قال الله تعالى: {إنَّ الَّذينَ
قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ, أُولَئكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ خَالدينَ فيهَا جَزَاءً بمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ} [ الأحقاف: 13- 14]
هذه الآية تشير إلى الظاهر والباطن.
ففي قوله تعالى: {إنَّ الَّذينَ
قالُوا رَبُّنَا الله} اختصار للركن الإسلامي، لأن الذي يقول: ربنا الله بلسانه,
يقتضي أن تكون جوارحه متناسبة مع دعواه في الظاهر:
فالذي يقول: "ربنا الله" بلسانه, قد
يكون معبّرًا عما في باطنه وقد لا يكون، ولكن لا قيمة لمن قال في الظاهر: "ربنا
الله" ثم سجد لصنم، لأنه ينقض ما قاله، فكأنه محا ما قاله.
ولكن هل قوله: "ربنا الله" لا ينتقض
إلا بالسجود لصنم؟ فإذا قدَّم أمرَ زوجته على أمر ربه ألا ينتقض هذا القول؟ وما
معنى: ربنا الله؟
هو بقوله يعني: أنا عبده، وقوله:
"ربنا الله", أوسع من قوله: ربي, لأنه رب كلِّ مكوَّن، فهو رب يدك, وهو رب أذنك،
ورب عينك، ورب ذراتك .. فإذا تحركت هذه الذرات في الجوارح بالمُناقض المنافي فكأنما
نقض قوله: "ربنا الله"، فإذًا قوله يقتضي استقامة الظاهر وخضوعه للربوبية وانطواءه
في العبودية:
قلت: خذ روحي, فقال: الروح لي
خــلِّ دعواها, وهات
الجسدا
وفي هذا المعنى: "نحن الذين يغيب فيكم
حِسُّنا" أي حسُّنا غائب فيما أمرتموه، أي كل هذا المحسوس الظاهر يغيب فيما تأمرون
به.
إذًا: {إنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا
الله} عنوان على الأفعال الإسلامية التي لا تنافي هذه المقولة.
ثم أتى بعدها بـ: {ثُمَّ} لأن الإنسان
حتى لو استقام على الأفعال الإسلامية بكل جوارحه فلا بد أن يكون بعدها بحال أعم من
أفعال الجوارح وإقرار اللسان، فاختصر تعالى ما بقي من الدين بقوله:
{ثمَّ اسْتَقَامُوا} فاستقام القلب
على التوجه إلى المقصود الواحد: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا}
[يونس: 105] أي وجه قلبك إلى المقصود الواحد, لأن معنى
{أَقِمْ} أي استقم، فهو نوع
من أنواع الاستقامة، وهو استقامة القلب في القصد.
ثم من الاستقامة استقامة الإرادة:
{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] ولا يريدون سواه بمفهوم المخالفة.
ثم من الاستقامة الاكتفاء, فقوله:
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} أي اجعل بدء مقصودك متوجهًا إلى الواحد، وهو
الطريق الذي يوصل إلى المقصود، وفي قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ارتقى في الخطاب
التوصيفي, حيث صرّح بالمقصود وشرحه، أما الاكتفاء فهو أن يكتفي بالله:
{الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ} [آل عمران: 173], {يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ} [الأنفال: 64] فهذا هو الاكتفاء.
وبقوله: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} اتحدت
استقامة الظاهر مع استقامة الباطن في العقل والقلب والروح, لا أنه في قلبه يريد
الأغراض ويتلفَّت يمنة ويسرة، وهذه قضية غير قابلة للاختلاط، لأن المقصود حينما
يكون واضحًا تظهر علاماته، وذلك من خلال الأولويات، ومشكلتنا الكبرى هي في معرفة
أولوياتنا: هل هي للبطن، أم للجسد، أم للشهرة بين الخلق، أم لمدح الناس .. ؟
فما هي الأولويات؟
إنها أول ما يتوجه إليه المرء، فإذا
ظهر أن أول أولوياته أنه خادم ربه فهذا يدل على أنه ممن قال في حقهم:
{إنَّ
الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا} وقد سمَّت امرأة عمران ابنتها
مريم لأن معناها خادمةُ الرب، فهل أول أولوياته خدمة ربه، هذا هو السؤال الكبير
الذي من خلاله يظهر من هو.
فإذا تحقق بهذا الحال الباطن
والعلامات الظاهرة, فما هي النتيجة؟
ذكر سبحانه وتعالى أمرين في الدنيا
وأمرًا في الآخرة: فأما الأمران اللذان في الدنيا فقوله: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ} وقوله:
{وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وأما الأمر الذي في الآخرة فقوله:
{أُولَئكَ
أَصْحَابُ الجنَّةِ}.
فما معنى: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ}؟
أنت تخاف على الطفل أن يشرد، وتخاف
على الغريب أن يضيع، وتخاف على المريض أن ينتكس في مرضه حين يأكل طعامًا لا
يناسبه .. فالذي صح حاله الباطن وعلامات حاله الظاهرة، لا تخاف عليه من الانحراف
والشذوذ، ولا من الظلمانية أو الوقوع في الكبائر، ولا من الإعراض أو الغفلة أو قسوة
القلب، ولا من سوء الخاتمة ... فحسن الخاتمة مرآة، لأن علائق الإنسان كلها
وأولوياته تظهر عند الخاتمة، لذلك إذا كان أول أولوياته أن يقرأ في كتاب تراه في
سكرات الموت يبحث عن الكتاب، وإذا كان أول أولوياته شهوة النساء فهو عند الخاتمة
يشتهي النساء ... وقصة الذي عشق جاريةً معروفةٌ، حيث عشق امرأة وتعلق قلبه بها وهام
بها, وصار وهو في سكرات الموت يتذكر كلامها حين سألَتْه عن مكان الحمام, فهم يقولون
له: قل "لا إله إلا الله", وهو يقول:
يـا رُبَّ قائلةٍ يومًا وقـد
تعِبَتْ:
أين الطـريق إلى حمام بنجاب؟
فأول أولوياته تظهر عند خاتمته ليلقى
الله سبحانه وتعالى على ذلك، فليختر الإنسان:
أنـت القتيـل بأي مـن
أحـببته
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
فقوله: {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ} أي لا
يُخاف على الراسخين في العلم بالله, وأعلاهم وسيّدهم سيّدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم، لأنهم ثبتوا: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ
الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخاف عليهم,
لأنهم صاروا من المبشرين بالصفاء, ومن المبشرين بالهناء، ومن المبشرين بالسعادة:
(إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ قدْرَكَ عِنْدَهُ فَانْظُرْ فِي مَاذا يُقِيمُكَ),
فكلَّ يوم انظر من الصباح إلى المساء في أي شيء أقامك؟ وكم قدمت لخدمة ربك؟ وكم
قدمت لخدمة نفسك ولخدمة زوجتك وأولادك ... ؟ فالله سبحانه أمرك أن تسعى للقمة
العيش, ولكنه أمرك أولاً أن تكون خادمه، ولا تظنَّ أبدًا أن خدمة ربك هي في دائرتك
الخاصة، فنحن أمة، ولا تكون خدمة ربك إلا في الأمة، أما أن يكون الإنسان انعزاليًّا
ويظن أنه يخدم ربه في نفسه, فهذا إنما يعيش في قوقعة، وما خرج من القوقعة إلى
البحر، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران: 110] وهذا ما
يزال داخل القوقعة ولا يريد الخروج، وقال: {لِلنَّاسِ} وما قال: أُخرِجَ لنفسه.
وهذه هي رسالة سيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} [الأحزاب: 45] وهل
يكون الإرسال لنفسه؟ {شَاهِدًا} أي شاهدًا على الحقيقة .. شاهدًا على الغيب، فلا
يكون الشاهد مَنْ كان أسير المحسوس, {وَمُبَشِّرًا} لأنه الشاهد فلذلك كان مبشرًا,
{وَنَذِيرًا} وأيضًا هذا فرعٌ عن الشهادة, فلما شاهد جماله وجلاله بشَّرَ وأنذر,
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} فهو يدعو إلى الله لا إلى نفسه، ولا إلى
الأشياء, {وَسِرَاجًا} وهل السراج يكون داخل قوقعة؟
{مُنِيرًا} ينوِّر بحاله
ومقاله.
إذًا أول أمرٍ في الدنيا: {فَلا
خَوْفٌ عَلَيْهمْ} أي ثبتوا، وذلك بعد اختبار نهر طالوت: حيث كان مع طالوت عشرة
آلاف شخص, فلما شربوا وتضلّعوا من نهر طالوت فرُّوا وقالوا: {لاَ طَاقَةَ لَنَا
الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة: 249] فهذا هو اختبار نهر طالوت، وهكذا
الدنيا، وهكذا الأشياء والخلق ... كلُّهم مثالٌ متكرر عن نهر طالوت، وربنا سبحانه
وتعالى قال: {إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249]
وهذا كقوله: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] فنصيبك من الدنيا
غرفة بيدك، فإذا أخذت حاجتك من هذه الغرفة بيدك فقد أذن لك بها، ولكنه تعالى قال في
نفس الآية: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} فهل يمكن للإنسان أن لا يطعم
شيئًا, لا من الدنيا ولا من الأشياء ولا من الخلق ... ؟
المبين في هذه الآية أن الناس قسمان:
قسم أخذوا غرفة, وقسم لم يذوقوا أبدًا طعم هذه الدنيا, وهذا بأسرارهم وقلوبهم, فما
دخل إليها ذوق ولا حلاوة من هذه الأشياء, لأنها لا تلتذ إلا بصفاء الأنوار ورقائق
الأسرار، فالجسد لا يحكم هذه الجملة الإنسانية, وإنما الذي يحكمها إنما هو ربها.
إذًا أنت تمرُّ على نهر طالوت, فإما
أن تكون من الصنف الذي يمرُّ عليه مرور الكرام, وإما أن تكون من الصنف الآخر:
{مَّن
كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}
[النساء: 134].
فلما لم يطعم من نهر طالوت شيئًا وجد
عند الحق أنهارًا، حيث عطش قليلاً ولكنه وجد أنهارًا, ومن كان لا يستطيع إلا أن
يتلذذ قلبُه بشيء, فليتلذذ بالأشياء دون أن تكون أول أولوياته ولا أكبر همِّه, إنما
يلتذ بمقدار ما يكون في الحواشي, فهذا يجتاز اختبار نهر طالوت، ولكن الذي يتضلَّع
من النهر فهذا الذي عليه الخوف.
إذًا أول فائدة: {فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهمْ} وأما الفائدة الثانية فهي:
{وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} فعدم الخوف
عليهم هو وصف من خارج، وأما في الباطن ففرح بالله أو بفضله، فمن لم يطعم من نهر
طالوت ففرحه بربِّه، ومن أخذ غرفة بيده ففرحه بفضله، وكلاهما يجتاز الاختبار، وأما
الذي يتضلَّع, فإنه للمرارة سيتجرع، وسيكون ممن للباب يقرع, فلا يفتح له:
{لاَ
تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء} [الأعراف: 40].
إذًا {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} لأن
الفرح بالله أو بفضله قد ملأ بواطنهم, فما عاشوا حالة حزن المحجوبين:
{الَّذِينَ
إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ
رَاجِعونَ} [البقرة: 155] أي في كل شؤوننا، ولا يضر أن تدمع العين, فهذا انفعال
بشري, وليس هو حالة الحزن، لأنها لا تكون إلا من الحجاب، فالحزن والكآبة والمرارة
تكون ممن حُرِموا الاستقامة الباطنة التي لها علامات ظاهرة.
إذًا: فهم من أهل الثبات, ومن ثبت
نبت، وهم من أهل الفرح بالله أو الفرح بفضله.
ثم أتى بالنتيجة الثالثة فقال:
{أُولَئكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ} فهم
يملكون الجنة ولا تملكهم، وفارق كبير بين من تملكه الجنة, وبين من يملك الجنة،
فقلوبهم متوجهة إلى الله فصاروا ملوك الجنة.
لما اجتمع سيدي العربي الدرقاوي
بالبوزيدي ورأى من صدقه ما رأى، قال له: ماذا تريد؟ فقال: أريد أن أكون من ملوك
الآخرة, فقال: ستكون من ملوك الدنيا والآخرة، تملك الدنيا وتملك الآخرة ولا يملكك
منهما شيء.
{خَالدينَ فيهَا} ظرف ومظروف, لكن
نعيمهم بربهم.
{جَزَاءً بمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وهذا من كرم الله سبحانه وفضله:
(إِذَا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ فَضْلَهُ عَلَيْكَ،
خَلَقَ وَنَسَبَ إِلَيْكَ).
كل هذه المرغبات تجعل الإنسان يعيد
حسابه، وهذه هي النتيجة: أعني إعادة الحساب، وأنصح نفسي وإخواني بأن ننظر في يومنا
من الصباح إلى المساء, هل كان الغالب في يومك خدمة ربك؟ أم خدمة نفسك؟ وهذا السؤال
ينبغي أن يتكرر كل يوم, ثم ذكِّر نفسك بعد هذا بأصحاب سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم, لأنه شاع اليوم بين الناس أن العبادة تعني السعي من أجل الأولاد، وأن
العمل للدنيا هو العمل للآخرة، وهذا مثل قول أهل الظاهر: "الإحسان هو الإسلام, فإذا
أحسن عمله فهو في مقام الإحسان"، وكذلك: "العمل والإنفاق على العيال عبادة"، وهذا
مما يَشيع وينتشر، ومثال هذا كمن نسي كل أفعال الدين وقال: "الاستبراء والاستنجاء
عبادة" .. أفلم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون أن الإنفاق على
العيال عبادة؟ أم أنه عبقريُّ زمانه وأنه هو الذكي الذي فُتِح عليه, فقرر أن أفضل
العبادات هي السعي على أولاده، فنصّب نفسه رازقًا, والله سبحانه وتعالى يقول:
{نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].
فالأصحاب الذين تركوا أوطانهم, حيث
نجد أحدهم في الشرق وآخر في الغرب، وما نزور بلدًا من البلاد التي فُتِحَت إلا
وفيها قبرٌ من قبور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهؤلاء ما عرفوا أن
لأولادهم عليهم حقًّا، ونحن الذين عرفنا؟!
نحن أخلدنا إلى الأرض, وأُسِرْنا
بأولادنا وأُسَرِنا ونفوسِنا وزوجاتنا ... ثم ادَّعينا بعد ذلك أننا بهذا نخدم
ربنا، وما هي إلا حالة من الخداع الذاتي، حيث نخادع أنفسنا، فأصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم تلقَّوا الدين عنه صلى الله عليه وسلم, وكان عمرهم كله خدمة لله،
وكان وقتهم كله خدمة لله، وحين أرادوا أن يرجعوا لإصلاح البساتين نزل قوله تعالى:
{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
نحن أمةٌ الجهلُ فيها ما أكثره،
فالجهل فيها بأحكام الله وبآياته في الكون وبتوظيف سنن الله في خدمة الله، فالعلوم
الكونية كلها من سنن الله، فتوظيف سنن الله ينبغي أن يكون لخدمة الله, ونحن لا
نبالي ..
نحن أمة تعاني من الضعف والوهن وحب
الحياة وكراهية الموت, ونحن مشغولون بما تشتهيه نفوسنا ..
نحن أمة تعاني في الليل وفي النهار من
كيد الأعداء، وكثرة الأمراض ..
نحن أمة مفرقة .. أمة مشتتة .. وكل
واحد فيها مشغول بخاصة نفسه.
فإذا دقَّقنا فهمنا: {إنَّ الَّذينَ
قالُوا} بصيغة الجماعة, حيث لم يقل: إن الذي قال, لكنه سبحانه بيَّن فقال:
{إنَّ
الَّذينَ قالُوا} بمفهوم الجماعة, ثم قال: {رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا} بصيغة الجماعة,
{فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ} بصيغة الجماعة,
{وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ,
أُولَئكَ أَصْحَابُ الجنَّةِ} كلها تشير إلى الجماعة، وكذلك:
{وَارْكَعُواْ مَعَ
الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
اللهم إنا نسألك أن تدخلنا فيمن
قالوا: ربنا الله, ثم استقاموا, وأن تستعملنا في خدمتك, وأن توجه قلوبنا إليك حتى
لا تلتفت إلى سواك، ونسألك يا مولانا أن تخلصنا من التثاقل والإخلاد إلى الأرض, وأن
تبعدنا عن حال من قلت فيهم: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى
يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 142] والحمد لله رب العالمين. |