ورأى ابنُ مسعودٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال فيه : كأنه القمرُ ليلةَ البدر .. وحُقَّ له أن لا يراه إلا كذلك ..
فهل أبصرَ إلا الكاملَ الذي تنزّهَ عن العيوب ؟
وهل رأى إلا السراجَ المنيرَ الذي أشرقَ على العالمين من سماواتِ الغيوب ؟
هل يدعي أحدٌ في الكون هذه الرتبة الفريدة ؟
وهل يجترئُ مخلوق على التطاول إلى تلك المنزلة العالية البعيدة .
..الذي لا ينطق عن الهوى ..
الذي كان عبدَه فَأَوْحَى إِلَيه مَا أَوْحَى ..
الذي مَا كَذَبَ فُؤادُه مَا رَأَى ..
الذي مَا زَاغَ بَصَرُه وَمَا طَغَى ..
الذي رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ..
الذي امتدحه خالقه أنَّه عَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، و يَسَّر كلامه القديمَ بِلِسَانِه الكريم ، لِيبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وينذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا .
فالعلماء كلهم قطيراتٌ في بحره الكبير ..
والربانيون جميعهم إشعاعاتٌ من بهاء بدره المنير ..
فمن يقول عن نفسه بعد هذا أنه البدر الكامل ؟
إننا لا نرى غيره صلى الله عليه وسلم بدراً كاملاً ..
ما نحن إلا خدمٌ في أعتابه .. وليته يكون لهذا قابلا ..
ما نحن إلا عشاقٌ في مشهد جماله ..وليته يكون للمشتاق إلى محاسنه مواصلا ..
ننافح بإذنه عن دينه لنتشرف بتلك المنافحة ..
ونصافح الخطوب في سبيله ؛ لنتكمل بتلك المصافحة .

يا أمة الحبيب المصطفى :
( قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ )
فاستنيروا بهذا النور المحمدي النزيه ، واهتدوا بذلك الكتاب الذي لا ريب فيه .
فالأيام المقبلة ليلها حالك ..
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر .