وعن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «إِذَا نَعسَ أَحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فإِن أَحدَكم إِذَا صلَّى وهُو نَاعسٌ لا يَدْرِي لعلَّهُ يسْتَغْفِرُ فيَسُبُّ نَفْسَهُ». متفقٌ عليه.
يوجهنا هذا الحديث إلى أن صلاح الإنسان لا يكون إلا باجتماع الجسد والروح، وأن يكون الجسد مشترك مع الروح في العمل.
ما معنى النعاس؟
ما معنى النوم؟ يحصل في النوم ضعف التواصل بين الجسد والروح، وبشكل دقيق، حالة الموت أشد من النوم مفارقة مع بقاء إشعاع، هذا الإشعاع يبقى بحسب صلاح الرجل، فإذا كانت روحه مالكة، يبقى إشعاعها على الجسد قويًا، فلا تستطيع الأرض أكل الجسد، لكن إذا لم تكن الروح مالكة، يكون الإشعاع على الجسد، ولا يمنع تفتته وتفككه، لأن المفارقة في حالة النوم أضعف، و المفارقة في حالة الموت أقوى ، أما في حالة النوم فالروح مفارقتها للجسد، ليست كمفارقتها للجسد في الموت، لذلك ترى أن الجسد يبقى القلب فيه متحركًا، والخلايا فيه متحركة، التنفس فيه صحيح، ولكن يغيب من حواس الجسد شيء كثير، فالسمع يغيب، والبصر يغيب، والحركة تغيب، إذًا ما بين النوم وحالة الصحو، النعاس حيث تبدأ الروح مائلة إلى المفارقة.
ولا يمكن للإنسان أن يقوم بوظيفته التي كلفه الله سبحانه وتعالى بها إلا حينما تجتمع مادة الجسد مع قوة الروح، وهذا هو نموذج المكلف القائم بأمر الله، إذا قال أحدهم نحن نذكر حتى نغيب عن الإحساس، فهذا مسموح به بشرط أن لا يستهلك وقتك، و هذا الاستغراق الذي في وقتك ينبغي أن يكون سببًا من أسباب قوة الروح في حالة الصحو، فإذا ذكرت الله تعالى ساعةً، وذكرت الاسم المفرد حتى كنت في حالة شهودية استغراقية، تغيب بها عن الحس، فهذا حسن، لأنه سبب من أسباب قوة الروح حين تعود إلى صحوك وقيامك بوظيفتك.
فأنت عندما تقوم بخدمة الناس، الروح مع الجسد يشتركان به، عندما تقوم باختراع في مختبرك، الروح والجسد يقومان به، عندما تصلي (وهذا نموذج من نماذج العبادة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينهى فيه عن الصلاة في وقت النعاس) ينبغي أن يكون الجسد مشتركًا مع الروح اشتراكًا تامًا، عندها يستطيع الإنسان أن يؤدي العمل كما أمره الله سبحانه وتعالى{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 37ـ38] ولاحظ قوله: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ}تجد أن ذكر الله وإقام الصلاة متقاربان، والتجارة والبيع متقاربان، فهاهنا يوجد توازن، فبعد ذلك {وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} فهذه عبادة يشترك فيها البدن والمال.
فلما وجدت التجارة والبيع، ووجد في الطرف الآخر الذكر والصلاة، أنتج رعاية للمجتمع، ورعاية للفقراء، لأن الفقير عنده عقل، وعنده جهد، لكن ما عنده مال، فحتى يتحرك هذا المبتلى بالفقر لا بد له من المال، ومن الذي يقوم برعايته؟
اللذين كانوا في التجارة والبيع مع ذكر الله وإقامة الصلاة، فاللذين توازن فيهم ذكر الله وإقام الصلاة، مع التجارة والبيع، يحصل الناتج عن هذا الاشتراك الحسي الروحي، إيتاء الزكاة، حيث يشهد أن هذا المال مال الله، وهو مؤتمن عليه، فيقوم برعاية المحتاجين، وهذا المحتاج يقوم في الليل ويرفع يديه بالدعاء، يقول: يا رب أكرم فلانًا، فيرتقي زيادة على ما ارتقى به بسبب إقام الصلاة وذكر الله مع التجارة والبيع، فيأتيه دعاء الفقراء، ويأتيه من المودة والمحبة.
والود والمحبة من أعظم أسباب القربات، ((المتحابون في جلالي على منابر النور))
فعندما اشترك الحس مع المعنى، اشترك الجسد مع الروح اشتركًا تامًا، لذالك لا يمكن أن يصل إلى التوازن في طاعة الله تعالى وعبادته، والقيام بأمره أحد حتى يلاحظ هذا الاشتراك بين الروح والجسد، فالروح غذاؤها ذكر الله وإقامة الصلاة، والحس التجارة والبيع والاشتغال في الدنيا بما يحبه الجسد.
وحركة الجسد في الدنيا مع استمداد الروح في ذكر الله وإقام الصلاة، ينتج قيام الأمة {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] فما كل من حصّل المال يحصّله من أجل هذا القيام، فكثير من يذكرون الله ويحضرون الجماعات، وتأتيهم أموال كثيرة من كسبهم، لا يكونون سبب قيام جماعي، إنما يكونون سبب قيام فردي، فتجد أنه يتنامى في خصوصيته وفرديته، لكن لا يكون سبب قيام عام.
والله سبحانه قال {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} فهنا النسبة إلى الجماعة {أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} فالذي يسعى ليصل إلى المرحلة التي هي نتيجة اجتماع التجارة والبيع، مع ذكر الله وإقام الصلاة، ليكون القيام قيام الجماعة لا قيام الفرد، هو النموذج، هؤلاء من نموذج سيدنا أبي بكر الصديق الذي قال له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لهم يا أبا بكر)) قال: ((أبقيت لهم الله ورسوله)) من نموذج عثمان، الذي رفع يديه سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له حين جهز جيش العسرة، هؤلاء الذين كانوا سبب قيام الجماعة، وليس الشأن أن تسعى وتتحرك لتكون سبب قيام فردي، فهذا كل الناس فيه سواء، وهذا ليس ممن يشار إليهم بهذا الاشتراك في عبادة الله بين الروح والجسد.
الأمر الثاني الذي يلفت النظر في هذا الحديث ضبط اللفظ، لأن الإنسان قد يسب نفسه أو يدعو على نفسه، إذا كان ناعسًا، وهل هذا يؤثر عليه من غير قصد؟ نعم،لأن المطلوب من الإنسان الضبط، أما رأيت أنه إذا كان نائمًا وتسبب وهو في نومه بأذى، عمل شيئًا في قطعة ثمينة فكسرها، فإنه يضمن، لأن الإنسان مطلوب منه أن يحتاط، فكما أنه لا ينبغي أن ينام إلى جانب شيء ثمين يمكن أن يُكسَر بسبب نومه، فكذلك ينبغي أن يحتاط للفظه، حتى لا يخرج لفظه إلا عن تدبر، وحتى لا يخرج نطقه إلا عن تعقل، وعن حالة من الاشتراك التام بين الجسد والروح، فإذًا يحتاط، فالنطق يؤثر (وطبعًا المؤثر حقيقة هو الله لكن يوجد حكمة، فالسكين مثلاً تقطع، لكن الذي يخلق القطع هو الله تبارك وتعالى) والنطق يؤثر من هذا الباب تأثيرًا سببيًا عادة كما تؤثر السكين.
فلو أنك أكثرت ذكر الأنس، والسعد، والفأل الحسن، والاستبشار، والبشارة، يحصل لك من ذلك شيء كثير، وإن أنت ذكرت غير ذلك، يحصل منه شيء كثير، وقد جاء رجل إلى سيدنا عمر واسمه واسم أبيه، واسم أمه، واسم قبيلته، من مشتقات النار، قال: (أدرك قومك فقد احترقوا) فكان الأمر كما ذكر، وهذا هو الأصل في السحر { النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ }[الفلق: 4] هذا هو فعلهم، التكرير في القبيح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن، ويغير الأسماء، وعندما جاء رجل سأله عن اسمه، قال: زيد الخيل، قال:((أنت زيد الخير)) وغير اسم عاصية إلى جميلة.
إذًا النطق كالسيف، فلا ينبغي على الإنسان إذا نام أن يضع في يده سيف، فإذا قطع رأس شخص في نومه، يقال له: كيف تنام وفي يدك سيف؟ لما لم تضعه في غمده؟ ونطقك سيف أيضًا، ربما تستغرب! نعم هو سيف، وهذا لا يعرفه إلا من عرف، هذا أمر من بعض فروع علوم المكاشفة.
الفوائد من الحديث كثيرة، لكن نكتفي بهاتين الفائدتين:
الفائدة الأولى: تعبدنا الله سبحانه وتعالى باشتراك الروح مع الجسد اشتراكًا تامًا، فلا يغلب الجسد الروح، ولا الروح الجسد، وهذا لا يحصل في حالة النعاس، أو النوم.
الفائدة الثانية: ضبط النطق، فاللسان قد يسوق إلى الجنان، وقد يكب في النار ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) [مسند أحمد: ج45ـ ص1]ضبط اللسان هو من الأمور التي ينبغي أن يتنبه إليها. |