قَالَ الصادق المصدوق عليه الصلوات والتسليمات :
( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا )
وهاهي قد تداعت علينا اليوم .
فقَالَ قَائِلٌ بين يديه صلى الله عليه وسلم :
وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟
فأجابه وهو يقرأ سطور الغيب :
بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ .
وصدق فيما قال .
نحن أمة ( المليار ونصف ) ..
الكثيرة في العَدَد ، الكبيرة في البلاد ، المتكاثرة المتناكحة ..
فهل اعتبر لنا صوت دائم واحد فيما يسمونه ( مجلس الأمن ) مثلاً ؟
لو وجد ذلك الصوت ؛ سيوجد حق يسمى حق النقض ..
وهل يحق للضعفاء نقض ما يمليه الأقوياء ..
نحن كثير ولكن من غير وزن ..
ونحن عديد ولكن من غير اعتبار ..
العالم من حولنا سيل جارف ونحن غثاؤه ..
نحن : ما يطفو على سطح ذلك الماء الجارف ..
على أنه لا بد ولابد ستبقى في الأمة الضعيفة طائفة الحق ..
غيرها هو زَبَدُ السيل وغثاؤه ..
أما هي فإنها : ( نافعة الناس ) ..
ونافع الناس لا بد أنه يمكث في الأرض ..
غيره يتذبذب وهو الثابت بتثبيت الله ..
وغيره يولي دبره وهو المقبل الراغب في إحدى الحسنيين ..
وقال الله وهو أجل القائلين :
( أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ )
الزبد الغثاء قد نزع الله تعالى من صدور الآخرين المهابة منه ..
والنافع الذي يمكث في الأرض تهتز من خشيته الراسيات ..
الزبد الغثاء قد أحب الدنيا وكره الموت ..
والنافع الذي يمكث في الأرض قد أحب الله تعالى وكره مذهب الخائرين ..
الزبد الغثاء خفت موازينهم في الدنيا والآخرة فخسروا أنفسهم ..
والنافع الذي يمكث في الأرض ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فكان من الْمُفْلِحينَ ..
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
|