التربية هي كأي مشروع تطويري تتركب من هدم وبناء.
أو تقول: تتركب من إزالة وإيجاد.
أو تقول: تتركب من تخلية وتحلية.
أو تقول: تتركب من ترك وفعل.
فالهدم أو الإزالة أو التخلية أو الترك مفهوم يختصر الابتعاد عن الشر...
والبناء أو الإيجاد أو التحلية أو الفعل مفهوم يختصر الاقتراب من الصلاح....
والظرف الزمانيُّ لهذا المشروع شهرُ رمضان ...
والظرف المكاني له الأرضُ ...
والمفردتان اللتان تمثلان مفهومي التربية في هذا الشهر الرمضاني، واللتان تكمل كل منهما صاحبتها هما الصيام والقيام :
فالصيام فيه هو تدريب على الابتعاد عن الشر وهو يمثل في العملية التربوية رمزًا من رموز الهدم أو الإزالة أو التخلية أو الترك.
والقيام فيه هو تدريب على الاقتراب من الصلاح وهو يمثل في العملية التربوية رمزًا من رموز البناء أو الإيجاد أو التحلية أو الفعل.
وأصل اقتران الرمزين الصيام والقيام معًا قول سيدنا النبي الكريم محمدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صِيَامَهُ، وَإِنِّي سَنَنْتُ لِلْمُسْلِمِينَ قِيَامَهُ) ...
ولئن كان الصيام بمعناه الفقهي الامتناع عن الشهوة الغريزية وترك الطعام والشراب، فإن حقيقته وروحه ومقصوده التمرد على الشرّ بكل معانيه....
إنه التمرد على الاستبداد ...
والتمرد على الفرعونية ...
والتمرد على الاستعباد ...
والتمرد على التمييز بين الناس...
والتمرد على ظلم الأقوياء للضعفاء....
ولذلك كان يوم بدرٍ في رمضان، وكان فتح مكة في رمضان، فانتصر الخير على الشر في بدر، وتكسرت الأصنام حول الكعبة في الفتح، وعلت في الأجواء كلمة الحق مجلجلة ( لا إله إلا الله )...
وإلا فما هو معنى التقوى إن لم يكن التمرد على الشر ؟؟؟ والتقوى هي ثمرة الصيام... {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
ولئن كان القيام بمعناه الفقهي وقوفا في الصلاة ليلا للتنفلفإن حقيقته وروحه ومقصوده الهرولة إلى الصلاح بكل معانيه...
إنه الهرولة إلى إكرام الإنسان ...
والهرولة إلى المساواة والعدالة ...
والهرولة إلى النهضة الحضارية على مستوى الفرد والمجتمع ... وعلى مستوى الاجتماع والاقتصاد والسياسة ....
والهرولة إلى التكافل الاجتماعي ...
والهرولة إلى حياة رشيدة حكيمة ترضي الله وترتاح لها الضمائر...
فهل سنرتقي في مشروع رمضان التطويري هذا أم أننا سنمارسه – كما تعودنا - طقوسا وفوانيس ؟ |