم رب البيت فيها أسرته , وستجدون انقلاب البيت , فليكن ذلك منهاجاً عملياً تطبيقياً نجربه .
حتى المرأة التي هي في العذر تتوضأ وتجلس بين الذين يصلون حتى لا تحرم من تلك التنـزلات حينما تتنـزل الرحمة والسكينة وتهرب الشياطين ,ويتجلى الله تعالى لعباده , فيقول لهم : هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من مسترزق فأرزقه ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر.
المرأة في العذر لا يعني أن عذرها يمنعها عن ربها ..
المرأة في العذر لا يمنعها عذرها عن تواصلها الروحي , فالمؤمن لا ينجس , وهو حديث قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اختبأ أبو هريرة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ... أراد رسول الله أن يسلم عليه ويصافحه فهرب وكان جنباً , واغتسل وعاد ، فلما لقي المصطفى صلى الله عليه وسلم قال : يا أبا هريرة ، المؤمن لا ينجس .
كانت رابعة العدوية صاحبة عذر لكن عذرها لم يمنعها عن عبادة الله , ومن قال : إن العبادة هي الصلاة والصيام وحسب ؟.
إن العذر يمنعها من الصلاة والصيام ولا يمنعها من الذكر , ولا يمنعها من الاستغفار , ولا يمنعها من الدعاء , ولا يمنعها من الوضوء , ولا يمنعها أن تقول : يا رب ، أنا أمَتُك فاجعلني في المقبولين , وجعلني في القانتين.
وربنا سبحانه حين وصف مريم الصديقة الطاهرة لم يقل : وكانت من القانتات , لكنه قال :
(وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) التحريم (12) لأنها في مجموعة واحدة , هي مجموعة القانتين , ذكراً كانت أم أنثى .
إنه التعميم الذي لا يفرق في التواصل بين الرجل والمرأة في حقيقة الصلة بالله , وفي حقيقة العبودة والعبودية له تعالى.
3 - الأمر الثالث : المؤازرة الأخوية :
إننا بحاجة أيها الأحبة أن نتحول إلى مؤازرين ، ويكفينا تثبيطاً .
حين يرجع شخص ما إلى مسلم أو ملتزم أو شيخ أو عالم فيسأله عن ملتزم عن أو شيخ عالم يغلب – مع الأسف - أن يكون الجواب تثبيطاً , فيذكر من مساوئه ، ويذكر من سيئاته ..
ليس ذلك هو من وصف هذه الأمة , فهو وصف اليهود والنصارى .
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ )البقرة(113)
أما آن لنا أن نترفع عن هذا الوصف ، أيتها الأمة المحمدية , أما آن لنا أن نعمى عن عيوب إخواننا ,رحم الله العارف الذي قال:
ولا ترى العيب إلا فيك معتقداً عيباً بدا بيِّناً لكنه استترا
سار صحابي من المدينة إلى مصر ليأخذ حديثاً عن رسول الله , فلما وصل إلى مصر قال الصحابي لضيفه المسافر القادم إليه :
- وكان يسكن في عِلِّيَّة - أنزل إليك ، أو تصعد إلي ؟ فأجابه : لا تنـزل ولا أصعد , جئت من المدينة إلى مصر بلغني أنك سمعت حديثاً عن رسول الله , فأخبرني عنه , ما جئت إلا لأسمع هذا الحديث ، فقال : سمعت رسول الله يقول : من ستر مسلماً ستره الله .. الحديث .
ورجع ذلك الصحابي إلى المدينة وقبل أن يحل رحاله مشى في المدينة فبلغ الناس حديث رسول الله .
تلك هي أمة فتحت العالم , أما ما نعيشه اليوم فإنه البحث عن المساوئ والسيئات .
قال شعيب وهو يرى قومه ,وقد انحطت صفاتهم , وانحدرت أخلاقهم , وصار الغش والاحتكار والسرقة ديدنهم : قال لهم : (إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ )هود(84)
يا سبحان الله يقول : (إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ )
فلا بد أن يكون فيهم خيراً , كان ذلك الخير مادياً , أو كان معنوياً , ولا بد أن توجد فيهم بعض المكارم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
من الذي يستطيع أن يقول إن العرب الذين أرسل إليهم رسول الله مجردون عن كل الأخلاق ؟ هذا كذب وبهتان , لا بد أن فيهم من المروءة ومن الشهامة ومن الكرم , والداعية يثَمِّرُ ذلك الخير .
ذلك هو منطلق نستطيع من خلاله أن ندخل إلى الأُخُوّة , والمؤازرة , والتعاون .
سمعت أستاذي الذي هو ولي تربيتي يقول لي: لا يمكن أن يكون الصوفيُّ نقّاداً . فعجبت من تلك الكلمة , لماذا ؟
حتى فهمت أبعادها فيما بعد , إنها صفة الداعية الذي صفا باطنه , فإذا صفا باطنه أراد أن يثمِّر الخير .
علينا أن نرتفع عن وصف النقد إلى وصف تثمير الخير , فإذا تثمر الخير ونما وزكى سينحسر الباطل :
( وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) الإسراء(81)
تريد أن تنهى عن المنكر , إذاً فأمر بالمعروف , لأن وجود المعروف سوف يزهق الباطل.
( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ)الأنبياء(18)
وما معنى يدمغه : أي يكسر دماغه , وهذا هو كلام الله
وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل يفعل المنكر ويصلي , فقال : ستنهاه صلاته .
فلا بد أن يظهر سر الصلاة فيه يوماً ما , وإذا ظهر سر الصلاة فيه يوماً ما ستزول منكراته , وهكذا .. نستطيع من خلال هذه المعاني أن نترفع عن النقد الذي يعني الجرح , والذي يعني الطعن , والذي يعني الاستئصال , وأن نتبنى مبدأ : (إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ )هود(84) .
قال الله سبحانه لموسى عليه الصلاة والسلام : ( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي) (42)طه
وقال : ( وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)(42)طه
تعاونا على أن يكون كل منكما مذكِّراً لصحابه وأخيه بالله .
كن مع أخيك في الوصف الذي ذكره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن لله مفاتيح من عباده إذا رُؤوا ذكر الله " .
( وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)(42)طه أي فليكن كل منكما عاضداً لحال أخيه مذكراً له بالله .
وقال سبحانه
( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا) الفرقان (35)
يعني مؤازراً يشد عضده بالعمل الصالح .
وقال سبحانه ( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) القصص (35)
وقال سبحانه وتعالى وهو يحكي لنا طلب موسى منه .
( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي..) القصص( 34)
هو ردائي الذي يحجب عني كيد الأعداء , ويصدقني بالحق .
علينا أن نبث في قلوب الناس الثقة بالعلماء , والثقة بالمؤمنين , وقد شاع في هذه المدينة وفي غيرها اتهام المسلم , واتهام الشيخ , واتهام العالم , فإذا ذكر العلماء قيل : هؤلاء الشيوخ هم أصحاب الطعام , وهم أصحاب الكروش !
كأن الناس كلهم لا يأكلون إلا الشيوخ , إنها ظاهرة قبيحة مزرية , وهي نتيجة لمخطط دنيء ..
أفقروا العلماء من المال عبر مخطط طويل مدروس .
إذا كنا نريد اليوم أن نمشي في طريق الإصلاح والبلد كله يتحدث عن الإصلاح , والعالم العربي يتحدث عن الإصلاح , فنحن جنود الإصلاح جميعاً حكاماً ومحكومين , في كل الأصعدة نسعى إلى الإصلاح , لكن ألا ترون أن مخططاً طويلاً نفذ على العلماء , فرواتبهم في الدولة في أخفض سوية يتقاضاها أي موظف , لماذا ؟
حتى يقول الناس إن الشيوخ يحبون الطعام ؟
ألأن الشيوخ لم يكن واحد منهم يستطيع جلب الطعام المعتاد لبيته ؟
عمال النظافة في الشوارع يتقاضون راتباً يفوق رواتب علماء المسلمين ..!
إذاً فالإصلاح أن نغير الواقع .
وكل الوظائف , وكل أصحاب المهن لهم نقابات ولهم وزارات ، إلا العلماء فليس لهم نقابة ولا جمعية ولا رابطة , فلهم وزارة فقط ,لماذا ؟
المهندسون والأطباء لهم نقابات ولهم وزارات , فلماذا لا يكون للعلماء ذلك ؟
أصبحت صورة الشيوخ في نظر الناس صورة الرجل المحتاج الفقير , وربما تقود الحاجة الإنسان إلى تأثر في سلوكه إذا كان ضعيفاً لأن الإنسان قد يتأثر بالظرف .
نعم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم و من يتابعه في حاله الشريف لم يكن يؤثر فيه الفقر ولا غيره.
و راودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأرها أيما شمم
بئس العبد طمع يقوده , بئس العبد طمع يذله .
العالم سيد بعلمه ، أصحاب المال يخدمون المال ، أصحاب المال خدم للمال , أما العلم فإنه يخدم صاحبه .
وقال موسى عليه الصلاة و السلام : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي..) القصص (34)
أي يكون لي مؤازراً يرفع بين الناس الثقة بي , وهذه وظيفة ينبغي لنا أن نمارسها اليوم ، فإذا سئلت عن شيخ فقل جزاه الله خيراً ، قل بارك الله به , إياكم أن تتحدثوا في العلماء مهما كانت سلوكياتهم بنظركم لا تناسب تصوراتكم ، ففيهم من الخير ما يفوق كل جاهل , لحوم العلماء مسمومة فلا تأكلوها أيها الأخوة , إياكم أن تتحدثوا عنهم بسوء لأن فيهم من الخير الكثير , نحن بحاجة أن نجتمع ، و لسنا بحاجة أن نتفرق , والخير في النتيجة هو الذي يبقى .
لماذا تحارب من رأيت فيه سوءاً ؟
إن الله سبحانه و تعالى قال : ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض ) الرعد (17)
فكن صاحب تثمير الخير ، و لابد أنك ستجد الخير باقياً ، ولا تتولَّ بنفسك استئصال منافق أو فاسق .
قال تعالى : ( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ )النساء (72)
المسيرة تسير و هناك متخصصون في التبطيء
( وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا) النساء (72)
إذا أخطأت خطأً واحداً أو خطأين انصبت كل الأسهم عليك تبطىء و تثبط ومن الذي لا يخطئ .
من ذا الذي ما ساء قط و من له الحسنى فقط
نبيـــنا الهادي الذي علــيه جبريل هبط
رسول الله معصوم .إذاً فلا ينبغي أن نكون كالذباب لا يسقط إلا على الأقذار , ولنكن كالنحلة التي لا تقع إلا على الأزهار.
( هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ)(7)
فلتكن المؤازرة الأخوية ظاهرة قوية فينا يا شباب ،. ولندخل إلى القلوب بالحب , وليكن في قلوبنا من حب إخواننا وتعظميهم و رؤية النور فيهم ما يجعل منا جسد متماسكاً محباً ومحبوباً
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً و أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
أقول قولي هذا و استغفر الله.
|