الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
بين الخصوصية الفكرية والتقليد الأعمى
15/4/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
بين الخصوصية الفكرية والتقليد الأعمى
إن شهر الربيع يعيدنا شئنا أم أبينا إلى ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..
وذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يغيب عن قلوب أهل الفهم، ولا يغرب عن أرواح أهل العزم...
لكن تجديد الذكرى فيه تجدد حياة وتجدد محبة.
تزيد ملاحة وأزيد عشقاً فحالي فيك ينتقل انتقالاً
على أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وظهوره الأنور على وجه هذه البسيطة يمثل خاتمة الرسالات؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رسول الله وخاتم النبيين، ومن الخطأ أن ننظر إلى مضامين رسالته الخاتمة بعيداً عن مقاصد الرسالة التي يجتمع فيها رسل الله كلهم عليهم الصلاة والسلام ..
فرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت لتكون العقد على جيد الزمان، وكانت تتميماً لمكارم الأخلاق، وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم النموذج الجامع الذي اجتمعت في شخصه الكريم وقوله وفعله وحاله نماذج الرسل عليهم الصلاة والسلام .
وإنه ليحلو في شهر الربيع أن نسبح من جمعة إلى جمعة، ومن درس إلى درس في المعاني والمضامين التي بها أخرج الله سبحانه وتعالى البشرية من الظلمات إلى النور.
وإنه ليحلو أن نأخذ جانباً من الجوانب لنقرأه في كل أسبوع، ولنعيشه في كل درس، فنرى فيه مضموناً من المضامين التي وجدت في رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ورسالات الرسل من قبله عليهم الصلاة والسلام.
واخترت لكم اليوم موضوعاً ومضموناَ من تلك الموضوعات والمضامين، ذلك أن القارئ الذي يقرأ كتاب الله تبارك وتعالى والذي ينقل لنا فيه سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة الرسل من قبله، يجد أن الرسل وخاتمهم عليهم الصلاة والسلام خلّصوا الإنسان من أقفاص التقليد الأعمى، وهذا الجانب ؛ وكل الجوانب التي نقرأها ونتدارسها لا نقرأها لإثراء الفكر ولا لسرد التاريخ، إنما نقرؤها لتكون الدواء والبلسم في زمان الجاهلية الأخرى لتي نعيش فيها بصور إسلامية بعيداً عن أكثر مضامين الإسلام.
وإخراج الإنسان من أقفاص التقليد الأعمى، وتحرير تفكيره، ونظره، وتأمله نقرؤه في قوله تبارك وتعالى وهو يخاطب سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ويجمع في الخطاب والمضمون من سبقه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فيقول له :
(وَكذكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِير إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ ٍ) الزخرف:23-24
قال الذين شغلوا بمألوفاتهم عن عقولهم وتأملهم، وشغلوا بمصالحهم وحاجات أجسادهم عن النظر الذي تسبح فيه أرواحهم لتقطف من قطوف الحقائق، ولتجني ما ينفعها وما يرفعها، ولتخرج عن قفص المحسوس إلى إطلاق المعنى الذي يتحرر فيه الإنسان من قيد حواسه ليعيش حالة العقلاء ..
(وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ) أي من رسول ينذر.
(إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ) فنحن نقلدهم ونعيش تراثهم.
(وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) لا حاجة أن نعمل عقولنا؛ لأن آبائنا قد تركوا لنا إرثاً.
(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ)
قال كل رسول من الرسل يخاطب أولئك المقلدين تقليداً أعمى لمن ضل : (أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ )
( قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ)
وتلك هي الحالة التي لا يستعمل الإنسان فيها عقله ، وهي الحالة التي يسجن فيها الإنسان تفكيره، وهي الحالة التي يقدس فيها الإنسانُ الإنسانَ ، ويأخذ ما تلقاه فينقاد له كما تنقاد البهائم لراعيها...
لكنَّ الله سبحانه وتعالى في دعوته التي ينقلها الرسل وخاتمهم عليهم الصلاة والسلام يقول :
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) ‏الحج:46
فالله سبحانه وتعالى يريد لهذا الإنسان أن يتعقل ..
يريد لهذا الإنسان أن يفكر ..
يريد لهذا الإنسان أن يكون متحرراً من رق التقليد الأعمى.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)الحج : 46‏.
أي حينما تكون تلك القلوب التي فيها العقول مقيدة بقيد التقليد.
والآيات التي تدعو هذا الإنسان على وجه الأرض ليتأمل وينظر ويتحرر من التقليد كثيرة لا يسع الوقت لذكرها، لكنني أختار واحدة، فبعد أن أمر الإنسان بالسير في هذه الأرض والنظر فيها ؛ أخرج الإنسان من نظره في الأرض إلى نظره في السماء ليكون تفكيره حتى في السماء.
واقرؤوا في سورة الملك قوله تعالى :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ)الملك : 3
تأمل بعقلك وانظر ..
كن ناقداً فالصانع يتحدى ، ويطلبك لتكون متأملاً ومدققاً في صنعته، فإن وجدت نقصاً أعلن ذلك النقص، وحتى تكون ناقداً لابد لك من التدقيق في الصنعة :(فَارْجِعِ الْبَصَرَ)
كرر رجوع بصرك ونظرك في الكون، فإن رأيت سنة واحدة من سننه فيها نقص قل للصانع في صنعتك نقص، إنها دعوة لا يقدر عليها إلا من كان عالماً أنه الحكيم المتقن.
(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ)الملك : 3-4.
وهكذا بدأ يُخرج الإنسان من التقليد الأعمى إلى النظر والتفكير .
وبعد ذلك رفع قاعدة تقول له:
(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)فاطر:18
يا من قلد : إن المقلَّدَ حين يكون ضالاً فتقلده لن يحمل من وزرك، وستحمل وزرك أنت وحدك لأنك مكلف ومطلوب منك أن تكون مفكراً، فلم يفسح لنا ربنا سبحانه وتعالى أن نقول: هكذا أملي علينا.
لم يسمح لنا ربنا أن نعتذر فنقول: هكذا تلقينا, هكذا قيل لنا, هكذا وضع لنا نظام فسرنا عليه..
لا..
لأنه كلفك أنت :(وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا)
إذا ما دعت نفسٌ مثقلة بذنوبها وأوزارها (إِلَى حِمْلِهَا) أي إلى ذنوبها ليقاسمها بها أحد ، (لايُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) حتى لو كان الذي تَبعتَه أباً لك أو أماً أو أخاً أو صديقاً أو حميماً.
وقال القرآن لنا, وهو يصف خاتمة الإنسان:
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ، كَلا لا وَزَرَ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ، يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ، بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) القيامة: 7-15
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) شَخَصَ وهو يرى أهوال القيامة..
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) فلم يبق له ضوء..
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) في معنى ذهاب الضوء, فلم يعد واحد منهما مضيئاً ولا منيراً..
(يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ، كَلا لا وَزَرَ) لا ملجأ ولا حصناً, ولا مهرب.
(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) إليه الرجوع والمنتهى..
ثم صدمك بالحقيقة التي ينبغي أن تصحو عليها-إن كنت في رق التقليد الأعمى- من سباتك فقال:
(بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فأنت حجة على نفسك..
(وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) فلن يقبل منك أن تقول: قد سمعت ما قيل فقلت, ووصلني ذلك الأمر فاتبعت.
إنه التحرير التام الذي يدعوك من خلاله أن تستشعر مسؤوليتك الكاملة, وخصوصيتك الفكرية التي يريدها أن تكون فيك, أيها الإنسان الخليفة.
فتحرير الإنسان يتحقق حينما لا يكون هذا الإنسان كالبهائم منقاداً..
وتحرير الإنسان يكون حينما ينطلق ذلك الإنسان من رق تبعيته, فلا يعتذر قائلاً: إن المجتمع من حولي قد فعل كذا ففعلت..
سيقول لك:(بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)
ويقول لك:(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
فإن قلت: كان ذلك القوي يفعل ففعلت..
أو قلت: كانت تلك الجماعة تفعل ففعلت..
أو قلت ما تشاء أن تقول ، فلن يقبل شيء من ذلك منك, وأنت أنت المسؤول..
(بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) أنت الحجة على نفسك وأنت المسؤول ،(وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ).
وهكذا .. قال أهل الناركما يحكي القرآن:
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)الملك: 10
ثم انظروا إلى ذلك المشهد الذي يحكيه لنا القرآن الكريم الذي جاء به سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وهو يحكي ذلك اللقاء بين المُتّبَعين والمُتّبِعين .. بين القادة والأذناب..
يدخل القادة المُتبَعون أولاً, فيمكثون ما شاء الله في النار, ثم تفتح أبواب النار ليدخل الأذناب والأتباع, فتقول الملائكة للقادة المُتَّبَعين:
(هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ) يلقى في النار ليكون معكم..؛ فيجيب القادة المُتّبَعون:
(لا مَرْحَبًا بِهِمْ)
يا سبحان الله.. تبرأتم اليوم منهم, وهم الذين كانوا أذنابكم.
يقول القادة المُتبَعون:
(لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ) وإنهم من أهل الشقاوة.
فيجيب الأتباع الأذناب, حينما يسمعون خطاب القادة الذين اتبعوهم :
(قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ) أنتم الذين وضعتم لنا منهج الضلال فاتبعناكم.
ثم يتوجه المُتَّبِعون إلى الله بالدعاء, يطلبون من الله سبحانه أن يعذِّب قادتهم الذين اتَّبعوهم عذاباً ضعفاً لأنهم كانوا سبب إضلالهم:
(قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ) ص: 59-61
هذا في سورة ص .
وفي سورة الأحزاب ورد جزء من ذلك الحوار بين القادة والأتباع, لكن قدم جزءاً صغيراً آخر من اللوحة وهو جزء دعاء المُتَّبِعين على القادة المُتَّبَعين:
(وقالوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) الأحزاب: 67-68
أما في سورة الأعراف, فيضيف الله سبحانه وتعالى جوابه, فيضاف إلى اللوحة التعليق, ولا تكتمل اللوحة إلا إذا قرأت تعليق صانعها عليها, يقول الله سبحانه وتعالى:
(حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا) يعني إذا اجتمعوا فيها جميعاً, القادة المُتبَعون والأذناب الأتباع المُتبِعون:
(قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ)
قال المُتَّبِعون للمُتَّبَعين :
(رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ)
فيجيب الله سبحانه وتعالى, وتجيب خزنة جهنم :
(قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ)
فالضعف سيأتي للقادة المُتَّبَعين, وللأذناب المُتبِعين.
(وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ)
قال القادة المُتّبَعون لأذنابهم وأذيالهم المُتّبِعين الذين كانوا في الليل والنهار يصفقون لهم من غير تفكير..(فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ) لماذا نتعذب أكثر منكم؟ هل لكم فضل علينا؟!! فقد كفرتم, وفعلتم ما فعلتموه بمطلق إرادتكم..
ولم يكن ثمة إكراه ..
كنتم بمطلق تفكيركم..
من الذي قيَّد تفكيركم..
أما سمعتم:(فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)ص: 29
فلم اخترتم ما اخترناه من طريق الضلالة..؟
(وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ)الأعراف: 38-39
في الدنيا لم يكن أولئك الأذناب يجرؤون أن يقولوا للمتبعين من أهل الضلالة لا مرحباً بكم لأنهم كانوا في عمى التقليد ورغبة المنفعة معطِّلين لعقولهم ولتدبرهم ، وأكثرهم كان يكذب على نفسه، وكان يعلم أنه على باطل ، لكن دناءة نفسه كانت تسمح له وهو يعلم أنه على باطل أن يتبع .
دناءة نفسه كانت تسوقه إلى الاتباع مع علمه الباطن أنه على باطل وأن من اتبعهم على باطل، لكنها همة دنية لا تتعلق بمعالي الأمور.
وكم أكرر قصة العز الذي كان في العز ..
كم أكرر قصة العز بن عبد السلام ذلك العالم المجاهد الفقيه الذي قال للسلطان: لا ينبغي لك أيها السلطان المملوكي أن تحكم البلاد وأنت عبد فاشتر نفسك أولاً، وكان ذلك السلطان ترتجف من خطابه القلوب، وترتعد من مواجهته الفرائص...
فقيل له كيف استطعت خطاب السلطان بكلمة الحق هذه ؟
فقال قولته التي تكتب ويرددها التاريخ: (استحضرت عظمة الله فرأيت السلطان كالقط).
استحضرت عظمة الله...
تلك هي القيمة التي من خلالها ينظر الإنسان إلى المالك الأوحد وينظر إلى كل العبيد على أنهم في قبضته، غنياً كان أو فقيراً، ملكاً كان أو أجيراً..
إنه السمو الذي يرتقي فيه الإنسان بإيمانه...
لقد نقل القرآن الكريم صورة ينبغي لنا أن نتطلع إلى مفرداتها ، وأن نقيس ما يعيشه العالم اليوم بتلك الصورة التي يرسمها.
في سورة الزخرف يقول الله سبحانه وتعالى:
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)
يا أيها الجاهل الذي يتعالى فيقول : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)
ألم تسمع : (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) آل عمران: 189
يا من يجترئ على الله فينسب الملك إليه ..
باطل ظاهرٌ بطلانه ..
(أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)
يقول ذلك المُتَّبَع للأذناب المُتَّبِعين :
(أَفَلا تُبْصِرُونَ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ)
أنا خير أم موسى الذي ليس له صلة بالعائلة المالكة ؟
وإذا ما تكلم كان في كلامه نقص فصاحة .
(فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ)
يقول لهم : هل رأيتم موسى يلبس أسورة الذهب؟
أليس هذا شأن من كان في سوية مرموقة؟
انظروا إلى ذلك الخطاب الدني... التافه في ماديته ... المفرغ عن كل مضمون الذي لا تجد فيه منطقاً واحداً : (فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ )
( أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)
لكن ماذا قال بعدها ربنا ؟.
قال :
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) نظر إليهم ، ورأى أنهم ليس لهم عقل مفكر حر ، إنهم يعبدون الذهب، وها هو يُلوِّحُ لهم بالذهب .
أما السحرة الذين تحرروا من رق التقليد ، فإنهم قالوا له فاقض ما أنت قاض، حين هددهم بتقطيع أيديهم وأرجلهم وظن أنه يستطيع بذلك إلجام عقولهم قالوا:
(فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) طه : 72
وقفوا بالعقل الحر يقولون له ويتحدثون بالحقيقة التي يرتقي إليها العقلاء: (وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
الله خير منك ..
الله أبقى منك ..
أنت زائل وملكك زائل ، والله هو الحي الباقي الذي لا يموت .
وهكذا تحرروا من التقليد .
إذا لم نستفد في شهر الربيع من مضامين الربيع... وإذا لم ننتفع بالمضامين التي حملها إلينا صاحب المولد في الربيع , فإن أضواءً أو لافتاتٍ ملونة ...لن تجعل بيننا وبين صاحب الربيع نسبة..
فاحتفالنا بالربيع يكون حينما نتحقق بأوصاف صاحب الربيع, ونستفيد من مضامين صاحب الربيع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام..
عندها تتحرر أمة الإسلام, وعندها تعود العزة لأبناء الأمة على أرض الله.
اللهم ردَّنا إلى دينك رداً جميلاً.
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أقول هذا القول واستغفر الله
أعلى الصفحة