1- { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} : يقسم الله تعالى بخمسة أنواعٍ من الملائكة وهي:
- النازعات وهم الملائكة التي تنـزع نفوسَ الكفار، والنـزع: الجَذْبُ والقَلْعُ.
وقوله: والنازعات غَرْقًا: أي إغراقًا، وهو مبالغة الملائكة في جذب نفس الكافر وقلعها.
2- { وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} : النَّاشِطَاتُ: النوع الثاني الذي أقسم الله تعالى به وهم الملائكةُ الذين يجذبون نفس المؤمن إليهم بخفةٍ ورشاقةٍ ولطفٍ فيقبضونها وهي سعيدة مسرورة مشتاقة إلى لقاء الله.
3- { وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} : السَّابِحَاتُ: النوع الثالث الذي أقسم الله تعالى به وهم الملائكة التي تسبح بأرواح المؤمنين في عوالم الملكوت.
4- { فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا} : السَّابِقَات: النوع الرابعُ الذي أقسم الله تعالى به وهم الملائكة التي تسبق لتنفيذ أمر الله وطاعته فيما أمرت به.
5- {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} : الْمُدَبِّرَاتُ: النوع الخامس الذي أقسم الله تعالى به وهم الملائكة التي وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك.
6- {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } : تَرْجُفُ: أي تضطرب اضطرابًا شديدًا مزلزلا. والرَّاجِفَةُ: النفخةُ الأولى العظيمة في الصُور التي بها تكون إماتة لخلق.
7- {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} : الرَّادِفَةُ هي النفخة الثانية التي يكون معها إحياءُ الموتى.
8- { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } : أي خافقة متسارعة مضطربةٌ، لأنهاخائفة وجلة وأصل معنى الوجَف: السرعة.
9- { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } : أي ثابتة جامدة مطرقة منكسرة ذليلة من شدة الهول.
10 - { يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} : أي: هل نُرَدُّ إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياءً كما كنا؟!
فإذا قالوا: رجع على حافرته: أي في الطريق الذي جاء منها، فحفرها أي جعل بأثر قدميه فيها حفراً.
والوجه الآخر المقبول أنَّ القرآنَ ينقل كلامهم في الدنيا الذي كانوا يقولونه على وجه التعجب المنكرِ بمعنى هل سنعادُ في الحافرة ( بمعنى القبور المحفورة) أحياء بالبعث والنشر بعد أن كنا فيها أمواتا؟
11- { أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً } : أي يقول هؤلاء المكذبون المنكرون للبعث: أنرد بعد موتنا بعد تحولنا إلى عظامٍ بالية متفتَّتَة.
12- { قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ } : الكَرَّةُ: الرَجعة، أي ستكون رجعة خائبةً فقد أخذنا من أعمارنا وشيخوختنا نصيبنا من التعبِ، فإذا كان ذلك صحيحا فسيعود إلينا تعبنا، يقولون ذلك استهزاءً وجدالا، وما علموا أنَّ الناسَ يومها منعَّمٌ لا يشقى، ومعذّبٌ لا ينعم.
13- { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } : ردَّ عليهم بل ستكون زَجْرَةٌ أي صيحة واحدةٌ كصيحة الزاجرِ الغاضب وهي النفخة الثانية، وبعدها يُساقُ الخلائق، إلى أرض المحشر.
14- { فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ } : السَّاهِرَةُ: الأرضُ التي يحشر عليها الناس، بعد تبديل الأرض، وهي كما ورد أرض من فضة لم يُعصَ الله جل ثناؤه عليها قط، وسميت بذلك لأنها لا يعرف أحدٌ فيها النوم. وهو من باب قولهم: نهارٌ صائم: أي يصوم الناس فيه.
15- {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} : "هل" بمعنى "ما" أي ما أتاك، أو بمعنى السؤال الذي معلوم جوابه بأنه لم يأتك قبل الوحي إليك، ولكن أخبرت به، وذكر حديث موسى لأن فيه عبرة لمن يخشى، لأن فرعون الذي كان زمان موسى أقوى من كفار عصر النبي صلى الله عليه وسلم, ثم أخذه الله.
16- {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} : طوى: واد بين المدينةِ المنورة ومصر.
17- {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} : تجاوز حدَّه بكفره وظلمه.
18- {فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى} أما تريد أن تتطهرُ من كبرك وكفرك وجحودك وظلمك؟
19- { وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} : أكرمني ربي بالهداية والرشاد فأردت أن أكرمك بهما، وحين تحوز الهداية في قلبك ستجده معظّما لله تعالى في خشية منه ورهبة له.
20- {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} : إشارة إلى جميع الآياتِ والمعجزاتِ التي أتاه بها.
21- {فَكَذَّبَ وَعَصَى} : فأنكرَ بباطنه، وعصى بظاهره.
22- { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} : أَدْبَرَ: انصرف وأعرض عن الإيمان بقلبه، وسعى بظاهره في الفسوق والعصيان والفساد في الأرض.
23- { فَحَشَرَ فَنَادَى} : جمع الناس ووقف فيهم متكلما.
24- {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} : بمعنى: {ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري} [القصص:38] أي فأنا العليُّ فوقكم.
25- { فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} : النكال: عقوبةٌ عظيمةٌ، يُفتضح بها صاحبها، ويَعتبِر بها غيره. فأغرقه في الأولى, ويعذّبه في الآخرة.
26- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} : أي اعتبارا وعظة لمن يخاف الله عز وجـل.
27- {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} : كقول تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" [غافر: 57] أي هذا في تقديركم، وإلا فالأمر بالنسبة لقدرة الله تعالى سواء.
28- {رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} : السَّمْكُ: السَّقْف، أي جعله رفيعًا محكما متقنا لا ترقى لتقليده أيدي المخلوقات، قد يكون مجالاً كهرطيسيا أو مغناطيسيا أو شعاعياً، والله أعلم. وقوله: فَسَوَّاهَا: أي خلقَ السماء خلقًا مستويًا، لا نقص فيه.
29- { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } : أَغْطَشَ لَيْلَهَا: جعله مظلمًا، فالغطش: الظلمة. وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا: أي أبرز من الظلمة نهارها وضوءها وشمسها، وفيه إشارة إلى العدم قبل الوجود، وكيف أنه تعالى أخرج الوجود الحسيَّ منه.
30- { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } : دَحَاهَا: رَمَاهَا في الفضاء الكوني الكبير. فالدَّحْوُ: رَمْيُ الشخص الحَجَر في الهواء.
وفيه تصويرٌ لصغر أمر الأرض ومن عليها وقبضةُ القدرة ترميها في الفضاء الكوني بين ملايين الأجرام.
31- { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا } : أي أخرج من تلك الأرضِ السابحة المرمية في فضاء الكون العيونَ والينابيعَ المتفجرة بالماء التي وَمَرْعَاهَا يخرج بسببها النبات فترعى فيه الدوابُّ والأنعام، وتكتمل دورة الحياة على الأرض. ومثل هذه الدورة الحياتية لا يكون إلا في مشهد الاستقرار، فقد جمع بين مشهدٍ كونيٍّ متحرك، وحياةٍ على الأرض مستقرةٍ بديعة، وما جميع هذا إلا بقدرة الله وحكمته.
32- {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} : ثبتها في الأرض كالأوتاد، ومن المفيد ملاحظة قوله بعد قليل:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا }ومرسى السفينة حيث تنتهي، فإنه بهذا التكرار يشير إلى مشهدٍ ذكره في موضعٍ آخر وهو قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} {88}النمل
فمشهد السفينة التي لها مرسى، مع مشهد الجبال التي أرسى، متحركٌ مع ساكن جمع اللفظ الواحد بينهما، وهو الحال الذي كانت فيه الأرض متحركة سابحةً بأمر الله تعالى في الفضاء، وثابتةً مستقرةً بجاذبيتها التي خلقها الله تعالى في آنٍ واحد.
33- {مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} منفعة لكم، ومتعة، تشتركون فيها مع الأنعام حين تلتصقون بهذه الأرض، وتسبحون بعيدا بأرواحكم وعقولكم وحدكم من غير الأنعام، حينما تتفكرون في بديع خلق الله تعالى وتقديره.
34- { فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى } : الطَّامَّةُ: القيامة، سميت بذلك لأنها تَطِمُّ غيرها من الأحداث وتعلوها، فلا يُلتفت إلا لها، وفي أمثالهم: (جرى الوادي فطم على القرى).
والقيامة بالنسبة للغافل طامّةٌ وأيُّ طامّة.
35- {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى} : أي ما عمل من خير أو شر.
36- { وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى } : وَبُرِّزَتِ: أُظهِرَت، ولكن هل هناك من لا يرى حتى قال : لمن يرى؟ نعم فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} {124-127} طه
37- {فَأَمَّا مَن طَغَى} : أي تجاوز حدّ عبوديته فتمرّدَ على ربه بالكفر أو الفسوق والعصيان.
38- {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} : فضَّل وقدَّم الحياة الدنيا على الآخرة، وقد وجد في الكتب السابقة: "لا يؤثر عبد لي دنياه على آخرته, إلا بثثت عليه همومه .. , ثم لا أبالي في أيها هلك".
39- {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} : أي هي المنـزل، فقرن بين إيثار الدنيا على الآخرة في منـزل الدنيا، والمستقرِّ في منزل الجحيم في الآخرة.
40- {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} : مقامه: انه سبحانه لا يُسأل عما يَفعل، وحكى القرآن عن موسى وهو كليم الرحمن قوله: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ}[الأعراف: 155]
41- {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} :أي المنـزل.
42- {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} : أي متى قيامها؟ ومرسى السفينة حيث تنتهي.
43- {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} : أجب من سألك يا رسول الله: أي في أي شيء أنت من ذكر القيامة والسؤال عنها؟ وذكرى الآخرة اختصاصٌ يناله من أحبه الله تعالى، فقد قال في حق رسله عليهم السلام: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} {46-47} ص
44- {إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا} : إليه ينتهي عِلمها.
45- {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} : مخوِّفٌ من يتذكرها ويعظّم شأنها, لأنهم المنتفعون بالإنذار.
46- {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} : "كأنهم يوم يرون الساعة لم يمكثوا في دنياهم, إلا أي قدر عشية أو ضحاها والمراد تقليل مدة الدنيا .
|