تشهد أرضنا التي نعيش عليها حدثاً أذهل الصغار والكبار، في منطقة معروفة من العالم، حين تزلزلت الأرض وامتد البحر، فكانت خسائر الإنسان في الأموال والأنفس كبيرة..
وحين تقرأ هذا الحدث في وسائل الإعلام تجد تركيزاً على التوصيف الظاهر.
وتجد حديثاً عن الأسباب المادية كالتفسيرات الفيزيائية أو الجيولوجية...
وربما اكتفى بعض الناس بما سمع وهز رأسه بالقبول حينما يسمع أن تلك الظاهرة تسمى باسم ما ، متوهماً أنه قد فهم كل شيء .
وربما تحدثت وسائل الإعلام عن هذا الحدث بصورة ترتبط مع بعض المعاني، فتقول على سبيل المثال: إنه غضب الطبيعة أو قسوتها، ويقف الأمر عند هذا الحد.
وقد تعودنا أيها الإخوة في مثل هذه الساعة المباركة أن لا يكون حديثنا مجرد حديث يدغدغ المشاعر.. تعوّدنا أن تكون هذه الساعة ساعة مدارسة، وساعة فهم وعمق، وما ضر هذه الأمة إلا سطحيتها وغثائيتها .
ولنتحدث حديثاً يبتدئ من حيث تكلم الماديون فنقول :
هل الحوادث التي تهز الإنسانية من آن لآخر كالأعاصير والبراكين والزلازل والفيضانات وما يسمى اليوم بالمد الزلزالي هل هي حوادث عفوية ومصادفات طبيعية ليس بينها وبين المعاني أي علاقة، وليس بينها وبين الإنسان أي صلة، فهي لا تحمل في طياتها من المضامين شيئاً إنما هي حوادث وقعت صدفة حين اصطدمت قطعة من الأرض بقطعة أخرى؟.
والمتأمل في هذا الكون يا إخوتي يجد تناسقاً وانسجاماً يعجز العقل عن توصيفه بدقة، لأنه يجد فيه حكمة ظاهرة وإتقاناً عجيباً، فالكون يسير بانتظام شديد ..
لم يتخلف طلوع الشمس على هذه الأرض يوماً من الأيام عن موعده، ولم يتخلف طلوع الهلال في مبتدا الشهر عن موعده .. وتتغير الفصول، ويخرج في كل فصل ما يتناسب مع الإنسان من حاجاته الغذائية والضوئية والكسبية والمعاشية..
تسير في هذا الكون القوانين منتظمة، حتى الحيوانات والأفاعي والحشرات بعضها يبدل الجلود وبعضها يتخلى عن كثير من خلاياه ، وتأخذ النباتات من ضوء الشمس الظاهر على هذه الأرض حظها والكون من حولها ظلام دامس، فلا تجد تناقضاً ولا تجد خللاً في قاعدة من تلك القواعد، إنما تجد انتظاماً وحكمة وإبداعاً.
أيعقل أن يكون كل هذا الكون بمجراته ونجومه وشموسه وكواكبه وأقماره ونباتاته وحيواناته وتوازناته...
أيعقل أن يكون كل هذا منتظماً ثم تخرج هذه الأرض، هذا المخلوق الكبير الذي عليه ملايين المخلوقات وهو كبير بالنسبة لهذا الإنسان الذي هو على وجهها إنما هو صغير في هذا الكون الكبير، أتخرج هذه الأرض عن ذلك النظام لتدخل في الشذوذ والصدف؟.
إذا رأيت طلقة متفجرة قتلت حيواناً أو إنساناً تُرى أتنسب إلى تلك الطلقة أم تنسب إلى الذي أطلقها؟.
لا ينسب الفعل إلى تلك الطلقة مجردة عن مُطلقها إلا البُله .
والله سبحانه وتعالى قرر في هذا القرآن المعجز الذي هو معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا القرآن الذي لا تنقضي عجائبه ، الذي أعجز بلغته وأعجز بمعلوماته وأعجز ببيانه وأعجز بنظامه .. أسمع الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان في هذا القرآن حقيقة فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم :
(إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)الزلزلة: 1-5
فصرح القرآن ببيان لا يقبل نقضاً أن الله سبحانه وتعالى أمر هذه الأرض وأوحى إليها، وصرح بأن هذه الأرض تتلقى أمراً من خالقها .
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) .
فبيان القرآن يؤكد حقيقة امتثال القرآن لأمر ربها .
( فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت: 11
فوصف الأرض بطاعتها لربها ووصفها بأنها تتلقى وحيه ..
فلابد لنا إذاً أن نفهم أن ما يحصل في الأرض هو رسالة من خالق الأرض ، لأن الأرض لم تفعل ما فعلته ولا البحر فعل ما فعله إلا بأمر من الله.
وقال الله سبحانه وتعالى وهو يخاطب جمع البشرية:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء: 128- 130.
وقد حصل هذا الحدث في وقت طغى فيه الإنسان إلى حد الغرور الذي يتجاوز كل حد، فإذا عُرض عليه أن ينتظم بأمر الله سبحانه وتعالى تمرد ..
وأفرزت المادية مؤسسات كثيرة، وأفرزت شركات زعمت أنها قادرة على حماية الإنسان، فقد أُسست شركات التأمين التي تقول للناس:لا تخافوا فمهما حل بكم نقدر على تعويضه.
وها هي اليوم تململ وتوشك أن تعلن عجزها ..
نحن نفهم لغة التأمين بمفهوم آخر، ومن أوائل من كان مؤمِّناً لذريته أبو الأنبياء إبراهيم، عليه الصلاة والسلام حينما ربط الضعف الإنساني بقوة خالقه، وحينما ربط فقر الإنسان بغنى خالقه :
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم 35-37.
وآخر الأخبار : أن شركات التأمين تريد أن تسن قوانين جديدة تستثني الحوادث التي تعصف بالإنسان، فهي تريد أن تعطي ذلك الإنسان في حادث فردي تأميناً، لكنها لن توقع مع أحد بعد اليوم تأميناً عند حدوث حادثة طبيعية، هكذا يسمونها ، ولا يوجد لدينا من مانع حينما نربط تلك الطبيعة بخالقها.
ومؤسسات الإغاثة توشك أن تعلن عجزها ..
وذلك البنك الدولي الذي عرف كل اقتصادي في العالم أنه بنك أسس ليكون طريقاً للاستيلاء على ثروات العالم الضعيف يتعامل بخجل مع تلك الحادثة .
والدول والحكومات التي تصول وتجول وتتبجح بقوتها أمام شعوبها تعلن العجز.
ومناطق السياحة التي تقرع الآذان في وسائل الإعلام وتعد الناس بأنها جنة الأرض تصبح خبراً من الأخبار.
ماذا يعني كل هذا ؟.
إن هذا يعني أن رسالةً توجَّه اليوم إلى الأرض تذكر الإنسان بضعفه، وتذكره أنه فقير إن لم يُغنه الله، ضعيف إن لم يقوِّه مولاه.
هي رسالة تذكر الإنسان بفاقته وفقره، وقد قال الله سبحانه : (ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ) فاطر: 15.
وقال سبحانه : (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) يونس: 24.
إنها رسائل تعريفية تذكر الإنسان بحاكمية الله سبحانه وتعالى التي يحكم بها الكون كله، ومع وجود تلك الرسائل تجد كثيراً من الحمقى يصرون على أنها مصادفات طبيعية، وليس وراءها من المقاصد المعنوية شيء.
وهنا أطرح بعض التساؤلات التي ربما وردت إلى بعضكم وأنا أتحدث عن امتثال الأرض لأمر ربها.
التساؤل الأول : إذا كان الأمر كذلك فلماذا تصيب هذه المصائب والبلايا الخطَّائين وتصيب معهم الأتقياء والأبرياء؟.
فإذا كان الأمر رسالة موجهة من الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت هذه الأرض تمتثل أمر الله سبحانه في هذه الحوادث الطبيعية فلماذا تصيب من يرتكب الخطأ ومن لا يرتكبه؟.
ولماذا في وقت واحد ينزل البلاء فيصيب وثنياً ويصيب مسلماً ..
يصيب مؤمناً متوجهاً إلى الله ويصيب خطّاءً مذنباً غارقاً في العهر، وغارقاً في الشرك، وغارقاً في الغفلة والإعراض....؟.
والجواب على هذا السؤال :
إنه لو سلم الأبرياء والأتقياء من البلايا والمصائب ؛ فكانت البلايا والمصائب لا تنزل إلا بالخطَّائين فلن يبقى للتكليف في دار التكليف معنى , لأن التكليف فيه اختيار واختبار, وهذا سيلغي الاختيار والاختبار ، لأن تكرار الأمر سيتحول معه الناس كلهم من الكفر إلى الإيمان, كما يحصل في يوم القيامة إذ لا يبقى هنالك كافر بالله سبحانه بعدما رأى حكم الله, ومالكيته سبحانه وتعالى, وعلم يقيناً أنه سبحانه هو الله مالك يوم الدين.
فهذا الذي ينزل من البلاء هو رسالة تذكيرية, ولن يكون بديلاً عن الحساب في الآخرة.
ثم إن العدالة الربانية لا يمكن في وقت من الأوقات أن ينتفي منها شيء
فهو سبحانه وتعالى لن يضِّيع للتقي مالاً, فالمال الذي ضاع عند المصيبة مدَّخر لهذا المؤمن في الآخرة, فهو صدقة مدَّخرة له ..
وعندما تزول بالمصيبة حياته الدنيوية فإنه سبحانه يبدله بها حياة باقية أبدية فيها كل النعيم والسعادة, فهي في المنظور البعيد ربح لذلك التقي لا خسارة.
وقال سبحانه:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)البقرة: 155
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)
وهكذا يعود الأمر إلى أصل الاختبار, والاختيار..
فهذا المؤمن حين اختار الإيمان والاستقامة فالمصيبة تخرجه من سجنه إلى فضاء نعيمه .. وذلك الذي اختار الطغيان والبغي تخرجه المصيبة من جنته إلى دار جزائه.
السؤال الثاني :
لماذا لم تنزل مثل هذه المصيبة في بلاد فيها من هم أشد كفراً وخطأً وشذوذاً وإلحاداً ؟
لماذا نزلت في الشرق, ولماذا لم تنزل في الغرب؟
هل لأن الغرب عليه خيمة ولا تنزل عليه البلايا..؟
هل لأن حضارته الشاذة التي امتلأت بالشذوذ منعت أن تصل إليه الحوادث الطبيعية؟
أليس ذلك المجتمع قد وصل في طغيانه إلى حد لم يصل إليه أولئك الفقراء؟
أليس ذلك المجتمع قد وصل في الشذوذ إلى درجة أباح فيها زواج المثل بالمثل؟
فلماذا لم تنزل في وقت طغيان العالم الغربي على الغرب لتذكر العالم الغربي؟
والجواب :
كما تحال الجرائم الكبرى إلى المحاكم الكبرى, بينما تحال الجنح الصغيرة إلى المحاكم الصغيرة في المناطق فيقضى بها, كذلك فإن المتأمل في حكمة الله سبحانه وتعالى يجد أن القسم الأكبر من العقوبات يؤجل إلى الآخرة, حيث المحكمة الكبرى..
(أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ , لِيَوْمٍ عَظِيمٍ , يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)المطففين:4-6
السؤال الثالث :
لماذا تنزل المصيبة فتعم البلاد مع أنها نزلت أصلاً لعقوبة الخطَّائين؟
وهل من مناسبة بين الخطَّائين والأتقياء؟
قال لي أخ من الغرب : إن الإنسان الغربي يتحسس من لفظة الطاعة, لأنه لا يريد أن يطيع, أصبح ذلك الإنسان ينفر من مفهوم الطاعة لأنه لن يطيع إلا نفسه, والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليكون حراً , لكن ليكون حراً حتى من نفسه..
فما فهم ذلك الإنسان أنه عبد لم يتحرر, إنه يطيع ولكن يطيع شهوته, ويطيع نفسه, والله سبحانه وتعالى يريد أن يحرره حتى من نفسه, ليضعه في عالم الحرية الحقيقي الذي لا يكون فيه عبداً لشيء من الأشياء , يسخِّر له الكون كله يخدمه ليكون هو خادماً لمولاه .. وليكون فاهماً أن حريته لن تكون إلا حينما يرحل إلى ربه, متوجهاً إليه.
ونعود إلى السؤال : هل من مناسبة حينما عمَّ البلاء الخطَّائين وغير الخطَّائين, هل من مناسبة بينهم ؟
والجواب ربما يُستوحى من قوله صلى الله عليه وسلم, كما يروي أبو داوود في سننه:
(مَا مِنْ قَوْمٍ يعْمَلُ فِيهمِ بالمَعَاصِي ثُمّ يَقْدِرُونَ عَلَى أنْ يُغَيّرُوا ثُمّ لا يُغَيّرُوا إلاّ يُوشِكُ أنْ يَعُمّهُمُ الله مِنْهُ بِعِقَابِ)
فهناك تقصير ما حصل بين الأتقياء على مستوى العلم, أو على مستوى العمل, أو على مستوى النهضة, وبناء الحضارة .. ثمة تقصير ما حصل حينما فهم ذلك الإنسان أن عبادته لله تعالى تعني أن يدخل إلى المسجد ليصلي وحسب, فما عرف أن الله سبحانه وتعالى ما وضعه على هذه الأرض إلا ليكون خليفة..
(هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)هود: 61
فحينما قصَّر أولئك الأتقياء الذين كانت تقواهم فردية, ولم يشعروا بالمسؤولية الجماعية التي تبتدئ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بالحكمة والموعظة الحسنة, وتنتقل إلى البناء الحضاري الذي من خلاله ينتفي الفقر وينتفي الجهل, وتنتفي تسلُّطات الأغبياء .. حين قصروا نزل العذاب بالجميع .
واقرؤوا ذلك الحديث الذي يحفظه كثير منكم:
(مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا) أي بالحرية الفردية (وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)
تُراك إذا كنت تركب تلك السفينة وأراد من يملك الطابق السفلي أن يخرق فيها خرقاً, تراك تسمح له!
وهكذا مثَّل لنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بهذا المثال..
فحينما تغرق في العالم مٍساحة ما فلا بد لنا أن نفهم تلك الرسالة بتفصيلاتها..
فلا يمكن أن تغرق سفينة أخذ من فيها على أيدي من أرادوا أن يخرقوا فيها خرقاً.
السؤال الرابع:
نزل العذاب فكان نوعين: نوعاً بالمال والبدن, ونوعاً نفسياً تمثل بالرعب والهلع والاضطراب, وربما كان الهلع والاضطراب والخوف في بعض الجزر السياحية أشد بكثير من العذاب الذي نزل في الدول الفقيرة التي يتمنى أصحابها الموت, بسبب واقعهم البئيس..
هل من مناسبة بين نوعي العذاب هذين والسلوكيات الإنسانية ؟
والجواب : نعم ..
فالخلل في السلوك الإنساني على مستوى المال والبدن عقوبته في المال والبدن, والخلل حينما يتلذذ باطن الإنسان بمخالفة أمر ربه لا بد أن يُقابل بنوع نفسي يماثله من الجزاء والعقوبة.
وقد قال الله سبحانه:
(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ)الأنعام: 139
وقال سبحانه:
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)الأعراف: 96
السؤال الخامس الذي قد يَرِد إلينا:
هل نقف أمام هذه المصيبة متفرجين, نفرح لأن عذاباً نزل ببعض الوثنيين, ونقول: إن المسلمين منا قد ذهبوا شهداء وانتهى الأمر..
أم أن ديننا يفرض علينا في مثل هذه الحال سلوكاً إنسانياً؟
والجواب يأتي في قوله سبحانه:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)الإسراء: 70
فالله سبحانه وتعالى كرَّم عنصر البشرية تكريماً عاماً, ثم جاء الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليقول لنا, كما في الحديث المتفق عليه:
(في كل كبِدٍ رطبة أجر)
ولا أظن أن مبدءاً من المبادئ على الأرض يقدم نصيحة شاملة في الإنسانية وعطائها كهذا.. (في كل كبد رطبة أجر) مهما كانت هويتها بل إنه يتجاوز في هذا الحديث الإنسان إلى الحيوان لأنه يحمل في طياته كبداً رطبة .
وقد حكى المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف غفر الله سبحانه وتعالى لرجل لم يعمل خيراً قط أزاح عن الطريق غصن شوك.
وكيف شكر الله سبحانه وتعالى وغفر لمن وقعت في الفاحشة لكنها سقت كلباً عطشاناً.
إن ديننا لا يعرف الحقد والتشفي.
إن ديننا يأمر الإنسان الذي ينتمي إليه أن يمد يده للمصاب ..
وهكذا تتجلى معاني الرحمة العالمية التي إمامها محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله سبحانه وتعالى له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 107.
أيها الإخوة : إذا كنا سنُصرُّ على أن نبقى في المبادئ المادية .. وإذا كنا نُصِرُّ على أن هذه الحوادث الطبيعة لا علاقة بينها وبين السلوك الإنساني ولا علاقة بينها وبين الغيب فإن تلك الحوادث ستزحف شيئاً فشيئاً إلى كل البلاد التي تصر على مخالفة أمر خالق الكون الذي خلقه ونظمه .
إنها رسالة فهل سيفهم هذا الإنسان المتجبر المغرور هذه الرسالة أم أنه سيبقى مكتفياً بتسميتها، وسيبقى واقفاً مع تفسيراتها المادية المجردة ؟
إنها يا إخوتي مذكرات وحين لا نفهمها المذكرات سنقع فيها من غير أن يكون هنالك أي استثناء.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً .. ردنا إلى دينك .. أصلحنا يا رب .. أصلح شبابنا .. أصلح بناتنا .. أصلح مثقفينا .. أصلحنا ظاهراً وباطناً يا رب العالمين.
أقول هذا القول واستغفر الله
|