في وقت الشدائد والمحن تظهر معادن الرجال، وينقسمون إلى أربعة أصناف:
1- صنف يجاهر بموافقته للباطل والظلم والكذب على الله.
2- وصنفٌ يقف في صف الحق ويعلن مبدأه ولا ينافق للباطل.
3- وصنفٌ مؤمنٌ ضعيف يسكتُ وقد أحاطت به كل الأعذار المقبولة عند الله، لكنه لا يكون للباطل عونا.
4- وصنفٌ مصلحيٌّ كاذبٌ يُظهرُ للباطل ولاءه سرًّا ، ويتصنّع لأهل الحقِّ علّهم يتوهمون أنه منهم.
ومن هذا الصنف الرابعِ تأتي المصائبُ، ويشتدُّ عودُ الباطل.
قال تعالى:
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ : أي المؤاخذة من الله تعالى لهذا النوعِ الذي ليس له عذرٌ، فهو يملك المال والجاه، ولكنّه يضنّ به على طريق الحق.
إذا أقام الولائم لأعوان السلطان بذل الغالي والنفيس، أما إذا رأى حاجة أهل الحقّ في وقت المحنة فإنه يكون متخلفا عن العطاء، هاربا من النصرة.
وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ : والطبعُ على القلبِ بالنفاق كان عقوبةً لذلك التخلّفِ مع القدرة على المناصرة.
والأيام دول، وما هي إلا مدة قصيرة وترى الباطل مدحورا مهزوما، وعندها يعود أولئك المنافقون المتخلفون إلى التصنُّع والتزينِ توهما منهم أنَّ أهل الحق ينتظرون ذلك منهم كما كان يفعلُ أهل الباطل.
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ : ويختلقون بعد انتصار الحقِّ الأعذار والأعذار، ويتزلفون إلى المنتصرين من أهل الحق، لكنَّ الله تعالى نبّه المؤمنين إلى الجواب:
قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ : لا حاجة لاعتذاركم، فلن نصدقكم، ولن يكون جانبكم مأمونا عندنا، فابحثوا عن مصالحكم مع الشيطان الهارب منكم.
قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ : فقد قرأنا في كتاب الله تعالى أوصافكم، وعرفنا نموذجكم النفاقي..
لن ننتقم منكم، فليس الانتقام شأن أهل الحق، لكن إياكم أن تتوهموا أننا ننتظر عطاياكم عند أبوابنا...
أبوابنا مفتوحة للبعيد والقريب، لكن حبنا سيكون للضعفاء والصابرين والصادقين.
وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ : فأعمالكم مكشوفة ظاهرا وباطنا لله تعالى، وقد أطْلَعَ عليها رسوله.
ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ : أي ستكون المفاتحة والمصارحة والمحاسبة يوم القيامة يومَ لا يقدر الكذّاب على التصنّعِ وقلبِ الحقائق.
سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ : إنهم أصحاب البعد عن الله، لكنهم وقد رأوا حُبّكم لله سوف يحلفون به، ويظهرون ( نفاقا ) أنهم يُعَظّمونه، ويتصورون أنكم سوف تصبّون أنواع العقوبات عليهم.
فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ : أهملوهم، واتركوا عقابهم، لأنكم تعملون لله لا لأنفسكم.
إِنَّهُمْ رِجْسٌ: يكفيهم أنهم ملطخون بنجاسة النفاق وأنَّ الله تعالى عالمٌ بحالهم، ومطّلعٌ على كذبهم.
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ : فإذا كانت عقوبتهم في الدنيا غائبة، فإنَّ خزي الآخرة ينتظرهم جزاء عبوديتهم لغير الله تعالى، وبغضهم للحق وأهله.
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ : ولطالما أن الله تعالى لن يرضى عنهم فإنَّ واجب أهل الحق أن يُجنّبوا قلوبهم الرضى عنهم، أو المودة لهم. {93 - 96} التوبة
تلك هي قصة الخوالف ... وخلاصة من خلاصات المعارف. |