كيف نُعِــدُّ أبطالَ الغـد ؟
مناسبة ذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام, تُقرأ من وجوه عديدة, والقرآن الكريم ذكر هذه المناسبة الكريمة, وقص حكاية ذلك النبي الرسول عليه صلوات الله وسلامه, الذي رفعه الله سبحانه وتعالى فلم يصل إليه أعداؤه ..
ويَنْزِلُ من السماء ليحكم بالعدل والقسط, وليعلن تبعيته لمحمد صلى الله عليه وسلم.
على أني أتوقَّفُ عند قوله تعالى وهو يحكي قصة ميلاده على لسانه :
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا , ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)مريم: 33-34
أقرأه نموذجاً من النماذج السالمة من العلل الظاهرة والباطنة منذ ولادته , كان في بيئة ورعاية سالمة من كل عِلة, وحياةٍ يرضاها الله سبحانه وتعالى ويرتضيها, ثم هو لن يموت بعد أن ينـزل من السماء إلى الأرض إلا حين تتكون من حوله بيئة سليمة بعيدة كل البعد عن العلل الباطنة والظاهرة, ثم هو يلقى الله حينما يبعث من بعد موته بقلب سليم, متحققاً بعبوديته له .
إنه نموذج من الماضي والحاضر, فهو حين كان نبيَّ بَـني إسرائيل ورسولهم كان يشكّل ماضياً , وحين سيعلن تبعيته لمحمد صلى الله عليه وسلم ويحكم بالعدل والقسط يشكل حاضراً ومستقبلاً..
ومع ولادة الطفل النموذج الذي شهد الله سبحانه وتعالى له بالسلامة في مولده وفي مماته ويوم بعثه, لابد أن نتساءل عن أطفالنا الذين يولدون ؟
وعن أطفالنا الذين يعيشون هذا الواقع ..
وعن أطفالنا كيف سيموتون ؟
وعن أطفالنا كيف سيبعثون ؟
جيلنا نحنُ ولد في واقعٍ مؤلم مشتت سقيم ممتلئ بالعلل مفعماً بالهزيمة ..
فمنكم من شهد هزيمة ثمانية وأربعين ( 1948 م ) , ومنا من شهد هزيمة سبع وستين ( 1967م ) , واليوم يشهد عالمنا الإسلامي كله بكهوله وشبابه وأطفاله ضعفاً وتفككاً وشتاتاً ..
في نفس الوقت الذي يلمح فيه تباشير صحوة...
وفي نفس الوقت الذي يلمح فيه خيوط فجر , فيَعِدُ نفسه بصبحٍ قريب .
جيلنا ولد فعاش أساليب التربية الجاهلة الموروثة من الواقع المحيط .. فعاش الكبت وعاش والقمع وعاش الاستبداد في عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف.
وهاهم أطفالنا يولدون مع بداية الصحوة ..
ومع بداية الصحوة تظهر مسؤولية مضاعفة على كل عاقل أو حكيم أو ناضج أو حر يريد لأمته خيراً, ويريد لمجتمعه نهضة..
فلئن كنا عانينا ما عانيناه فإن علينا أن نتدارك ما فات من خلال عقِبِنا , أعني النسل الذي ينبغي أن نعده إعداداً يختلف عن إعداد جيلنا الذي يكاد أن يساوي ( اللاإعداد ) ..
لكن دعوني قبل أن أتحدث عن الإعداد , وقبل أن أتحدث عن مسؤولياتنا وما ينبغي علينا فعله, دعوني أنتقل بحضراتكم إلى نماذج الأطفال في سلفنا, ليكون ذلك بمثابة التمهيد والتوطئة, حتى نرى البون الشاسع بين ثقافاتنا المحدودة المنحصرة في بعض العادات التي ورثها البعض عن البعض, التي لا تمثل في حال من الأحوال صورة توجيه ديننا وتربيته, وبين معرفة أولئك السلف ..
فقد خلطنا كثيراً بين العادات والتقاليد وتوجيه الدين وتربيته..
في زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم صورة للحبيب المصطفى صلى لله عليه وسلم سيد الكائنات وهو يستأذن من طفل .. ( يستأذن من الفضل بن العباس ) كما يروي الإمامان مسلم والبخاري رحمهما الله.
فقد أُتي الحبيب صلى الله عليه وسلم بشراب فشرب منه وكان عن يمينه الفضل وعن يساره أشياخ الأصحاب, فقال لذلك الغلام: (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟.)
الحق حقك فأنت على يميني .. والدور لمن كان على يمين الشارب, فهل تتنازل للأشياخ عن حقك في الشرب, ( أتأذن لي ) يقولها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مخاطباً طفلاً..
فيجيب الغلام: لا... والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً..
فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده , ( يعني وضعه في يده ) ..
هذا نموذج فاقرؤوه.. وتأملوه..
نموذج آخر في زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً :
يروي الحاكم في مستدركه قصة صلاة ابن عباس رضي الله عنهما في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم تلك القصة التي يحكيها ابن عباس نفسه , كيف قام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فجذبه صلوات الله وسلامه عليه إلى يمينه ووضعه حذاءه , ( يعني إلى جانبه ) , لكن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يرجع إلى الوراء قليلاً , وحين ينتهي المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له:
(مالك أجعلك حذائي فتخنس) ( يعني ترجع ) , أجعلك إلى جانبي وأنا أصلي في الليل لكنك ترجع, فيجيب ذلك الطفل : ما ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله.
كيف أصلى إلى جانبك ؟
فأعجب ذلك الكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, ودعا الله أن يزيده فهماً وعلماً .
وهي صورة ثانية, يتكلم طفلٌ فيها فيخاطب سيد الكائنات , والحاكم الأعلى في الأرض , الذي كانت القلوب ترتجف مهابة منه.
وفي سلفنا نماذج كثيرة..
فقد دخل طفل هو الحسين بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم, فأحب أن يتكلم, فزجره الخليفة وقال: أصبي يتكلم في هذا المقام؟.
أي : أسكت أيها الصبي حتى يتكلم الكبار..
فيجيبه ذلك الطفل: إن كنت صغيراً فلست أصغر من هدهد سليمان, ولا أنت أكبر من سليمان حين قال له: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)النمل: 22
ومن نماذج أطفال سلفنا ك
السري السقطي في طفولته, فقد كان يقرأ على مؤدبه في الكَتّاب, وهو يعلمه تلاوة القرآن, فقرأ قوله تعالى :
(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)مريم: 86
قال السري الطفل الصغير: يا أستاذ, ما الورد؟
قال الأستاذ: لا أدري.
فقرأ: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)مريم: 87
فقال الطفل: يا أستاذ, ما العهد؟
فقال: لا أدري.
فقطع السري القراءة وقال: إذا كنت لا تدري فلمَ غررت الناس؟
فضربه المؤدب, فقال ذلك الطفل :
يا أستاذ, ألم يكفك الجهل والغرور حتى أضفت لهما الظلم والأذى.
فاستحله المؤدب ، أي طلب منه أن يسامحه , وتاب إلى الله تعالى , وأقبل على طلب العلم , وكان يقول: إنما أعتقني ذلك الطفل من رق الجهل.
ومن نماذج الأطفال في سلفنا: ذلك الطفل الذي دخل على عمر بن عبد العزيز مع وفد من الوفود فأراد أن يتكلم باسم الوفد, فقال الخليفة عمر: أما وجد القوم من هو أسنُّ منك ليتكلم؟
فقال الغلام: يا أمير المؤمنين, لو كان الأمر في كبر السن لكان من هو أكبر منك في مقامك هذا.
ومن نماذج أطفال سلفنا تلك القصة الشهيرة : حينما رأى الإمام أبو حنيفة طفلاً ذكياً نبيهاً يلعب بالطين, فقال للطفل: إياك والسقوط في الطين ، فقال ذلك الطفل الصغير للإمام : إياك أنت من السقوط, لأن في سقوط العالِم سقوطَ العالَم.
ومن نماذج أطفال سلفنا , طفل وطئَ على رجله الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه , فقال الصبي للإمام :
يا شيخ , ألا تخاف القصاص يوم القيامة ؟ فغشي على أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه.
انظروا كيف حضرت الأحكام الشرعيةُ في ذهنه وهو يكلم فقيهاً ..
هذه النماذج تعبر عن شخصية نمت في بيئة سليمة، لم تعانِ القمع، ولم تعانِ الاستبداد ولم تعانِ التهميش، إنما كانت ثمرة تربية صحيحة أخرجت ذلك الطفل ليكون شجاعاً جريئاً، وليكون نواة رجل المستقبل تقوم النهضة على يده.
أذكرها لعلنا نعيد النظر في أسلوب تعاملنا مع الطفل ، ولعلنا نفهم أن الطفل أمانة، ولعلنا نفهم أنه مشروع المستقبل ، ولعلنا ننتج جيلاً لا يعرف الهزيمة، ولا يعرف الجبن، ولا يعرف الخوف ..
لعلنا ننتج جيلاً شجاعاً مقداماً مقبلاً لا مدبراً يفهم قيمة الحياة ويفهم دوره فيها..
والنصائح التي أتقدم بها إليكم في هذا اليوم الأغر مفرداتها ثمانية :
أولاً: علينا أن نكون أصحاباً لأطفالنا :
وتأملوا كلمة الصحبة , أن يكون الطفل صاحباً لك .
فقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه يصحب في بعض الأوقات ابن عباس رضي الله عنهما, وفي بعض الأوقات يصحب أطفال ابن عمه جعفر الذي قتل شهيداً رضي الله تعالى عنه، وفي بعض الأوقات يصاحب أنس بن مالك ذلك الغلام الصغير الذي كان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
بل لقد روى أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه مرة جبريل وهو يلعب مع الصبيان ..
وفيما يخرج الإمام أحمد في مسنده كان صلى الله عليه وسلم يصُفُّ (عبد الله وعبيد الله وكُثَير )
بني العباس ثم يقول : (من سبق إلي فله كذا وكذا ) فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم ..
وكان يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول لها: (يا زوينب يا زوينب..)
فمن الضروري أن يصاحب الوالد أو المربي التقيُّ الطفلَ , لأن الصحبة تعني سريان الحال، وفي الصحبة انتقالُ الطباع, وأحسن ما تقدم للطفل في طفولته أن تقدم إليه طباعاً صالحة تنتقل من خلال الصحبة، علينا بحكمة وذكاء أن نجنِّب أطفالنا الصحبة السيئة ، كانت تلك الصحبة السيئة له في الكبار أو في الصغار.
المفرد الثانية: اعتماد التوجيه غير المباشر :
فلم يكن صلى الله عليه وسلم يوجه توجيهاً مباشراً عند حصول الخطأ ..
يقول أنس رضي الله عنه الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كان صلى الله عليه وسلم يقول لي لشيء فعلتُه لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله لمَ لم تفعله ؟ .
لكن انظروا .. إنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك يحرك استعداد المحاكاة لديه، فالطفل يقلد, والمحاكاة في الطفل هي من مزاياه، وحينما لا تستثمر تلك المزية لا تستطيع أن تنقل للطفل في حال من الأحوال أيَّ أثرٍ حسن ..
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : بت عند خالتي ميمونة ليلة فلما كان في بعض الليل قام صلى الله عليه وسلم فتوضأ وضوءاً خفيفاً ثم قام يصلي فقمت فتوضأت نحواً مما توضأ ثم جئت فقمت...الحديث
إنها صفة المحاكاة عند الطفل ، فحين يرى الطفل أمامه نموذجاً صالحاً سيقلده ، وحين يرى طباعاً فاسدة سيقلدها أيضاً .
المفردة الثالثة التوجيه المباشر : لكن حين يكون ذلك التوجيه ممتعاً أو ماتعاً ..
متى وجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال له (احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك) ؟ وجهه حين كان صلى لله عليه وسلم يُردفه على راحلته ..
يركب راحلةَ سيد الكائنات معه !
إنها فرصة ما أمتعها ..
يقول ابن عباس رضي الله عنهما أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها ثم أردفني خلفه ثم سار بي مليا..
أي قبل أن يوجهه، وقبل أن يحكي كلمة معه، سار به وقتاً ..
قال : ثم التفت فقال: ( يا غلام قلت : ليبك يا رسول الله قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك...) الحديث.
فإذا كنا نريد توجيهاً مباشراً فلابد أن يكون ذلك التوجيه مما يستأنس الطفل به ويلامس مشاعره، وأن يكون مما يفرِّحه ..
مثلاً حينما ندخله في عالم القصة ، أو في العالم الذي يحبه.
وكانت اللُّعب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عائشة , وكانت تحكي من خيالها وتقول عن فرس دمية كان لديها وله جناحان : أما سمعت يا رسول الله أن سليمان كان لديه فرس له جناحان؟ فيضحك صلى الله عليه وسلم.
فالتوجيه المباشر ينبغي أن لا يكون موجهاً إلى الطفل في وقت يكرهه الطفل ..
أما تنبيه استعداده للمحاكاة فإنه يستمر طول الوقت, لأن ذكاء الطفل ودقة ملاحظته تدفعه ليكون مقلداً من غير تكلف.
المفردة الرابعة : التشجيع لا التثبيط:
فكم من الأسر تثبِّط أطفالها, أما ديننا فإنه يشجع الطفل .
وحين سكت ابن عباس رضي الله عنهما في جمع من الرجال قال عمر رضي الله عنه له وكان أميراً للمؤمنينِ: قل يا ابن أخي ولا تَحْقِر نفسك ، أي : لا تستصغر نفسك حين ترى أنك غلام صغير بين الأشياخ .
شجِّع طفلك على الكلام ولينطق من مخزونه بين الكبار ، لأن ذلك سيشحن شخصيته, ويعطيها نماءً، وإذا كان يحسن قراءة القرآن ويحسن الطهارة ويحسن الصلاة قدِّمه ليصلي إماماً بك، ولن تتصور ما سيحدثه ذلك في طفلك , فصلاة المميز إماماً بالناس صحيحة , وفيها ما فيها من بناء الشخصية .
ومن تشجيع الطفل الوارد عنه صلى الله عليه وسلم ليكون ذلك الطفل صاحب قرار بإرادة حرة ما ورد من أنه : جاء والد وزوجته إليه صلى الله عليه وسلم ، كانت الزوجة كافرة وكان الوالد مسلما ، ولهما ولد صغير لم يبلغ بعد، فكانا يختصمان على الغلام ، ورضيا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلس الأب والأم ثم جعل القرار للطفل !
خيره ، وتوجه صلى الله عليه وسلم بقلبه إلى الله يدعو له ويقول : ( اللهم اهده ) ، ليكون قراره سبب رشد له .
طفل يريده صلى الله عليه وسلم أن يكون صاحب قرار !
.. هذه شخصية الطفل في ديننا ..
فاختار الولد أباه .
ومن تشجيع الطفل أن تناديه بكنيته، أي أن تقول له: يا أبا فلان ، ومن السنة أن يُكْنى الطفل ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لطفل صغير: (يا أبا عمير ما فعل النُغير؟) ، يؤنس قلبه حين مات طائره النُغير ، فلم يخاطبه باسمه ولكنه قال يا أبا عمير .
المفردة الخامسة - التي يستغربها من لا علم له بالإسلام - استرضاء الطفل :
فقد خرج صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون ومعه صبي صغير له يلثمه، أي يقبِّله، فقال له: (ابنك هذا ؟. قال: نعم ؟. قال له: تحبه يا عثمان ؟ قال : إي والله يا رسول الله , إني أحبه ، قال: أفلا أزيدك حباً له؟ قال: بلى فداك أبي وأمي ، قال: إنه من ترضَّى صبيّاً صغيراً من نسله حتى يرضى ترضَّاه الله يوم القيامة حتى يرضى ).
فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يريد الدمعة في عين الطفل، إنه يريد الطفل باسماً.. فليسمع العالم..
وليسمع الذين لا يفهمون الإسلام..
وليسمع الذين يتحدثون عن حقوق الطفولة..
وليسمع الذين يصفون الإسلام بالوحشية..
الإسلام يريد الطفل باسماً, ويجعل مكافأة لوالديه حينما يسترضيان طفلهما أنه سبحانه وتعالى يطلب رضائهما يوم القيامة حتى يرضيا..
المفردة السادسة : تدريبه في ساحة المجتمع تدريباً اجتماعياً :
شارِك – أيها الأب - ذلك الطفل في قضايا المجتمع ، شاركه في حديث يتعلق بمعاملات الاجتماع.
يروي أنس ( الغلام الصغير ) كما أخرج ابن سعد وأحمد والنسائي وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد"اذهب فاذكرها علي فانطلق قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، فقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ..
أنس الغلام الصغير يراقب ذلك الحدث ، ويمشي مع زيد مراقباً كل حركة له ثم يروي ذلك الحديث.
إنها مشاركة اجتماعية واضحة .
المفردة السابعة : أن تدخله عالم الاقتصاد بما يتناسب معه :
وقيام أمتنا كما يقرر ربنا باقتصادها :
(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً) النساء: 5
عوِّده – أيها الأب - المعاملة الاقتصادية ، ليتعلم كيف يخرج المال, وكيف يجمعه ..
ومن شواهد ذلك أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شاهد الطفل عبد الله بن جعفر وهو يبيع, فدعا له بالبركة .
أما المفردة الثامنة والأخيرة فهي : الدعاء لهذا الطفل :
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال:
(اللهم علمه الحكمة) وفي رواية (علمه الكتاب) وفي رواية ( فقهه في الدين وعلمه التأويل )
ولما جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك يشكو له عقوق ولده , قال له : هل دعوت عليه ؟ قال: بلى.
فقال عبد الله بن المبارك: أنت أفسدته.
تذكروا هذه المفردات.. ونحن في ذكرى أنموذج الطفل الذي يحكي القرآن مناسبة ولادته
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ)
تذكروا أن تصاحبوه..
.. أن توجهوه توجيهاً مباشراً يفرحه ويكون له ماتعاً..
أو أن تعتمدوا توجيهاً غير مباشر من خلال قدوة حسنة تكون أنت أنموذجها أمامه , لأنه سيقلدك ويحاكيك..
شجعه ولا تثبطه..
اطلب رضاءه..
أدخله الحياة الاجتماعية..
أدخله الحياة الاقتصادية..
أدعُ له..
هذه بعض من أهم مفردات تكوين طفلٍ ، لا يكون كجيلنا يحمل نتائج الهزيمة, ويختزن مكنونات القمع والكبت والاستبداد.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً
فهمنا دينك يا رب
واجعل حبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أسوتنا.
أقول هذا القول استغفر الله
|