المعالم الكبرى في الحياة المحمَّدية
ما يحصل اليوم على أرض الصومال, وأفغانستان, وفلسطين المبارَكة, والعراق هو إذلالٌ للأمَّة الإسلامية, ويغتالون حاكم العراق يوم الأضحى.
من وراء ذلك كلِّه الطاغوتُ المُتجبِّر الأمريكيُّ الذي يستمدُّ تعاليمه من الصهيونية.
وتعيث الوحوشُ في العالم اليومَ فسادًا، ويريدون للعالم الإسلاميِّ أن يتحوَّل إلى جنس البهائم باسم الحُرية, ليصبح العالم في آخر الأمر فريقين:
- وحوشٌ مفترسةٌ تنطلق من الغرب لتعيث في الأرض فسادًا.
- وبهائمُ همُّها طعامُها وشرابها وغريزتها..
هذا ما يريدونه ويرسمون إليه.
باختصار: يطلبون عالمًا ليس فيه الإنسان.
وأصبح الإنسان الذي لا ينتمي إلى صنف الوحوش, ولا يلتحق بصنف البهائم، نادرًا.
وماذا عسانا، يا أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن نفعل في واقعٍ كهذا الواقع؟
ماذا عسانا أن نقول والوحوشُ مهيمنة, والمطلوبُ صناعة بهائم, والإنسانُ مفقود؟
ما هي رسالتنا التي ينبغي علينا في مثل هذه الأيام أن نندفع إليها؟
إننا حين نريد التذكيرَ بالحقِّ نبحث عن مادَّته, وقد أورد الله سبحانه وتعالى الذكْر بمعانٍ متعددة في القرآن.
فمن معاني الذكر في كتاب الله تبارك وتعالى: القرآنُ، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجْر: 9].
ومن معاني الذكْر: العِلْمُ، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
ومن معاني الذكْر: الصلاة، قال تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
لكنَّ الذكْر الجامعَ لكلِّ ذلك هو سيِّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا, رَّسُولاً} [الطلاق: 10-11].
الذكْر الذي جُمع فيه القرآن والعِلْم, هو سيِّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.
جمع فيه القرآن فصار خُلُقَه.
وجمع فيه العلم فقال: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).
وإذا أردنا التذكير في زمن الفوضى والشتات, فعلينا البحثُ عن المُذكِّرِ الجامع لكلّ المُذكِّرات, وما هو إلا سيدنا محمد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
ونسأل أنفسنا يا أمة الحبيب المصطفى: أين نحن من هذا الذكْر الرسول؟
أين نحن من ذِكراه وذِكْره؟
أين نحن من مضموناته؟
وإذا كنا قد أُمرنا بتذكير العالم, فإن أعظم تذكيرٍ جامعٍ لكل تذكير هو التذكير بسيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
فلعلي في درس الجمعة هذا أقدِّم إليكم موجزاُ مختصرًا للمعالم الكُبرى في حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من باب الانتفاع بالذكر الرسول: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا, رَّسُولاً}.
ولا أريد سردَ الحياة المحمدية التأريخي, فهذا مما تعرفونه جميعًا, لكنني أريد أن أعدد بعض المعالم الكبرى التي نحتاج, ويحتاج العالَم كلُّه إليها في هذا الوقت.
والمعالم الكبرى في الحياة المحمدية تابعة لمراحلها, ومراحلها خمسة:
1- مرحلة الطفولة: من مولده صلى الله عليه وسلم إلى بلوغه.
2- مرحلة الشباب: من بلوغه إلى زواجه.
3- مرحلة الرجولة: من زواجه إلى بعثته.
4- مرحلة بدايات الرسالة: من بعثته إلى هجرته.
5- مرحلة الحق الحاكم: من هجرته إلى انتقاله الأُخرَويّ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم.
ولما كان هذا الموقف لا يسع التفصيل, أحببت أن أعرض المعالم الكبرى في هذه المراحل الخمسة عرضًا موجزًا.
1- مرحلة الطفولة المتميزة:
ومعالمُها الكبرى ثلاثة:
1- الأمومة:
وما أحوجنا في هذه الأيام إلى رعاية الأمومة, وإظهارها على أرض الواقع, في زمن غابت فيه الأمُّ المدرسة.
وقد تجلَّت الأمومة في هذه المرحلة من خلال شخصياتٍ كُبرى ثلاثة تتالت على أمومة سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:
- آمنة: الحسيبة النسيبة القُرَشية التي ولدته.
- حليمة: الفِطرية الصحراوية التي لا تعرف غشًّا ولا خداعًا التي أرضعته.
- فاطمة بنت أسد: زوجة أبي طالب وأمُّ سيِّدِنا عليٍّ رضي الله عنه, التي انتقل إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أمه, فرعَتْه أحسن رعاية, ولما توفيت جلس عند رأسها, وأمر بتغسيلها ثلاثًا, ثم وضع عليها قميصه لتُكفَّن فيه, ثم أمر شيوخَ الأصحاب بحفر قبرها, وأتمَّ بيده حفر القبر, ثم نزل إلى القبر واضطجع فيه, وقال: (رَحِمَكِ اللَّهُ يَا أُمِّي, كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي, تجوعين وتشبعيني, وتعرين وتكسيني, وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعميني,)، ثم قال: (اللهم اغْفِرْ لأُمِّي فَاطِمَةَ بنتِ أَسَدٍ.. وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا).
وأَعظمُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا نتائج أمهاتهم: فإسماعيل هو نتيجة هاجَر, وموسى هو نتيجة أمه, وعيسى هو نتيجة أمه، وسيِّدُنا محمَّدٌ عليه الصلاة والسلام هو كذلك..
2- البيئة النقية:
في نقاء الصحراء بعيدًا عن الضجيج, يقرأ سطور الكون من غير أن يشوب ذلك النقاءَ الفطريَّ شيءٌ.
3- المحيط الخُلُقيُّ الفاضل:
بعد عودته من مرضعته حليمة إلى مكة ( عمره أربع سنين) استقر في بيت أمه آمنة (سنتين), ثم في بيت جدِّه (سنتين), ثم في بيت عمِّه الذي كان مرجِعَ الفضائل في مكة.
2- مرحلة الشباب:
والمعالم الكبرى فيها ثلاثة أيضًا:
1- العمل المُبكِّر:
فقد كانت مكةُ بلدًا ليس فيه زَرْع, ولا يوجد فيه عمل للزراعة, ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم مالٌ ليتاجر به, فذهب إلى رعي الأغنام, ومن الرعي جَمَع بعض الدراهم, ومن الدراهم بدأ يبيع ويشتري فدَخَل التجارة.
2- الأخلاق الفاضلة:
وظهرت وهو يبيع ويشتري, فما كَذَب ولا حَلَف ولا غَشَّ ولا خان.. لكنه عُرف بالصادق الأمين، وكان مظهر الصدق والأمانة.
3- الفُتوَّة المتوقِّدة:
فقد شارك في حرب الفُجَّار, فدافع عن أرضه مكَّة حين أرادت هوازن أن تنتهكها, ولبثت الحرب يومها أربع سنوات, وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشابُّ الناشئ في مكة يرمي بالسهام، ويعين أعمامه فيناولهم السهام في تلك الحرب.
3- مرحلة الرجولة:
وبدأت بعد زواجه من السيدة خديجة، وفيها نجد المعالم الآتية:
1- الأُسَرِيَّة الحميمة:
لأنه كوَّن أسرةً متماسكة, فيها أم الأسرة خديجةُ, وأولادُه معها.
2- الموثوقية الاجتماعية:
فاشتهر سيِّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم في مكة كلِّها أنه أعظم من يؤتمن على الأمانات.
الخائن ينبذه المجتمع, والأمين مرجعٌ يوثق به في المجتمع.
3- الروح الأبية:
فكانت روحه تأبى الواقع الفاسد في مكة, الذي كانوا فيه يمارسون المجون, ويسجدون للأصنام.. فأحبَّ ذرى الجبال، وألِفَ حراءً وألِفَه حراء.
4- مرحلة بداية الرسالة:
وقد حملها ووقف فيها ثابتًا يبلِّغ، بعد أن نزل عليه قولُه تعالى: {اقْرَأْ} [العلق: 1]، وقولُه تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المُدَّثر: 2]، وقولُه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، وقولُه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ َنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].
لكن أهل مكة كانوا المعاندين له والجاحدين لرسالته, فسخروا منه وكذَّبوه وأجاعوه وآذوه.. وثَبَتَ على المبادئ وصَبَر.
5- مرحلة الحق الحاكم:
وكانت بعد الهجرة إلى المدينة وتكوين المجتمع المتماسك فيها، فنشر الفضيلة والعدالة والمساواة, وأظهر الإنسانَ في رتبة سيِّدِ الكون.
نشر ذلك في المدينة, ثم نشره في الجزيرة العربية ومكَّة، ثم أرسل النور إلى الملوك والبلدان, في أفريقيا وفي الشرق والغرب، (الفُرس والروم)..
هذه هي المعالم الكبرى التي يحتاج العَالَم إليها اليوم, ونحتاجها نحن أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وأين نحن من هذه المعالم؟ أين نحن من الأمومة؟ وأين نحن من البيئة النقية؟
والإسلام سابقٌ في الدفاع عن نظافة البيئة الطبيعية والمعنوية.
أين نحن من المحيط الخُُلُقيّ؟ وأين نحن من العمل وثقافته؟ وأين نحن من الفتوَّة الشبابية النظيفة؟ وأين نحن من الدفاع عن الوطن؟ وأين نحن من الأخلاق الفاضلة؟ وأين نحن من الرجولة التي فيها الأسرية المتماسكة والموثوقية الاجتماعية والروح التي تأبى الانحطاط إلى مستوى البهيمية, وقد أصبح العُهر والجنس وأشرطة الدعارة مماُ يتداول في مدارسنا بين التلاميذ؟!
يا أمة رسول الله..
أين نحن من الثبات على الحقِّ مهما كانت الظروف؟ وأين نحن من التطلُّع إلى نموذج الحق الحاكم الذي ينشر الفضيلة في الأرض..؟
هذه مفرداتٌ أدعوكم إلى تأمُّلها في قلوبكم وعقولكم فلعل الإنسان المفقود في عالم الوحوش والبهائم يعود إلى الأرض من جديد.
لن ينفعنا أن نشتم أمريكا فقط, وأن نصيح بالدعاء: (ربنا انصر إخواننا)..
لا بد من انطلاقة من أساسٍ مبدئيّ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
رُدَّنا اللهم إلى دينك ردًّا جميلاً, وذكِّرنا بحبيبك سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
|