بسم الله الرحمن الرحيم
1- { إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ } : تشققت فصارت قطعًا ، ومعنى الفَطْر: الشَّقُّ.
عندما يريد الله سبحانه وتعالى خراب السماء يحصل الكشط، أي القلع.
قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} [التكوير:11]
فإذا كشطت وهي قطعة واحدة يبدأ نظامها بالاختلال، فيبدأ ميلُها ، وعبر عنه قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا} [الطور:9] ، فإذا مالت تخرب نظام الكواكب فيها ، وعبر عنه قوله تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار: 2] ثم يحصل التشقق، قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء}[الفرقان: 25]، وبعد التشقق يحصل الانشقاق، والانشقاق أشد من التشقق لأن زيادة المبنى في اللفظ تفيد زيادة المعنى في الحدث، فيحصل التباعد بين الشقوق.
ولا يبقى في السماء التي كانت سابقا متماسكة ترابطٌ، والترابطُ السابق معبرٌ عنه بقوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات: 7] وهو لم يعد موجودا.
وبعد الانشقاق يحدث الانفراج وهو التباعد الشديد قال تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ} [المرسلات:9]، فإذا كثرت الشقوق وحصل الانفراج واتسعت الفتحات تصيرُ السماء أبوابا، عبر عنه قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا} [النبأ:19] ، وبعدها تُقَطّع السماء إلى قطع، فلا يبقى للأبواب لزوم فيكون الانفطار، قال تعالى: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل: 18] وقال: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ}[الانفطار: 1]، فإذا صار الحال كذلك لم يبق لوجود السماء معنى فيطويها الحق تعالى ويلغيها، قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}[الأنبياء:104]، فينتهي دورها وتنعدم وظيفتها، فالناس سينتقلون من الدنيا إلى العالم الآخر، يوم تبدل الأرض غير الأرض ولا معنى لوجود الحاجز السماوي، وبعد أن يطويَها يذيبها، قال تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ} [المعارج: 8 ] يعني كالنُّحاس المُذاب، وقال سبحانه: {َإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}[الرحمن: 37]
2- { وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ } : تفرَّقت وخرجت عن مداراتها التي كانت تسبح فيها بانتظام كما ذكر.
يقولون نثْرت الأشياء: أي رميت فصارت متفرِّقة.
3- {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} : تفرقت، فذهب ماؤها.
4- {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} : نبشت، وقلبت، وأخرج من فيها من الموتى بعدما أعيدت إليهم الحياة.
5- {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} : علمت كل نفس ما كسبت في دنياها من خير؛ وما اكتسبت من شر.
6- {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } :ما الذي أطمعَك حتى اجترأت عليه وأمنت عقابه؟ إذا علمت أنه كريم فأحرى بك أن تكون كريما لا لئيما.
يا كاتم الذنب أما تستحي ... واللهُ في الخلوة ثانيكا
غــرك مــن ربــك إمهالـــه ... وسترُه طولَ مساويكا
7- { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} : خلقك: أوجدك من العدم.
فَسَوَّاكَ: أكمل خِلقتك المادية الجسمانية من غير أي نقصٍ فيها، وجعلك سويًّا.
فَعَدَلَكَ: أقام فيكَ نظام العدالة، بتوزيع الوظائف في جسمك على أجهزته وأعضائه.
8- { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } : وهي الصَّورةُ الصفاتية الخُلُقيَّة المتوارثةُ من الكرم والبخل والشجاعة والجبن وأمثالها، ويمكن تعديل كلٍّ منها بالتكاليف الشرعية، والتزكية النفسية.
9- { كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ } : كلا: حرفٌ معناه الردع والزجر.
بل تكذبون بالدين: أي بالجزاء والحساب.
10- {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} : من الملائكة يحفظون أعمالكم ويكتبونها. قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]
11- { كِرَامًا كَاتِبِينَ} : فهم أمناء محمودون لا يرتكبون خطأ فيما يكتبونه.
12- {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} : بكيفية أقدرهم الله تعالى عليها.
13- {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} : وهو تقسيمٌ لأهل السعادة والشقاء مثل قوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7]
14- {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} : الجحيمُ: النارُ الشديدة التأَجُّج فهي تَجْحَمُ جُحوماً أي تتوقَّد توقُّداً.
15- {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} : والصِّلاءُ والصَّلَى: اسمٌ للوَقُودِ، ويصلونها يدخلون نارها.
16- {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} : أي لا يغيبون عن شهودها بل تشترك في ملاحظتها والشعور بها كلُّ حواسّهم.
17- {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} : قال وما أدراك تفخيما لشأنه.
18- {ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} : كرر لزيادة التنبيه على عظم أمره.
19- {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } : أي ما تقدم ذكره يكون في يوم لا يقدم أحدٌ لأحدٍ فيه نفعا والأمر كله يومئذٍ بأمر الله تعالى وحده.
|