بسم الله الرحمن الرحيم
ما نزال في موسم الخير والبركة والعطاء واستمطار الرحمة والمغفرة ورجاء العتق من النار، هذا الموسم الخيّر الذي خيرُه بالقرآن وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبفيوضات الكرم الرباني التي تستغرق القلوب المتوجهة إلى الله ..
موسمُ تنزّل القرآن الذي قال الهل سبحانه وتعالى فيه:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة: 185 .
ولئن كنا في الأسبوع الماضي وقفنا مع معنىً من المعاني التي تتنبه إليها الألباب وهي خصوصية تنزل القرآن على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم وملاحظة سر ذلك التنزل ، لكننا في هذا الأسبوع سنقرأ هذه الآية ملاحظين أن استمرارية التنزلات القرآنية ودوامها ...
فكلام الله جل شأنه هو هُو أزلاً وأبداً وأسرار تنزلاته باقية ولها ظهوراتها ..
إنما السؤال يا إخوتي متى تكون قلوبنا مستحقة أن تكون محلاً لظهور أسرار تلك التنزلات؟.
القلب الأشرف قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تنزل القرآن عليه بأنواره وأسراره لأنه كان القلبَ الأطهر القلب المهيأ ..
والسؤال متى تكون قلوبنا نحن مستحقة أن تكون محلاً لظهور أنوار تلك التنزلات وأسرارها؟.
ولابد لنا من أن نرجع إلى سر هذا القرآن العظيم فقد قال الله سبحانه وتعالى فيه:
(تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الواقعة: 80.
فالمنزِّل لهذا القرآن ربٌّ .. ولا يمكن في حال من الأحوال أن تظهر أسرار التنزلات من ذلك الرب العظيم سبحانه إلا حينما يكون القلب الذي يتنزل عليه ذلك النور قلبَ عبد ..
لا يمكن أن يتنزل سر كلام الرب إلا على قلب عبد ..
إذا لم يتحقق القلب بالعبودية لن تظهر أنوار تلك التنزلات ولا أسرارها فيه .
وهكذا دل القرآن على جهالة المشركين حينما قالوا:
(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)الزخرف:31.
إنه سوء الفهم فكيف يتنزل الكلام العظيم على من يكون وصفه العظمة .
تلك هي جهالة ما بعدها جهالة، فتنزلات كلام الرب لا تكون إلا على وصف عبد، ولا تكون على وصف عظيم ..
فكلام العظيم محل تنزله وظهور سره قلب عبد.
وقرر ربنا تبارك وتعالى ببيان صريح وصف القلب الذي نزل عليه ذلك القرآن حين قال سبحانه:
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان: 1.
وقال:
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) الكهف:1
وقال:
(وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) البقرة: 23
وقال سبحانه وتعالى مخاطباً حبيبه والخطاب عام يتضمن المخاطبة لنا:
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) الزمر:2
( فاعبد ) : هذا هو سر الاستحقاق، فالذي يتحقق بالعبدية ويظهر فيه وصف العبودية يكون أهلاً لظهور تلك الأسرار والأنوار القرآنية ..
إذا قرأنا القرآن الكريم وأكثرنا من تلاوته في هذا الشهر المبارك لكن لم يكن في قلوبنا ذلك التحقق بالعبدية، إذا إذا كانت قراءتنا بحناجرنا وبألسنتنا دون أن يكون فينا الذل والانكسار الذي هو وصف العبودية بين يدي مولانا الجبار سبحانه وتعالى ..
إذا قرأت القرآن فأنت بين يدي خطاب ملك الملوك سبحانه وتعالى، فإذا لم تكن فانياً في ذلك القرآن مستسلماً تُظهِر ذُلَّك باكياً : و(إِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْ) والعبد الضعيف الكسير الذليل بين يدي ربه هو من تفيض دمعته بين يديه ، يذل وينكسر بين يدي مولاه ..
(وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) المائدة: 83.
ولو رجعنا إلى قوله سبحانه:
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ).
ونظرنا إلى قوله: (مُخْلِصًا) ، وكم يقع الإنسان في حالة تتناقض مع الإخلاص وهو يقرأ ذلك القرآن ..
ألا يقرأ القرآن بعضهم حتى يثني الناس على صوته الحسن وهو يقرأ هذا القرآن، إنه وصف يتناقض مع الإخلاص ..
ألا يقرأ بعضهم ذلك القرآن العظيم وهو يراقب الخلق وينتظر مدحتهم له ..
ألا يقرأ بعضهم القرآن وهو يريد من تلك القراءة المقاصد والمآرب، إنها حالاتٌ تبتعد عن حقيقة الإخلاص .
إذا قرأت القرآن وكنت متحققاً بالعبدية لا ترى عند قراءتك إلا تعظيم صاحب الكلام .. لا تسمع ذراتك وأنت تقرأ ذلك القرآن إلا خطاب ذلك الرب العظيم سبحانه وتعالى، هذه هي حالة العبادة عند قراءة القرآن ووهي حالة العبودية مع التحقق بالإخلاص.
انظر إلى أصحاب المآرب الذين قرؤوا القرآن فذمهم ربنا سبحانه وتعالى، حين لم يتحققوا عند قراءة القرآن بالعبودية ولا بالإخلاص:
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) آل عمران: 7.
قَرؤوا القرآن ابتغاء الفتنة، وقرؤوا القرآن ابتغاء تأويل القرآن، ليقال عنهم إنهم أصحاب تأويل القرآن.
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الألْبَابِ) آل عمران: 7
هؤلاء هم الذين تحققوا بحقيقة العلم فاستسلموا لله سبحانه وتعالى وهم يقرؤون القرآن، ولم يكن فيهم أي ابتغاء إلا ابتغاء وجهه الكريم.
ومن لوازم العبودية إذا قرأنا القرآن : أن نكون في حالة الخشوع ، أي أن يكون القلب مستغرقاً في خشوعه فقد قال سبحانه وتعالى:
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ) الحديد: 6.
ألم يأن للذين آمنوا إذا قرؤوا القرآن أن تكون قلوبهم مستهلكة في الخشوع مستغرقة فيه :
(... وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ - كان الكتاب أمامهم - فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16)الحديد.
كيف يقرأ القرآن مع الفسوق ؟. إن ذلك يدل على عدم انفعال قلبه للقرآن، ولو أن قلبه انفعل لذلك القرآن لارتفع الفسوق عنه ، لأن خشوع القلب يولد انضباط الجوارح، وإذا انضبطت الجوارح انتفى الفسوق، فإذا وجد الفسوق فإن ذلك دال على عدم تفاعل القلب مع هذا القرآن.
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) العنكبوت: 45.
لو تفاعل ذلك المصلي في قيامه، وفي قراءته، وفي ختمه للقرآن مع القرآن ؛ لانتفت أفعاله القبيحة لأن خشوع قلبه يولد انضباط سلوكه وطاعة جوارحه لله سبحانه وتعالى:
فقسوة القلب وانتفاء الخشوع منه عند قراءة القرآن لابد أنه مقترنٌ مع الذنوب ومع الفسوق ومع المخالفات ، ولابد أن ذلك الإنسان لا ينضبط بظاهره بالفرقان ، ولا يخشع باطنه لهذا القرآن العظيم وهو يقرأه.
ومن لوازم العبودية أيضاً التي بها تستحق قلوبنا أن تكون محلاً لتنزلات الأسرار والأنوار القرآنية: أن نقرأ هذا القرآن الكريم موقنين أن كل ما فيه هو خير .. فكم نسمع كلام المتنطعين من أولئك الذين يريدون الخروج عن مقاصد النص القرآني ..
كم هم أولئك الذين يتحدثون عن الحجاب ويفلسفونه مع وجود النصوص القرآنية الصحيحة التي تتحدث ببيان ما بعده بيان:
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور: 31.
كم هم أولئك الذين يتحدثون عن الربا ويفلسفونه مع أن الله سبحانه وتعالى يخاطب في قرآنه أولئك الذين لا يرتدعون عن الربا بكل صوره:
(فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) البقرة: 279.
وقال تعالى :
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا) النحل: 30.
هذه هي حالة العبودية.
الخيرية المطلقة هي في كل نصوص القرآن .
كم يحصل في صفوف النساء- ولتعذرني أخواتنا-عندما يقرأن آيات صريحة في كتاب الله تتحدث عن التعدد الزوجي :
(فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)النساء:3
كم تطلب بعضهن أن نمر عليها مروراً دون انفعال أو تأثر سلوكي بها, وربما علَّقت بعضهن تعليقاً يخرجها عن الإيمان .
إن الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لا يأمر أمراً على سبيل الوجوب, لكنه سبحانه وتعالى يفسح المجال ويفتحه ..
فإذا اعترض الإنسان بنفسه أو بخاطره أو بذهنه أو بكلمة من كلماته على ذلك النص فإن ذلك يعني خروجه عن الإيمان .
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا) النحل: 30.
إنه كلام الله, وماذا يعني أنه كلام الله ؟
إن الناس حين يسمعون كلام ملك من الملوك أو رئيس من الرؤساء, يعظمونه ويقولون هذا الكلام لا يرد , فكيف إذا سمعت كلام ملك الملوك سبحانه, كيف إذا سمعت كلام الله ؟
كل النصوص القرآنية التي تتحدث عن الجهاد, أو التي تتحدث عن المعاملات, أو التي تتحدث عن الأحوال الشخصية, أو التي تنظم السلوك ينبغي أن يقف الإنسان بين يديها مستسلماً.
ومن العبودية لله تعالى عند قراءة القرآن اتباع القرآن, لا أن يكون الإنسان مصدقاً وحسب, بل أن يتبع القرآن في كل ما جاء به ذلك القرآن العظيم.
واقرؤوا قوله تعالى:
(فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللهُ مِن كِتَابٍ) الشورى:15
إنها مفاصلة, (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللهُ مِن كِتَابٍ)
(وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) استقامة مطابقة للأمر
تبعية لا تتحمل التفاتاً إلى الأهواء.
واقرؤوا قوله تعالى:
(وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)الأنعام:155
واقرؤوا قوله تعالى:
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم)الزمر:55
اتبعوا القرآن العظيم الجامع لكل الكتب السماوية التي نزلت من قبله (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ)الزمر:55
حينما تتركون نصوص القرآن, أو لا تأخذون تلك النصوص على وجه الامتثال دون أن يكون في نفوسكم أي حرج منه .
(مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً) حينما تلتفتون عن ذلك الاتباع
فالعذاب الذي يأتي بغتة سببه إعراض عن بعض ما نزل به ذلك القرآن العظيم.
ولقد قص القرآن الكريم علينا بعض النماذج التي عاشت حالة التردد, بعيداً عن ذلك الامتثال والاتباع ..
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت آيات تحريم الخمر خرجوا إلى طرقات المدينة فأهرقوا دنان الخمر فيها حتى صارت طرق المدينة أنهاراً من الخمرة, فألقيت تلك الخمرة المعتقة الثمينة في طرقات المدينة, وأعلن الامتثال لأمر الله في القرآن ..
وعندما نزلت آيات الحجاب خرجت نساء الأنصار وقد وضعن على رؤوسهن الخُمُر حتى كأنهن الغربان.
هي حالة الاتباع من غير تردد, أما المترددون فاقرأ في القرآن وصفهم:
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ )محمد:20
قلوب ليست فيها العبودية لذلك عاشت حالة التردد أمام القرآن, ولم تعرف معنى الاستسلام والامتثال له .
هو التردد أمام النص الذي يدعوهم إلى سلوك, لكنهم لا يعيشون حالة الامتثال والطواعية له .
اقرؤوا قوله تعالى:
(وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)التوبة:86
هو الاحتيال والتملص والخروج عن اتباع ذلك النص القرآني الصريح,
يقول الله تعالى :
(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ)التوبة:24
وترى ذلك القارئ للقرآن يقف مع المساكن, ويقف مع الأموال, ويقف مع التجارة معرضاً عن أن يكون في عمره كله خادماً لله ورسوله والجهاد في سبيله, فأين اتباع القرآن؟
أين التضحية التي يترك الإنسان فيها كثيراً من هذه الثمانية المذكورة من أجل الله ورسوله والجهاد في سبيله, ومن أجل الدعوة إلى الله, ونشر الخير في العالم؟
نقرأ القرآن ونحن نهز رؤوسنا ولا نعرف تفاعل ذراتنا مع ذلك القرآن بالانضباط والامتثال في السلوك.
أيها الأحبة الاتباع الاتباع للقرآن من غير تردد ..
اقرؤوا قوله تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا)النساء:60
كم هم أولئك الذين يقفون أمام الحكم الشرعي ثم يعدلون عنه إلى الحكم الوضعي, فإذا قيل لهم: الشرع يفصل بينا ، والمتخاصمون ما أكثرهم, يملؤون المحاكم .. ولا يرتضون حكم الشرع , ولا يرتضون أن يفصل الشرع في قضاياهم .. يذهبون إلى محل الأحكام الوضعية التي تفصل بينهم هروباً من حكم الشرع .. ويقرؤون القرآن, و يملؤون المساجد في صلاة التراويح ! هؤلاء أين هم من ذلك الاتباع للقرآن؟ وأين قلوبهم من تلك التنزلات القرآنية؟
التنزلات القرآنية لا تكون إلا للقلوب التي استسلمت وفنيت في حضرة القرآن, حتى في الجزئية الصغيرة الواحدة ..
ربما يكون الإنسان أمام القرآن في قضايا كثيرة يقرؤها ويستشعر الاستسلام فيها, لكنه يقف أمام بعض الفرعيات والجزئيات مترددا ، والله سبحانه وتعالى يقول :
(وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)المائدة:49
الإعلام اليوم في العالم يمارس أشكالاً متعددة حتى ينصرف المسلمون عن بعض ما أنزل الله في القرآن.. وفي كل يوم نسمع ضلالة جديدة, ونسمع من يقف بصور إسلامية ظاهرية ليحتال على نصوص القرآن, وليجعل ذلك القرآن ألعوبة حتى يترك الناس كثيراً من جزئياته ..
وضع القرآن الكريم القواعد الكبرى, لكنهم يحتالون على تلك القواعد, ويحتالون على تلك النصوص, ويمارس الإعلام صوراً متعددة من ذلك الاحتيال والالتفاف, والناس يبحثون باستعداداتهم لأنهم لم يتدربوا على الاستسلام لله .. يبحثون عن خيط عنكبوت, حتى تبنى عليه عمارات يتوهم أصحابها أنها إسلامية.
فلنقرأ القرآن يا شباب .. يا عشاق محمد صلى الله عليه وسلم .. يا عشاق القرآن فلنقرأ القرآن مستسلمين بين يديه, ونحن في حالة فناء في ذلك القرآن , عندها تستشعر قلوبنا أسرار التنزلات القرآنية وأنوارها.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا وغمومنا ..
ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته والعمل به والتحقق بأسراره آناء الليل وأطراف النهار، واجعل صيامنا وقيامنا بمنك وفضلك مقبولاً واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول هذا القول وأستغفر الله.
|