لا حصانة لهؤلاء الوزراء ... لأنهم إسلاميون
حينما دخل جيش العراق في الماضي أرض الكويت قامت قيامة الدنيا ولم تقعد، واجتمع العالم كله لمنع العدوان على حكومة شرعية كما يزعمون.
وحينما انتَخَب شعبُ فلسطين الحر حكومته الشرعية وفق المعايير التي يتبجَّح بها الماديون، رأينا الجيش الصهيوني يدخل متبجحًا متغطرسًا معتديًا يلتقط وزراء تلك الحكومة ويختطفهم...، ويقول حماة المادية ورؤوسها في العالم إن هذا الكيان يدافع عن نفسه، وكل من كان يسمي نفسه (عنترة) أو (أبا زيد) في صفوف الشجعان والأحرار على تسميته لنفسه التزم الصمت والأدب والحياء، حتى سبق حياؤه حياء العذارى...
ويتأكد لكم أيها الأخوة ولكل عاقل في هذه الأمة الإسلامية أن الحربَ تُشن على كل مسلم، ويومًا بعد يوم يتأكد لكل متأمل أنها حرب الباطل على الحق، فكم تعاقبت على الأرض الفلسطينية وزارات وحكومات كان للوزير فيها أو المسؤول الذي لا يحمل هوية الإسلام حصانات سياسية ودبلوماسية، لكن حينما وصل الأمر إلى الإسلاميين لم تبق لهم حصانة، لأنهم أصحاب ذنب لا يُغتفر، فانتماؤهم إلى الإسلام لا يشفع معه أي منصب أو حصانة.
إسلاميون وأصحاب مناصب؟
ونقول لإخواننا في فلسطين ولكل المسلمين في العالم ونحن منهم:
إن الله سبحانه وتعالى قال:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155]
وأنتم يا شعبنا في فلسطين نموذج حاضر أمام كل مسلم، فقد أخرجتمُ المغفلين من الغفلة والحمق، وأيقظتم الحقيقة في مرأى من كان لا يبصرها.
أنتم اليوم تبتلون بالخوف كما قال سبحانه وتعالى:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ)
وتبتلون بالجوع، حينما يقطع العالم إمداداته التي يُسمونها إنسانية، ويُسمَّى من يحاولُ توصيل المال إلى شعبه مُهرِّبًا، فهو يستخدم نفوذه لتوصيل اللقمة إليكم، ويصفه أصحاب المصالح والمطامع وحسابات البنوك بمهرب الأموال.
وتبتلون بنقص من الأموال، وتبتلون بنقص من الأنفس، وكلَّ يوم يرحل إلى السماء منكم شهيد، وتبتلون بنقص الثمرات، والزيتون يقطع في أرضكم ويقتلع من جذوره، ليحل محله جدار ظالم، أو بيتُ مغتصب.
لكن ماذا قال ربنا بعد قوله:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)؟
قال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 155]
فدل على أن موعد البشارة ينجز بعد الابتلاء، فما يكاد الابتلاء ينتهي حتى تظهر البشارة، والذي يقول هذا هو خالق البشارة، والمأمور بنقل البشارة هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه الله تعالى بقوله: (وَبَشِّر الصَّابِرِينَِ).
يا أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فلنسمع قوله تعالى:
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) ونزلت هذه الآية في اليهود، (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ) والذين أشركوا في مراحل الأزمان يتَّحد مقصودهم ومضمونهم وتتفاوت أشكالهم وأساليبهم، فما الفرق بين عابد الوثن الحجري وبين من يعبد الوثن الذي هو هواه، وشهوته ومتعته وماله ؟
كلاهما وثني.
(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ)
فالطريق في مثل هذا الوقت جناحا طيرانه صبر وتقوى.
صبر على المحن والشدائد التي تتنـزل لتصرف المسلم عن طريقه المستقيم، وتقوى التي هي التزام الاستقامة في زمن الاعوجاج.
(وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ....) [آل عمران: 186]
أيها الشباب لا قيام لكم إلا بالصبر والتقوى... لا وجود لكم، ولهويتكم ولقوتكم ولآمالكم ولطموحاتكم إلا بالصبر والتقوى.
اثبتوا على الحق، واثبتوا على الإقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا يَضيرنَّكم ما يحصل من حولكم في غابة متوحشة من المطامع والمصالح والأهواء حيث المبادئ لا قيمة لها أبدا.
اثبتوا واصبروا وأنتم لا تعطون التفاتة ولا قيمة ولا قدرًا، والتزموا طريق التقوى بالاستقامة، وغض البصر، والقيام بالواجبات، والانتهاء عن المحظورات.
(وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) [آل عمران: 186]
يعني لن يكون لكم عزيمة حتى تتحقق المقدمتان، سنبقى أمة ضعيفة مصابة بالوهن والضعف حتى نتدرب على الصبر والتقوى، فإذا تدربنا على الصبر والتقوى يزول الوهن والضعف ونصبح أصحاب عزيمة.
لماذا لا نستطيع اليوم اتخاذ قرار؟
لأنه لا عزيمة لنا.
لماذا لا نستطيع أن نرفع صوتًا بالحق؟
لأننا لا نملك العزيمة.
لماذا تعلَّمنا أن نُساق كالقطيع، وننفذ ما يُملى علينا؟
لأننا لا نملك العزيمة.
فمقدمتا العزيمة هما التدريب على الصبر والتدريب على التقوى، فإذا تدربنا على الصبر والتقوى نصبح أصحاب عزيمة.
وأنتم أيها الشعب الشهيد الحر في فلسطين يا من يجاور المسجد الأقصى نقول لكم ما قاله ربنا:
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا)
إياكم أن تقعوا في الذل والهوان والاستسلام، ولا تحزنوا إذا كنتم لا حصانة لكم، لأنكم إسلاميون، إنه وسامٌ على صدوركم، فالعميل لا يمس ، والصادق يُختطف.
إنه وسام على صدوركم بل وعلى صدر كل حر، لأنها سنة الله، فلا يصح في سنة الله أن يساعد أعداءُ الله أولياءَ الله.
نعم (وَلاَ تَهِنُوا) لا تقعوا في الذل والهوان. (وَلاَ تَحْزَنُوا) على ما يجري (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) حتى وإن كان المنظور المادي يشير إلى ضعفكم، فأنتم أصحاب العُلو بالله.
(قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى) [طه: 68]
أيها الشاب المحمدي أنت عزيز حتى لو لم يكن في يدك سلاح، ، وأنت قوي حتى لو لم يكن عندك إلا إيمانك... أنت أقوى من المُدجج بالسلاح الذليل الذي لا مقصود أمامه، ولا ناصر له.
الله مولانا ولا مولى لأعداء الله أينما كانوا.
نعم: (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 139-140] لا يؤيِّد الظالمين حتى وإن أملى لهم .
(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 183]
مهما جنحتم للسِلْم يا شعبنا في فلسطين، ويا أيتها الحكومة الإسلامية فيها، ومهما تركتم سلاحكم، أو تركتم المقاومة من أجل أن لا تضعوا ذريعة في يد عدوِّكم، فإن ذلك لن يُغيّر من المعادلة شيئًا..لأن المعركة معركة حقٍّ وباطل..
ذَنْبكم أنكم إسلاميون، وأنكم تنتمون إلى الحق.
ألم يقل ربُّنا سبحانه:
(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج: 8-9]
الذين أُلقوا في النار يوم الأخدود لم يكونوا يُخطِّطون لانقلاب سياسي، لكنهم تمسَّكوا بمبدأ الحق.
ولْيعلَم كل من يتمسّك بمبدأ الحق أنه مُذنِبٌ في نظر أعداء الله، حتى وإن كان في ثوب أبيض... أو كان يحمل الراية البيضاء، أو كان يحمل غصن الزيتون وحمامة بيضاء بيده..فهو مُذنِب في نظر أعداء الله.
مهما كنا عالَميِّن، ومهما كنا نتّسع للآخرين، ومهما قُلنا: إننا لا نريد إلغاء أحد، ولا نريد ظلم أحد، ولا نريد البغي ولا العدوان على أحد، لكننا في نظر أعداء الله مُذنبون لأننا أصحاب حق، وقد قال الله سبحانه وتعالى:
(وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [البقرة: 217]
وهو أمر واضح، يُبينه خالق الإنسان والكون.
إن لدى أعداء الله الاستعداد للتخلي عن أديانهم، وعن كل ما يفتخرون به، في مقابل أن تتركوا دينكم.
ومن قرأ توجيهات كُبرائهم سيجد أنها تطلب من الأتباع أن يصرفوا المسلمين عن دينهم، ولا يهُم إلى أين!
المهم أن يصرفوهم عن إسلامهم.. إلى الإلحاد، إلى الأديان المنسوخة، أو الوثنية، أوالوضعية، لا يهُم..
فالمقصود أن تخرج من الإسلام ولو التحقت بالشيطان! وبذلك يحققون مُرادهم، الذي هو صَرْفُنا عن ديننا.
(وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)
وأعجبني ما قاله داعية الإسلام النورْسي العالِم الجليل التركي المُتوفَّى منذ أكثر من نصف قرن رحمة الله عليه، حين كان يخاطب أعداء الله، ويقول لهم: "أنا أملك حياتين، وأنتم تملكون حياة واحدة، ولا يستطيع من مَلَك حياة واحدة أن يتغلَّب على من مَلَك حياتين".
أنا أملك الدنيا وأملك الآخرة، وأنتم لا تملكون إلا الدنيا.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) [البقرة: 96] لأنهم لا يملكون غيرها.
(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) [إبراهيم: 3]
لا يمكن أن يقفوا أمام من يقول:
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا) يعني الذي ينْصرنا (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) هل تظنون أن نهايتنا ستكون إلا إحدى الحُسنيين، النصر أو الشهادة، أي مُلك الدنيا أو مُلك الآخرة.
نملك حياتين، فقد ننتصر في الدنيا، أو ننتصر في الآخرة.
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 51-52]
من كان ينطلق من هذا المبدأ يا شباب، لا يهمُّه مَنْصِب، ولا يهمه متعة عاجلة، ولا يهمه مَطْمَع مادي.
إنه يسير وفق سُنن الكون وقواعده، ولا يُلغي الدنيا.
لكن ماذا يصنع إذا تكالب أبناء الدنيا عليه من كل جانب؟
إنه لن يقدر على متابعة طريقه حتى ينطلق من هذا المبدأ، فيقول:
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ)
هذه ليست وصيّةً تخُصُّ شعب فلسطين وحسب يا أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكنها وصيّة تخُصُّنا أولاً، فكلنا مُستهدَفون، وكلنا في خندق واحد، وإن تباينت أشكال الحرب، وتباينت أشكال الصمود، فمن كان يتوهَّم أن الطريق مُذللة فإن عليه أن يُراجع حساباته مع ذاته، وأن يُهيِّئ نفسه للاختبار، فقد يفشل في ذلك الاختبار.
لن ينجح النِفاقي الذي يُقدِّم المادة على الغيب، أما المؤمن الذي يُقدِّم الغيب على المادة فينجح، يسير في عالم المادة وفق سُنن الكون، ويفهم المعادلة بشكل صحيح.
اللهم ثبِّتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أنت مولانا نِعْمَ المولى ونِعْمَ النصير.
أقول هذا القول واستغفر الله |