يعيش عالمنا اليوم على هذه الكرة الأرضية تخبطاً لم تشهده الأزمنة من قبل .. فالذي يغطي الأرض من عناصر القوة المادية ، بواعثه الظلم والبغي وشهوة التسلط والكذب والرغبة في مزيدٍ من السلب والنهب والعدوان ، وأصبح الناس في حالة من العبثية والفوضوية وغياب الموازين .
إنها الحالة الموصوفة في كتاب الله المنير حين تحدث عن الإنسان من غير رسالة يحملها ويؤتمن عليها فقال : ) إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) ( الأحزاب 72)
.... تجتمع الدول المتسلطة في العالم تحت شعار ( الدول المانحة ) ، فتارة شعارها (مانحة أفغانستان ) ، وأخرى ( مانحة العراق ) ، والثالثة ( مانحة فلسطين )
والمنح في الأصل : هبةٌ تنبعث عن خيريةٍ ومروءةٍ وشهامة ...
لكن حقيقة هذا ( المنح ) الجديد أنه ( مسمار جحا ) الذي يضعه المانحون مقدمةً لمطامعهم ومصالحهم ومصانعهم ومؤسساتهم في أفغانستان والعراق وفلسطين ..
فانظر كيف انقلبت المفاهيم وتغيرت الحقائق في زمن الظلم والجهالة ..
ويقال : إن العراق يعاني من ظالميه ومستبديه ..
ويضرب على شعبه الحصار إعانة له على ظالميه !! ..
ويجوع الأطفال سنواتٍ طويلة إعانةً للشعب وانتصاراً له على حكّامه ..
ثم يجتمع ( الحلفاء الأحزاب ) على العراق ، و يُضرب الشعب بالنار والحديد وملايين المتفجرات ..
وتحتل العراق إعانة لشعبها ..
وتنتهك الأعراض إعانة للشعب ..
ويُقهرُ الرجال وتعفر وجوههم بالتراب إعانةً للشعب ..
ويقال بعدها : جئنا لإعمار العراق ...
وما قضية ( إعمار العراق ) إلا ساحة يبحث فيها المستثمرون عن دكان لهم في السوق الجديدة ..
قال يوماً ربعيّ _ وهو الأعرابي المجاهد في جيش أصحاب المصطفى _ وهو يخاطب قائد الفرس ( رستم ) لما عرض عليه التمور الفارسية اللذيذة المحَمّلة على الفيَلةِ والإبل العظام ..
قال ( ربعي ) يومها : ما جئنا من أجل تموركم ، أتينا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ...
إنه مقصود الإنسان الذي تحرر من أسر مطامعه وشهواته وظلمه وبغيه وكذبه ، ثم حمل ( الرسالة الأمانة ) إلى كل الضائعين الغائبين عن هذا المقصود ...
سيبقى العالم في تخبطه وضياعه حتى يتملّكه هذا المقصود ..
وقال الله تعالى يدل الإنسان على هذا المقصود :
( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات 56 )
فمتى نعرف رسالتنا إلى هذا العالم الحيران ؟ |