واجباتنا الكبرى تجاه الأسرة
مواجهة المستجدات الكثيرة التي ترد علينا من العالم لا بد أن تستند إلى منهج، أساس هذا المنهج إعادة تكوين الفرد والأسرة ..
فمهما تحدثنا عن إصلاحات عامة لابد أن نرجع إلى أول لبنة في تكوين المجتمع، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع الصالح المتطور : الفرد والأسرة .. فبنيانٌ لبناته ومكوناته ضعيفةٌ أو مشتتة المضمون لن يكون بناءً صالحاً أبداً، ولابد أنه سينهار.
لهذا أحببت أن نعود إلى مصدرنا .. إلى مصدر حضارتنا .. إلى مصدر نهضتنا, إلى مصدر انطلاقتنا .. إلى الوحي الذي أنزله الذي خلق الإنسان (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) الملك (15) .. لعلنا حين نرجع إليه نستمد من خلاله الخطوط العريضة الكبرى التي نتعرف من خلالها إلى واجباتنا الكبرى في الأسرة التي كدنا بسبب كثرة الانشغالات أن نغفل عنها ..
وفي التمهيد للبحث نتذكر أمرين اثنين يدلان على عظم المسؤولية تجاه الأسرة:
أولاً - قوله تبارك وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) التحريم (6) .. فكان التكليف صريحاً ربانياً .. قوا أنفسكم وأهليكم ناراً، أي الفرد والأسرة.
ثانياً - الذي يضمن استمرارية الملاحظة قوله سبحانه وتعالى: ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) المائدة (89) .. فقد جعل الله سبحانه وتعالى الأسرة ميزاناً في التكليف، وإذا كانت الأسرة ميزاناً ومعياراً في التكليف فإن ذلك يقتضي دوام ملاحظتها ..
وحينما يتخذ الإنسان لنفسه ميزاناً فإنه مضطر إلى ملاحظة ذلك الميزان, حتى لا يصاب بالخلل، لأن الخلل حينما يصيب الميزان تضطرب بعده كل الأشياء التي تقاس عليه.
فما هي الواجبات الكبرى أو الخطوط العريضة التي من خلالها نستطيع أن نفهم منهج بنائنا في الأسرة ؟
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاختيار في مبتدأ تكوين الأسرة حتى تكون هذه الواجبات الكبرى مشتركة يساهم فيها الطرفان لأنها واجبات عظيمة إن نحن قمنا بها سيصلح مجتمعنا, وإن نحن لمن نقم بها يفسد مجتمعنا، لهذا قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) لأنها ستشاركك في هذه الواجبات الكبرى, وقال : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة). ولا يقتصر مفهوم الفتنة على شيوع الفاحشة إنما يتضمن حصول الشتات والفوضى في المجتمع كله.
أولاً - الواجب الأول هو الاهتمام بالجانب الإيماني في الأسرة وترسيخ حقائق الغيب فيها :
حينما نقرأ كتاب ربنا سبحانه وتعالى نجد أنه يربط كل سلوك إنساني بحقائق الغيب ..
كنت مرة أتحدث إلى بعض الاقتصاديين فقلت لهم :
يوجد في لغة الاقتصاد مفهوم اسمه ( البعد الزمني ) فإذا حقق الإنسان النجاح في إطار هذا البعد الزمني فإن ذلك يعني تحقيقاً للنجاح الاقتصادي، هكذا تقول لغة الاقتصاد المادي , أما البعد الزمني بالمفهوم الإسلامي فإنه بُعدٌ متطاولٌ لا ينتهي عند موت الإنسان لأن الله سبحانه وتعالى قال وهو يخاطب حبيبه: (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) غافر (77).
والقاعدة في أمتنا تقول : (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى) سورة الضحى (4) وهكذا ينظر الإنسان فإن هو لم ير نتيجة عمله العاجلة مع قيامه بواجبه فإنه سينالها آجلاً فيكون الإنسان بهذا متحرراً من كل يأس وإحباط مهما واجهته العقبات أو العوائق ..
إنه يعمل من أجل الله، ويعمل مؤتمراً بأمر الله فنتيجة هذا العمل الذي يعمل فيه إن لم تظهر في العاجل ستظهر في الآجل ..
وهكذا فلابد من ترسيخ مفهوم ربط الأسرة بحقائق الغيب, حتى يتثبت فيها الجانب الإيماني وحتى لا تصاب هذه الأسرة بالإحباط ، وحتى لا يكون أمرها مبنياً على مجرد قواعد المحسوسات ..
واقرؤوا قوله تعالى وهو يخاطب أسرة أفضل مخلوق، وهو يخاطب أسرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)الأحزاب (28-29).
واقرؤوا في الخطاب المتوجه إلى هذه الأسرة الكريمة أسرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اقرؤوا قوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)الأحزاب(34)
فالأسرة التي لا يمر في يومها ذكر الآخرة ولا ترتبط سلوكياتها بحقائق الغيب أسرة مفقودة الباطن ليس فيها بناء وليس فيها إعمار وليس فيها إصلاح ولا يمكن أن تكون منطلقاً لمجتمع خير.
ثانياً: التدريب السلوكي على الطواعية لله ورسوله :
فبعد أن سعى هذا الإنسان مشتركاً مع زوجته في بناء الجانب الغيبي الإيماني المرتبط بالأسرة فإنه لا بد أن يدربها تدريباً سلوكياً بكل ما تحمله كلمة التدريب من أبعاد على الطواعية لله ورسوله ..
واقرؤوا قوله تعالى وهو يشير إلى هذا المعنى:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الأحزاب (36)
إنها الطواعية التامة فإذا شاهد حداً أمر الله سبحانه وتعالى به أونهى عنه كان ممتثلاً في الحالين
ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بملاحظة الأسرة في فرعيات كثيرة منها: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين )
ومنها: (وفرقوا بينهم في المضاجع )
منها أحكام كثيرة مختصة بملاحظة الوالد لأولاده وبملاحظة الأم لأولادها .. فمن الواجب التدريب مع الصبر:
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عليها) طه(132)
والتدريب ترويض يبدأ بدرجة ثم ينتقل إلى الدرجة التي بعدها ثم حتى يصل الإنسان فيه إلى حالة يكون فيها قد تدرب تماماً على الطواعية لله ورسوله .. كانوا يقولون في الجيش نفذ ثم اعترض , لأن الآمر قد يخطئ ، لكن عندما تكون أمام أمر الله نفذ ولا تعترض .
وقال سبحانه:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) الأحزاب(21)
فقد تأسس الجانب الأول : يرجو الله واليوم الآخر، وجاء الجانب الثاني التأسي، الائتمار بأمره والاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
علينا أن نحبب أطفالنا وبناتنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فلقد تعلق أولادنا بـ ( توم وجيري ) وتعلق أولادنا بما يصل إليهم من ( الهوليود الأمريكي ) الذي يُعَدُّ فيه كل أمر ضال وفاسد فيفسد بواطن الأطفال والكبار، ويخرج الإنسان إلى حالة من الضياع والفوضى باسم الحرية المطلقة التي لا تنضبط بضابط مع التناقض التام السلوكي والشذوذ الذي لا يقبله عقل ولا منطق ولا دين ..
تخريب للعالم ، اليهودية تصنع الهوليود ..
والفأر في قصة ( توم وجيري ) يرمز إلى اليهودية في العالم , و القط الذي يلاحقه يرمز إلى العالم المسيحي والإسلامي ، حتى يظهروا أنهم المستضعفون لكنهم غالبون في النتيجة وكذبوا فإن الله هو الغالب، وكذبوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح: (تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم)
ثالثاً - الجانب الثالث أوالخطوة الثالثة الكبرى هي التربية على الاعتزاز بالثقافة الإسلامية و العربية, وعدم اعتبار ما يرد من الغرب نموذجياً ومثالياً مهما كان :
فينبغي أن نأصِّل في أسرنا اعتزاز الفرد بثقافته الإسلامية فالذي يراد اليوم في نظام العولمة الفاسد هو محو القيم ومحو الدين ومحو الأخلاق وتذرير الناس، حتى لا تبقى بينهم صلة ولا مبدأ ولا أصل ولا دستور يحكم الإنسان إلا مصلحة القوي ..
وعلينا أن نقابل ذلك بالتربية على الاعتزاز بالثقافة الإسلامية والعربية .. وحين أقول العربية فلأن القرآن عربي ..
والله سبحانه وتعالى أكرمنا بهذه اللغة التي لم ندرك - مع الأسف - قيمتها، قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) الزخرف (44)
أنت عربي تقرأ القرآن, وأنت عربي تستطيع أن تتصور شخصية العربي محمد عليه الصلاة والسلام, وأنت الذي ترفع يدك شكراً وقلبك يخفق بالفرح وقد علمت أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية .
فالقرآن عربي ومحمد صلى الله عليه وسلم عربي ، والجنة عربية اللغة، ألا يدعونا ذلك - كعرب - إلى تحمل مسؤولية مضاعفة في فهم الإسلام العربي الذي لا يحمل في جذوره القومية .. وكبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي فكانوا منصهرين جميعاً في بوتقة الإسلام.
أذكر في طفولتي وفي مبتدأ شبابي مجلساً فيه كان فيه بعض المثقفين وعقلاؤهم، فاعتز بعضهم بأسلوب الطعام الفرنسي ، واعتز البعض بالأسلوب الأمريكي ولم يتجرأ واحد منهم أن يقول إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أكل بالأسلوب الفلاني ..
تحدثوا عن النظافة والتعقيم وخروج الملعقة وأدوات الطعام من المعقمة وأدرك الباحثون بعدها أن ذلك هو سبب من أسباب ضعف المناعة وأن الذي يأكل بيده يلقح نفسه عند كل طعام لأنه يدخل إلى جوفه بالأصابع التي يغسلها ما هو موجود في بيئته من الجراثيم , والغسل تطهير وليس تعقيماً لأن التعقيم هو قتل الجراثيم ..
إننا لا نقول لا تأكلوا بالمعلقة ولا تمسكوا بالسكين لا .. لا تفهموا هذا لكنني أقول اعتزوا بثقافتكم ..
لماذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحنك الطفل الصغير بالتمر، إنه اللقاح الطبي الأول الذي يتناوله الطفل وأنت تقدم له من الفم كل الكائنات الدقيقة المحيطة به ، وقد خرج من بطن أمه لا يعرفها جسده ، فهو اللقاح الأول الذي يوضع في جسم الطفل ..
ومن أين لنا أن نتعلم ذلك إلا من ثقافتنا الإسلامية التي قرأنا من خلالها فعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وفي ثقافتنا : علاقة الكبار بالصغار وعلاقة الصغار بالكبار وعلاقة الزوجة بالزوج ..
وعندما نقرر ثقافتنا الإسلامية علينا أن نقررها باعتزاز، وعلينا أن نثق أنها مصدر كمال .
أصبح الشاب يخجل فلا يستطيع الاعتزاز بثقافته الإسلامية ..
واليوم تمارس أجهزة الإعلام دوراً تافهاً في إظهار الشخصية العربية على أنها فاقدة لكل شيء ، وتركز على أن العربي لا يساوي شيئاً في العالم ..
لا، فالعربي قريبٌ من جذوره .. قريب من قرآنه .. قريب من إيمانه ..
لقد قال مستشرق إن محمداً صلى الله عليه وسلم قادر أن يحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجان القهوة .. هذا هو إمامنا، وسيدنا الذي نقل إلينا علم الله, إذا حينما نبحث عن ثقافتنا ونقدم لأولادنا تربية فيها الاعتزاز بها ونجعل شعارها قول الصديق أبو بكر: (إن كان قال فقد صدق) حين قالوا له ساخرين: إن صاحبك يقول إنه ذهب من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج إلى السماء, فأجابهم باعتزاز : (إن كان قال فقد صدق) لأنه يعبر عن علم الله, واقرؤوا قوله تعالى:
(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)آل عمران(164)
إنها منة من الله عليك, فاستشعر معنى المنة التي لا تستطيع أن تكافئها .
ألا تستحق تلك المنة أن تعتز بها, وأن تعلم أولادك وبناتك الاعتزاز بها.
رابعاً - الخطوة الرابعة الكبرى إيجاد الإعلام الأخلاقي عبر الوسائل المتعددة المقروءة والمسموعة والمرئية :
فينبغي لنا أن نفكر جاهدين في إيجاد الإعلام الأخلاقي , الذي يعيد إلى الناس القيم والأخلاق, ويرتقي بالإنسان منذ طفولته, فقد كادت الأخلاق أن تنسى, والإعلام المادي المنحل الذي يصل اليوم إلى جهات العالم لا يلقي بالاً للقيم والأخلاق أبداً , بل يحاربها بكل جرأة , وينشر مفهوم العهر, والفساد, وينشر والاعتداء على الآخر ..
وكثير منكم رأى البرامج التي تقدم للطفل, والتي يكافأ فيها حينما يدهس بلعبته الحاسوبية إنساناً, أو يضرب سيارة, فيكافأ بعلامات زائدة ..
يكافأ لأنه أصبح من المافيا المتفوقة , لأن المافيا التي صنعت هذا الفيلم تريد رواداً جدداً , ومن أين لنا أن نوجد لهم الرواد إلا إذا قدمنا لأولادنا ما يصنعونه, ونحن لا نملك مع الأسف ولا نهتم أن نوجد المؤسسات الإعلامية الأخلاقية التي تقدم للطفل قيم الأخلاق, فإذا تخلق بخلق حميد أو فعل فعلاً حسناً نقدم له مكافأة, المافيا في الهوليود تقدم مكافأة لطفل يدهس إنساناً في لعبته أو يصدم سيارة, أو يقتل أو يفسد .. هذا هو تصدير الإرهاب ..
يتحدثون عن مكافحة الإرهاب, فمن الذي صدر الإرهاب إلى العالم, ومن هو سيد الإرهاب في العالم, ومن الذي يصنع كل يوم مبادئ الإرهاب في العالم.
الإعلام الأخلاقي, الذي شعاره في القرآن قوله تعالى:
(وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ, حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) القمر(4-5)
فشعار الإعلام الأخلاقي : ( حكمة بالغة ) , أي صواب يصل إلى أعماق النفس, هذا معنى الحكمة البالغة ..
أنت بحاجة حين تنتجه إلى تشويق , وجذب, وإخراج تحبه النفس ..
حكمة بالغة تبلغ أعماق النفس, فأين المتخصصون بالإعلام الأخلاقي؟
أين المتخصصون بالقصة الأخلاقية ؟ أين المتخصصون بـ ( الفيديو كليب ) الأخلاقي ؟
الذين يفهمون معنى المساهمة في بناء المساجد كثير, لكن الذي يفهمون قيمة الإعلام الذي يصل إلى أعماق النفوس قلائل .
ثقافتنا مع الأسف الشديد ثقافة لم يصل فيها مسلمنا إلى المستوى الذي يستطيع من خلاله التأثير في الآخر ..
ما معنى
(بَلِّغْ) ... (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ) المائدة(67)
هل تظنون أن التبليغ- اعذروني - أن ألبس ثوب قصيراً أو هيئة منفرة للآخرين وأن لا أعتني بمظهري ثم أشبه نفسي بالضرير الذي يخاطب الناس وهو لا يراهم ثم أقول إنني أحرك لساني بكلمات الإسلام وحديث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟
هل هذا هو التبليغ ؟
التبليغ : أن تفهم وأن تفكر وأن تتأمل كيف يمكن للحكمة أن تكون بالغة, وأن لا توفر وسيلة, فإذا قصرت في استخدم وسيلة فأنت ما بلغت .
(وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ)
فالمطلوب التبليغ, والتبليغ لا بد أن يكون معه بلوغ للهدف, ولا بد أن تكون فيه الحكمة بالغة, فإذا لم تصبح بالغة (فَمَا بَلَّغْتَ) .
خامساً - الخطوة الخامسة هي: تعزيز قيمة العقل في الأسرة, وإعمال هذا العقل في طلب العلم, وأن يكون العلم مطلوباً وقيمة كبرى, وأن الاستزادة من هذا العلم إنما هي من الأمور العظيمة :
والعلم بالشيء خير من الجهل به, فإذا كانت في الأسرة قيمة العلم محترمة فالأسرة يرجى لها خير .
نحن بحاجة أن ننهض بأسرنا من حضيض الجهالة, أعتذر لأسرنا حين أقول: أكثر أسرنا في الجهالة.
لقد لفت انتباهي حينما كنت أركب في الميترو في مدينة لندن أنهم لا يوفرون فرصة ركوب الميترو فتجد أن كل واحد منهم مع أنه واقف يمسك كتاباً سميكاً يقرأ به لأن المسافة الزمنية ( ربع الساعة ) يمكن أن يستفيد منها في زيادة علم, ربما تقولون: أكثرهم يقرؤون قصصاً, هذا لا يهم ، المهم أنه يقرأ, والمهم أنه يستزيد, فهل رأيتم في وسائل الركوب عندنا من يستفيد من فرصة عشرة دقائق أو ربع ساعة؟
لا .. بل هل رأيتم من هو في بيته يستثمر وقته؟
لقد أصبح فراغ أسرنا- مع كون رب الأسرة مثقفاً, وله دور فاعل في المجتمع, لا يمنع أن تكون أسرته في الجهالة, وفي الحضيض , لماذا؟
لأنه لم يغرس في هذه الأسرة قيمة العلم .
أصبح مصدر العلم التلفاز الذي يأتي من الفضاء الأمريكي , وحتى الإعلام الآخر كم من القيود والضوابط عليه .
آخر الأخبار أنهم منعوا قناة لبنانية تحمل هوية إسلامية من الفضاء الفرنسي, أين الحرية الفرنسية؟ وأين مبادئ الثورة في الجمهورية الفرنسية؟
لماذا يمنع المواطن الفرنسي أن يرى قناة؟
ما ذنبها؟ لأنها قدمت أو تقدم فيلماً أو مسلسلاً فيه حديث عن شتات اليهود, إذاً لماذا يقولون لنا في بلادنا: افتحوا كل الأبواب, ثم يغلقون هم الأبواب ؟
فالقضية أكذوبة .
حدثني صديق فقال: يوجد أربعون قناة صينية ولا يسمح في الصين بوسائل الاستقبال التي تستقبل القنوات العالمية, فاستطاعوا أن يحافظوا على الثقافة الصينية, في دولة يبلغ تعدادها المليارين تقريباً .
نحن حتى التقابل مع إعلامهم لا نملكه ..
وعوقبت العراق ومن جملة الأشياء التي ارتكبتها أنها كانت تغلق الفضاء إلا على البعض .
الفضاء الأمريكي مضبوط, والفضاء الفرنسي مضبوط, إنهم يفكرون في حماية مبادئهم, أما نحن فأمة لا حصون لها, فهي أمة مخترقة, ومصدر العلم في أسرنا ما يقدم إلينا.
إن قيل هذا صبحكم ليل فقولوا مظلم
أو قيل هذا شهدكم مر فقولوا علقم
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
سادساً - الأمر السادس والأخير في واجباتنا الكبرى تجاه الأسرة هو: إيقاظ الوحدة الشعورية الاجتماعية, وغرس مفهوم قدسية المصلحة العامة في الثقافة الأسرية :
علينا أن نستأصل في أسرنا مفهوم الفردية والتقوقع البيتي, فاليوم سادت ثقافة هي ثقافة نجاح البيت في أحسن الأحوال, أما مفهوم المصلحة العامة الذي هو أصل لنجاح الأمة فقد غاب .
ومر عمر رضي الله تعالى عنه وسمع الأم وابنتها, الأم تقول: اخلطي الحليب بالماء, تقول لها البنت: لقد منع عمر ذلك, ونحن أمرنا بطاعة ولي الأمر, وربنا أمرنا بذلك, تجيبها الأم: لكن عمر لا يرانا, فتجيبها الابنة: لكن رب عمر يرانا.
إنه مفهوم الانضباط بالمصلحة العامة الذي غاب فلم نعد نفكر أن الطريق هو ملك للأسرة, وأن المكتبة العامة هي ملك للأسرة, وأن المرافق العامة هي ملك للأسرة, وكل ما يُقدم على المستوى العام ملك للأسرة, لم يعد هذا موجوداً, البيت في أحسن الأحوال.
( قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ... )مسلم
يعني لا أن تكون مستشعراً أن الطريق ملك لك وأنت في الأسرة فقط وأن تشعر أسرتك بذلك, بل أن تساهم في حماية الطريق .
أخبر صلى الله عليه وسلم : ( أن رجلاً رفع غصن شوك من طريق المسلمين فغفر له ) .
ولا يعني هذا الحديث أنه لا يرفع غصن شوك من طريق غير المسلمين, لا... فهذا الحديث على التغليب ، قال تعالى :(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ) البقرة(30) وكان فيهم إبليس , ففي اللغة العربية أسلوبُ التغليب .
الذمي حقوقه في مجتمع الإسلام تساوي حقوق المسلم, ونحن فوق الطائفية, لأن ديننا يأمرنا أن نكرم كل الناس
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)الإسراء(70)
(لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) الممتحنة(8)
وقال تعالى :
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة(2)
وهل يكون هذا إلا في إطار المصلحة العامة .
وما قال: في بيوتكم تعاونوا.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول واستغفر الله .
|