الوحدة الإسلامية مقصد إسلامي رئيس، والتفرق في الدين الواحد يقطع الصلة برسول الدين، فقد قال الله تعالى لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} {159} الأنعام
ولنا أن نقسم عوامل الوحدة الإسلامية من الوجهة التربوية إلى قسمين:
1- قسم اجتهادي تشريعي
2- وقسم روحي معرفي.
أما الجانب الاجتهادي التشريعي فهو متعلق بالتركيز على الثوابت الإسلامية الكبرى التي تلتقي فيها الأمة (التوحيد – الرسول- القرآن – القبلة) والتأكيد على المعلوم من الدين بالضرورة من معانيها، وتسليط الأضواء العلمية والإعلامية عليها، والتقلل من الكلام الإعلامي على المعلوم من الدين بالنظر، وتركه للخصوصيات الضيقة في البيئة التخصصية.
وبهذه السياسة الشرعية يسمع الجميع من الجميع، ويتفق الجميع مع الجميع.
أما الاتجاه المفرق الأخر الذي لا نجد فيه مصلحة لوحدة الأمة فهو التهويش الإعلامي في مساحات المعلوم من الدين بالنظر، وهو يُشعر الجميع بالفرقة، ويهيئ للخصام، ولن أتحدث عن هذا الجانب كثيرا لأنني أعتقد أن كثيرا من الباحثين سوف يتحدثون فيه.
لكنّ الجانب الروحي المعرفي الذي أود التركيز عليه، يرجع إلى اتساع الأوعية الإنسانية الباطنة التي تتسع معها الرؤى، ويوجد بسببه الاستيعاب المفقود المنشود.
ألم يظهر ربنا تبارك وتعالى فضيلة النموذج الأسوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بقوله جل من قائل:
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1}الشرح ، وطلب الكليم من ربه هذه الصفة حين وجهه إلى مخالف له بقوله: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي {25}طه
وهو أمر بدأنا نغفله في مؤسساتنا التعليمية والتربوية مع تحول مؤسساتنا إلى الأسلوب التعليمي الغربي، الذي يختبر معلومة العقل، ويهمل وصف الروح، ويمنح الشهادة الأكاديمية للذين حفظت أذهانهم معلوماتٍ تشريعية وقانونية، دون أن يكون لدينا آلياتٌ تختبر الأخلاقَ والأوصاف، وتقيِّمُ السلوك وتقوّمه.
وقد كانت حلقاتنا العلمية في سلفنا قادرة على تحديد الأوصاف والأخلاق، ولم تكن الإجازات السالفة تمنحُ إلا بعدَ تفرّسِ الأساتيذ في طالب العلم، الذي كان يمضي أوقاتا طويلة معهم يعبُّ من معارفهم، ويتشرّبُ بأخلاقهم، ويرقى بسماتهم.
إنّ الترويض الروحي المعرفيّ يستند إلى أمور تربوية من أهمها:
- لفت الانتباه إلى نسبة المخلوقات إلى الله تعالى، وهي نسبة أكّد القرآن عليها بقوله تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ {11} لقمان ، وحين يرتقي طالب العلم إلى هذه الرؤية يصير معظّما للتكوينِ من خلال نسبته إلى مُكوّنه.
- ملاحظة الأصل الفطري البشري المشترك الذي فطر الله تعالى الخلق عليه {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (30)الروم
- لفت النظر إلى التكريم الربانيّ الخاص للجنس البشري، المشار إليه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}(70) الإسراء، وملاحظة هذا التكريم يوجب على طالب العلم الأدب مع مقتضاه.
التذكير بالأصل الإنساني الواحد، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ (98) الأنعام ، وهو يضع المتأمل في مشهد الأسرة الإنسانية الواحدة زيادة على ما تقدم من ملاحظة النسبة الخاصة إلى الإسلام الواحد، وقال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه كما في مسند الإمام أحمد : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ .
- التأكيد على حرمة دم المخالف في الدين حين لا يكون حربيا، وهو يستلزم من باب الأولى تعظيم الدم المسلم، قال تعالى: {َلا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(8)الممتحنة ، وقال صلى الله عليه وسلم كما يروي البخاري: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً ) ونشر هذه الثوابت المعرفية ينشر التقوى في تعظيم الحرمات.
- ويجمع كل ما تقدم ذكره من المنهج التربوي المعرفي قوله تعالى مخاطبا هذه الأمة : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}(174)النساء ، وحين نستطيع توصيل البرهان الرباني إلى القلوب، ونفتح البصائر لرؤية النور المبين، سوف نجد أنفسنا في بيئة انشراح الصدور، واستيعاب المختلف اجتهادا معنا، لكنْ حينما نغفل التربية المعرفية الروحية فسوف نصطدم بالأوعية الباطنة الضيقة، والاستعدادات المناطِحة، التي لا تملك شيئا من منهج المناصحة الذي عبر عنه قوله تعالى:
{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.(2)المائدة |