بعد أن كنّا في رحاب الخلفاء الأربعة الذين نجلّهم ونحفظ لهم مكانتهم، ننتقل في هذا اليوم من الخاص إلى العام، فالخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم ما هم إلا شجرات في بستان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا البستان المثمر الزاهر الذي أخرج ثمرات من المعرفة، وثمرات من الأخلاق، وثمرات من السلوك المتميز، فلابد لنا من الحديث عن بستان النبي صلى الله عليه وسلم عموماً وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم.
كان سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: (من ثمارهم تعرفونهم)
وعندما نرى أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد خرّج سادة الدنيا وخرّج ينابيع المعرفة، نستطيع من خلال هذه الثمرات أن نتعرف على جزء من شخص النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل ما ظهر في الأصحاب مستمد من شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأحببت في هذا اليوم أن أُفرد حديثاً عن وصف صحابة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من حيث التواصل الاجتماعي بينهم، ربما نستطيع أن نفرد حديثاً عن صَلاتهم، أو نفرد حديثًا عن صَومِهم، أو نفرد حديثاً عن دُعائهم، أو نفرد حديثًا عن ذكرهم، أو نفرد حديثاً عن تلاوتهم للقرآن وعبادتهم، أو نفرد حديثاً عن ترفُّعهم على الدنيا...لكنني أردت أن أبدأ الحديث بالتواصل وتميزه ورقيه لأننا في زمان نشكو فيه من الشتات، فاختياري لهذا الموضوع راجع إلى شعوري بحاجتنا إلى هذا الموضوع.
اليوم لم تعد العلاقات الاجتماعية في مجتمعنا الإسلامي كالعلاقات التي كانت في أسلافنا، لم يعد تواصلنا الإسلامي الإيماني كما كان تواصل سلفنا، أصبحنا نعيش الفردية، وربما نعيش الفوقية، وربما نعيش آفات كثيرة تقطعنا عن التواصل، وتسمح بظهور الشخصانيات، حتى قلت في اجتماع مع الداعيات في مدينة حلب في قاعة من قاعات الوقف الإسلامي, قلت: مع الأسف تبلغني أخبار عن مسؤولة أو مدرّسة تستدعي الأخوات أو التلميذات أو المريدات بالاصطلاحات المختلفة من أجل تنظيف المنزل وجلي الصحون، بمعنى أنها تستخدم طالبات العلم عندها خادمات بحجة التزكية والتربية، ولو حققنا ودققنا ما نجد إلا آفة اجتماعية، وما نجد إلا شعوراً بفوقية، وما نجد إلا تعالياً وبعداً عن وصف السلف الصالح رضوان الله عليهم.
من أجل هذا أردت أن أقدم في هذا المجلس المبارك بعض الصور واللقطات من حياة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم نكن نعيش هذا التواصل العلمي المعرفي مع حياة صحابة رسول الله سنبقى ننحدر في هاوية العادات والتقاليد والمفهومات المتوارثة.
لقد اخترت لكم هذه اللقطات من أجل أن نرى واقع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.
يخرج بن عبد البر في جامع العلم عن حبيب بن أبي ثابت يقول: سمعت أبا المنهال قال سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم جميعاً عن الصرف، عن قضية فقهية في الصرف، تحويل النقود، فجعل كلما سألت أحدهما، يعني كلما سألت البراء بن عازب رضي الله عنه و زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سل الآخر فإنه خير مني وأعلم مني.
البراء بن عازب وزيد بن أرقم من علماء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي سائل يسألهما يقول كل منهما للسائل سل الثاني فإنه خير مني وأعلم مني.
انظروا إلى هذه اللقطة وقارنوا اليوم مع طويلب علم لا مع طالب علم، فإننا نفاجئ بأنه دائماً يقول: أنا أعرف كل شيء، وهو يجيب عن كل شيء،مع الأسف عندما نقرأ الواقع قراءة صحيحة نستطيع معالجته، طويلب علم صغير وأي شيء تسأله ترى عنده جواباً، ولو كان افتراء، ولم يعد أحد يرجع إلى مرجع، عايشت أستاذي في التربية ما كنت أسأله سؤالاً إلا ويذهب إلى المكتبة ويحضر الكتاب، ويبحث في المسألة ويقول الصفحة الفلانية قال فلان: الجواب كذا، وما يجيب.
اليوم أي سؤال يُسأل عنه طويلب لا يقول اسأل من هو خير مني أو أعلم مني، إذا كان لا يحضر في ذهنه العزو والتوثيق مباشرة تجد أنه يقدم نفسه،لا تسأل غيري أنا أفهم من الجميع وأنا أحسن من الجميع.
صورة أخرى: في حديث أخرجه البخاري رحمه الله.
سُئل أبو موسى الأشعري الإمام الكبير والصحابي الجليل الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم أميراً إلى اليمن، وعبد الله بن مسعود العالم الجليل من علماء الأصحاب، هذا العالم الجليل الذي كان نحيل الجسم قصير القامة لكنه كان مليئاً بالعلم، يُسأل أبو موسى الأشعري ويُسأل بن مسعود ويخبر السائل بن مسعود رضي الله عنهما بما أجابه في المسألة أبو موسى, فيجيب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بجواب سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما يسمع أبو موسى الأشعري بأن الجواب من بن مسعود إنما هو جواب نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف أمام الناس ويقول: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم، لماذا تسألوني وبينكم عبد الله بن مسعود.
اليوم هل سمعنا أي شيخ يقف ويقول: لماذا تسألوني ويوجد الشيخ الفلاني أم أنه يلغي ما سوى الأنا؟
إذاً هذه علّة كبيرة ترجع إلى أننا ابتعدنا عن ينبوع التربية.
صورة ثالثة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل أن يجمع الصدقات، يعني أن يجمع الزكاة من الصحابة، يكلف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا عمر بن الخطاب لجمع الزكاة من الأصحاب فيصادف عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس، وكان العباس شديداً، عمر وشدته لا شيء أمام العباس، كان العباس مخيف، فلما قابل عمر رضي الله عنه العباس بصيغة الطلب وطالبه مطالبة أين صدقتك؟ أغلظ له العباس في الجواب وكان شديداً وحاداً معه، ولم يفسر سيدنا العباس رضي الله عنه غلظته وجوابه على عمر.
ما الذي قابله به عمر، هل قابل الغلظة بالغلظة؟
يقول سيدنا عمر بن الخطاب للعباس : أما والله لولا الله ومنزلتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أنا أعلم أنك ذو منزلة كبيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لكافأتك ببعض ما كان منك، ثم نقل سيدنا عمر رضي الله عنه الصورة التي حصلت تماماً كما هي إلى سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقص عليه القصة.
ما الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يرى موقف سيدنا عمر من سيدنا العباس؟
قال له: (أكرمته أكرمك الله، لا تكلم العباس فإنّا قد تعجلنا منه صدقة سنتين) العباس غير مضطر أن يشرح لكن وهو على صلة مباشرة ولا يريد أن يفشي إنفاقه وتعجله في الزكاة وكرمه.
آل النبي هم الكرام وصيدهم.......رفعت على هام السماك وصيدهم
ويكاد من كرم الطباع وليدهم......يعطي التمــــــائم ليلـــــــــــــــــــــــــــــــــة الميلاد
قالها حسان بن ثابت رضي الله عنه عندما دخل إلى سبط النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طفولته الأولى، لم يتكلم ولم يميز بعد وقال له ممازحاً: أعطني يا سبط رسول الله، أعطني يابن رسول الله ,ففوجئ حسان بن ثابت أن سبط النبي صلى الله عليه وسلم يمد يده يبحث عن شيء، يريد أن يعطيه شيئاً وهو ما يزال في طفولته الأولى.
فأنشأ هذين البيتين وقال:
آل النبي هم الكرام وصيدهم .......رفعت على هام السماك وصيدهم
وصيدهم، يعني كرامهم.
أي رفعت على أعلى السماوات عتباتهم.
ويكاد من كرم الطباع وليدهم......يعطي التمائـــــــم ليلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة الميلاد
إذاً العباس رضي الله عنه ما أراد أن يفشي سر كرمه، وأنه تعجل في الزكاة وأخرج زكاة عما سيأتي من الزمان, ولم يرد أن يفشي ذلك, فهو سر بينه وبين رسول الله، ماذا قال له رسول الله: قال: (أكرمته أكرمك الله).
هذا نموذج، سيدنا عمر رضي الله عنه يرى حدة العباس وهو عمر بن الخطاب الشديد في الحق، العتيد العملاق.. لكنه ينظر إلى نسبة العباس وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكرمه.
هذا نموذج من نماذج التواصل بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أبو بكر وعمر كما يروى بن عساكر عن ابن شهاب كانا في ولايتهما وكل واحد منهما أمير المؤمنين وخليفة رسول الله , كانا إذا مر أحدهما وهو راكب على راحلته فرأى العباس ماشياً كان يوقف الراحلة فينزل ويمشي إلى جانب العباس وهو خليفة المسلمين، وهو أمير المؤمنين.
ما هذا ؟ هذا هو التواصل الذي بدأنا نفقد كثيراً من معانيه.
ويأتي زيد بن وهب كما يخرج بن سعد في طبقاته، يأتي ابن مسعود يستقرئه آية من كتاب الله، فيقرئه إياها، فيقول له: إن عمر أقرأني كذا وكذا خلاف ما قرأها عبد الله، وتعرفون الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة يعرفها أهل العلم، وهي القراءات التي هي قراءات متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزيد بن وهب يستقرئ بن مسعود آية فيقرؤه إياها، فيقول له: إن عمر أقرأني كذا وكذا يعني خلاف ما قرأها عبد الله فيبكي عبد الله بن مسعود حتى يقول زيد بن وهب رأيت دموعه خلال الحصى.
لا يريد أن يجلس ويشرح ويقول: هذه قراءة أحسن أو هذه أحسن، ما الذي يجيبه بن مسعود رضي الله عنه؟
يقول: اقرأها كما أقرأك عمر.
يا الله، اليوم طالب علم عنده مسألة حفظها سمعها بسنده أو بغير سنده، قرأها من كتاب عن الشافعي والثاني قرأها في مذهب حنفي, فتجد أحدهما يخطّئ كل الناس ويقول: أُرجح، ومن أنت حتى ترجح، المرجح في المذهب رتبة كبيرة لم يعد يقوم بها في زماننا إلا المجامع الفقهية الكبرى، عندما يجتمع العلماء يمكن لهم أن يرجحوا، وللسلطان أن يرجح، فإذا رجّح السلطان لمصلحة في سياسة شرعية, فإنه له أن يرجح الأضعف على الأقوى مراعاة لمصلحة الأمة.
ابن مسعود يقول: لا..لا ... اقرأها كما أقرأك عمر.
انظر كيف كان رضي الله عنه حريصاً على حذف نفسه وإبقاء هذا السائل بدون شتات، إبقاء هذا السائل في حالة من الاستقرار، أنت تحفظها من عمر، فابقى على ما حفظتها من عمر، ثم يقول ابن مسعود يدعم ما في قلب هذا السائل: إن عمر كان للإسلام حصناً حصيناً.
صورة أخرى: في مسند أحمد: أخرج أحمد عن سعد بن وقاص رضي الله عنه.
انظروا يقول: مررت بعثمان بن عفان رضي الله عنه في المسجد فسلمت عليه، فملئ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام.
سيدنا عثمان جالس في المسجد شاخص بعينيه يمر وهو ينظر، يمر في ساحة الرؤيا عند سيدنا عثمان يمر سعد، يسلم عليه، عثمان يبقى ينظر إليه ولا يرد عليه، مثل هذه القضية لو حصلت الآن تقوم القيامة ولا تقعد، سيدنا سعد يذهب إلى عمر لعله هناك مشكلة، لعله أنا أحدثت حدثاً، لعله أخطأت، لأن هذا عثمان ذو النورين، صهر النبي عليه الصلاة والسلام، ما في أحد على وجه الأرض تزوج ابنتي نبي إلا عثمان بن عفان، منذ خلق الله الخليقة من آدم إلى يوم القيامة، لا يوجد ولا إنسان تزوج ابنتين لنبي إلا عثمان بن عفان فهو ذو النورين، سيدنا سعد يخاف على نفسه ويذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, فقال: هل حدث في الإسلام شيء، يعني هل هناك مصيبة، يعني أخبرني يا أمير المؤمنين، قال: وما ذاك، ما القضية؟
قال: قلت: إني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت, فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام، سيدنا عمر يرسل إلى عثمان ولا يأخذ قراره إلا بعد أن يستقصي، ويفهم القضية من جوانبها.
اليوم واحد يسمع كلمة، وليس خير، يبني عليها قصص وحكايا وكذب وافتراء، وهو لا تثبَّت ولا تبيَّن، والله تبارك وتعالى يقول: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات:6]
وفي قراءة: {فتثبتوا}
سيدنا عمر يرسل ويقول لسيدنا عثمان ما منعك أن تكون رددت على أخيك السلام؟ لماذا لم ترد على سعد رضي الله عنهما يقول عثمان: ما فعلت, وأستغفر الله وأتوب إليه، أنا ما رأيت سعد أصلاً، كيف لم تر سعد، يقول: نظر إلي وملأ عينيه، وعثمان يقول ما فعلت، وأستغفر الله وأتوب إليه، أنا لا أرد السلام على سعد المبشر بالجنة كيف لا أرد عليه السلام، ثم تذكر عثمان وقال: إنك مررت بي وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة.
يقول: أنا عندما أسمع هذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه، عندما أتذكرها ما أرى شيئاً، فهو شارد بمعنى هذه الكلمة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستغرق فيها، صحيح أن عينيه مفتوحتان لكنه لا يرى شيئاً، لأنه غائب اللب، غائب القلب في الكلمة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظروا هذه الصورة، لو أننا أسقطنا هذه الصورة على واقعنا، أحدنا ربما يكون في حالة ما، مثل هذه الحالة, هذا يمكن أن نختصره بلغة العصر بـ"سوء تفاهم" لكن الإنسان عندما لا يكون بصيراً، عندما لا يلتمس لإخوانه عذراً، عندما لا يدقق ولا يحقق، ولا يتبصر, فإنه سوف ينشر الفتنة بين المسلمين لأنه لا يتثبت ولا يتبين، وهذه صورة من الصور التي عاشها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
تواصل عجيب.
من صور التواصل ما حصل مع سيدنا سلمان الفارسي عندما كان أميراً على المدائن، يعني أمير بلاد فارس، سيدنا سلمان وهو أمير بلاد فارس بعد أن فتحها الله سبحانه وتعالى يأتي رجل من أهل الشام لا يعرف أهل فارس، هو ذاهب في تجارة إلى بلاد فارس يريد أن يتجر ثم يرجع، ومعه حمل تين، وسلمان رضي الله عنه لم يكن يتميز عن الناس، إنما كان يلبس كما يلبس الناس، لم يكن يلبس ما كان يلبسه كسرى في فارس، إنما كان لا يستطيع أحد أن يميزه، فأراد هذا الرجل أن يستأجر أحداً ما ليحمل عنه حمل التين، وهو في طريقه ينظر من يمكن أن يقول له: احمل؟ ينظر فيرى قريباً منه سيدنا سلمان، يقول هذا الرجل لسلمان تعال احمل، وهو لا يعرف أنه يخاطب أمير بلاد فارس، ما الذي يقوله سيدنا سلمان، سيدنا سلمان يأخذ حمل التين ويحمله، يفاجئ الناس هذا الرجل الغريب يمشي ويحمل حمله أمير بلاد فارس سيدنا سلمان الفارسي الذي قال فيه رسول الله ( سلمان منا آل البيت) لما اختلف المهاجرين والأنصار والأوس والخزرج وكل يقول بعد غزوة الخندق، بعد أن ظهر فضل سيدنا سلمان وأنه كان السبب الرئيس في هزيمة المشركين، كلٌّ صار يقول: سلمان منّا، فسيدنا رسول الله حسم القضية وقال: ( سلمان منا آل البيت) فلما رأى الناس سلمان وعرفوه وقالوا للرجل هذا الأمير، أنت لا تعرف مع من تمشي، هذا أمير البلاد، هذا الأمير، الرجل ارتبك, وقال وهو يعتذر لسيدنا سلمان لم أعرفك سامحني، يقول سلمان: لا حتى أبلغ منزلك.
سيدنا سلمان يقول: لا..لا... أبداً أين تريد أن أوصله، إلى أي مكان تريد أن أحمله سوف أحمله، بالله عليكم ألا نصغر كثيرًا أمام هذه الصور ويقول له مفسرًا قد نويت فيه نيّة، يعني نويت أن أتقرب إلى الله بهذا الفعل فلا أضعه حتى أبلغ بيتك.
ما هذه الصور، ما هذا التواصل، ما هؤلاء الرجال؟!!
إذا كنا نحن اليوم ندّعي نسبة إلى الإسلام، ندعي نسبة إلى الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وحظنا من الاحتفالات أن نكثر الزينة والأضواء ... والله إن سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام لن يسرَّه أن نضع أعلام خضراء أو حمراء، ولكن يسره أن يظهر فينا خلق واحد من أخلاقه، والله الذي لا إله إلا هو لن يدخل السرور إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكثرنا من الإضاءة في الأماكن المختلفة وأظهرنا أننا نبتهج وسلوكنا يتناقض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصافه وأخلاقه، لكن يدخل السرور على قلبه أن يظهر فينا وصف واحد أو أدب واحد أو سلوك واحد فيه الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ربما نضيء الكهرباء لكن لا ندري أننا عندما نضيء الكهرباء نرتكب معصية، في ظننا نحن نضيء الكهرباء لنتقرب، لكن لا ندري أننا نفعل معصية، يقول قائل: كيف يكون الفرح برسول الله معصية؟
أنا أشرح من خلال العبء الذي وضع على كاهلي, ولم أكن أريده ولا أطلبه, أفاجئ بأن مساجد مدينة حلب يوجد عليها فواتير من مال الوقف الإسلامي الذي وضع من أجل خدمة المسلمين، شركة الكهرباء تطالب الأوقاف الإسلامية بأربعين مليون ليرة سورية فواتير، لأن كل جامع له مخصصات كهربائية، فأنت بحسابك تفرّح النبي صلى الله عليه وسلم لكن في النتيجة أنت تسرف وتكون سبباً من أسباب ضياع المال الإسلامي، فأنت بهذا عصيت الله بدلًا من طاعته، لكن عندما تتقرب بخلق التواضع، بخلق الحلم، بخلق الإكرام، بخلق الإيثار، بخلق التواصل، أنت في هذا تكون قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تكون بهذا قريباً من أوصاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا نحتاج إليه.
لا يكفي اليوم في الدروس فقط نحكي لكم كيف نتوضأ وكيف نصلي، لا ... ينبغي أن نعيد النظر في تواصلنا، أن نعيد النظر في سلوكنا، أن نعيد النظر في آدابنا، أن نعيد النظر في أخلاقنا، أن نعيد النظر في عاداتنا، فإننا بحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد.