مفردات الهداية التي نحملها إلى الناس
أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره أنني رأيت إخوة لي في الإسلام وقد تنعموا بنعمة الرخاء ، وعاشوا في مكان لا يصيبهم فيه شدة ولا لأواء ..
وهي نعمة من الله تعالى ينبغي على الإنسان شكرها ..
وأغتنمها فرصة لأقول لإخوتي في الله في هذه البلاد : إن أخلاق المسلم لا تقبل أن يكون مصدر إيذاءٍ أو محنة أو شدة في مكانِ رخاءٍ فتحَ ذراعيه له بالأمن والسعة ..
إنه منبع رحمة وهداية ..
وأنتم اليوم في وقت اختلطت فيه الأوراق كثيراً ، ولا بد لنا فيه من أن نتذكر قول الله تعالى : ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا ) ، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي قال الله تعالى له : ( إني جاعلك للناس إماما ) .. وهو الذي لما تنقل بين البلدان توجه إلى الله تعالى فقال : ( فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) ..
فمن كان إبراهيمياً محمدياً سيتحرك في البلاد وهو يحمل النور ويحمل الهداية ..
لكن ما هي المفردات الكبرى للهداية التي سيحملها إلى الناس ؟
يمكن لنا في هذه العجالة أن نوجزها في أمورٍ أربعة ينبغي تبيين مضامينها للناس :
1 – صلة الإنسان بصانع الكون وخالقه .
2 – صلة الإنسان بالصفوة المطهرين الذين بلغوا الرسالة عن صانع الكون .
3 – الثمرة العاجلة لتلك الصلة .
4 – الثمرة الآجلة لتلك الصلة .
أولاً - صلة الإنسان بصانع الكون وخالقه :
وصلة الإنسان بخالقه تحصل من خلال فعلين :
- فعلٍ في باطن الإنسان .
- وفعل في ظاهره .
أما الفعل الباطن فيكون :
أ - بتعريض القلب لأسباب محبته لخالقه ، وأسباب تلك المحبة التفكر في كثرة نعم الله تعالى وآلائه عليه ، وقد قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ( أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه ) ، ونحن غرقى في نعم الله تعالى الذي أنعم علينا بما لا نحصيه من النعم : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )
ب – بتعريض القلب لأسباب تعظيمه لخالقه ، وأسباب تعظيمه تعالى دوام ذكره : ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا )
وأما الفعل الظاهر فيكون :
بتلمس السلوك الذي يحبه مولاه ، فيعمل بما يحبه مولاه متحبباً إليه .
ثانياً - صلة الإنسان بالصفوة المطهرين الذين بلغوا الرسالة عن صانع الكون :
وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وإمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، والصلة هذه تكون بفعلين أيضاً : باطنٍ وظاهر .
أما الفعل الباطن فيكون :
بالتوقير والتعظيم والتقدير والمحبة لأنهم واسطة الخير الوارد إلينا من الله تعالى ، وقد قال تعالى وهو يحث الأمة على توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه )
وأما الفعل الظاهر فيكون :
بالاقتداء والاتباع ، قال تعالى :
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
ثالثاً – الثمرة العاجلة لتلك الصلة :
وهي النتائج الدنيوية العاجلة لصلة الإنسان بالله ورسوله ، وتقسم إلى قسمين :
أ – نتيجة على مستوى الفرد :
بحصول الاعتدال والتوازن الإنساني ، حتى لا يكون مادياً صرفاً ، ولا لاهوتياً روحانياً صرفاً ، وحتى لا يكون انفعالياً إلى درجة الاضطراب ، ولا راكداً إلى درجة الخمول ، وحتى لا يكون في مجرد حركة ظاهرة تستغرق عمره بعيداً عن المعاني ، ولا يكون في المعاني بعيداً عن الواقع والحياة .
ب – نتيجة على مستوى المجتمع :
بحصول العدالة ، قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) والقسط : العدل ..
هذه العدالة التي جعلت الخليفة سيدنا عمر يبكي ويقول : لو أن شاة على شاطئ الفرات زلت قدمها لخشيت أن يحاسبني الله عليها لِمَ لم أعبِّد لها الطريق ؟
هذه العدالة التي رآها رسول كسرى إلى عمر حين جاءه فلم يجد حرساً عليه ، ووجده نائماً في ظل شجرة فقال : عدلت فأمنت فنمت .
هذه العدالة التي رسخها أبو الحسن سيدنا علي حين جلس مع خصمه اليهودي إلى قاضٍ فلم يساوِ بينهما في الخطاب ، قال له يا أبا الحسن ، وقال لخصمه : يا يهودي ، فقال سيدنا علي للقاضي : أنت لا تصلح للقضاء لأنك لم تعدل في الخطاب !!
رابعاً – الثمرة الآجلة لتلك الصلة :
وهي مبينة بقوله تعالى :
( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض )
فقد تفعل فعلاً خيِّراً لا تجد له ثمرة عاجلة ، وقد تقدم نفعاً ما ؛ مالاً أو علماً أو وقتا ولا تجد له ثمرة عاجلة – مع أنك في الغالب تجد الثمرة العاجلة – لكن عدم ظهور النتيجة العاجلة لا يجعل منك فاشلاً ..
قال تعالى لحبيبه : ( فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك )
والنتيجة الآجلة كبيرة ، فقد ورد أن آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة يعطى عشرة أضعاف الدنيا بما فيها !!
وورد أن الشجرة الواحدة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام !!
وورد أن موضع سوط أحدنا من الجنة خير من الدنيا وما فيها !!
وفوق كل ذلك ما يتنعم به أهل الجنة من النظر إلى وجه الله تعالى الكريم ..
كل هذه الحقائق الغيبية حين تحضر في قلب المؤمن تجعله ينظر نظراً واسعاً إلى ذلك المدى البعيد فيقبل على أسباب قربه وهدايته .
أيها الأحبة أنتم منبع النور ، وأنتم منبع الهداية ، وأنتم منبع الرحمة ، والعالم محتاجٌ إلى رحمتكم وأنواركم ، والدعاة يرتفعون فوق لغة رد الفعل على الفعل ، لأنهم أصحاب رسالة .
أسأله تعالى أن يجمع قلوبنا عليه ، وأن يغرق أرواحنا في جمال أنسه ، وأن يذيق جميعنا لذة قربه وأن يجعلنا من أهل الأنوار .
أقول هذا القول وأستغفر الله .
|