الله أكبر ما تجدّدت رياض الإيمان في شهر رمضان...
الله أكبر ما تزكّت النفوس في صيامه...
الله أكبر ما تلذّذت الأرواح بمناجاته وصلاته...
الله أكبر ما فرحت القلوب في يوم الجائزة هذا بعطاء الكريم ونواله...
الله أكبر ما تزاور الناس في العيد حتى زالت من قلوبهم الضغائن والأحقاد...
الله أكبر ما اجتمعت القرابة والأُسَر ووُصل في هذا اليوم الرحم...
الله أكبر ما ثبّت الله أهل الإيمان على الاستقامة بعد أن أكرمهم بدورة رمضان...
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبيّ الأمّيّ وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
للإنسان من ربّه نصيبٌ من الهداية والرشاد، وقد كان هذا الموسم (الذي نحن في يوم جائزته) موسمَ الهداية والرشاد.
ألم يكن مناسبة الهدى الذي جاء به القرآن:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنـزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة: 185]؟
والهداية والرشاد يقتضيان أن يكون المؤمن في حالةٍ من الاستقامة والاعتدال، قال تعالى:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]
وطالما أنه يهدي للأقوم فإن هذا يعني أن نتائج الدورة التدريبية لن تكون إلا اعتدالاً.
وقد جسّد الشهر الكريم هذا الاعتدال والتوازن والوسطية
بين المادة والروحانية من خلال نهارة وليله:
- فقد كان نهار هذا الشهر الكريم يرفع الإنسان إلى روحانية صمدانية، تكون الروح فيها في حالة من التناغم مع الملكوت، فيترك في نهاره كلّ اللذائذ الحسّيّة المادّيّة والرغبات الشهوانيّة.
- فإذا ما صفا باطنه ردّه في الليل إلى المادّيّة، وإذا هو يعود عودة ثانية إلى رغباته وشهواته لكن بأسلوب مهذّب.
وبين الروحانية والمادية يُظهِر هذا الشهر الكريم في دورته التدريبية هذه توازنًا ووسطيةً ما أحوج أمتنا وما أحوج الذي ينتسب إلى الإسلام أن يستفيد منها!
نعم، الوسطية التي يؤسّسها هذا المنهج التربويّ الإسلاميّ الأصيل يُنتج أفرادًا لا يعانون من الإفراط ولا من التفريط:
* فلا ينحصر الإفراط فيمن شأنُه استغراقٌ مادّيٌّ في رغباتٍ مادية، وفي أشغال مادية، وفي مقاصد مادية... لكنه يكون أيضًا في الصعيد الدينيّ عندما يوجّه الإنسان نظره إلى ظواهر الدين المادّية، والممارسات العمليّة فقط، غافلاً عن لطائف هذا الدين ومقاصده وأخلاقه وأسراره وأنواره...
وينشأ عن هذا الإفراط في الوقوف طويلاً مع الظواهر:
تشدُّدٌ لا يعتدّ الإسلام به، أو تطرّفٌ تلفظه كلّ الأخلاق.
* وفي الجانب الآخر لا يكون التفريط على الصعيد المادّيّ وحسب ممثّلاً في كسل أو ترهّل، لكنه يكون أيضًا على مستوى الصعيد الدينيّ حينما ينشغل الإنسان بالروحانيات عن واجبه الحضاريّ الذي يَطلب منه أن يكون واقعيًّا، وأن يؤدّي دورًا مُنتجًا وفاعلاً في مجتمعه.
فإذا تخلّص الإنسان بهذه الوسطية التي يؤسّس لها منهجُ شهر رمضان التربويّ المستمدّ من وسطية الإسلام {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143]
عندها يظهر النموذج الإسلاميّ في نهاية هذا الشهر الكريم نموذجًا معتبرًا يحبّه الله ورسوله.
وأما الأمر الثاني الذي يستفيد المؤمن منه في دورة شهر رمضان ويقطف في هذا اليوم ثماره فهو الاتّباعية:
فربّنا تبارك وتعالى أمَرَنا في هذا الشهر الكريم أن نصوم ونهانا أن نفطر، فوافقْنا أمر الله تبارك وتعالى، واجتنبْنا ما نهانا عنه، ولما جاء هذا اليوم الكريم أمَرَنا فيه بالإفطار ونهانا فيه عن الصيام.
إنها عملية تربويّة تسوق الإنسان إلى إبعاد الدين عن مزاجه وعقله وهواه، والذي يعاني منه عالمنا الإسلاميُّ اليومَ في غالب أحيانه إنما هو امتزاج الدين بالآراء والأهواء.
ألم يوجه قائدُ وطننا علماءَنا حينما طلب منهم أن يعلموا الإسلام كما أنـزله الله، وحينما نلتزم بالإسلام كما أنـزله الله تبارك وتعالى، فلا نخلط فيه الأهواء، ولا نمزج فيه العادات، ولا نخلط فيه بين الفكر الأرضيّ والنقاء السماويّ... عندها نتخرج من هذه المدرسة متّبعين.
وبهذين المعنيين (الوسطية والإتباع) يمكننا أن نكون في الريادة العالمية ونحن على أرض الشام التي بارك الله سبحانه وتعالى فيها، كما كنّا في الريادة حينما وقفت قيادتُنا داعمةً للمقاومة وتخاذَلَ الآخرون..
وحينما آوت قيادتُنا أصحاب الجهاد على أرض فلسطين وانهزم الآخرون..
وحينما وجّهت إلى مقاومة التهويد، والتهويدُ يمارَس في بيت المقدس الذي تشتاق إليه قلوب الملايين..
وحينما وجّهت إلى تمكين اللغة العربية في زمنٍ أصبح المسلمون فيه منبهرين بغير لغة قرآنهم، تأخذهم جواذب العلمنة يمينًا وشمالاً...
وفي مثل هذا نقف في الريادة في مواقفنا الدينية:
نموذجًا يبحث الناس عنه في زمن صراع التيارات..
نموذجًا تشرئب الأعناق إليه لترى من خلاله، لا مَن يداهنون باسم الدين، ولكن من يقف متّبعًا في الوسط بعيدًا عن الإفراط والتفريط..
الدروس في هذا اليوم كثيرة، وأخلاق هذا اليوم عظيمة، وصِلاته رحيمة، وبَذلُه يمثِّل نموذج خُلُق الإسلام.
إنه يوم الجائزة ويوم التواصل، فلا يفطر فيه الإنسان، وهو يتّبع قرآنه ونبيّه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، على مجرّد الطعام، ولكنه يمثّل في يوم فطره نموذجَ مَن تخرّج من هذه المدرسة الرمضانية وقد أحبّه اللهُ، وأحبَّ اللهَ، وأحبّه رسولُ الله، وأحبَّ رسولَ الله.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
|