قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ كما يروي الترمذي في سننه:
( ألا أدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، .. ثم قال صلى الله عليه وسلم : ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ قال معاذ: قلت: بلى يا رسول اللّه! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ.).وزاد الطبراني في روايته( لا يناله إلا أفضلهم..)
ومعاني الجهاد مبينة في فواتح سورة الأنفال:
قال تعالى { َيسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]
والأنفال جمعُ نفَل بفتح الفاء، والنفَل: الغنيمة.
أي ليس لكم من المكاسب في جهادكم شيء، فأسقطوا اعتبار المكاسب والمصالح من نفوسكم.
فعبّاد المصالح غير مرشحين للجهاد، أما عِبَادُ الله فهم المرشحون للجهاد.
ثم تحدّث عن مقدمات الجهاد المعنوية، التي لا يستطيع الإنسان أن يدخل في الجهاد إلا بها، فذكر المقدمة الأولى بقوله:
1- {فَاتَّقُواْ اللّهَ} فذكر التقوى لأن الجهاد الذي لا يكون أصحابه أصحاب التقوى ساقط غير معتبر.
2- {وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} فذكر اجتماع القلوب وانتفاء الشحناء
3- { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[الأنفال: 1] فذكر الوحدة بطاعة القيادة المؤمنة لأنه صلى الله عليه وسلم كان قائد المعركة. ولا ينبغي أن تكون الطاعة لقيادة مجهولة الهوية، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمّيّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيّةً).
4- {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}فذكر الإيمان الذي بسببه تتحقق الثلاثة التي سبقته.
ولما كانت دعوى الإيمان مما يمكن ادعاؤه، ذكر علامات الإيمان فقال:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} علاماتهم:
1-{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}: تعظيم الله .
2-{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} زيادة اليقين والإيمان عندما يسمع وعد الله تعالى في آياته.
وعد الله مبين بقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[المجادلة: 21]
3- { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} فهم لا يستندون إلا إلى الله وحده لأنهم علموا أن مقاليد العباد هي بيد الله.
4- {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ } فلا جهاد للذين لا يُصَلّون، أو يمنعون الصلاة.
5-{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الأنفال: 3] فأنت ومالك لله؟
ثم وصف جهاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله:
1- { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5] فلا يعتبر الجهاد إلا عند تحقق شروطه الشرعية، فالجهاد عبادة لله مضبوطة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمضى وقتاً طويلاً في مكة ولم يبدأ القتال
قال:{ بِالْحَقِّ} أي حين تحققت شروط الجهاد الشرعية، لا بالباطل الذي هو الهوى والأمزجة.
{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] لأنهم لم يرتقوا إلى مستوى محبة الجهاد.
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6]
تكثر الآراء ويكثر المنظرون ويكثر المعتذرون، ويكثر أصحاب الحُجج، هذا يقول عندي أسرة، وهذا يقول عندي تجارة، وهذا يقول عندي مسؤوليات...
نداء الله دعا أصحاب النبي فلبوا، لأنهم عباد الله وليسوا عبّاد المصلحة.
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال: 6-7] يقولون: نريد التأييد من الله، ونريد نصرة الملائكة، لكن بشرط أن لا نؤذى، وأن لا نجرح، وأن لا نقتل ... نريد أن نبقي أسرتنا في حالة من الراحة، ونريد أن نكمل بقية حياتنا مع أولادنا ...
{وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}[الأنفال:7] لكن الله سبحانه يريد لكم الشوكة، ويريد لكم الزلزلة.
وبعد المقدمات ذكر الله النتائج:
1- {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الأنفال:7] فمع تمحيص المؤمنين بدخولهم في ذات الشوكة سوف يحصل إحقاق الحق.
وقال:{ بِكَلِمَاتِهِ} لا بقوتكم.
2- {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال:7] الذين يعيثون في الأرض فساداً .
{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال:8] وهذه هي نتائج الجهاد.
البيانات لا تصنع أمة. نكاد نستنكر الاستنكار، ونشجب الشجب والتنديد.
لا بد من إعداد معنوي تربوي صادق ليتخرج جيل يتعلق بالله لا بالمصالح ولا يتحرك إلا مع وضوح الرؤية.
|