عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. /متَّفقٌ عليه.أورد الإمام النوويُّ رحمة الله عليه هذا الحديث في باب المبادرة إلى الخيرات, وجعله الحديث الثالث:- فبدأ الباب بالآيات التي أمر الله سبحانه وتعالى فيها بالمسارعة.- ثم أتى بقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم وتوجيهه وإرشاده إلى المسارعة.- ثم أتى في الحديث الثاني بتطبيق النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذات نفسه للمسارعة، حيث دلَّ الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم كان الأوَّلَ في تطبيق هذه المسارعة.- ثم أورد في هذا الحديث الثالث تطبيقَ أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم للمسارعة.وهذا نموذجٌ من نماذج مسارعة أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم, وذلك بعد أن سمعوا أمر الله، وأمر رسوله، ورأوا مسارعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان في ترتيبه وهو يورد الأحاديث مناسباتٌ جميلة جدًّا.وهذا الحديث زمانُه: غزوةُ أحد، ومكانُه: أرض المعركة، وهناك أحاديث نقلت في السلم، وأخرى نقلت في وقت القتال.ففي الحديث الرابع يورد نموذجَ حديثٍ من أحاديث المسارعة في وقت السلم، حين يتصدَّق وهو صحيح، وفي هذا الحديث نموذجٌ يبادر إلى الخير وهو على أرض المعركة.إذًا: فالإمام النوويُّ رحمة الله عليه يريد من خلال إيراد الأحاديث بهذا الترتيب أن يدلنا على مناسبات، ليقول: إن المسارعة والمبادرة إلى وسائل القرب في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى تكون في كلِّ الأحوال، وتعمُّ كلَّ الناس، لأنها عمَّت سيِّدَ الكائنات صلى الله عليه وسلم، وفهم ذلك أصحابُه فبادروا وسارعوا.وأنواع القربات كثيرة، وهي في كلِّ زمان وفي كلِّ مكان، فلكل زمان ومكان ما يناسبه من القربات:- فالقربات في وقت السلم مثالها الصدقة، كما أورد ذلك في الحديث الرابع.- وأما المناسبة في وقت المعركة فليست أن تبني مسجدًا، أو أن تجلس في حلقة علم، إنما أن تقاتل.إنَّ فَهْمَ المؤمنِ لهذه القضية هو من أدقِّ الأمور، فحينما يُرزق الإنسان الفهمَ, يدرك أيَّ القربات في الزمان والمكان التي ينبغي عليه أن يمسك بها.وَرَدَتْ في شرح أحد العلماء الصوفيَّة الأفاضل رحمة الله عليه للحكمة: "لا يَسْتَحْقِرُ الوِرْدَ إِلاَّ جَهُولٌ" تفصيلاتٌ جميلةٌ نرى فيها فهمًا جميلاً، حيث بيَّن أن الوِرد يتناسب مع أصنافٍ تعدَّدت وجهةُ سلوكهم، لكنهم جميعًا متوجِّهون إلى الله، فبعضهم وِرْدُه العلم، وبعضهم الذكر، وبعضهم القتال، وبعضهم الإنفاق ...فلا يستحقرُ الورد إلا جهول، لأن مفهوم الورد هو: ما تَرِدُ به على مولاك في طريق القرب، ولماذا كان للجنَّة ثمانيةُ أبواب؟ لأن وسائل القرب متعدِّدة.وهكذا يستطيع الإنسان أن يفهم معنى قولهم: الطرائق هي بعدد أنفاس الخلائق.فإذا كنتَ صاحبَ اجتهادٍ في كتاب الله، أو صاحبَ اجتهاد في العلم، أو صاحب اجتهاد في الدعوة، أو صاحب اجتهاد في الإنفاق ... وأقامك الحقُّ في هذا، ويسَّرَ لك أسبابه، وأنت قائمٌ بالفرض وما تأكَّدَ من المسنون، فلا تتلفَّت، ولا تتوهَّم أنَّ غيرك يقوم بما هو أنفع.ومثال هذا حين كان سيِّدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في سفرٍ ووزَّعوا بينهم المهمَّات، فقال صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَيَّ جَمْعُ الحَطَبِ)، فما قام كلُّهم بجمع الحطب، بل قام بعضهم بذلك، وقام بعضهم بعملٍ آخر.وفي هذا الحديث يأتي هذا الرجل في جيش سيِّدِنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطلب منه البشارة.لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يدقِّق جدًّا على المقاتلين، فما كلُّ من قاتل دخل الجنة، فالذي يقاتل حميَّةً وغضبًا ... لا يدخل الجنة.وكم أشار صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى بعض من قُتل في غزوته فقال: (هُوَ في النَّارِ), وإذا به كان يغلّ ويسرق ... فدخولُ الجنَّة نتيجةَ القتال مرهونٌ بالصدق والإخلاص: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).وهناك من رآه الأصحاب وقد أبلى بلاءً حَسَنًا، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه في النار، فتعجَّبوا من هذا، حتى جاء شاهدٌ وأخبر أنه قَتَلَ نفسه مِنْ شِدَّةِ أَلَمِهِ، فكبّر الأصحاب لأنهم رأوا الدليل والبرهان على خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذا الصحابيُّ سيقاتل، لكنَّه خائفٌ أن يكون غير متحقِّق، ويَتَسَاءَلُ: هل تَوَافَقَ ظاهري مع باطني؟فأراد، وهو في بدء المعركة وأثناء التحضير لها، أن يطمئنَّ إلى شهادة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقد بَشَّرَ صلى الله عليه وسلم كثيرًا من الأصحاب بالجنة، منهم: عُكَّاشة، وسيِّدُنا أبو بكر، والعشرة المبشَّرون ...فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟فقد أكون من المنافقين، أو من الغشَّاشين، أو من المُرائين ...لأنَّ قضيَّةَ القتل قضيَّةٌ عمليَّةٌ سلوكيَّةٌ يستطيع أن يقوم بها أيُّ شخص، لكنْ ما كلُّ مَنْ قُتِلَ دخل الجنة، فهناك شرطٌ آخر باطن.لذلك أراد أن يعرفَ رؤيةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم, فقال: أَرَأَيْتَ؟والله سبحانه وتعالى رضي برؤية النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:11] مشيرًا إلى فؤاد رسولِ الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.والصحابيُّ في هذا يريد رؤيةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم إذا رأى فيه الصدقَ والإخلاصَ تنتهي القضية عنده، ولا يبقى أيُّ إشكال.قال: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ فأنا أمتثلُ أمرَك يا رسول الله فأقاتل، لكنْ كيف ترى استعدادي الباطن؟فهو يريد البشارة والشهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.وهذا مما هو مخبَّأٌ داخلَ طيَّات الحديث، فإذا قرأتَ الحديث دون أن تُلاحظ هذه الدقائق الباطنة فيه، قد يلتبس الأمر عليك، وتدخلُ في سياق الهرج الذي أخبر عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان, فقال: (.. وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ, وَهُوَ الْقَتْلُ).قَالَ: فِي الْجَنَّةِ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يضمن له الجنَّة إن قُتل.فنظر وإذا التمراتُ في يده، فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ, فلم يعد يريد التمرات، ولا المتاع، ولا الناس ...وأبواب الجنة فُتحت له، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فلم يعد يحتمل أن يبقى من الدنيا في يده شيء.وهذا عندما يرقى يقينُ الإنسان، ويغيب تعلُّقُ قلبه عن الأشياء، ويشرق قلبه بالأنوار..لا يقل الإنسان: إذًا لا أستطيع أن أقاتل حتى يشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذا الصحابي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل هذا يعني أن لا يُقْدِمَ الإنسانُ على الجهد والتضحية إلا بشهادة؟نقول: لا، فهذا الذي مَلَكَ الميزانين: ميزان الشريعة، وميزان الصفاء والإخلاص، دخل الجنة، فالميزان القلبيُّ له شاهدان: الأول شرعيٌّ، والثاني صفائيٌّ.وسيِّدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يغادر هذه الدنيا حتى ترك لنا الموازين الدقيقة.فإذا أراد كلُّ واحدٍ منَّا أن يكون وابصة أو عُكَّاشة، أو أراد أن يشهد له أحد الصالحين، فهذه إشكاليَّة.فشهادة أحد الصالحين هي للاستئناس، أما شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي خبرٌ قطعيٌّ، ولا يقاس عليها، والذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم كمَنْ سمع القرآن تمامًا من حيث الرتبة وبدون أيِّ فارق، لأن من يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرةً، فخبرُه الذي سمعه قطعيُّ الثبوت والدلالة، إذ لا يوجد نقل ولا سند..لكنَّ سيِّدَنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما تركنا ننتظر الحدْس والفِراسة، إنما ترك لنا موازين دقيقة.فإذا كنتَ تريد الجنة، فلْتجتمعْ عندك الاستقامةُ الشرعيَّة مع الصدق والإخلاص في الباطن، فهذه سنَّة الله، وهي ليست واجبًا عليه لكنها من سنته ومن حكمته {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 62] وهناك سننٌ كثيرة.وليتنا ندرس السنن التي أخبر عنها القرآنُ الكريم ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم.- فمن السنن الثابتة قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 55] أي هي سنَّةٌ متكرِّرة، فكلما حصل اجتماعُ الإيمان والعمل الصالح - على مستوى المجتمعات لا على مستوى الأفراد، بحيث تكون الاستقامة جماعيَّة والإيمان جماعيًّا - عندها يحصل الاستخلاف في الأرض، حتى لو كانوا ضعفاء: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ} [القصص: 5] فهذه سنَّةٌ من سنن الله.- وكذلك من سنن الله الثابتة: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].هذه السنن ثابتة، ويجب أن توضع في دراسة بعنوان: "سننُ الله تعالى الثابتةُ".فليست سننُ الله تعالى الثابتةُ فقط أنه يُطلِع الشمسَ في الساعة الفلانية والدقيقة الفلانية، بحيث تنظر إلى المفكرة وتنظر إلى الشمس، فتجد أن الشمس لا يتخلَّف طلوعُها ثانيةً واحدة، فهي سنَّةٌ ثابتةٌ تمامًا.فالسنن المعنوية ثابتة كذلك, فحينما يوجد الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر، يخرج الإنسان عن الخسارة إلى الربح.فسنَّةُ الله إذًا في الربح هي أن يؤمن ويعمل الصالحات ويتواصى مع إخوانه بالحق والصبر.فإذا تحقَّق هذا في الإنسان يكون قد اندرج فيمن تسري عليهم سنَّةُ الله في قانون الربح والخسارة.فهناك قوانين يمكن أن تُستخرَج من القرآن الكريم, مثل: قانون الاستخلاف، وقانون الربح والخسارة ... فهي قوانين موجودة وثابتة.- ومن القوانين الثابتة قولُه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ), فهذا مقصدٌ باطنٌ, فهو لم يقاتل لشهرته، ولا من أجل أن تُسلَّطَ عليه الأضواء والإعلام من كلِّ جانب، ويقال: هذا بطل الأبطال، أو شجاع الشجعان ...ثم هناك قضيَّةٌ دقيقة جدًّا علينا أن نبينها، فهذا واجبٌ شرعيٌّ علينا، وإذا لم نبيِّنها فنحن آثمون، وهي أنَّ الأمَّة الإسلاميَّة لا تقاتل بدافعٍ إقليميٍّ مجرَّد، فهذا لا يعبِّر عن مبادئنا, لأننا نملك فكرَ أمَّةٍ ولا نملك فكر إقليم.فالأرض الإسلامية عليها أمَّةٌ إسلاميَّةٌ، وهذه الأمة الإسلامية كلُّها مسؤولة عن الأرض الإسلامية، فليس اللبنانيُّ مسؤولاً عن أرض لبنان، ولا الفلسطينيُّ مسؤولاً عن أرض فلسطين، إنما كلُّ مسلمٍ على وجه الأرض مسؤولٌ عن الأرض الإسلاميَّة التي يعتدي عليها أعداء الله.هذه حقيقة..يريد أعداءُ الله ترسيخَ الفكر الإقليميِّ، ليقول المسلم عندها: أنا لست لبنانيًّا, أو لست فلسطينيًّا، وكأنه بذلك يُخرِج نفسَه من المعادلة.ففي قوله: (قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) اجتمع الإخلاصُ والصدقُ في باطنه مع السلوك الشرعيِّ.فما كلُّ مَنْ قاتل يكون قتاله امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا من حيث السلوك لا من حيث المقصد.وقد وضع الله سبحانه وتعالى الضوابط عندما قال: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 8-9].فهذه قاعدة تحدِّد السلوك، أي تحدِّد لك متى تكون محسنًا وبارًّا بغير المسلم؟فهو غير مسلم، لكنك تقوم بالإحسان والإكرام إليه، لأنَّ مَنْ كان مسلمًا فجزاؤه في الآخرة، ولأن القاعدة تقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 265].فالإسلام لم يجبر أحدًا على الدخول في الإسلام وهو في الدنيا، فإذا كان مصالحًا ومعاهدًا لا نلزمه بالإسلام, بل نقول له: الحساب في الآخرة.أما من حيث السلوك: فسلوكنا مع من لم يقاتل في الدين ولم يعتدِ على الأوطان هو برٌّ وإحسانٌ.فإذا جاء من يقاتل في الدين, ويمنع شعائر الإسلام، فإنه صار من حيث السلوك الشرعيّ مقصودَ المقاتَلة.ثم قال: ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ, إذًا: قاتل فكانت الشريعة ضابطةً لسلوكه.وهذا نموذج, فنحن نرى أنَّ هذا الحديث يتحدَّث عن أمرٍ من الأوامر الشرعيَّة الذي هو القتال، لكنه عامٌّ في كلِّ الأفعال الشرعيَّة.فكلُّ الأفعال الشرعية: كالبيع والشراء وكلِّ المعاملات ... إذا تحقَّقت فيها الاستقامة الشرعية في الظاهر, والنيَّة الخالصة لوجه الله في الباطن, فسنَّة الله أن صاحبها يدخل الجنة.فالأمر إذًا ليس فيه غموض.فإذا قال قائل: عندي شكٌّ، فهل ملكت الإخلاص أم لا؟نقول: هناك اختبارات كثيرة، ثم هل تظنون أنَّ هناك علمًا لتطبيب الظواهر، والتوصيف ومعرفة الأعراض والعلامات والتشخيص ... ولا يوجد أعظم منه للقلوب؟من توه |