أما وأن الأمة الإسلامية تتهيأ في هذا الزمان لعبادة الحج، وقد دخلت أشهر الحج، فإن ذلك يسوقنا ونحن نتحدث عن إصلاح أنفسنا وأمتنا إلى العودة مرة ثانية إلى الينبوع الذي نجد فيه خيرنا، ونجد فيه مضمونات رسالتنا ، وما نبحث عنه في زمن الضياع عن الهدى.
وإذا أردنا أن نعيد الحيوية إلى أمتنا في كل عبادة، فينبغي أن نربطها بصورتها ومعانيها في زمن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت حركتها وتطبيقها على أرض الواقع، وعمقها الذي من خلاله يكون المؤمن عابدًا حقيقةً لله سبحانه وتعالى.
باختصار: حين نرجع إلى الحَجّة التي حَجَّها سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، نجد أنها لم تكن مجرد عبادة فردية يشتاق القلب فيها إلى رؤية بيت الله العتيق ، ويعيش حالة فيها حالة روحانية خاصة، لا ..
إنما نجد فيها أبعادًا ثلاثة :
- البُعد الأول: في العبادة من حيث امتثال الأمر فيها، ومن حيث ما يلقاه في معارج الروحانية فيها.
-البُعد الثاني: بُعدٌ اجتماعي، لأنَّ في تشريع الحج حركة اجتماعية وتبادلات اقتصادية، (ليشهدوا منافع لهم) على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وهي من المنافع التي تدفع مسيرة نهضة الأمة.
- البعد الثالث: وهو البعد السياسي الذي وُجِدَ في الحَجَّةِ المفُردة التي حجها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولطالما تحدث الناس في البعد الأول، وحرّك فيه الوعاظ القلوب، ودفعوها في الشوق إلى تجليات الله سبحانه وتعالى، لطالما أذكى الوعاظ جذوة الشوق في القلوب فحركوا الشوق إلى العبادة، وأكدوا على معنى الاستقامة، لكن هذا يبقى شرحًا للمعنى الفردي في عبادة الحج، ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى تفعيل المعاني الجماعية ، فلا يكفي أن تكون الجماعية من خلال اجتماع أشباح ، إنما الجماعية مضمونٌ ذو أبعاد اجتماعية، وذو أبعاد سياسية في أمة الإسلام.
لهذا ومجتمعاتنا الإسلامية اليوم التي تبحث عن الجماعية، وهي متقهقرة أمام القوى التي تتلاعب بالمصالح، تحتاج إلى إعادة درسٍ نفهمه ونستفيد منه، حتى يكون ذلك الاجتماع مفيدًا مضمون الجماعية.
وفي زمن الجيل ألأول الذي ربّاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان بيان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في اجتماع حجة الوداع ، يمثل منطلقاتنا ، ومضمونات رسالتنا ، ومقومات نهضتنا، وكان يمثل ورقة عمل لأمتنا حينما تريد بناء مجتمعاتها.
وهكذا قرأت البيان الجامع الذي نطق به الفم الشريف المحمدي ، وأردت أن أقرأه على حضراتكم لكن لا سردًا، إنما من خلال عناوين، ومن خلال موضوعات، فبيان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ذاك الذي خاطب به الأمة ورسم لها معالم طريقها، كان البيان الجامع ، والأخير الذي يُخاطب فيه أكبر تجمع سيكون منطلقًا لحضارة الأمة إلى يوم القيامة.
وقسمت ما قرأته في هذا البيان المحمدي الجامع إلى عشرة موضوعات، أو إلى عشرة عناوين هي في الحقيقة يا إخوتي معالم طريقنا، لاسيما وأننا نفكر في هذا الوقت بإعادة تركيب المجتمع، ولاسيما وأننا في هذا الوقت نعيش حالة حيرة، وترقب، وانتظار.
وقبل أن أتحدث عن هذه العناوين العشرة أقول: لفت انتباهي ، أن هذا البيان الجامع الذي تحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يردده أحد الأصحاب "وهو ربيعة بن أمية" الذي كان يعرف بالصوت الجهوري، فكان يردد كلمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وهذا يمثل استعمالًا لوسيلة متاحة، حتى تصل المعلومة إلى كل ما حضر، وكان الذين حضروا يزيدون على مائة وعشرين ألفًا من أصحاب رسول الله، وهو أكبر اجتماعٍ في السيرة النبوية ، ففي غزوة بدر كانوا يزيدون على الثلاثمائة، وفي حنين كان العدد بحدود اثني عشر ألفًا ، أما في حجة الوداع التي جاءت فيها الوفود من كل حدب وصوب فاجتمع لسماع هذا البيان مائة وعشرون ألفًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يمثلون النواة الكبرى للأمة المحمدية التي ستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أمتنا التي تزيد اليوم عن المليار ونصف بحاجة أن تسمع ذلك البيان الذي سمعه المائة وعشرون ألفًا لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يخاطبهم كان يخاطب الأمة كلها.
العنوان الأول من هذه العناوين: واجب صيانة الدماء والأموال والأعراض المصحوب بالشعور الذاتي بالمسؤولية أمام الله، لا بمجرد الشعور بالمسؤولية أمام القانون.
وحينما تحدث يومًا رئيسٌ من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية قال: وصلنا إلى القمر لكننا عجزنا أن ننظم العلاقة بين الجار وجاره.
لأن العلاقة بين الجار وجاره لا يمكن أن تنظم من خلال قانون، إنما تنظم من خلال المبادئ، والشعور الذاتي بالمسؤولية أمام الله سبحانه.
ولا يستطيع أحد مهما أوجدَ قانونًا أن يتحدث عن شعور ذاتي لأن الشعور الذاتي ينبعث عن إيمان ، والإيمان موصول بمعاني الغيب، والمادية لا تملك معاني الغيب، وهكذا يمكن للإيمان أن ينظم الواقع.
وقد أشار إلى هذا العنوان قوله صلى الله عليه وسلم : (إنَّ دِماءَكُمْ وَأمْوَالكُمْ وأعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ إلى أن تلقوا ربكم كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا) بلد حرام وشهر حرام ويوم حرام، ويوم مقدس ، وبلد مقدس، وشهر مقدس، ليقول لهم إن دمائكم مقدسة كما تقدس هذا البلد، وإن أعراضكم وأموالكم مقدسة، أما أن يقف الإنسان في عبادة ما يتوجه فيها إلى الله سبحانه وتعالى ويدّعي أنه يقدس شعائر الله فإذا نظرت إلى معاملته وجدته يستبيح الأموال ويستبح بلسانه وبسلوكه الأعراض ، ويستبيح من خلال سلوكه أو قوله أو فعله الدماء، فإن ذلك يعني أنه بعيد كل البعد عن معنى العبادة.
الدماء.. دم المسلم حرمته عند الله كحرمة الكعبة، لأن هدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دم مسلم .
وهكذا يظهر منهج الرسالة من خلال اعتبار الدماء وصيانتها، ومن خلال توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه للصحابي : (هلا شققت عن قلبه) ومن خلال فهم عمر بن عبد العزيز: "أن أخطئَ حينما أصف ألف كافر بأنه مسلم، خير لي من أصف مسلمًا واحدًا بأنه كافر" وهذا منهج وضعه الخليفة العادل الخامس عمر بن عبد العزيز، ليكون منهجًا مستمرًا وباقيًا يأخذ الإنسان منه طريقه ويأخذ الإنسان من خلاله منهجًا.
وأما عن الأموال: فأين نحن من حرمة الأموال؟ تنظر إلى اللص الذي يسرق المال العام دون أن يراعي حرمة المال العام ، وتنظر إلى الصانع أو التاجر أو المسؤول أو الموظف الذي يسرق أموال الناس!
إذًا لم تبقَ لدينا حرمة للأموال، وفقدت الأمانة.
لا نستطيع إعادة تركيب المجتمع تركيبًا صالحًا حتى يرفع عنوان واضح يقول: إن الأموال لها حرمة كحرمة الكعبة، وعندها نستطيع إنشاء مجتمع يفهم معنى صيانة دمائه وأمواله.
ثم حرمة الأعراض: وحرمة الأعراض ينبغي لنا كمجتمع غالبيته تحمل الفضيلة، فينبغي أن نصون الأعراض من خلال الإعلام، وينبغي أن نصون الأعراض من خلال السلوك الجماعي والفردي بالتزام الفضيلة، وعندها يستطيع الإنسان أن يحقق العنوان الأول من البيان الجامع المحمدي.
وهكذا نقول في منهجنا الحاضر الذي ينبغي أن يكون نقطة مهمة مستمدة من هذا العنوان: لا للقتل بأي صورة، كان هذا القتل من قبل الدولة للشعب ، أوكان من قبل الشعب للدولة، لا لسياسة القتل، ولا لسياسة النهب، ولا لاستباحة الأعراض، إن هذه حقيقة ينبغي أن يسمعها المسلمون في أرجاء العالم كله، فأنا لا أتحدث من أجل أن ننتفع وحدنا ، إنما أتحدث من أجل ينتفع العالم الإسلامي كله، بل ومن أجل أن يسمع غير المسلمين منهجنا ، نعم للكرامة الإنسانية المصانة من خلال حق الحياة الذي منحه الله كل إنسان، وحق التملك الشريف الذي من خلاله يملك المال الحلال، وحق البناء الأسري الذي تكون فيه الأسرة مصانة في سكن هو حق لكل إنسان يريد صون عرضه، وصون كرامته، والذي من خلاله تتكون الأسرة الفاضلة في البيئة الفاضلة، ويتمتع فيها بكامل خصوصياته، ويتمتع بحرمات بيوتاته.
لا ينبغي أن نفسح فرصة بحجج شتى كما هو حال إخواننا في العراق حيث في أي لحظة يُقتحم البيت المسلم والأطفال والنساء نيام فيه.
ينبغي أن يسمع العالم كله بحق لنا اسمه حق حرمات البيوت، وهو يعتبر جزءًا مهمًّا من ثقافتنا ومن حضارتنا، وإنني أعلم أن الغالبية ترضى القتل ، وتقدمه في سبيل الدفاع عن العرض.
وربما ظاهرة حفظ العرض لا تكون واضحة تمامًا للمجتمعات الغربية، ولا تكون ساخنة بالدرجة التي هي ساخنة في مجتمعاتنا الإسلامية، فإن الإنسان في مجتمعاتنا الإنسانية مستعد للدفاع عن عرضه حتى ولو قتل دفاعًا عنه، لأنه سمع من البنبي صلى الله عليه وسلم : أن من قتل دون عرضه فهو شهيد.
وفي النص النبوي : (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام إلى أن تلقوا ربكم – بدون استثناء- كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، (وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم) .
وهذا النص استنبطنا منه قولنا باصطحاب المسؤولية أمام الله، (وإنكم ستلقون ربكم) فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدث عن مجرد واجب ، إنما جعل فوق الواجب ضبطًا، وقوة يمكن أن تدفع الإنسان للقيام بهذا الواجب.
(وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم) يعني ماذا فعلتم في الدماء؟ وماذا فعلتم في الأموال؟ وماذا فعلتم في الأعراض؟.
العنوان الثاني : أداء الأمانة.
وقد عبَّر عن هذا العنوان قوله صلى الله عليه وسلم :
(ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها).
قضية المال قضية عامة، فيها السؤال عن كيفية الحصول على المال، وكيفية إنفاقه ، وفيها إعطاء القيمة للعنصر المالي، لأن الله سبحانه قال في كتابه :
(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا) [النساء :5 ].,
أما العنوان الثاني فينبه على قضية أخرى هي الأمانة، حيث الإنسان يكون مسؤولًا فيها عن شيء، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
فالأمانة فيها من يضع عندك مالًا لتستثمره، أو يضع عندك سرًا لتكتمه، أويستأمنك على شيء ما، والأمانة كلمة كبيرة عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها.
ومن خلال ما نأخذه في بناء مجتمعنا اليوم وإعادة تركيبه نقول: إن علينا ونحن نعيد بناء مجتمعنا بناء صحيحًا أن ننتقي الأمناء لكل منصب، ولكل وظيفة، وأن نزيح اللصوص الذين يسرقون المال العام أو الخاص وأن يلاحقوا قضائيًا أيًّاكانت رتب مناصبهم، فلن يكون مجتمع شريف فاضل ما لم ينتقَ لحكمه الأمناء.
(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [لقصص : 26].
فالضعيف لا يقدر على الوظيفة ولا على المنصب، ولا على المسؤولية، والخائن ولو كان قويًا لا ينفع لأن الأمانة شرط في المسؤولية، لهذا إن كنا صادقين في إعادة تركيب المجتمع علينا أن نضعه له عنوانًا أيضا هو انتقاء الأمناء وإزاحة اللصوص، وعندها نستفيد من عنوان البيان الجامع الثاني .
ثالثًا- منع الظلم المالي:
وأتعجب كم كانت العناوين في البيان النبوي الجامع تضع تكريرًا للعنصر المالي بوجوه متعددة، لأن فساد المال يقترن بفساد الضمائر، ففساد الضمائر ينتج فساد المال، والمال من المغريات التي تفسد الضمائر إن لم تكن هناك مدعمات قوية تثبت الإنسان أمام المغريات.
ومع الأسف حين يعيَّن مسؤولٌ ما يتهافت الناس عليه من كل حدب وصوب لتقديم الرشوة المستعجلة ، والهدايا بالأشكال المتعددة، حتى لقد سمعت مرارًا وتكرارًا ، واعذروني في ذلك،.. يقولون: المسؤول الذي يأتي إلى مدينة حلب ينتفع أكثر من الذي يعمل في الخليج، وهذا ينبغي أن لا نسمعه بعد الآن، لأن مدينتنا هي مدينة المجد، ومدينة الفضيلة ، ومدينة العز، ومدينة الإيمان ، ومدينة إبراهيم، هذه المدينة المتألقة أنتجت العلماء، وأنتجت الفضلاء، ولم يكن أحد من الفضلاء والعظماء والعلماء يقدر على الرقي إلى سدة المجد حتى يمر بحلب، واسمعوا أسماء من مكثوا في حلب واقرؤوا عنهم، فهذه المدينة لها مجدها، وقد بدأ مجدها من إبراهيم الخليل التي تنتسب إليه إذ يقال "حلبَ إبراهيمُ الشهباءَ".
ومنع الظلم المالي معبَّر عنه بقوله صلى الله عليه وسلم :
(ألا وكل ربًا في الجاهلية موضوع) فالفوائد المتراكمة قديما بسبب الديون ، كان يمكن للمسلمين من خلالها أن يبنوا حضارة مادية، لأن أكثر المجتمع القرشي هاجر إلى المدينة ، والذين هاجروا لهم ديون كثيرة، وكل الديون كانت بفوائد، وهذا يعني تحصيل ثروة كبيرة جدًا عند استرداد الفوائد من المشركين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر رفع كل أشكال الظلم، وأعلى أشكال الظلم الربا، وهناك دراسات اقتصادية غربية اليوم تقول : إن الانهيارات الاقتصادية سببها تراكمات الفوائد، فتراكمية الفوائد وحدها تجعل دولًا بحالها تنهار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقدر وهو في أوج السيادة المادية الكونية، وهو الحاكم الأعلى أن يسن القانون الذي يريد، لكنه صلى الله عليه وسلم رفعه عنوانًا: (ألا وكل ربًا في الجاهلية موضوع) وأول ربا وضعه ربا عمه العباس.
واليوم كثرت الفتاوى, واستباحة الأموال الحرام, ويقولون لهم: إذا كان البنك أجنبيا, هات فوائده.
نحن أمة نظيفة تنظر بالرحمة للآخر, حتى ولو كان على غير ديننا, فإن كان لا يعي هو أن الربا ظلم؛ فنحن نعي, ولا يجوزُ ذلك في حال من الأحوال, إلا في الدولة الحربية, والفتوى المفردة التي قالها العلماء تنحصر في الدولة الحربية التي لا يستطيع المسلم أن يدخل إليها, ونموذجها في وقتنا هذا: الدولة العبرية, لان أحدًا منا لا يستطيع الدخول إليها, أو الوصول إليها, لكن ما عدا ذلك من دول العالم فنستطيع الدخول إليه, ويوجد فيها المسلمون, وتوجد فيها حرية الوصول إلى المسجد وإقامة الشعائر, و في هذا العالم المُختلِط يسقط هذا الحكم الفقهي الخاص, ويمتنع الحصول على الربا من أي مصدر كان, ولنتحول إلى حضارة مالية إنسانية, لا نشعر فيها بظلم.
ربما كان الحق معهم في الماضي حين أصدروا تلك الفتوى ؛ حين هناك فصلٌ بين المجتمعات, ولا يستطيع الإنسان أن يتحرك إلى المجتمع الآخر.
لكن نحن الآن في هذا الوقت نختلط بالعالم, والعالم أصبح مساحة متصلة.
فكيف أفتي أحدًا وأقول له: إن سرقة المال الأجنبي حلال؟
دولةٌ بينك وبينها سفارات! وبينك وبينها تعاملٌ وتستطيع أن تسافر إليها, كيف نُصدّر إليها ثقافة السرقة, وثقافة الظلم؟
إذًا في هذا العنوان الثالث شقان:
الشق الأول ينبغي أن نصدِّرَ حضارة إنسانية إلى الآخرين, لنقول لهم: نترك الفوائد لكم لأننا رحماءُ, وديننا منع الظلم, ونحن لا نظلم الذي خالفنا في المعتقد.
ومن الحضارة الإنسانية أن تقول للنفعي المصلحي: أنا لا أظلمك, مع أنك تريد أن تعطيني الربا، قد عرَّفني ربي أن الربا ظلم.
ولا مانع عندنا أن تفتتح البنوك على القواعد الإنسانية الإسلامية.
يقولون: الربا مثل الرسوم.
وأقول: لا.. فليضعوا الرسوم والطوابع, وهذا ممكن, والفقه الإسلامي واسع, وأشكال المعاملة الإسلامية تتسع للعالم كله, حتى لو ضربت عدد أفراده بمئات الأضعاف..
والفقه الإسلامي فقه مرن, إنما الصيغة التي تضعها الرسالة الإسلامية هي صيغة تراحم.
لم لا يقول العالم الإسلامي : نحن لنا هويتنا؟
المليار ونصف لا هوية لهم؟ كيف يكون هذا؟
الآن لماذا قررت محطة الـBBC البريطانية فتح قناة عربية ؟
لأنهم أدركوا أن التجمع العربي الإسلامي عالمي.
وهي قضية لم يعد فيها نقاش, فالإسلام موجود, شاء من شاء, وأبى من أبى..
إذًا لماذا لا نفرض في المعاملة ثقافتنا؟
لماذا لا نقول: لكم أن تتعاملوا في معاملتكم بما تشاؤون؛ لكن حينما نريد أن نتعامل نحن فلتكن من خلال البنوك الإسلامية المضبوطة, أو الشروط الإسلامية في التعامل, ويمكن حصول هذا من خلال تجمع صحيح, وكلمة صادقة, يقولها المسلمون.
العنوان الرابع: استئصال جذور الثأر.
وهذه القضية لا يمكن أبدًا أن تُحل إلا بمثل هذه الروح, وبمثل هذا الرقي, لميكن في الماضي أحد من المشركين إلا وقد قَتَلَ مسلمًا هو أو قريبه, لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُصِّدر حضارة الرحمة, أسقط الثأر بقوله صلى الله عليه وسلم:
(وإن دماء الجاهلية موضوعة, لا تظلموا أنفسكم, ولا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض.)
لسنا أصحاب ثقافة الثأر, نحن أصحاب ثقافة فتح مكة.
(اذهبوا فأنتم الطُلقاء)
ينبغي أن نكون أصحاب ثقافة رحلة النبي إلى الطائف, حينما جاء ملك الجبال يقول له: مرني أطبق عليهم الأخشبين. فقال: (لا, لعل الله يُخرج من أصلابهم من يُوحِِّد الله.)
ثقافتنا تدعونا أن ننظر إلى الشرق والغرب لنقول في دعائنا لهم: اللهم أخرج من أصلابهم من يوحد الله, فهذه هي همة الدعاة, وهذه هي الرحمة التي يحملها صاحب الرسالة, أما الحمية والانفعال والثأر.. فلا..
هناك من يتحرك بالحمية, شعر بالظلم وهو ينتظر الفرصة حتى يكيل الصاع بصاعين, وهذا لا يمثل رسالتنا, ولا يمثل نهضتنا, ولا يمثل حضارتنا.
وفي منهج بناء مجتمعنا المستمد من البيان النبوي الجامع نقول: نعم للعدالة المستندة إلى السلطة القضائية، ولا لعشوائية الانتقام.., نعم للعدالة المستندة إلى السلطة القضائية لمحاكمة كل مجرم, كان هذا المجرم من أصحاب المناصب السابقة, أو كان ممن يدَّعي أنه معارضة, أو كان ممن يدَّعي أنه يريد فتح البلاد, أو كان يريد إقامة مجتمع بالسيف أو بالقنابل أو بالتفجير أو بالتكفير.
نقول من منبر رسول الله : يا حكام العالم الإسلامي, التوقيف الأمني العرفي يتنافى مع قواعد الفضيلة, لذلك ينبغي أن لا يبقى في مجتمعاتنا ما يسمى بالتوقيف الاحتياطي أو العرفي أو الأمني.
لماذا رفضه برلمان بريطانيا؟ هل بريطانيا أفضل منا كمجتمع؟
هل ثقافتنا تقل عن مستوى الثقافة البريطانية؟
لماذا رفض برلمان بريطانيا تمرير قانون الطوارئ الذي من خلاله يمكن التوقيف الاحتياطي؟
إذًا ينبغي أن نستأصل جذور الانتقام, كان هذا الانتقام على المستوى الشعبي الفردي, أو كان انتقامًا مُنظَّما, لتصفية حسابات, وهذا مع الأسف ما يعيشه إخواننا في العراق اليوم: (الفعل وردة الفعل).
ينبغي أن نرتقي عن هذا أيها الأخوة, وينبغي أن نكون واضحين في رسالتنا وفي حضارتنا.
العنوان الخامس: حقوق كلٍ من المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع.
وقد عبَّر عن هذا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:
(يا أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقًا, وإن لكم عليهن حقًا, فاتقوا الله في النساء, واستوصوا بهنَّ خيرًا.)
فبعد أن ذكر حقوق كلٍ من المرأة والرجل في الأسرة والمجتمع؛ خصَّ المرأة, تخصيصًا..
حتى يسمع من يتوهمون أنَّ من الإسلام إخراجُ المرأة أو الفتاة من التعليم.
وكم يزعجني الجهل المتفشي في جنس الإناث في بلادنا.
واقع جيلنا الأول لم يكن كذلك, فقد روت أكثر من ثمانمائة امرأة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتلقى عنها الرجال والنساء!
فأين نحن من هذه الحضارة؟
والمحدث ابن عساكر وحده تلقى الحديث عن سبعين امرأة!.
وهكذا نقول, ومن خلال هذا النص النبوي: نعم لمشاركة المرأة الفاعلة في بناء المجتمع. وينبغي أن لا نخلط, فمشاركة المرأة ينبغي أن تكون مع الاحتفاظ بفضيلتها, فلا تعني مشاركة المرأة في بناء المجتمع أن تتخلى عن الفضيلة.
نعم لمشاركة المرأة في بناء المجتمع, ولا لإقصاء المرأة بدعوى الإسلام، لأن الإسلام بريء من إقصاء المرأة, ولو أنكم قرأتم سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستجدون أثر المرأة منذ البعثة: ستجدون خديجة منذ اللحظة الأولى.
وأم سلمة في الحديبية أنقذت الصحابة من الهلاك, دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها وقال: هلك الناس. فقالت: أوغير ذلك يا رسول الله, أخرج ولا تكلمهم, وأفعل ما أمرك الله به, احلق شعرك, وتحلل من العُمرة, ولا تكلمهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشارت عليه أم سلمة, فكاد الأصحاب يقتتلون على تقليد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشخصياتٌ نسائية كثيرة في السيرة: عائشة, أسماء, الخنساء..
فلا يوجد في ثقافتنا إقصاء للمرأة كما يتوهم بعض الجهلة, الذين يصورون في بعض البلدان المتخلفة الإسلام بهذه الصورة, إذ تجلد المرأة في الطرقات.
العنوان السادس: الأخوة الإسلامية.
وقد عبَّر عن هذا العنوان بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
(إنما المؤمنون أخوة, ولا يحل لمسلم مال أخيه إلا عن طيب نفسه.)
وماذا نأخذ من هذا العنوان؟
يا إخوتي: أنا أدعو إلى رفض التحزُّب الإسلامي؛ لأن مساحتنا الكبرى هي أكبر من هذا الإطار..
نعم للتحزب الوطني, وللتحزب الذي يقوم على أساس عناوينَ فاضلة يجتمع فيها الشرفاء لبناء الوطن.
حين أقول: أنا حزب إسلامي، أكون قد فصلت نفسي عن الأمة الواحدة, ومساحتي تضيق, وأصير قزما, مساحتي من حدود الصين إلى كاليفورنيا, لأن لي في هذه المساحة أخوة في الله أُحبهم ويحببونني ... في الصين, وفي اليابان, وفي أندونيسا, وفي ماليزيا, وفي الهند, وفي فاس, وفي اسبانيا, وفي بريطانيا, وفي كندا..
إذًا كيف يمكن أن أُضيِّق مساحتي؟ والإسلام هو أكبر من أن يكون حزبًا إقليميًّا.
وهو دائرة واسعة, هي أكبر من التحزبات.
فلا مانع أن يتحزب الشرفاء لبناء الوطن, أما أن يكون الشعار: نحن الإسلام, فهذه مصيبة على الإسلام.
وهو يشبه أن يكون تخوينًا للآخر.
فالأخوة الإسلامية هي أكبر من الروابط الحزبية.
ولندعُ إلى الروابط القائمة على أساس أخوة الإسلام, وليتحرك الشباب إلى حِلق العلم التي يقودها العلماء في كل المساجد, فلا بد أن نكسِّر الحواجز..
حواجز الجماعة الواحدة.., حين لا أحضر إلا في جماعتي..!!
فإن وجد في مسجد في مدينتك عالم جليل يقرر الفقه أو يقرر الحديث, ألا تتحرك إلى هناك؟
هل هذا المسجد كتب على اسمك أواسم أبيك, أم أنك من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانتماؤك هو إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
إذًا متى ستنفتح عقول الشباب حتى يدركوا ما فاتهم من الحكمة؟.
إذًا نعم للانفتاح في أخوة إسلامية لا تكون ضيقة في حدود جماعة أو مسجد.
العنوان السابع: المساواة الإنسانية..
فنحن حين ندعوا إلى الأخوة الإسلامية نبني بيئتنا الداخلية، لكننا لا نتحدث فيها لفصل الإسلام في مساحة التعايش الاجتماعي.
لهذا كان البيان النبوي الجامع مؤكدًا في العنوان السابع على المساواة الإنسانية.
وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:
(يا أيها الناس..) فبعد أن قال: (إنما المؤمنون أخوة..) قال: (يا أيها الناس..)
إنه يخاطب الناس إلى قيام الساعة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
(يا أيها الناس: إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, كلكم لآدم, وأدم من تراب..)
والتساوي الإنساني يوجب التعايش في الدنيا.
فالمساواة الإنسانية تسوق للتعايش في الدنيا, ولا تقتضي المساواة في الفضل.
فالفضل يتضح عند الله تعالى, والله تعالى هو الذي يُقرر يوم القيامة.
(فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) [الكهف: 29]
المساواة الإنسانية تعني التساوي في حقوق التعايش, وهو مبدأ ينبغي أن يُفهم حينما ندعوا إلى الإسلام.
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13] أما في الدنيا فالتساوي حاصل, وعند الله يوجد التفاضل.
( إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, كلكم لآدم, وأدم من تراب, وإن أكرمكم عند الله أتقاكم..) حيث تظهر النتيجة في الآخرة.
(.. ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى) من غير عرقية, أو قومية, والتفاضل هو عند الله بالتقوى.
وهكذا أُؤكد ومن خلال هذا العنوان, وفي تركيب المجتمع الذي نبحث عنه:
لا للحكم على الآخرين من خلال العرق, أو الطائفة أو الانتماءات المختلفة.
ونعم للخطاب الإنساني التعايشي الكبير الواسع.
العنوان الثامن: المنهج النظري الواضح.
والتساؤلات ترد دائمًا: ما هو المنهج؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيان يبين أن المنهج واضح, فيقول:
(يا أيها الناس: إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم هذه..)
فليست المشكلة في الأمة أن تتحول من الإسلام إلى اليهودية أو البوذية, أوالمجوسية, أو الوثنية..
فقد يئس الشيطان أن يُعبد في أرضكم من خلال الصور الواضحة.
(..ولكنه رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك) يعني حين تكون الآراء تشريعًا, الحلال بيـِّنٌ والحرام بيـِّنٌ, والإسلام مرن.
(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]
قد أنزل الله تعالى الكتاب وأنزل الميزان معه, فلا توجد مشكلةٌ في المنهج, والعلماء يُفَصِّلون في القضايا, إنما المشكلة هي في النـزعات الفردية التي تدمر عالمنا الإسلامي اليوم, فاليوم يدمَّر عالمنا الإسلامي من خلال الآراء الفردية.
(..ولكنه- أي الشيطان - رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك,مم تحقرونه من أعمالكم, فاحذروه على دينكم, وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لا تضلوا أبدًا: كتاب الله وسنة نبيه)
ومن هذا العنوان أقول: لا للانفعالية الخطابية التي تحتال لإدخال فكرة ما إلى النفوس.
وهذا سلاح يستعمل حاليًا, والمنابر تستخدم فيه, والمحاضرات تستخدم فيه, ويوجد التلاعب في مشاعر الناس..
لا.. للانفعالية الخطابية التي تحتال لإدخال فكرة ما إلى النفوس.
ونعم للخطاب الإقناعي الحواري, المستند إلى العقل والمنطق؛ لأن المنهج واضح, والمنهج يُتعامل معه من خلال العقل والمنطق, لا من خلال الانفعالات والأساليب الخطابية التي أصبح الكثيرون يتنافسون فيمن سيُلهب مشاعر الجماهير..!!
كفانا .. فما دمَّرنا إلا الزعماء الذين وقفوا في يوم من الأيام ليصفق الناس لهم.
إن عثمان بن عفان وقف على المنبر ليقول بيان الخلافة فأرتج عليه, فقال ما معناه..: ينبغي أن يكون منهجنا عملًا لا كلامًا.
كفانا يا شباب.., كفانا يا مُثقَّفون.. فنحن بحاجة إلى أن نضع في طريقنا ثوابتنا, وأن نخاطب العقول, وكفانا تلاعبًا نضحك فيه على الناس بالانفعالات..
ينبغي أن ننطلق من منطلقات عقلية منطقية.
العنوان التاسع: تزكية الناس للحكام.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(وإنكم ستسألون عني, فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إلى السماء ثم إلى الناس.)
صاحب المنصب يحتاج إلى تزكيتين:
إلى تزكية من الله, والله أعلم بها.
وتزكية الناس, وتزكية الصُلحاء, وتزكية العُقلاء, وتزكية الحكماء.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه, وهو الحاكم الأعلى فيهم, أنا كنت فيكم مدة عشر سنوات رئيسًا للدولة, وحاكمًا للأمة, فما هي شهادتكم؟ رسول الله !! الأمين المعصوم المحفوظ!!
إنه يقولها لنتعلم نحن, ولا يقوله ليقولوا أخطأت أولم تخطئ, إنه يقولها لنتعلم نحن.. طلبةَ العلم, أهلَ المناصب, الحُكَّامَ..
نتعلم أن نُسأل أصحابنا إن كنا قد فرَّطنا في حقكم فنبِّهونا..
كان عمر يقول: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا. فيقف رجل ويقول: لا نسمع ولا نطيع. وعنده حُجَّة يحاور بها الأمير.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(وإنكم ستسألون عني, فما أنتم قائلون؟)
نحن سنُسأل عن حكامنا, وسنُسأل عن علمائنا, وسنسأل عن كل شخص كان له ولاية علينا, والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وجعل صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إلى السماء ثم إلى الناس ويقول:
(اللهم اشهد, اللهم اشهد)
هم يقولون: نزكيك, نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
أيها الإخوة: لعبة السياسة قد تكون لعبة مصالح فردية, مع إهمالٍ للمصلحة العامة, ومع إهمال للقواعد الإنسانية, ومع إهمال للحق, ومع إهمال للفضيلة, وإن لم يكن فيها النظيفون ستكون لعبة قذرة.
العنوان العاشر والأخير: ضرورة استمرار المنهج ولو مات حاملوه, واحتمال التجديد في فهم المتغيرات عبر الأزمنة.
وقد عبَّر عن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
(فليبلغ منكم الشاهد الغائب)
سمعتم المنهج وصار واضحًا ، وحامل المنهج المبلغ الشارح سيدنا محمد سينتقل إلى الرفيق الأعلى، وستبلغون هذا المنهج عنه، وواجبكم أن تبلغوه.
(فليبلغ منكم الشاهد الغائب فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه).
انقلوا ما سمعتموه.
ولو لم ينقل اِلأصحابُ المنهج لمات حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ينبغي علينا أن لا نبني مجرد قادة.
بل ينبغي إن نحن بنينا قادة، أن نبني منهجًا مع القادة ليحمله بعد القادة من يأتي بعدهم، فإذا مات القادة لا يموت المنهج ، وتبقى الثوابت، وحين يصح النقل، يأتي في كل زمان من يفهم الخطاب بما يتناسب مع ظرفه، لهذا قال :
(فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه).
إنه يا إخوتي بيان حجة الوداع الذي ينظم فيه رسول الله الأمة، فينبغي علينا أن نفهمه، وأن نأخذ منه في مرحلة بناء مجتمعنا لمجتمعنا نصيبًا كبيرًا.
اللهم ردنا إلى دينك ردًا جميلًا، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
|