اقترب موعد الدعاء، ففي النصفالثاني من هذا الشهر المبارك أيها الإخوة الأحبة، يتوجه المسلمون إلى الله تعالىبالدعاء في صلاة قيام الليل وفي دعاء الوتر.
فموسم الدعاء اقترب، واستمطارالعطايا من الله تعالى والاستغاثة به وطلب نجدته آن وقته ودنا موعده.
وقد استوقفني دعاءٌ نبويٌّ ورد فيروايات أخرجها الحاكم والترمذي وغيرهما أن الله سبحانه وتعالى قال للحبيب سيدنامحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:(يا محمد قل تسمع وسل تعطََ)
فاختار النبي صلى الله عليه وسلمكلمات ألهمها الله تعالى إياه، وقال :
(اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وتركالمنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليكوأنا غير مفتون اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك).
فلما حكى رسول الله صلى الله عليهوسلم لأصحابه هذا الخبر وما تضمنته تلك المكالمة قال لأصحابه ولأمته (إنها حق،فادرسوها ثم تعلموها).
وجدت فيها مجمع العطايا، وفيها تأكيدمن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضموناتها، ومعانيها، وفيها تعليم لنا أن لانتلفظ بألفاظها وحسب، إنما أن ندرسها وأن نفهمها وأن نتعلمها وأن نتحقق بها ،فأحببت أن أقف مع جمل هذا الدعاء وقفات سريعة.
- أما الأمر الأول الذي طلبه سيدنارسول الله صلى الله عليه وسلم فهو: فعل الخيرات.
وفعل الخيرات مفهوم عام كبير لا تكفيالمجلدات لتفصيله، لكن مجمله أنه فعل تعميري، فالمنكرات إفساد وتخريب، والخيراتإصلاح وتعمير.
فعل الخيرات فعل تعميريٌّ هادف منخلاله تبنى الجماعة والمجتمع
ولاحظوا أنه صلى الله عليه وسلم لميقل أسألك فعل خير، لكنه قال صلى الله عليه وسلم فعل الخيرات، فأتى بلفظ الجمع لا بلفظالمفرد، وهو يفيد أن تحصيل الخير العام والفعل التعميري الهادف ينبغي أن يكون علىجميع الأصعدة، الإنسانية والاجتماعية، والاقتصادية، والإدارية والسياسية، وعلىجميع المستويات الفردية والجماعية وأن لا يكون بفعل واحد بل يكون بمجموع أفعال،فإذا تكاملت تلك الأفعال وتكررت وتأكدت يحصل البناء والتعمير.
ففعل الخيرات إذًا فعل يحتاج إلىمداومة واستمرار وصبر وطول انتظار، ويحتاج إلى فعل دؤوب تنتهض فيه الهمم، وتتكامل فيهاليد مع اليد.
أما الأمر الثاني فهو ترك المنكرات،وترك المنكرات هو ترك الإفساد والتخريب، وربما يظن الواحد منا أن فساده الخاص لايقود إلى الفساد العام، وتلك هي إشكالية الفردية والأنانية التي يغيب فيها ذهنالإنسان عن صالح الأمة!.
لا ... إن الفساد الخاص الفردي ينعكسعلى الصالح العام بالفساد.
وقد مثل الحبيب المصطفى صلى اللهعليه وسلم لنا بمثال في حديث صحيح أخرجه الأمام البخاري وغيره، يقول فيه صلى اللهعليه وسلم:
(مثل القائم على حدود الله والواقع فيهاكمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلهاإذا استقوا من الماء مَروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولمتؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا و ونجواجميعا).
مثل القائم على حدود الله :أيالمستقيم على أمر الله سبحانه في ذات نفسه.
والواقع فيها: الفرد الذي ينحرف علىالمستوى السلوكي أو المالي، أوالاجتماعي، أوالإداري، وبكل أنواعه الانحراف ، بكلأنواعه، سيعود انحرافه على الأمة.
سيعود فساد الفرد على الجماعة والمجتمعبالفساد.
وكلما كانت مسؤولية الفرد أكبر، كلماكانت مساحة الفساد أوسع.
وظلمانية المعاصي الفردية ستؤثر علىالمجتمع كله.
ولماذا أتى بالجمع أيضاً في تركالمنكرات ولم يأت بالمفرد؟.
لأن المنكرات أنواع أيها الإخوةالأحبة.
قال سبحانه وتعالى :
(وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِوَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْيَقْتَرِفُونَ) [الأنعام : 120].
إذاً فاُلإثم له ظاهر، وله باطن، وثمَّةمنكرات ظاهرة معروفة، وثمة منكرات باطنة.
الحقد في القلوب هو من المنكرالباطن، والحسد في النفوس هو من المنكر الباطن، أما الغش، والخيانة، والغيبة، والنميمةفهي من المنكر الظاهر...
فإذا أردنا صلاح الأمة لابد لنا أننبدأ بالحساب الخاص.
كنت أقرأ اليوم في سيَِر من تحققوابالصفاء والاستقامة، فكانوا كما نقل عنهم يمسك الواحد منهم بدفترٍ للحساب، ويجلس فيآخر النهار يتذكر ما صدر عنه من قول اوفعل.
وقال بعضهم : "وزدت على الأقوالوالأفعال فأضفت إلى دفتري ما يرد على باطني من خواطر السوء".
واليوم، نحاسب في الأموال، لكننا لانحاسب أنفسنا في ميزان الخيرات والمنكرات.
كان الواحد من سلفنا لا ينام إلابعد تصفية حسابه، فإن وجد في نهاره قولاً باطلاً لا يرضاه الله جلس يستغفر، وإنرأى في دفتره فعلاً أثيما يكرهه الله سبحانه، تاب إلى الله، وإن رأى في دفترهتوفيقاً وطاعة جلس يحمد الله تعالى ويشكره. فأين نحن من هؤلاء؟
هل عرفنا أننا سنحاسب يوماً ما فإن نحنحاسبنا أنفسنا قبل أن نحاسب دخلنا الجنة من غير حساب.
أنت أيها الإنسان مخير فإما أن تقومبحساب نفسك فتعفى من الحساب هناك، وإما أن تحاسب يوم القيامة:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبواوزنوها قبل أو توزنوا)
فقوله تعالى : (وَذَرُواْ ظَاهِرَالإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) أي اتركوا ظاهر الإثم وباطنه.
ثم جاء في نفس السورة بعد ثلاثين آيةقوله : (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)[الأنعام: 151]
فبعد أن قال اتركوا قال ابتعدوا.
اتركو:أي اخرجوا من النار إلى حافة خندقها، أما ولا تقربوا أو ابتعدوا فهووضع مسافة احتياطية بينهم وبين المنكرات.
(وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَمَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)
أي لا تعرِّضوا أنفسكم من خلال قرناءالسوء، أو الأماكن التي ترتادها الشياطين، أو الظرف الذي تعلمون فيه احتمال الوقوعفي الإثم.
أما المفردة الثالثة فهي:حب المساكين:
واليوم يشيع في الناس حب الأغنياء ، والأثرياء،وأصحاب الجاه والمسؤولية، أما حب المساكين قد فُقد ، والحديث يتحدث عن الحب لا عنالشفقة، وفرقوا بين الشفقة والحب.
حب المساكين؟
نعم حب المساكين، لأنهم هم الذيسيدخلونك الجنة، ألا تحب من سيدخلك الجنة؟
سبحان الله ، هيأ الله سبحانه وتعالىلخدمة المساكين عبده الخضر الذي جاء بعلم لا يعلمه موسى كليم الله، ألم تقرؤوا فيسورة الكهف :
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْلِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَوَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) [الكهف : 79].
فحمى السفينة لأنها كانت لمساكين.
وعائشة رضي الله عنها تعجبت من قضيةحب المساكين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. فأجابها كما يروي الإمامالترمذي رحمه الله :
إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهمبأربعين خريفاً، ثم قال يا عائشة:
(لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، ياعائشة أحبي المساكين وقرِّبيهم)
فحب المساكين يكافئك الله سبحانهوتعالى عليه بحبك.
تحبهم فيحبك، وتقربهم فيقرِّبُك.
من كان يعاني من الكبر والعجب فليذهبإلى أفقر أحياء المدينة وليجالس فقرائها، وليستشعر أنه يجلس مع إنسان، وسيشفى منكبره وعجبه.
قامت قيامة أمريكا حينما هبَّ إعصارٌفي بلادهم، فلما زلزل زلزال باكستان ما رأينا قيامة لأحد.
هناك رصدت المليارات، وهنا المتبرعونحتى الآن لا يتجاوز ما أنفقوا وقدموه في العالم ربع مليار دولار، وهناك يرصد مائةمليار دولار لماذا؟
هؤلاء مساكين لذلك لا يؤبه لهم، ولاقيمة لهم.
كان عدد الذين تأثروا بالإعصار كماهو معلن بحدود الألف، عدد الذين قتلوا في الزلزال تجاوز الثلاثين ألف.
إذاً الإنسانية تعاني من أزمةحقيقية، فلو رأت تسونامي على شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تدفع ملياراتالمليارات، أما تسونامي على شواطئ شرق آسيا، أو زلزال باكستان فلا ... لأن هذه هي منطقةالمساكين، وليمت المساكين.
لو أننا اليوم نظرنا إلى مدينتنا ألانرى الأحياء الغنية التي لا تلتفت إلى أحوال الأحياء الفقيرة؟
ألا ترى تحسيناً في الحي والمسجد والناديهناك، أما حي المساكين فليهبط فوق رؤوس أصحابه.
إذًا نحن فقدنا حب المساكين، وربماتوجد هذه الظاهرة بيننا في شخص أوشخصين ، أما أن تكون منتشرةً ظاهرةُ حب المساكين،وتحقيق المساواة الإنسانية فليس الأمر بمتحقق!!
حين أرسل رسول الله صلى الله عليهوسلم معاذ إلى اليمن قال:
(خذ صدقة من أغنيائهم أعطها لفقرائهم)
لم يقلrاذهب يا معاذ وأرسل لنا بالمال من اليمن، إنما قال خذ من أغنيائهموأعط فقراءَهم، لماذا؟. لتتحقق العدالة، وليتحقق التكافل.
هذه القيم أصبحت شعارات، لا نجد لهاتطبيقًا عمليًّا، إذاً نحن في أزمة إنسانية، تحتاج إلى إصلاح حقيقي.
نكرم الغني ونحبه ونبجله وليس عندناحب المساكين، أما سيدنا رسول الله فإنه يطلب من الله التوفيق لفعل الخيرات وتركالمنكرات وحب المساكين.
وأن تغفر لي:
الآن كلنا يرفع اليد يقول اللهم اغفرلي، وكلنا في الصلاة وفي القنوت ولاسيما في قنوت العشر الأخير من رمضان، نرفعالأصوات ونصيح يا رب اغفر، لكننا ننسى أن المغفرة وضع الله سبحانه وتعالى لهاأسباباً، فكما تقول اللهم ارزقني وتأخذ بأسباب الرزق، وكما تقول اللهم وسع عليوتأخذ بأسباب السعة، وكما تقول اللهم اهدني وتأخذ بأسباب الهداية، كذلك إن قلتاغفر لي فإن الله سبحانه وتعالى بين أسباب المغفرة.
إذا أردنا أن نفهم القرآن علينا أننفهمه بالنظر إلى مجموع آياته، فهناك آيات تحدثت عن السبب وهناك آيات تحدثت عنالنتيجة.
فهل أخبر القرآن عن أسباب المغفرة؟.
نعم اقرؤوا كتاب الله سبحانه وتعالى قال سبحانه وتعالى :
(وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْالصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [المائدة : 9].
ومعنى آمنوا: أخذوا بأسباب الإيمان،فإن قال الله تعالى آمنوا فيعني خذوا بأسباب الإيمان.
فمن أسباب الإيمان ارتياد المساجد:
(إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجدفاشهدوا له بالإيمان).
ومن أسباب الإيمان تدبر القرآن:
(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْآيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال : 2]
ومن أسباب الإيمان الثقة بالله.
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُإِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً) [آل عمران:179]
إذًا هناك أسباب لزيادة الإيمان, فإننحن أخذنا بأسباب زيادة الإيمان حتى أصبح إيماننا بالغيب كإيماننا بالحِس أو أقوىمن إيماننا بالحس؛ تحقق السبب الأول للمغفرة.
والسبب الثاني للمغفرة العمل الصالح:
(عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ)
أما أن يكون الإنسان فاعلا للفسوق صباحمساء, ثم لا يتوب ويقول: اغفر لي. ويأكل الحرام و يقول: اغفر لي!!
ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَيُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَرفع يَدَيْهِ بالدعاء: يا رَبّ يا رَبّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيبالحَرَامِ، فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ.
من أين تأتي المغفرة!
وسعد رضي الله عنه لما أوصاه رسولالله صلى الله عليه وسلم قال:
(أَطِبْ مَطعَمَك؛ تَكن مُستجابالدعوة.)
إذاً حين نقول: اغفر لي. ينبغي ألاننسى أن المغفرة لها أسبابها.
(..وأَنْ تَغْفِرَ لِي وتَرْحَمَنِي,..)
وللرحمة أسباب أيضاً!!
قال الله سبحانه وتعالى:
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْبِاللهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ)
هل اعتصمت بمالك, أو اعتصمت بجاهك، أواعتصمت بأولادك, أو اعتصمت بأصحاب الجاه؟
بمن اعتصمت؟ وعلى من توكلت؟ ومن هوسندك؟ ومن الذي يدعمك؟ الله.
فإن كنت كذلك تكون مرحوماً.
والاعتصام بالله, هو ثمرة اليقين, والإيمان,وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
(أسلمت نفسي إليك, وفوضت أمري إليك,ووجهت وجهي إليك, وألجأت ظهري إليك.)
اعتصمت بك, فالدعم يأتيني منك.
هذه المعاني أيها الإخوة، أيها الشبابوالكبار, هي التي تُربِّي الأجيال, وهي التي تنهض بنا, وهي التي تجعلنا لا نتوجهفي كل أحوالنا إلا إلى الله.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْبِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ)
إذاً فأسباب المغفرة: إيمان وعملصالح.
وأسباب الرحمة: إيمان واعتصام بالله.
(..,وَإِذَا أَرَدْتَ بقَوْمٍفِتْنَةً فَتَوَفّنِي إليك وأنا غَيْرَ مَفْتُونٍ,..)
إنها الفتنة التي تجعل الحليم حيران,فيحار الإنسان ماذا يصنع فيها.
وهل للفتنة سبب؟.
أخرج بن عبد البَر, أوحى الله عزووجل إلى بعض الأنبياء:
(قل للذين يتفقهون لغير الدين,..) أي يتعلمون علم الدين؛ لكنلغير الدين, بل لغاياتٍ ومآرب.
(ويتعلمون لغير العمل) فالعلم كثير لكنمن غير تطبيق, فليس له أثر على أرض الواقع.
(ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة) يريدونأن يأخذوا من صلاحهم الظاهر مالًا ودنيا, فيُظهرون للناس صلاحاً؛ حتى يأخذوا منوراء هذا الدنيا.
(قل للذين يتفقهون لغير الدين, ويتعلمونلغير العمل, ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة, يلبسون للناس مُسوك الكباش ) أي جلد ناعملطيف.
(وقلوبهم كقلوب الذئاب, ألسنتهم أحلىمن العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون ؟ وبي يستهزئون؟ لأفتحنَّ لهم فتنةتذر الحليم حيران)
إذا لا يخرجنا من الفتن, ولا يجعلنابعيدين عنها إلا الصدق, والانسجامُ بين الظواهر والبواطن, فإذا تناقض الظاهر معالباطن؛ سيقع الإنسان في الفتنة التي تجعل الحليم حيران.
فلنتنبَّه يا أحباب رسول الله صلىالله عليه وسلم.
ما أحوجنا إلى الصدق!
وما أحوجنا إلى الوضوح!
وما أحوجنا إلى التوجه إلى الله!
وما أحوجنا أن يكون أمامنا هدف واضحنسير عليه, وفق صراط مستقيم!
(أَسْأَلُكَ حُبّكَ وَحُبّ مَنْيُحِبّكَ)
(أَسْأَلُكَ حُبّكَ)
قال الله سبحانه وتعالى:
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُأَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِاللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ) [المائدة: 54]
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) هي نتيجة.فماهي مقدماتها وأسبابها؟
مقدماتها وأسبابها: (أَذِلَّةٍعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
هل كنت متكبراً مع أهل الإيمان, أممتواضعاً؟
(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) حينماتشعر بهويتك, وأنك تحمل الأمانة, والرسالة, وتقول كما قال رِبعي:
(إن الله ابتعثنا لنخرج العباد منعبادة العباد إلى عبادة رب العباد.)
هذه هي العزة بالله, والهوية التيتكون فيها عزيزاً بمبدئك, واثقاً مما تحمله من المعاني والأخلاق والقيم, لا تستجديشرقًا أو غربًا.
(يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) يبذلونجهداً, فالجهاد لا يحصر في القتال, وبذلُ الجهد لخدمة الحق بكل أنواعه ونشره هوجهاد.
(وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ) لأنهمأصحاب خَشية الله.
( اللهم إني أَسْأَلُكَ حُبّكَوَحُبّ مَنْ يُحِبّكَ,..)
فهمنا أن نسأله حُبَّه, فلماذا نسألهحب من يُحبِّه؟
في الحديث المتفق عليه:
(يا رَسُول اللَّهِ كيف تقول في رجلأحب قوماً ولم يلحق بهم؟..) ليس عنده من الأعمال الكثيرة التي يلتحق بسببها بهم, فهمسبَّاقون في الخيرات دائماً, وهو يحاول, لكنه لا يلحق بهم.
فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّم: (المرء مع من أحب)
واليوم بناتنا يُنشَّؤون على محبةالمطربة, والمثل أمام شبابنا المطرب أوالمطربة, وهي أمثلة لا تسوق إلى حضارة, إنماتهيئ لدعارة!!
(المرء مع من أحب) فاختر لنفسك فيالهوى من تصطفي.
وفي الحديث المتفق عليه:
أَنّ أَعْرَابِيّا قَالَ لِرَسُولِاللّهِ صلى الله عليه وسلم: مَتَىَ السّاعَةُ؟
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى اللهعليه وسلم: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)
قَالَ: حُبّ اللّهِ وَرَسُولِهِ.
يقول الإعرابي: أنا أحببت اللهوأحببت محمداً, أحببت الله وأحببت من أَحبَّ الله.
قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)
قال الترمذي في روايته، يقول أنس:
(فمَا رَأَيْتُ فَرِحَ المُسْلِمُونَبَعْدَ الإسْلاَمِ فَرَحَهُمْ بهذ.)لأنهم كانوا يحبون سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وآخر عبارة في دعاء رسول الله صلىالله عليه وسلم:
(وحُبّ عَمَلٍ يُقَرّبُ إلَى حُبّكَ)
دلَّ على هذا العمل الذي يقرِّب إلىحُبِّ الله الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري, والذي يقول فيه رسول الله صلى اللهعليه وسلم:
(إن الله تعالى قال: من عادى لي وليافقد آذنته بالحرب، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتسمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يَبطش بها، ورجله التي يَمشيبها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنهَّ)
فما هي النوافل؟ النافلة في اللغة:الزيادة.وهي ما زاد عن الفريضة.
فمن كان يبحث عن الزيادة فإنه يسلكطريقاً إلى محبة الله.
وأما معنى:
(كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصربه،.. الحديث)
فمعناه يصير في بصر الإنسان وسمعه النور,فلا يقبل بصره إلا طاعة الله, ولا تقبل أذنه إلا طاعة الله, ولا تقبل يده إلا طاعةالله, ولا تقبل رجله إلا طاعة الله, من غير تكلُّف, فيُحفظ, ويَتعلق بما أحبَّهالله, ويكره ما يكرهه الله.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر منالمقبولين, وحُفَّنا يا مولانا ببركة دعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم,وحقِّقنا به, يا أكرم الأكرمين.
أقول هذا القول واستغفر الله. |