كلما خبت جذوة الإيمان في القلوب، حرّكتها المِحن والشدائد، وكلما مالت هذه الأمة إلى الُرقاد، وأَلِفت الخلود إلى الأرض، ساق القَدَر عدوّها إليها لتوقِظها، ليُحرّكها من جديد.
وها نحن اليوم يا أمة الإسلام، ويا أمة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، نعيش صباح مساء عُدوان عدوٍ لا يعرف إلا البغي والظلم والعدوان.
إنه يخاطب هذه الأمة بلغة واحدة، هي لغة القتال، والجواب لا يفيد إلا إن كان بنفس اللغة..
لهذا كان تشريع القتال كتشريع الصلاة إلهياً ربانياً..
وهذه الأمة بتشريع القتال لا تعتدي على أحد، ولا تبغي على أحد، لكنها تحقق العدالة في الأرض، وتمنع الظلم والجور.
ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى في كتابه:
(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ) [النساء: 75]
وهو الذي قال سبحانه:
(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة: 193]
وإنه لمن الواجب علينا إذا لم نكن على أرض المعركة في مواجهة العدو، أن نُحدِّث قلوبنا بهذا التشريع، لأن الذي لا يُحدّث قلبه به يموت ميتة الجاهلية كما أخبر الحبيب المصطفى.
نعم .. تشريع القتال واجب على المسلم استشعاره والتهيؤ له إذا كان يفهم عن الله سبحانه وتعالى.
لكن مَنْ هو المقصود المُقاتَل؟
وهو سؤال مُلحٌّ في هذا الوقت الذي كثُرت فيه الفِتَن في العالم.
يقاتل المسلمون مَنْ ؟
ألم يوضح ربنا سبحانه للمسلمين إن هم أرادوا تطبيق هذا التشريع، أوحدَّثوا قلوبهم به، أنهم سيقاتلون من؟
إن الأوراق في عالمنا الإسلامي قد اختلطت كثيراً.
والجواب مستمد من قول الله سبحانه وتعالى:
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 8-9]
والآيات تحدد لنا معالم المقصود المُقاتَل، فهو الذي قاتلك في الدِين، فأعلن حربه على الإسلام، وقاتلك في الوطن فأعلن حربه على الأوطان.
من أعلن حربه على الإسلام، فاستعمل السلاح والقوة ليمنع الصلاة أو الزكاة أوأي تشريع من تشريعات الإسلام بالقوة، فهو مقصودٌ مُقاتَل.
ومن اعتدى على وطن من أوطاننا، فإنه مقصود مُقاتَل أيضا.
واليوم عدوّنا الصهيوني يُحقق الأمرين، فهو الذي منع المسلمين في العالم الإسلامي من الصلاة في المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين.
والمسجد الأقصى بالنسبة للأمة الإسلامية هو كمسجد مكة والمدينة، يخرج عن إطار الإقليمية إلى العالمية، لأنه مسجد يتمنى الصلاة فيه كل مسلم، لما يعرف فيه من الفضيلة ومن أمرِ الله سبحانه وتعالى أحبابه بالصلاة فيه، وشد الرحال إليه، فمنع العدو الصهيوني المسلمين في العالم الإسلامي أن يصلوا في ذلك المسجد الأقصى، بل ومنعوا أبناء فلسطين، بل ومنعوا أبناء مدينة القدس، فلا يسمح للشباب بالصلاة فيه، ولا يسمح إلا للعجزة والكبار والشيوخ..
فقد أعلن حربه مستعملاً قوته وسلاحه لمنع شعائر الإسلام.
ثم هو مع ذلك يعتدي على الأوطان فهو المحتل لفلسطين، وهو الذي يشن في الساعة عشرات الغارات على أهلنا في لبنان، ويعتدي عليهم صباح مساء، فيخرب البيوت، ويقتِّل النساء والأطفال..
بل وقد أثبتت التحقيقات أن هذا العدو شارك بعضٌ من جنوده وضباطه في قوات الاحتلال على أرض العراق.
إنه عدو يحقق الشرطين ليكون مقاتَلا بإعلان الحرب على الإسلام، وبالاعتداء على الأوطان، وينبغي أن تـتوجه إليه كل السهام لأنه المقصود المقاتَل الأول.
ونحن نتحرق ألماً، ونشتاق أن ندعم إخواننا في لبنان، ونشتاق أن نشارك في المعركة، لكن إذا لم نستطع أن نُشارك بأيدينا وأسلحتنا فإن بيوتنا هي بيوتٌ لإخواننا الذي شردوا من هناك، وإن أموالنا هي أموالهم، وإن صدورنا هي كالفراش لهم.
فنحن نحدث قلوبنا بالقتال معهم، ونقوم بما نستطيع به من الدعم.
وبعد هذا أقول: إن العالم الإسلامي يشهد اليوم على أرض العراق مأساة اختلاط الأوراق، لأن المسلم حمل السلاح على المسلم هناك.
وبلادنا مستهدفة، وأنتم أيها الإخوة وكل من يسمعنا مستهدف، فلابد من صحوة إسلامية، ولابد من معرفة علمية بأحكام الله تعالى حتى لا تختلط الأوراق عندنا أيضا.
مع الأسف يوجِّه متطرفو السنة على أرض العراق ، ومتطرفو الشيعة السلاح بعضُهم إلى بعض.
ومقابل ذلك وفي هذه الأيام أيضا نشهد سلاحاً يتوجه إلى العدو المقصود المقاتَل، على أرض فلسطين، فهناك يوجِّه السنة سلاحهم إلى هذا العدو، في غزة والضفة الغربية، وعلى كل الأرض المباركة، وقد فهموا أن هذا السلاح ينبغي أن لا يتوجه إلا إلى هذا العدو.
وعلى أرض جنوب لبنان يوجه المقاومون المجاهدون الشيعة سلاحهم إلى العدو نفسه.
فهما نموذجان ينبغي علينا أن نفهمهما وأن نقول لأمتنا من خلالهما: إن حمل السلاح لا ينبغي أن يكون إلا على هذا العدو.
وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
(إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على حر جهنم. فإذا قتل أحدهما صاحبه، دخلاها جميعا)
وهو في صحيح مسلم.
المرحلة خطيرة، واليقظة مطلوبة، وعدونا يريد تجزيء المجزَّأ، وإشعال الحقد الطائفي.
إن الذي يوجه السلاح في هذه المرحلة، بل وفي كل وقت على أرض الأمة الإسلامية خائن لله ورسوله لأنه يحقق أهداف أعدائنا الذين يريدون تقسيم الأمة، فإذا تقسمت ونُهبت قالت بعدها: أُكلنَا يوم أُكِل الثور الأبيض.
علينا أن نعيش الوحدة الشعورية..
وطالما أننا في دائرة الإسلام علينا إن لم نتفق في الاجتهاد والرأي.. أن نقف جميعاً لنوجه السلاح إلى هذا العدو المشترك.
إننا كأمة إسلامية لا نوجه السلاح إلى غير المسلم إذا لم يكن محارباً لنا في الدين، أو في الأوطان، فكيف نوجه السلاح إلى المسلم؟
من على هذا المنبر المبارك أناشدكم يا أمة الحبيب المصطفى أن توحدوا صفوفكم، وأن تعرفوا من هو عدونا المشترك..
مصيبة لبنان هي مصيبة سوريا، ومصيبة العراق هي مصيبة سوريا أيضا.
وإن مصيبة أي مسلم على وجه الأرض هي مصيبة كل مسلم على وجه الأرض. فإن نحن عشنا هذه الحالة من الاشتراك الشعوري، لا يقدر عدونا على اختراق صفوفنا، ولا على جعلنا أعداء يحمل بعضنا السلاح على بعض.
معاً أيها الإخوة إلى دعم المنكوبين والمصابين والمهجّرين..
ولن نسمح لأنفسنا باستغلال أحد منهم، لا بمسكن، ولا بمطعم، ولا بملبس، لأن إنسانية المسلم تأبى، ولأن إسلام المسلم يأبى.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أقول هذا القول وأستغفر الله.
فليقاتلْ جميعُنا العدوَّ المشتركَ الواحد
|