الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
باب المجاهدة- الحديث الرابع والخامس
التصوف
جامع العادلية
18/10/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
الرابع: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟! /متفقٌ عليه، هذا لفظ البخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة.
الخامس: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ. /متفقٌ عليه.
والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان، والمئزر: الإزار، وهو كنايةٌ عن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة، يقال: شددتُ لهذا الأمر مئزري، أي: تشمَّرْتُ، وتفرَّغتُ له.
أورد الإمام هذين الحديثين في باب المجاهدة، وهو صلى الله عليه وسلم أكملُ الخلق، وهو لا يحتاج إلى مقاومة نفسه ومجاهدتها لأنها تأبى شيئًا، فدلَّ هذا على أن المجاهدة نوعان:
الأول: مجاهدةٌ يقاوم فيها النفسَ، حتى لا تغلبه، وحتى تبقى روحُ العبد مهيمنةً على النفس، وهي مجاهدة أهل البدايات، ونهايةُ هذه المجاهدة الجمعُ على الله، وهو غيبةٌ عن الخلق وعن الحسِّ.
الثاني: المجاهدة بالله، فقد رجع بالله إلى حسِّه، وهو المعبَّرُ عنه في اصطلاح القوم بالفناء بالأحكام.
فإذا صام العبد أو قام أو ذكر ليُقيمَ حكمَ الله على حسِّه - لأن المجموعَ غائبٌ عن الحس، ولا يعطي الحسَّ قيمةً – فهو في مجاهدة بالله.
أما في النوع الأول فيجاهد لإقامة حكم الله على يده، ولإقامة حكم الله على رجله ...
فليس فقط من الناس من يجاهدون ليقيموا حكم الله على الأرض، فهذا أيضًا يجاهد ليقيم حكم الله على جوارحه، فإذا غض البصر فقد غضَّه بالله، لا لأن نفسه تطلب ذلك، إنما ليقيم حكم الله على بصره، وإذا تكلم فما فعل ذلك لأنه يريد أن يسكت عن الشرع بل ليقيم حكم الله على لسانه، وإذا تزوج فذلك ليقيم حكم الله الذي هو اللباس الذي امتدحه الحقد{ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [ البقرة: 187 ] وإذا جاع فأكل فذلك ليقيم حكم الله في أكل الطعام الحلال وليقيم حكم الله على جوفه ... فهو يقيم دولة الله على جوارحه وعلى بدنه.
فلا نستغرب أن يورد الإمام النووي رحمة الله عليه هذه الأحاديث في باب المجاهدة، ويحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمجذوب لا يبالي بأيِّ شيءٍ يحصل معه في الحسِّ، لكنه ينـزل إلى الحسِّ ليقيم حكمَ الله عليه، وهذا أعلى درجات الكمال.
والأمثلة الفرعية التفصيلة على هذا الكلام كثيرة، لكنْ في هذا القدر المجمل كفاية، والحمد لله رب العالمين.
أعلى الصفحة