عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) /رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
آذنته: أعلمته بأني محارب له.
استعاذني: روي بالنون وبالباء.
كان من الممكن أن يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: من عادى لله وليًّا فقد آذنه الله بالحرب، فما السر في أن هذا الحديث ينقله لنا سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا قدسيًّا عن الله سبحانه؟
لأن الله سبحانه وتعالى أخبر في القرآن الكريم عن حرب، وينقل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه أنه يؤذن بحرب أيضًا، ونجد هذا في القرآن الكريم في قوله سبحانه: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ} [البقرة: 297] ونـزل ذلك في الربا.
وهنا في الحديث يقول: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ).
فهل هناك مناسبة بين حرب الله سبحانه وتعالى لمن يأكلون الربا، وحربِهِ لمن يعادي وليًّا؟
إنَّ المناسبة والله أعلم، أن الذين يأكلون الربا يظلمون الناس ظلمًا مادّيًّا ويأكلون حقوقهم المادِّيَّة، والذي يعلن عداوة وليٍّ لله فإنه يأكل حقوق الناس المعنوية، لأنه حينما يُعلن عداوته لولي الله يتأثر به كثيرٌ من الناس، فينقطعون عن منبع الخير وعن الانتفاع به، ويُحرمون من بركته.
وهل يُنصَر ويُرحَم الناسُ إلا بعباد الله الذي تخلّوا عن الأغيار؟
وهل يُعطى الناس ما يُعطَونه من الخيرات إلا ببركة عبادٍ خرجوا عن نفوسهم وتحققوا بالعبودية؟
إنهم لا يريدون إلا الله، فمحبوبهم ومرادهم ومقصودهم مولاهم، فلا يتلفتون إلى سواه، ولا يتلفتون إلى غيرٍ من الأغيار.
هذه هي صفة الولي.
فالولي هو الذي تولى اللهَ تعالى ولم يتولَّ غيره، فإذا تولى اللهَ وانقطع بقلبه إليه، وتوجَّه إليه سبحانه، وتحقَّق بعبوديته فلم يعد في قلبه التفاتٌ إلى سواه.. تولاه الله.
فحين يُعلن العداوةَ عليه شخصٌ ما، فإنه يأكل حقوقَ الناس، ويصرف الناس بعداوته هذه.
قال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31] فبِحُكمِ الوراثة جعل الله سبحانه وتعالى لأوليائه أعداءً من المجرمين، ووصف عدوَّ النبيِّ بالمجرم، لأنها جريمة كبرى.
وقد قالوا: "الأشياءُ كامنةٌ في أضدادها"، فما عُرف النهار إلا بالليل، فلولا وجود الليل ما عرف النهار، ولولا وجود القبض ما عرف البسط، ولولا وجود الجلال ما عرف الجمال..
والولاية نوعان: ولاية عامة، وولاية خاصة:
- فالولاية العامة مذكورة في قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 63-64]، فكلُّ أهلِ مقامِ الإيمان أولياءٌ ولايةً عامَّة، فكلُّ مؤمنٍ آمن وعمل الصالحات فهو صاحب ولاية.
- أما الولاية الخاصة الاختصاصية فقد أشار إليها بالياء في قوله: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) فقد نسبه إليه نسبةً خاصَّةً، لا على سبيل نسبة الجماعة: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ}، وهذا اختصاص، ويشير إلى الاختصاص قولُه تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ} [الأعراف: 196] وهذا اختصاص بالولاية الخاصة، فقد تولى اللهَ، وتولاه اللهُ، على التفريد.
ومما حكي عن بعض الأولياء أنه قال قبيل انتقاله: "بحسبِ الواحدِ إفرادُ الواحدِ له"، فالعبد لا يشهد إلا الفرد، والحقُّ يختصُّ هذا الفرد.
فمعنى قوله: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ} أي لأكون مظهرًا له.
وسيِّدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي هو الوليُّ الأكبرُ، وسيدُ الأولياء، وسيدُ الأنبياء، وسيدُ الرسل عليه الصلاة والسلام، الجامعُ للسيادة الكبرى على الرسل والأولياء والأنبياء، فهو الولي الأكبر والرسول الأكبر والنبي الأكبر صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم... كان مظهرَ الكتاب.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "كَانَ خُلُقُهُ القُرْآن"، فعلامة الوليِّ ولايةً خاصَّةً أن يكون مظهرًا للكتاب.
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ} أي نـزل الكتاب ليكون أولياؤه مظهرًا له، لأن الكتاب يظهر في مظاهر إنسانية، فمن ظهر فيه الكتابُ يكونُ وليَّ الله على الخصوص.
ولا يصح ادِّعاء الولاية أبدًا، لأن الدعاوي سلك سبيلها فرعونُ ونمرود.
يقول سيدي الرفاعي رحمة الله عليه في البرهان المؤيَّد: "الولاية ليست بفرعونية ولا بنمرودية"، أي ليس فيها دعاوٍ، لأن فرعون ادَّعى، وكذلك نمرود.
تعلَّقَ أحدُ العوامِّ بالشيخ الهاشمي رحمة الله عليه وقال له: "أريد أن أرى منك كرامة"، وألحَّ على الشيخ إلحاحًا شديدًا ومشى معه، فلما أراد الشيخ أن يودِّعه، قال: يا سيدي، طلبت منك كرامة فما أشهدتني إيَّاها، فقال: ألم تشهدها؟ قال: ما شهدتها، فقال الشيخ الهاشمي رحمه الله: إن الذي يليق باستحقاقنا وأوصافنا أن تُخسَف الأرضُ بنا، وما خسفت، أليست هذه كرامة من الله؟
وهكذا المحو والزوال:
كَانَ لي ظِلُّ رُسُومٍ
فَاستوَتْ شَمسي فَزَالا
فإذا حصل المحو تظهر عند ذلك أسرار الحقيقة.
يقول الشيخ أرسلان الدمشقي رحمة الله عليه ورضي عنه: كلك شرك خفي، ولا يبين لك توحيدك إلا إذا خرجت عنك، فكلما أخلصت يكشف لك أنه هو لا أنت، فتستغفر منك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يخرجنا عن الأغيار، ونسأله أن يرزقنا صفاء التفريد، وأن يجعلنا بسر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المقبولين، والحمد لله رب العالمين. |