وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عنه قال: لمَّا كان يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شهِيدٌ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهِيد, فقال النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (كلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها أَوْ عبَاءَةٍ) رواه مسلم.
كما أن الله سبحانه وتعالى جعل الجهاد نوعين: جهاد النفس، وجهاد المال، فالإنسان يبذل نفسه ويبذل ماله، وهما أعلى أنواع الجهاد، كذلك جعل الله سبحانه وتعالى في مقابل ذلك العدوان على النفس، أو العدوان على المال أكبر الذنوب وأشدّ أنواع الفسوق، ولذلك بيّن: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32].
هذا القانون الذي ورد في هذه الآية يدل على عظم الذنب في التعدي على النفس، ولم يصرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنته التي هي سيدة نساء العالمين الطاهرة المطهرة البتول، لم يصرح حينما تحدّث في خطبته الشهيرة إلا بموضوع السرقة، عندما قال: (وايم الله لو أن فاطمة بنت سرقت لقطعت يدها) فاختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهذا النوع من العدوان والمخالفات دلّ على أنه صلى الله عليه وسلم نبّه بهذا إلى العدوان على المال، ومكانته ومنزلته.
وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى دعا هذه الأمة إلى حفظ النفس، وإلى حفظ المال وفق القواعد الشرعية.
وهذا أمر يتطلب بحوثًا مفصلة، لأن حفظ النفس منه حفظ النفس من الهلاك الجسماني، ومنه حفظ النفس من أن تتلطخ بالمعاصي والظلمات المعنوية، ومنه حفظ النفس من أن تتردى في هاوية السوء حينما لا تكون في أوصافها العليّة بل تكون في أوصافها الدنيّة.
حفظ النفس يكون وفق ما وجّه الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه القائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9، 10] فحفظ النفس بالمعنى الحسي والمعنى المعنوي مطلوب بتوجيه الله سبحانه وتعالى، وكذلك حفظ المال من أن يبذّر، حفظ المال من أن يكون صاحبه مسرفًا، وحفظه من أن يكون مقترًا، وحفظه من توظيفه في غير ما خلق له، وحفظه حينما لا يُعتدى عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء، والله سبحانه وتعالى نسب المال إلى الأمة حين قال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء:5].
إذًا عندما يقوم الإنسان بوظيفته الإسلامية الإنسانية يدرك أنه مطلوب أمام هذين الحقّين طلبًا شديدًا، فهو ينمي المال في الخير وينفق المال في الخير، ويحفظ المال من التلف لأنه يمكن أن يعود على الأمة بالخير، وحينما يُتلفه يكون سبب ضياع المصالح، وكذلك عندما يعتدي على حقوق الناس في هذا المال.
إذًا مبحث مهم جدًا ينبغي أن يقف الإنسان عنده طويلاً، وهو ينظر إلى لقمته التي يأكلها، هل يأكل من الحلال الصرف أم أنّ هذه اللقمة مشبوهة، فإذا كانت اللقمة مشبوهة فينبغي أن لا يسأل نفسه لماذا يفقد قلبه، لماذا قلبه قاسي؟
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل يطيل السفر أشعث أغير يرفع يديه بالدعاء، يقول: يارب يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام وغذي بالحرم فأنى يستجاب له)
وعندما أوصى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا سعدًا قال له: (يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة) إذًا لا يمكن لنا أن نفصل السلوك إلى الله ونحن نوصي بالذكر، ونحن نوصي بالصحبة، ونحن نوصي بقراءة كلام القوم... وننسى الجانب الآخر, وهو أن الإنسان قد يقع في العدوان على النفس والعدوان على المال, فماذا يعني أن يقع الإنسان في عرض أخيه؟ هذا نقّص نفسه، نقَّص نفس أخيه عندما يعتدي على عرضه أو يعتدي على دمه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقرن بين الأمرين، العدوان على الدم، والعدوان على العرض، عندما تتحدث في عرض أخيك، وعندما تنقّص أخاك، وعندما تصف أخاك بما فيه أو بما ليس فيه، إذا وصفته بما ليس فيه فهو البهتان، وإن وصفته بما فيه من العيوب فهو الغيبة، وهذا كلّه من العدوان على العرض، وهذا مرجعه من التنقيص من النفس.
إذًا نسلك الطريق إلى الله سبحانه وتعالى, ويأتي الإنسان يقول: أنا أذكر الله وأبحث عن الصحبة، ولا يدرك أن لسانه قد يكبُّه في النار، عندما يعتدي على حقوق الناس بلسانه ويوقع الفتن بين الناس، الذي يوقع الفتن بين الناس، والذي يقع في أعراض الناس، والذي يعتدي على الناس هذا من أشر الناس.
الخلق عيال الله، لذلك أنفع الناس إلى الخلق أحبهم إلى الله.
إذًا سلوك الطريق إلى الله لا يقتصر على ذكر وصحبه وقراءة في كتب القوم، إنما لابد أن يكون مصحوبًا بحفظ النفس عندما لا يعتدي على الآخرين، حفظ نفوس الآخرين ليس فقط حفظ نفسه إنما مفهوم حفظ النفس مفهوم في الأمة ينبغي أن يكون موجودًا في جماعة المسلمين خاصة.
إذًا حفظ نفوس المسلمين بل حفظ نفوس الناس الذين لا يعتدون عليك ليس لك أي حق في أن تقع فيهم أبدًا، وكذلك حفظ أموالهم.
فعندما يستصحب السالك إلى الله هذين الأمرين سرعان ما يكون وصوله سريعًا بخطوة وخطوتين يكون عارفًا، يصبح من أهل المعرفة بالله.
الطريق إلى الله قصير غير طويل، لكن ينبغي أن يكون بشرطه, فإذا كان الطريق بشرطه يصل إلى الله تبارك وتعالى دون أي تأخر, ولا يكون بينه وبين الوصول إلى معرفة الله أي عائق.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيل العوائق في الطريق إليه، إنه سبحانه وتعالى نعم المجيب. |