الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Symposia الندوات
 
الإسلام والمسيحية
في الفكر والدعوة
سوريا/دمشق
9-6-2002
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني  
كان مولانا الروميُّ جلالُ الدين في يوم من الأيام يغني للأرواح ويغرد بأنغام المعرفة للقلوب قائلاً : إن موسى وعيسى ومحمدٌ عليهم الصلاة والسلام زجاجة واحدة ظهر فيها نور السماء ، وليس غير الأحول يراها متعددة .
ولم يكن يفهم فحوى خطابه إلا عارف بنور الله تعالى حقائقَ القرآن .
وقال القرآن الكريم :
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(136)البقرة
ولكن أعداء الأمة في كل مكان كانوا يريدون لها الشتات والفرقة والنزاع بأشكاله العرقية والطائفية والإقليمية ، وكان العقلاء من أرباب الفكر المستنير بأنوار الوحي لا يتركون للعدو الماكر ثغرة يدخل من خلالها إلى قلب الأمة ليمزقه ، ولا يوفرون فرصة لرتق الخرق إلا ويقدمونها هدية لأمتهم ونفعاً لشعوبهم .
إن الحديث الصريح مع المسيحية الحاضرة بخلافها الاعتقادي مع المسلمين لا يمنعنا أن نقول : إن المسيحية ماتزال تحمل بين سطور إنجيلها بنسخه المتعددة من أنوار النبوة ما لا يخفى على مسلمٍ بصير .
وما يزال المشترك كبيراً بين كثير من تلك السطور ونصوص الإسلام القرآنية والحديثية .
والمشترك نوعان ، نوع اعتقادي إيماني ، ونوع أخلاقي سلوكي .

أولاً –فمن المشترك الاعتقادي :

ما جاء عن وحدانية الله تعالى في المصدرين :

قال القرآن : ( وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (46)العنكبوت
وفي نسخ الإنجيل : ( كيف تقدرون ان تؤمنوا وانتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض.والمجد الذي من الاله الواحد لستم تطلبونه ( انجيل يوحنا Jn:5:44 )
( قال يسوع لابليس حين طلب منه السجود له : اذهب يا شيطان لأنه مكتوب :
للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ) ( متى 4/10 )
(. واذا واحد تقدم وقال له ايها المعلم الصالح اي صلاح اعمل لتكون لي الحياة الابدية. فقال له لماذا تدعوني صالحا.ليس احد صالحا الا واحد وهو الله.ولكن ان اردت ان تدخل الحياة فاحفظ الوصايا ) ( متى :19:16 -19:17)
( لا يقدر احد ان يخدم سيدين.لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر او يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لا تقدرون ان تخدموا الله والمال ) ( متى:6:24)

ما جاء في المصدرين عن نبوة المسيح :

قال القرآن : فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا(29)قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)مريم
وفي نسخ الإنجيل : ( ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون.فقال ايها الشاب لك اقول قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه الى امه. فاخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه ) ( لوقا7:14 - 7:16 )
(. في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لان هيرودس يريد ان يقتلك. فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها انا اخرج شياطين واشفي اليوم وغدا وفي اليوم الثالث اكمل. بل ينبغي ان اسير اليوم وغدا وما يليه لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارج عن اورشليم ) ( لوقا. 13:31 -:13:33)
( وفيما هما يتكلمان ويتحاوران اقترب اليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما. ولكن أمسكت اعينهما عن معرفته. فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وانتما ماشيان عابسين. فاجاب احدهما الذي اسمه كليوباس وقال له هل انت متغرب وحدك في اورشليم ولم تعلم الامور التي حدثت فيها في هذه الايام. فقال لهما وما هي.فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان انسانا نبيا مقتدرا في الفعل والقول امام الله وجميع الشعب.) ( لوقا :24:15 -:24:19 )

ما جاء من كون المسيح رسولَ الله المصدق بما بين يديه من التوراة والكتب :

قال القرآن : وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6)الصف
وفي نسخ الإنجيل : ( من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي ارسلني.، من يقبل نبيا باسم نبي فأجر نبي ياخذ.ومن يقبل بارا باسم بار فأجر بار ياخذ.) (متى10:40-:10:41)
( وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته ) ( يوحنا 17:3 )
ما جاء من كون المسيح مصدقا لما بين يديه من التوراة :
17. لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس ( الشريعة ) او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل. (.Mt:5:17)
فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى الصغير في ملكوت السموات.واما الذي يعمل بها ويعلّمها فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات (Mt:5:19:)


الأنبياء المشترك ذكرهم في القرآن ونسخ الإنجيل :

1 – من ورد اسمه دون تغيير لغوي : ( آدم - نوح – ابراهيم - لوط – اسحق – يعقوب– يوسف – موسى – زكريا– داود – سليمان .)
2 – من ورد اسمه مع تغيير لغوي : ( يحيى ) في القرآن و ( يوحنا المعمدان ) في نسخ الانجيل .
(يونس ) في القرآن و( يونان ) في نسخ الانجيل .
وفي نسخ الإنجيل أنه من نينوى (متى 12/41 ، لوقا 11/ 30و32)
( رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناداة يونان.)متى:12:41)
وفي السيرة النبوية نقرأ قصة النصراني عداس مع النبي r :( قال : ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس وما دينك ؟ قال نصراني وأنا رجل من أهل نينوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى فقال له عداس وما يدريك ما يونس بن متى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي ) كذا في ج 3 من البداية والنهاية لابن كثير .


على سبيل المثال : وردت قصة يونس عليه الصلاة والسلام في القرآن في مواضع عديدة منها قوله تعالى :

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ(139)إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ(140)فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ(141)فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ(142)فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ(143)لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(144)فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ(145)وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ(146) الصافات
وفي نسخ الإنجيل : ( فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي.، لانه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة ايام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الانسان في قلب الارض ثلاثة ايام وثلاث ليال ) ( متى 12:39 ،12:40)
( لانه كما كان يونان آية لاهل نينوى كذلك يكون ابن الانسان ايضا لهذا الجيل.) (لوقا 11:30 )

و جاءت قصة طوفان نوح في القرآن في مواضع عديدة منها قوله تعالى :

وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(36)وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ(37)وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ(38)فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ(39)حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ(40)وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(41)وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ(42)قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ(43)وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(44)هود
ووردت في نسخ الإنجيل مع خبر نزول المسيح آخر الزمان :
( وكما كانت ايام نوح كذلك يكون ايضا مجيء ابن الانسان. لانه كما كانوا في الايام التي قبل الطوفان ياكلون ويشربون ويتزوجون ويزوّجون الى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك ولم يعلموا حتى جاء الطوفان واخذ الجميع.كذلك يكون ايضا مجيء ابن الانسان.) ( متى :24:37 - 24:38 - 24:39 ) (لوقا 17:26-17:27 )


وقصة هلاك قوم لوط بإمطار حجارة نارية وردت في القرآن الكريم في مواضع عديدة منها قوله تعالى :

قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ(81)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83)هود
وفي نسخ الإنجيل نقرأ مثلاُ :
( كذلك ايضا كما كان في ايام لوط كانوا يأكلون ويشربون ويشترون ويبيعون ويغرسون ويبنون. ولكن اليوم الذي فيه خرج لوط من سدوم امطر نارا وكبريتا من السماء فاهلك الجميع. هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الانسان) (لوقا17:28- 17:2917:30 (

وورد ذكر روح القدس في القرآن كثيراً منه قوله تعالى :

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(102)النحل
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ(87)البقرة
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (253)البقرة
وتكرر ذكر روح القدس في نسخ الانجيل كلها : ( متى – لوقا – مرقس – يوحنا )
وورد في القرآن ذكر اسمه جبريل في مواضع منها قوله تعالى :
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(97)البقرة
(و ورد التصريح باسمه : جبرائيل ) في نسخة انجيل لوقا 1 /19


ما يتعلق بمضاعفة الثواب العاجل والآجل :

قال القرآن : مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(261)البقرة
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ(18)الحديد
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ(22)الرعد
وفي نسخ الإنجيل : ( فاجاب يسوع وقال الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امرأة او اولادا او حقولا لاجلي ولاجل الانجيل الا وياخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتا واخوة واخوات وامهات واولادا وحقولا مع اضطهادات وفي الدهر الآتي الحياة الابدية ). (متى:10:29:- :10:3)
( فقال لهم الحق اقول لكم ان ليس احدا ترك بيتا او والدين او اخوة او امرأة او اولادا من اجل ملكوت الله. الا ويأخذ في هذا الزمان اضعافا كثيرة وفي الدهر الآتي الحياة الابدية ) ( لوقا 18:29 - 18:30 )
19. لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون (.Mt:6:19:)
20 بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.(Mt:6:20:)


وما يتعلق بعقاب الآخرة :

قال القرآن : بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)البقرة
أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40)فصلت
وفي نسخ الإنجيل : ( فان اعثرتك يدك او رجلك فاقطعها وألقها عنك.خير لك ان تدخل الحياة اعرج او اقطع من ان تلقى في أتون النار الابدية ولك يدان او رجلان.) ( متى 18:8)
( فان كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم.) ( متى Mt:5:29)
( وان كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها والقها عنك.لانه خير لك ان يهلك احد اعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم ) ( متى Mt:5:30)
( قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تقتل.ومن قتل يكون مستوجب الحكم. ، واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم (حكم القضاء ).ومن قال لاخيه ( يا أحمق ) يكون مستوجب المجمع ( حكم المجلس ).ومن قال ( يا جاهل) يكون مستوجب نار جهنم. ) متى ( 5:21- :5:22 )
ب – على المستوى السلوكي والأخلاقي :
قال القرآن :
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى {36} وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى {37} أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {38} وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى {40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى {41} النجم
وفي نسخ الإنجيل :
( قد سمعتم انه قيل للقدماء لا تزن. واما انا فاقول لكم ان كل من نظر الى امرأة بشهوة فقد زنى بها في قلبه)
( متى 5:27 - 5:28)
( ايضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث بل أوف للرب اقسامك. واما انا فاقول لكم لا تحلفوا البتة.)) متى 5:33 – 5:34 )
( بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا.وما زاد على ذلك فهو من الشرير ) ( متى 5:37 )
( ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك.واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. ام كيف تقول لأخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك.وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك.) ( متى 7:3 – 7:4 – 7:5 )

ومن النصوص المتقاربة بين القرآن وبعض نسخ الإنجيل :

القرآن : إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(44)وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(45)وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(46)المائدة
( سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن.، واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخر ايضا.) ( متى Mt:5:38، Mt:5:39)


2 – أقرب الناس مودة :

إن الإسلام نظر إلى النصارى نظرة تختلف عن سواهم من غير المسلمين ، فقد جعل الإسلام اليهود والوثنيين في جانب العداوة الشديدة ، وجعل النصارى الأقرب مودة ، ونسبهم إلى الأخلاق الحيدة ، ووصفهم برقة القلب وسرعة قبول الحق .
قال تعالى :
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) المائدة
ومن تأمل في نسخ الإنجيل يجد الكثير من النصوص التي تنقل مواعظ السيد المسيح وتأمر بالأخلاق الحميدة ، وتدعو إلى صفاء الروح ونقاء القلب ، ولعل هذا هو الذي يفسر وصف (الأقرب مودة ) لمن تخلق بتلك الأخلاق واتبع تلك التعاليم :
42 من سألك فاعطه.ومن اراد ان يقترض منك فلا ترده ( Mt:5:42:)
43. سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.( Mt:5:43:)
44 واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. (Mt:5:44: )
46 لانه ان احببتم الذين يحبونكم فاي اجر لكم.اليس العشارون ايضا يفعلون ذلك.( Mt:5:46: )
47 وان سلمتم على اخوتكم فقط فاي فضل تصنعون.أليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. (Mt:5:47: )
2 فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الازقة لكي يمجّدوا من الناس . الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. (Mt:6:2: )
3 واما انت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك. (Mt:6:3: )
5. ومتى صلّيت فلا تكن كالمرائين.فانهم يحبون ان يصلّوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس.الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. (Mt:6:5: )
12 واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن ايضا للمذنبين الينا. (Mt:6:12: )
13 ولا تدخلنا في تجربة.لكن نجنا من الشرير.لان لك الملك والقوة والمجد الى الابد.آمين. ( Mt:6:13:)
16. ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين.فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين.الحق اقول لكم انهم قد استوفوا اجرهم. (Mt:6:16: )
17 واما انت فمتى صمت فادهن راسك واغسل وجهك.(Mt:6:17:)
وهو يدعو إلى التوبة :
( توبوا فقد اقترب ملكوت السموات ) متى 4/17
ويدعو إلى التواضع :
( طوبى لفقراء الروح.فان لهم ملكوت السموات.) ( متى Mt:5:3)
وإلى المسالمة :
( طوبى للودعاء.فانهم يرثون الارض.) ( متى Mt:5:5)
وإلى البر :
( طوبى للجياع والعطاش الى البر.لانهم يشبعون ) ( متى. Mt:5:6)
وإلى الرحمة :
( طوبى للرحماء.لانهم يُرحمون ) ( متى. Mt:5:7)
وإلى طهارة القلب :
( طوبى لأطهار القلوب فانهم يشاهدون الله ) ( متى. Mt:5:8)
وإلى الصبر وتحمل الأذى :
( طوبى لكم اذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من اجلي افرحوا وابتهجوا.ان اجركم في السموات. عظيم فهكذا اضطهدوا الانبياء من قبلكم ) ( متى Mt:5:11 . Mt:5:12)
وإلى حفظ حقوق الناس وترك الخصومات :
( فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لاخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب اولا اصطلح مع اخيك.وحينئذ تعال وقدم قربانك ). ( متى Mt:5:23- Mt:5:24 )
( ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا ) ( متى Mt:5:40)
وإلى المشي في حاجة المحتاج :
( ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين ). ( متى Mt:5:41)
وإلى التوكل على الله :
( لذلك اقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تاكلون وبما تشربون.ولا لاجسادكم بما تلبسون.أليست الحياة افضل من الطعام والجسد افضل من اللباس. انظروا الى طيور السماء.انها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع الى مخازن ( متى Mt:6:25:Mt:6:26)
( ولماذا تهتمون باللباس.تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو.لا تتعب ولا تغزل. ولكن اقول لكم انه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فان كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدا يلبسكم انتم يا قليلي الايمان. فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس ) ( متى Mt:6:28 -. Mt:6:29: Mt:6:30: Mt:6:31)
( لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم.) ( متى Mt:6:33 )
وكلها تتوافق مع تعاليم الإسلام التي وجه إليها القرآن وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .


3 منزلة السيد المسيح ومكانته في الإسلام :

قال القرآن : إِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ(45)آل عمران
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ(110)المائدة
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(63)الزخرف
وعن منـزلة أمه مريم عليها السلام :
جاء في البخاري ج5/ 47 /كتاب المناقب :
( عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خير نسائها مريم ، وخير نسائها خديجة .)
الترمذي ج5 / كتاب المناقب :
وقال صلى الله عليه وسلم : ( حسبك من نساء العالمين : مريمُ ابنة عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون ) .


4 - تاريخ الإخاء الإسلامي المسيحي

مع دعوة الإسلام جميع الناس إلى الدخول فيه كدين خاتم لجميع الأديان ، لكنه منذ اللحظة الأولى التي نزل فيها من السماء إلى الأرض ، كان يتعامل مع المسيحية بسماحة واحترام وأريحية ، ويتنزه عن تضييقٍ أو جرحٍ أوإيذاء ، بل إنه زيادة على ذلك كان يمد يد التعاون وينسج أواصر العمل المشترك مع أتباعها ، وكان يحرسهم ويحمي معابدهم من كل سوء .
وكان الحوار متسماً باعتبار الآخر والإحسان إليه فيه :
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(46)العنكبوت
وتاريخ الصلة بالنصرانية قديم ، بل إنه بدأ منذ زمن البعثة الأول :
جاء في دلائل البيهقي ج2/142 / كما في الجامع للسيرة :
( وقبل الرسول رسالة ربه عز وجل واتبع الذي جاءه به جبريل عليه السلام من عند الله عز وجل ، فلما قبل الذي جاءه من عند الله تعالى وانصرف من بيته جعل لا يمر على شجرة ولا صخر إلا سلم عليه ، فرجع مسروراً إلى أهله موقنا ، قد رأى أمراً عظيماً ، فلما دخل على خديجة قال : أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام فإنه جبريل عليه السلام استعلن لي ، أرسله إلي ربي وأخبرها بالذي جاءه من الله عز وجل ، وما سمع منه ، فقالت أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلا خيراً ...
ثم انطلقت مكانها حتى أتت غلاماً لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس نصرانياً من أهل نِينوى ، يقال له عداس ، فقالت له : يا عداس أذكرك بالله إلا ما أخبرتني هل عندك علم من جبريل ؟ فقال عداس قدوس قدوس ، ما شأن جبريل يذكر بهذه الأرض التي أهلها أهل الأوثان ! فقالت أخبرني بعلمك فيه ، قال فإنه أمين الله بينه وبين النبيين ، وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام ، فرجعت خديجة من عنده فجاءت ورقة بن نوفل .. فلما وصفت خديجة لورقة حين جاءته شأن محمد عليه السلام وذكرت له جبريل عليه السلام وما جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله عز وجل ، قال لها ورقة : يا بنية أخي ما أدري لعل صاحبك النبي الذي ينتظر أهل الكتاب الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، وأقسم بالله لئن كان إياه ، ثم أظهر دعاءه وأنا حي لأُبلينَّ الله َ في طاعة رسوله وحسن مؤازرته الصبرَ والنصر .) اهـ
وكان النجاشي النصراني أول موئل للإسلام :
جاء في سيرة ابن هشام ج1 /343 كما في الجامع للسيرة /
قال صلى الله عليه وسلم : ( لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق)
طبقات ابن سعد ج1/203 /كما في الجامع للسيرة :
( قالوا أين نذهب يا رسول الله ، قال هاهنا – وأشار إلى الحبشة – وكانت أحب الأرض إليه أن يهاجر قِبَلها ).
طبقات ابن سعد ج1/204 /كما في الجامع للسيرة :
( قالوا : فجاورنا بها خير جارٍ أمِنَّا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئاً نكرهه )
وقد أراد الإسلام التعايش المتبادل الذي ليس فيه أي نوع من الأذى: فلا يلزم المسيحيون بما يعتقدون خلافه من الأحكام الشرعية ، كشرب الخمر مثلا ، بل يحرم غصب المسلم الخمر من الذمى ، نظراً إلى كونها مقومة ومتمولة في اِعتقادهم .
أبو داود / عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *
أبو داود مرفوعاً / إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِإِذْنٍ وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ إِذَا أَعْطَوْكُمِ الَّذِي عَلَيْهِمْ *
وقال تعالى : {الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلّ لّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلّ لّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتّخِذِيَ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الاَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.المائدة 5
ونص السادة الحنفية أن المسلم يقتل بالذمي
وعهد النبي r إلى أهل نجران عهداً جاء فيه ( ولا يغير أسقفٌ من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته وليس عليه دنيه [1]
وجاء في عهد الفاروق إلى أهل القدس : ( هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأماني أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار منهم ) [2]
( وحينما كان ستون شخصاً من نصارى نجران عند النبي r وفي مسجده الشريف حان وقت صلاتهم فقاموا متوجهين إلى المشرق ليصلوا صلاتهم ولما أراد المسلمون منعهم نهاهم رسول الله r وتركهم يصلون في طمأنينة)[3]

وقد نتساءل ما هي أسباب العصبيات الطائفية ، وردود الفعل المتبادلة ؟
إن من المؤكد القرآن أو حديث النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد منهما سبب عصبية أو تطرف أو عدائية للمسيحية ، ولا نجد في نسخ الإنجيل ما يدعو إلى خصومة غير المسيحي بل نجد دعوة صريحة للإحسان إلى من يعادي المسيحي ويؤذيه ، فكيف بمن يحسن إليه ويصونه .
فليست المصادر الدينية سبب عداء ، لكن المخالفين لمصادرهم الدينية ، والمارقين عنها هم الذين أساؤوا إلى دينهم وأوهموا الآخرين بأنهم ينطلقون منه .
وإن من أهم الظواهر التي أثارت العصبيات المارقة عن الدين وأسست للفتن الطائفية والبغضاء بين المنتسبين إلى الإسلام والمسيحية حدثان كبيران :
1 – محاكم التفتيش الإسبانية التي سحقت من غير رحمة الآلاف المؤلفة من المسلمين ، إحراقاً وقتلاً وتعذيباً حتى الموت .
2 – الحروب الصليبية التي سفكت دماء الآلاف من المسلمين في القدس وما حولها من البلاد الإسلامية .
فأحدث ذلك الفعل ردوداً ، ولم يكن يعبر عن منطلقات المصادر الدينية أبداً ، فالمتهم فيما حصل هم الذين قالوا وفعلوا باسم المصادر الدينية ، وهي منهم بريئة .

5 - ظاهرة تهويد المسيحية الغربية وسبل مواجهتها

قالت اليهودية :
( يسمح لليهودي أن يكذب ويشهد زوراً للإيقاع بالمسيحي ) [4]
( يجب على اليهود السعي الدائم لغش المسيحيين )[5]
( من يفعل خيراً للمسيحيين فلن يقوم من قبره قط )[6]
( تمكنا من قلب الأنظمة القائمة في معظم ممالك أوربا والبقية آتية عما قريب )[7]
وبعد دخول الإسبان إلى غرناطة عام ( 1492 م ) وفتك محاكم التفتيش بغير المسيحيين ، وبالمسيحيين المخالفين لها ، انتشر اليهود في أوربا ، ومنذ ذلك التاريخ بدأ تهويد المسيحية الغربية ، فقد نشر لوثر مارتن كتاباً في عام (1523م ) بعنوان : ( عيسى ولد يهودياً ) وقال فيه: ( إن الروح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم ، وإن اليهود هم أبناء الله ، ونحن الضيوف الغرباء ، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون الكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها ، كالمرأة الكنعانية تماماً )[8]
وبعد انفصال الملك هنري الثامن عن روما بدأت ظاهرة تهويد المسيحية في بريطانيا ، وكتب المفكر السياسي هنري فنش عام ( 1621م ) كتاباً قال فيه : ( ليس اليهود قلة مبعثرة بل إنهم أمة ستعود إلى وطنها )
وفي مطلع القرن السابع عشر كثرت هجرة المتهودين إلى العالم الجديد ( أمريكا ) .
وكانت أول دكتوراة منحتها جامعة هارفارد الأمريكية بعنوان ( العبرية هي اللغة الأم)
وفي القرن السابع عشر نفسه ظهرت في بريطانيا الطبعة الأولى لنسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس وبموجبها أصبح العهد القديم المصدر الرئيسي للاجتهاد واستنباط الأحكام واستعملت في هذه المرحلة اللغة العبرية كلغة للكنائس والصلاة وتلاوة الكتاب المقدس وتعميد الأطفال بالأسماء العبرية بعد أن كان تعميدهم بأسماء القديسين المسيحيين ، ونقل يوم الاحتفال الديني ببعث المسيح إلى يوم السبت اليهودي.
وبتكون جمهورية هولندا البروتستنتية الكالفينية ( نسبة إلى اللاهوتي كالفن ) انتشر تهويد المسيحية في أوربا ، وصدر في أواخر القرن السابع كتاب للفرنسي فيليب جنتل دعا فيه إلى مقايضة السلطان العثماني مدينة القدس بمدينة روما تسهيلاً لتوطين اليهود في فلسطين .
وكان نابليون أول رجل دولة أوربي يدعو اليهود إلى إقامة وطن لهم في فلسطين وذلك خلال حملته على مصر عام ( 1798م ) وسماهم في بيانه الموجه إليهم ( ورثة فلسطين الشرعيين ) .
وفي عام 1807م تأسست جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود ونشر أحد أركانها وهو اللورد أنطوني اشلي كوبر ( ايرل شامنتسبري ) مقالاً أكد فيه أن اليهود سيبقون غرباء حتى يعودوا إلى فلسطين ، وأن اليهود هم الأمل في تجدد المسيحية وعودة المسيح .
وفي عام ( 1814 م ) ارتفعت في أمريكا الدعوات الإنجيلية لتوطين اليهود في فلسطين ، وسافر أحد القسس ( وردر جريسون ) من أمريكا إلى فلسطين واعتنق اليهودية وعين بعدها قنصلاً عاماً لها وكان يسعى إلى تأسيس وطن يهودي في فلسطين .
وفي بريطانيا عام ( 1841 م ) كتب تشرشل رسالة إلى رئيس المجلس اليهودي في لندن يقول له فيها : ( إن استعادة اليهود لوجودهم كشعب في فلسطين أمر ميسور إذا توافر عاملان اثنان :
1 – أن يتولى اليهود أنفسهم طرح موضوع العودة على الصعيد العالمي .
2 – أن تبادر القوى الالأوربية إلى دعمهم تحقيقاً لهذا الهدف .
ونشر في أمريكا القس وليم بلاكستون عام (1878 م) كتابه ( المسيح آت ) ربط فيه بين عودة اليهود إلى فلسطين وعودة المسيح إلى الأرض ، وترجم الكتاب إلى 48 لغة وكان أكثر الكتب انتشاراً في القرن التاسع عشر .
وهكذا بدأت المسيحية المهوَّدة تدعو صراحة إلىأهداف اليهودية الصهيونية ، وتحرض القوى الأوربية على دفع مشروع الاستيطان اليهودي في فلسطين .
ثم جاء وعد المسؤول البريطاني بلفور بمنح اليهود ( أوغندا ) لإقامة دولتهم ، لكن المؤتمر الصهيوني الرابع عام ( 1903م ) رفض متمسكاً بأرض فلسطين ، فأذعن بلفور لطلبه وكان الوعد ( 1917م ) بفلسطين .
ووافق في أمريكا البيت الأبيض ومجلس الشيوخ ومجلس النواب على وعد بلفور .
وتأسست في أمريكا منظمة ( الزمالة اليسوعية الأمريكية ) وهي قلب اللوبي الصهيوني في أمريكا ، وهي الاسم الجديد لمنظمة ( البعثة العبرية من أجل إسرائيل)
وبتولي ( ترومان ) رئاسة الولايات المتحدة تم الضغط على بريطانيا عام 1947 م لإرسال مائة ألف يهودي مهاجر إلى فلسطين لتأمين أغلبية يهودية فيها .
وبعد نشوء الورم الصهيوني عام ( 1948 م ) بدأت المسيحية المهوَّدة تعطي الصهيونية معنى دينياً رمزيا ، وتعتمد المقولة : ( إن أرض إسرائيل هي الأرض التي وعد الله بها ابراهيم وذريته ، وإن الله يبارك إسرائيل ويلعن لاعنيها)
( وإن كل دعم لدولة إسرائيل يعني الحصول على بركة الرب ) ( وإن القرار الإسرائيلي يعكس إرادة الله ، أما القانون الدولي فإنه لا يعكس سوى إرادة الإنسان )
وما تزال في أمريكا الطائفة التدبرية ( الانكلوساكسون البروتستانت البيض ) وهي الأبرز سياسياً واقتصادياً تمارس دور التهويد للمسيحية ومن أبرز أركانها : ( بات روبرتسو
أعلى الصفحة