غزوة حنين
وقبل انقضاء شهر شوال الذي هو مدرسة بعد مدرسة رمضان، نستمد من هذه المناسبة الزمانية درساً ثالثاً .
ففي هذا الشهر كانت غزوة حنين، وهي درس يتميز عن درس أحد، ويتميز عن درس الأحزاب، فقد كان درساً يختلف في وصفه وسمته وعِبره.
لو استعرضنا أحداث السيرة النبوية لوجدنا أنه صلى الله عليه وسلم صالح المكيين من قريش سَنة ست من الهجرة صلح الحديبية، وكان ذلك سبباً في انتشار الدعوة، وقرعت الدعوة أبواب كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقِس.. وانتشرت في الآفاق يحمل كل من رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة باتجاهٍ على وجه الأرض ..
ثم غزا اليهود في خيبر سنة سبع من الهجرة ..
ولما نقض المكيون صلح الحديبية، لأمر يريده الله سبحانه، كان ذلك سبب فتح مكة، وسار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مكة في شهر رمضان سنة ثمان للهجرة ..
فلما فتحت مكة و كانت قريش القوة الأولى في الجزيرة العربية، وخضعت للإسلام قريش تحركت القوة التي تليها في العرب وهي هوازن قرب الطائف ، فقالوا: حان الوقت حتى نتصدر العرب، ولئن كانت قريش قد انكسرت وهي تظن أنها القوة الأولى فإننا نحن الذين سنستأصل شوكة الإسلام...
هكذا كانت يا إخوتي أحداث السيرة النبوية فمنذ أن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، والأفراد يدعي كل منهم أنه قادر على استئصال شوكة الإسلام، وأنه قادر على إطفاء نور الإسلام، وتتتابع الأحداث، ويتنامى أمر الإسلام، وينتشر ويعلوا، ويوماً بعد يوم تتجدد الأحداث ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
وقراءة السيرة النبوية تبعث الأمل في قلوب الدعاة وأبناء الإسلام، لأن المحاولات التي تعرض لها شخص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومجتمعه وجماعته أحداث كلها كانت تتوجه باتجاه واحد تريد استئصال الإسلام ، وإلى وقتنا هذا يخطط في الشرق وفي الغرب من يريد الاستئصال لهذا الإسلام ولا يفهمون أن الله سبحانه وتعالى يهيئ في كل وقت لهذا الإسلام جنوداً...
قالت هوازن آن الأوان حتى أتفوق باستئصال الإسلام، وتحرك جيش هوازن بعدما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة ..
وكان خرج من المدينة إلى مكة بعشرة آلاف وخرج معه من المكيين ألفان منهم من حسن الإسلام ومنهم من كان حديث الإسلام، ومنهم من صاحبه وآزره لكنه لم يدخل في الإسلام بعد.
خرج ألفان من مكة والجيش المدني عشرة آلاف فصار العدد اثني عشر ..
خرج المسلمون متبرقعين بحلل النصر والفتح ..
ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن هوازن خرجت للقائه، وأخرجت مالها ونساءها وذراريها لتكون الحرب فاصلة حرب موت أو حياة، وكانوا يُعرفون بشدة القتال وقوة الشكيمة...
نظر المسلمون إلى تعداد الجيش ولم يكن قد تحرك للإسلام جيش بهذا العدد أبداً من قبل ، فقالوا لن نغلب اليوم من قلة ..
في بدر كان من المسلمين ما ينيف على الثلاثمائة وتقهقر أمامهم ألف ..
وفي أحد سبعمائة هزم أمامهم ثلاثة آلاف ..
وفي غزوة الأحزاب ثلاثة آلاف هزم أمامهم عشرة آلاف ..
وهاهو جيش خدمة الإسلام يخرج باثني عشر ألفاً .. ومن تكون هوازن ؟.
تحدث بعضهم مع بعض فقالوا لن نغلب اليوم من قلة، وكان الكثير منهم مخموراً بفرح النصر والفتح، مزهواً بما أعطاه الله سبحانه وتعالى للمسلمين ..
وكان هذا الدرس الأول الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يؤدب فيه أولئك الذين نظروا إلى الكثرة ..
أراد تعالى ممن أسكرته فرحة الفتح أن يصحو على عبوديته لمولاه ليتبرأ من حوله وقوته.
إن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن مزهواً بفرح النصر والفتح بمكة لأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة على راحلته ساجداً، وكان يقول صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: (اللهم بك أصول وبك أجول)
فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينظر إلى حوله وقوته إنما كان في كل أحواله عبداً خالصاً لله سبحانه وتعالى مستغنياً بالله مكتفياً به...
وباجتماع هذين الأمرين: الإعجاب بالكثرة، والسكر بفرح النصر جاء الدرس التأديبي فوصلت هوازن إلى وادي حنين قبل أن يصل المسلمون وأعدوا الكمائن وكمنوا في الوادي وما أحس هذا الجيش الجرار وهو يدخل وادي حنين إلا والنبال ترشقه من كل جانب حتى تشتت الجيش ورجع المسلمون متقهقرين ولم يثبت إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبعض المهاجرين وبعض الأنصار وأهل بيت رسول الله ..
قال بعض المكيين الذين لم يدخل الإسلام إلى قلوبهم بعد: بطل سحر محمد هذا اليوم ..
وقال البعض الآخر: هذا يوم الهزيمة .
قال الله سبحانه وهو يصف هذا الحدث الكبير الذي ينبغي لنا أن نفهم دروسه في سورة التوبة:
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ): التوبة: 25-26.
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم ثابتاً لا يتقهقر ولا ينهزم وهو صلى الله عليه وسلم يرتجز ويقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)
(عبد المطلب) حينما جاء أبرهة يريد هدم الكعبة وقف فتعلق بأستار الكعبة وأمسك بباب البيت وقال اللهم إن هذا البيت بيتك، وقال : إن للبيت رباً يحميه ..
وهاهو معنى ارتجازه صلى الله عليه وسلم يقول : إن للإسلام رباً يحميه ..
أخذ صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب ورمى بها عيون الأعداء فما بقي عدو من أعداء الله إلا وصل إليه من تراب قبضة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
الترب يغلب القنابل العنقودية حينما نكون مع الله ، وإذا أيدنا الله سبحانه وتعالى وكنا أهلاً للنصرة.
أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم العباس أن يصرخ بالمسلمين وكان صوته قوياً فعاد المسلمون والتفوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجابوا صوت العباس ..
ثم أخذ صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار .
والتحم الصفان ثانية وهزم الله سبحانه وتعالى هوازن شر هزيمة وأتي بالأسرى مكتوفي الأيدي بين يدي رسول لله صلى الله عليه وسلم وكانت كل أموالهم التي أخرجوها غنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يجتمع من الغنائم كما اجتمع في حنين، وكانت تلك الغزوة النهاية الحقيقية لكل تفكير على أرض العرب في غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفكر بعدها أحد من العرب بعد انكسار قريش وهوازن في أن يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
في تلك الغزوة نهى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يقتل أحد طفلاً أو امرأة أوعبداً أو أجيراً ...
وكم حزن صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن امرأة قتلت .
وقبل أن يعود إلى المدينة نقلت الغنائم إلى الجعرانة وقسمت الغنائم هناك، وأعطى المؤلفة قلوبهم ولم ينل الأنصار من تلك الغزوة شيئاً ووجدوا في أنفسهم وقالوا: هذه أول مرة يخرج القرشيون فيها مع رسول الله فيعطيهم كل الغنائم ، فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال: (المحيا محياكم والممات مماتكم، والله لو سلك الناس شعباً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت من الأنصار، أما تريدون أن يعود الناس بالمال وبالشاء وأن تعودوا برسول الله؟ فما بقي بواحد منهم إلا وبكى وقالوا يا رسول الله استغفر لنا رضينا بالله ورسوله).
ومن الجعرانة أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاد إلى مكة، ومن مكة قفل إلى المدينة المنورة.
ما هي دروس حنين ؟
أولاً: ينبغي لنا أن نأخذ الدرس الذي ما أحوجنا في هذا الوقت إليه ..
نحن الأمة التي زادت على المليار واقتربت من المليار والنصف ..
ينبغي لنا أن نعلم أن النصر هو مع القلة النوعية الناضجة، وليس مع الكثرة الانفعالية المتعجلة.
النصر لن يكون من خلال الهمج الرَّعاع الذين يتبعون كل ناعق إنما سيكون من خلال القلة النوعية الناضجة التي نضجت بعلمها، ونضجت في أدائها، وفي سلوكها، وفي أخلاقها، وفي تفوقها، وفي استقامتها، وفي فهمها لحقائق هذا الدين وثوابته ..
أما الكثرة الانفعالية المتعجلة فلن يكون للأمة نصر من خلالها أبداً ..
إن نحن أحسنّا صناعة القلة النوعية وبنينا بناء إنسانياً بكل أبعاد البناء عندها سيكون النصر، ودرس بدر يقابله درس حنين: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آل عمران: 123.
لكن بدراً كانت تعج بالنوعية المتميزة ..
إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
لماذا ؟. لأنهم وصلوا إلى سوية سلوكية ..
إلى سوية في الفهم ..
إلى سوية في الرقي المعرفي ..
إلى سوية في الصحبة ..
إلى سوية في الموافقة ..
إلى سوية في الأداء تفوقوا فيه .
فليست القضية قضية حدث ترافق مع وجود بعض الناس صدفة لا..
إن المصطفى صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يخرج إلى بدر لم يُخرج إلا من لبى لوقته من غير تأخر، فمن تأخر قليلاً لا يحق له أن يلتحق برسول الله ..
أما من كان على مستوى الالتصاق التام به وكانت أنفاسه مع أنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي خرج يومها .
تلك النوعية قابلها عدد كمي كبير في حنين فهزمت الكثرة، ولولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباته وثبات من معه من كبار الأصحاب وشيوخهم من تلك النوعية المتميزة لبقيت الحرب إلى آخرها هزيمة .
كم يؤكد القرآن على هذه الحقيقة التي نتحدث عنها ، واقرؤوا قوله تعالى:
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) البقرة: 249
عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، وتتميز النوعية ، إن هِزة ليست كبيرة تكفي أن يتزلزل من لا ثبات له، ومن لا جذور له..أما أولئك الثابتون فهم الذين لا تزعزعهم ولا تهزهم المحن ولا تصرفهم الاختبارات ..
(فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ -هذه القلة هي التي ثبتت- فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ،فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ) البقرة: 249-251.
والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة أيضاً حين يخاطب أصحاب رسول الله ويقول لهم:
(وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ). الأنفال: 26.
لكنكم كنتم أصحاب نوعية، أنتم قليل لكنكم كنتم أصحاب نوعية فماذا كان ؟
(فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الأنفال: 26.
والقرآن يؤكد الحقيقة بقصص التاريخ أيضاً : (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا- وذلك في قصة نوح عليه الصلاة والسلام -وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) هود: 40.
فكانت النصرة للقليل لكن ذلك القليل كان قليلاً يحمل وصفاً متميزاً، فلم يكن يزهو بكثرته إنما كان عدداً قليلاً مستغنياً بربه.
الدرس الثاني الذي يؤخذ من حنين يا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
هو تداول الأيام وتعاقب الأحوال المتباينة فهو درس من دروس حكمة الله ..
رحم الله صاحب الحكم العطائية حين قال بسطك كي لا يأخذك القبض وقبضك كي لا يأخذك البسط.
اقرؤوا أصل المعنى في كتاب الله في قوله:
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) الشورى: 27
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ) قفوا عند قوله لعباده فمع أنهم استحقوا وصف العباد لكنه الإنسان!! هاهم يدخلون مكة منتصرين ويخرجون منها وكثير منهم يزهو بالفتح والنصر وينسى أن عليه أن يتبرأ من حوله ومن قوته ..
كم يفرح الإنسان عندما تأتيه نعمة!! وحكمة الله سبحانه وتعالى تريد للإنسان أن يبقى عبداً.
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
إنها السمة البشرية في الإنسان ؛ حينما يشعر بالنعمة لربما تسكره تلك النعمة .
اقرؤوا قوله تعالى:
(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ {9} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) هود: 9-10.
اقرؤوا قوله تعالى: (لا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ {49} وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي) فصلت: 49-50.
...( لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ) يقول : هذه مزيتي، التي أتفوق بها على غيري
وهكذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يقوي إيمان الأصحاب ، بل أراد أن يقوي إيمان الأمة إلى يوم القيامة وأراد سبحانه وتعالى أن يمنع عن هذه الأمة بطر الفرح بالنصر.
لئن كان المسلمون يعانون مما يعانونه في هذه الأيام فعلينا أن نفهم الدرس.
(وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) آل عمران.
كنا يوماً من الأيام أصحاب جد واجتهاد وسدنا العالم ، وحملنا العدالة والنور ، ولئن كنا اليوم في انكسار وهزيمة فإن هذا يدعونا إلى فهم سنة الله سبحانه وتعالى ..
ولئن فهمت هذه الأمة سنة الله سبحانه وأدركت أنها إن هي عاودت جدها واجتهادها وصبرت وكانت واثقة بالله وكانت موقنة أن الله سبحانه وتعالى لن يتخلى عن دينه مهما امتلك عدوها من العَدد والعُدد ، إن نحن فهمنا سنة الله وأعددنا الإنسان علماً وعملاً وسلوكاً.
المجتمعات الغربية سائرة إلى الانحلال لأن أخلاقها بدأت تمحو قوتها شيئاً فشيئاً، ولقوة المادية وحدها لا تقوم معها حضارة، فسبب تفككنا بعد أن سدنا العالم كان الانحلال، وها هو الانحلال الأخلاقي يفشو في الغرب وهذه بداية تفككه والأيام قادمة، لأن الحضارة لا تكون بمجرد المادة وتطورها لا...
الحضارة إنسان فإذا وجد الإنسان وجدت الحضارة.
يا شباب الأمة يا كهول الأمة يا نساء الأمة يا أيتها الشابات...إن أمامنا طريق نهضة إن لم نكن نحن البناة لها سيتجاوزنا التاريخ وستأتي الأجيال من بعدنا لتبني فلنبدأ نحن نهضة إنسانية حقيقية على جميع الأصعدة ولتكن ثقتنا بالله لا بالعَدد وبالعُدد...
اللهم فهمنا يا رب ..
ردنا إلى دينك رداً جميلاً ..
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
|