بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الحديث عن مكانة أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ورضي الله تعالى عنهم ألحقهُ عُلماء العقيدة بمباحث العقيدة، لأنه مما يميز أهل السنة والجماعة، فباعتبار شهادة الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم وما صحَّ في السنة المطهرة يكون اعتقادنا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من السمعيات، أي مما سمعناه خبراً لا من طريق العقل، وصدّقنا به، ولكن ألحق هذا الموضوع بالعقائد مع أن العقائد تتحدث أصلاً في الإلهيات والنبويات.
والمقصود بالسمعيات ما ورد في السمع والنقل من الإخبار عن الغيب، الأصح أن الإلحاق حصل لتبيين ما يميز أهل السنة والجماعة.
وقد تحدثنا فيما مضى عن أوصاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى أن صفوة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وصفوة العشرة باتفاق أهل السنة والجماعة الخلفاء الأربعة الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى لتثبيت دعائم الدين بعد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)
ولئن كان الحديث عن سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنه حديثاً مختصراً كما أسلفت في الدرس السابق، فإن الحديث عن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه ما أظن أنه من السهولة اختصاره، فعمر رضي الله عنه مالئ الدنيا وشاغل الناس.
عمر رضي الله تعالى عنه الذي كان يُكافَأ في مكة بفرعون الأمة أبي جهل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى يسأله أن يهدي أحبّ الرجلين إليه، فكان هذا الدعاء من حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصيب سيدنا عمر.
فرعون هذه الأمة عندما يقابل بعمر، هذا يعني أننا في التقابل بين الإمام المعتبر الذي يذكرنا بموسى عليه الصلاة والسلام في مقابل فرعون، وقد ورد في الحديث : (لو كان نبي بعدي لكان عمر)
زدّ على ذلك أن خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه بعد أبي بكر كانت أطول من خلافة الصديق، إذ الصديق رضي الله عنه كانت خلافته في حدود السنتين أما عمر رضي الله عنه فقد امتدت خلافته إلى ما يقرب من اثني عشر عاماً.
وقد أردت في هذا المبحث أن لا أقدّم الرأي بمقدار ما أستعرض النص، لأن الرأي قد يختلف فيه الرجال، لكن عندما نرجع إلى النص فنحن أمام وحي، ولهذا آثرت أن أقرأ على مسامعكم من الأخبار والأحاديث التي تُظهر مكانة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه.
يروي البخاري ومسلم عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ) يعني يلبسون قمصانًا (مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ) يعني الصدر، قميص غير طويل (وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ) هناك من يلبس قميص قصير إلى الصدر، وآخر يصل إلى البطن ، وآخر يصل قميصه إلى فخذه...
يقول صلى الله عليه وسلم:(وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) هذا في رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيا الأنبياء حق، وقد علمنا ما حصل في رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكيف أنفذها.
قال صلى الله عليه وسلم: (وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) يعني من كثرة طول هذا القميص الذي يلبسه عمر رضي الله عنه، وعمر كان عملاق، سيدنا أبو بكر مربوع القامة، لكن سيدنا عمر طويل، ضخم الجسم، ومع ذلك يلبس قميصاً ويجره، والقميص أطول من قامته (قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟) أي: ما تفسير هذه الرؤيا؟ ما تأويلها يا رسول الله، أخبرنا، الناس يلبسون القمص القصيرة وعمر يجر قميصه قال صلى الله عليه وسلم: (الدِّينَ)
فدين عمر رضي الله عنه تميّز، لأنه كان صاحب الإتباع والاقتداء، والاهتداء، وكان رضي الله تبارك وتعالى عنه كان شديد الحِرص على التمسك بالدين.
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ)
النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الرؤيا: واقف أنا وأنزع من البئر الماء واسقي الناس.
قال: (ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ) يعني سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، أخذ عنه هذا النزع من البئر وسقاية الناس (فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنْ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ) يعني ينزع بقوة ويسقي بقوة (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) يعني حتى الإبل، وليس فقط الناس شربوا، إنما شربت دوابهم .
الإبل مكان مبركها هو العطن، فرويت الإبل من كثرة ما شربت، فسقى الناس وسقى رواحلهم.
ومعلوم عند العلماء أن هذه الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يؤلها فقد أولتها الأحداث، لأن الذي أخذ سقاية الناس بالخلافة أبو بكر رضي الله عنه ثم أخذها عنه سيدنا عمر، وكان زمن خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث رؤيت عزّة الإسلام ونظِّمت دولة الحق.
ويقول سيدنا عبد الله عباس رضي الله عنه عالم الأمة وحبرها يقول: "اسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ" الصحابي الجليل الذي هو الحر استأذن لشخص اسمه عُيينه "فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَ اللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ" يعني هو يقلب الحقائق، فيقول: أنت لا تعطينا من الأموال الكثيرة التي تأتي من الفتوحات ولا تعدل بيننا "فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ" الهمّ هو أقل درجات الإرادة، بعد الهمّ يأتي العزم، ثم تأتي النيّة التي تقترن بالعمل "حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ, فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ" عندما رأى سيدنا عمر أن هذا الرجل يكذب لأن عمر كان يحكم بكتاب الله، أراد سيدنا عمر أن يعاقبه فقال له: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾.
الحر قالها وليس عُيينة السفيه، وقال: "وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ" يعني أعرض عنه يا أمير المؤمنين، فهو يعطيه النص القرآني ويطلب منه التطبيق.
يقول سيدنا عبد الله بن عباس: "وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاهَا عَلَيْهِ" بمجرد أن سمع القرآن تأدب مع القرآن, ولم يتجاوز هذه الآية حتى عاد إلى ما كان عليه وكأن شيئاً لم يكن.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "وكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ"
يعني إذا سمع من القرآن آية، أو ذكّره أحد بآيه ... خلاص انتهت هذه القصة، لا يمكن أن يُعمل رأيه أمام نص، هذا وصف المقربين الذين ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم/58].
فهو لا يقيم لرأيه وزناً أمام كلام الله تبارك وتعالى.
أنا أتعجب! اليوم هناك من ينتسب إلى الإسلام ويسمع آيات القرآن، وبعد سماع آيات القرآن تجد أنه يتجاوزها، الله يقول وهو يقول، ثم يقدّم قوله على قول أحكم الحاكمين، ويجاوز ما قاله الله تبارك وتعالى، وهذا من أعجب ما يُرى في هذه الأمة، انتماء بالهوية إلى الإسلام لكن المضمونات مشكوك فيها.
وهذا الحديث الذي رواه ابن عباس هو في صحيح البخاري أيضاً.
أما سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك غلام معلّم) شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم باستعداده وأهليته العلمية، يقول رضي الله عنه: (ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر)
أي كان إسلام عمر سبب عزّة للإسلام والمسلمين، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام أعظم من عمر، وأعظم من الدنيا، وأعظم من الكون، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يلتزم السنّة الكونية.
ينظر إلى أصحابه فيرى فيهم ضعفاً، لكن لما جاء عمر رضي الله عنه، وهو يمثل قوة بشرية حسيّة ومعنوية، ولذلك عندما كان الأصحاب يهاجرون، كانوا يهاجرون سراً، لكن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر أعلن أمام كل الناس من أراد أن تثكله أمه فليتبعني.
قال: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) وهذا أيضاً في صحيح البخاري.
وكان زمان خلافته يخرج في سواد الليل في خدمة العجائز، فقد خرج مرّة في سواد الليل فرآه سيدنا طلحة أحد المبشرين بالجنة، فذهب عمر فدخل بيتاً في الليل، خليفة المسلمين الذي كان في زمان خلافته يُصدر أمراً إلى آخر العراق وإلى الشام، وإلى مِصر فينفّذ أمره، يخرج في سواد الليل عمر بن الخطاب، غير نائم على فراش وثير والرعية في شؤونها، إنما كان يخرج في سواد الليل، يقول طلحة وهو يروي ذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل آخر فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، ما الذي في هذا البيت الذي يذهب عمر رضي الله عنه في الليل إليه؟ فإذا بعجوز عمياء مُقعدة فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا وكان يأتيني بما يُصلحني ويخرج عني الأذى، وهي لا تعرف من هو.
عمياء عجوز مقعدة، قالت: هذا رجل أعطاه الله العافية يأتي منذ زمن طويل يأتيني بما أحتاج إليه ويخرج الأوساخ من البيت، فالذي يوجد حولي من الأذى، وتعرف ما معنى مقعدة وعمياء، يدخل سيدنا عمر أمير المؤمنين ينظف البيت، يعطيها ما يصلحها وهي لا تعرف أنه أمير المؤمنين.
ليت هذه القصة توزع على حُكام العالم الإسلامي.
وبعد أن طَعنه أحد الموالي كما هو مَعلوم رأى سيدنا العباس عمّ النبي عليه الصلاة والسلام أن وجود الموالي في المدينة المنورة, وهم حديثو عهد في الإسلام يشكل خطراً على الإسلام، ويشكل خطراً على شيوخ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصوروا إنسان مطعون من أحدهم ويأتي العباس رضي الله عنه يقول له: لماذا لا نخرجهم من المدينة، ما تقول؟ أو لماذا لا نقتلهم بعد أن رأينا منهم الخيانة، لماذا لا نقتلهم ونطهر المدينة منهم؟.
تصوروا هذا الموقف، عمر رضي الله عنه قد طعنه أحدهم ويأتي العباس ويقول: تأذن لنا أن نقتلهم ونطهر المدينة منهم، هؤلاء حديثوا عهد بالإسلام جاؤونا من الفرس وجاؤونا من أماكن مختلفة ولا نحتاج إليهم.
ماذا أجابه سيدنا عمر؟ قال: بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم، هؤلاء تلبسوا بظاهر الإسلام فيكف يمكن لنا نؤذيهم أو نقتلهم؟ وهو على فراش الموت, وقد طعنه أحدهم، وهذا في صحيح البخاري أيضاً.
ويروي البخاري عن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ يقول: قال عمر: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ غُلامُ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا.
يعني كنت كل ما أنظر إليه وأمرُّ به أوصي به خيراً، وأكرمه وأعطيه من المعروف ما شاء الله، قَالَ: لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الْإِسْلامَ.
قال الحمد لله ما قتلني شخص من شيوخ الأصحاب ولا من المشهود لهم إنما قتلني كافر مجوسي.
ثم قال له: (قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ) يعني إن شئت قتلنا كل من جاء منهم، فقال: (بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ ؟) وهذا في صحيح البخاري.
كان رضي الله عنه شديد البكاء، وكان ربما يقرأ الآية مع شدته وحدَّته، كان يقرأ الآية فتخنقه فيحن ويئن، وكان يُرى في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء، كان مع قوته، مع حدّته، مع شدّته لكن عندما يقرأ القرآن يَغيب في البكاء.
ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: صليت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف.
أما سيدنا علي رضي الله عنه وهذا ينبغي أن يُحفظ، والحديث الذي أرويه الآن عن سيدنا علي رضي الله عنه حديث صحيح في صحيح البخاري.
نظرَ سيدنا علي رضي الله عنه إلى سيدنا عمر بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة وهو مسجى على سريره.
ماذا قال سيدنا علي رضي الله عنه؟
ترحم عليه وقال: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ.
على وجه الأرض لا يوجد شخص أتمنى أن ألقى الله بمثل عمله، ما بقي على وجه الأرض أحد بعد أن متّ، فـأنت في نظري الذي أحبُّ أن ألقى الله بمثل عمله، وهذا حديث متفق عليه، هذه شهادة من سيدنا علي رضي الله تعالى عنه.
هذه مصادرنا لما ننقل ليس فيها كذب، ليس فيها وضع، ليس فيها دجالون، ننقل بالأسانيد الصحيحة، علم الجرح والتعديل عندما نقول: حديث صحيح، أو نقول رواه البخاري أو مسلم هذا خضع لاختبارات كثيرة حتى قيل فيه صحيح، القضية ليست قضية قيل وقال، فسيدنا علي رضي الله عنه نظر, وقال: بعد ما رحلت يا عمر ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك.
وهذه رواية الحديث بالتفصيل: يقول ابن عباس رضي الله عنه -وهو من آل بيت رسول الله صلى اله عليه وسلم-: (وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) أمسك بكتفه كأنه يريد أن يشهده حتى يروي هذا الموقف، حتى تسمع الأمة إلى آخر الزمان بهذا الموقف.
قال: (فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ أنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَهَبْـتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُـمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ)
يقول سيدنا علي رضي الله عنه كنت أتوقع أن تبقى حتى بعد موتك مع صاحبيك، لأنك لم تفارق رسول الله حال حياته، كنتما أنت وأبو بكر رضي الله عنكما لا تفارقان النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أتوقع أن تبقى بعد موتك قريباً من صاحبيك، وهكذا كان، فلم يفارق صاحبيه حتى بعد وفاته رضي الله عنه، وأكرمه الله سبحانه وتعالى والأمة كلها تزور سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام وتسلم على سيدنا أبي بكر، وتسلم على سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه.
ويروي البخاري عن أَسْلَمَ قَالَ: (سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ يَعْنِي عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ).
أي كان كثير الكرم.
يوم أحد حين أصيب المسلمون وكان ما كان، نادى من صف المشركين أبو سفيان: أفي القوم محمد صلى الله عليه وسلم؟ وكرّر ذلك ثلاثة مرات فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، لا تردوا عليه، ثم قال: أفي القوم أبن أبي قحافة ثلاثة مرات يعيدها ولا يسمع جواباً، ثم قال: أفي القوم بن الخطاب؟ حتى الأعداء كانوا يعرفون المكانة لسيدنا أبي بكر ولسيدنا عمر عند رسول الله صلى الله عليه وعند المسلمين، قالها ثلاثة مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا.
يقول أبو سفيان معلناً في صفوف المشركين إن الثلاثة، يعني سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر قتلوا، فأجابه سيدنا عمر رضي الله عنه من بين صفوف المؤمنين قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك.
وهذا حديث رواه الإمام البخاري أيضاً عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.
وأخرج أحمد في مسنده عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فِيهَا فَقَالَ أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ) يعني: أنفس مال ملكته في حياتي (فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟) لم يفكر أن يعمل مزرعة صيفية يذهب إليها ، بل ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: هذا أنفس مال عندي ما الذي تأمرني يا رسول الله أن أفعل به؟ (قَالَ إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) وهذا أصل في الوقف، يعني اجعل هذه الأرض وقف للمسلمين ( قَالَ فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ..) هي لله، فحبسها عمر لله، وبقيت منفعتها لأمة الإسلام.
ولما مات عمر وهو خليفة المسلمين الذي بيده مفاتيح الأرض وقتها، عندما قتل شهيداً وكان عليه ديون كثيرة،خليفة المسلمين الذي بيده مفاتيح الأرض يموت، يقتل شهيداً وعليه ديون.
يروي البخاري عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قال عمر: (يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) يعني بعدما طعن (انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ) هو يريد أن يفارق الدنيا لكن الديون أمانات ينبغي أن ترد، (فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا) عليه ست وثمانون ألف دينار دين، ومن هو؟ خليفة المسلمين، أمير المؤمنين، عليه دين.
قال: (إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) يوصيه يقول له: إذا كان ذريتي أموالهم تكفي فأوف الديون من أموال ذريتي، وإلا, أي: إذا أنفقت أموال ذرية عمر رضي الله عنه ولم تكف (وَإِلا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ) يعني في عشيرته، في قومه، يعني أقرباء الخليفة يصبحوا فقراء من أجل أن يسدّوا الديون، هكذا يفعل حُكام العالم الإسلامي اليوم أليس كذلك؟ الذي يصبح حاكم يفتقر هو وعشيرته، قال: (وَإِلا فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ وَلا تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ).
قال: أول شيء تبحث في ذرّية عمر، إذا لم تكفي تذهب إلى بني عدي، إذا لم تكفي اذهب إلى القرشيين إن شاء الله يكفي.
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَتْ امرأة عمر لعمر: (عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ) يعني من كثرة ما تراجع النبي عليه الصلاة والسلام وتناقشه في المسألة يبقى يوم كامل غضبان منها، وأنت لا تريد أن نراجعك في شيء (فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ, فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ... ثُمَّ خَرَج حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَكَلَّمها فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَبْتَغِيَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ؟
سيدنا عمر لم يفعل هذا من باب التدخل، بل يريد أن يعود إلى البيت ويعرف كيف يتصرف حتى لا يتجاوز فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قال عمر: فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ). رجعت إلى البيت وغيرت سياسة المعاملة بعد أن سمعت ما سمعت من حفصة وأم سلمة، أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، وهذا في صحيح البخاري.
وكان رضي الله عنه شديد الغيرة على نسائه ولكن مع شدة الغيرة لا يقدر على منعهن من الخروج من المنزل أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهذا في صحيح البخاري، لأنه قيل لزوجة عمر لمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).
ولما قدم رضي الله عنه الشام في القصة الشهيرة المعروفة لما ذهب من أجل أن يأخذ مفاتيح بيت المقدس عرضت له مخاضة، يعني حفرة ماء فيها طين وينبغي أن يعبُرها، فنزل عن بعيره حتى يعبر المخاضة على قدمية خشية أن يكون متكبراً.
فنزل عن بعيره ونزع خفيه، خلع النعل فامسكهما، يعني خاض حافياً، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال: أبو عبيدة رضي الله عنه : لقد صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، يعني كأن سيدنا أبا عبيدة يريد أن يقول له: أنت أتيت حتى تستلم في الشام في بيت المقدس مفاتيح بيت المقدس، وأمامك الناس كلهم ينظرون إليك وأنت تفعل هذا؟ وكل دهاقنة الشام والقسس يقفون وينظرون إليك؟
فصكّ في صدره، سيدنا عمر ضرب سيدنا أبو عبيده في صدره وقال: لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله برسوله، فمهما تطلب العزّ بغيره يذلكم الله.
وفي رواية أخرى لما قدم عمر الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برزوناً يعني حصان أو فرس مرتب، أنت أتيت فاتح، أنت الآن أكبر شخصية في العالم، لو ركبت برزوناً تلقاك عظماء الناس ووجوههم، فقال عمر: لا أركم ها هنا، إنما الأمر من ها هنا، وأشار بيده إلى السماء.
قال أنا لا أراكم، أنا أراقب السماء لا أراقب الأرض خلوا سبيل جملي.
ولما طُعن رضي الله عنه قال: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلامَ وَلا تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا.
وهذا يؤصِّل أصلاً، يعني أنا لم أعد اليوم بعد الطعن ما عدت أقدر على أن أصدر أمراً، زوال الأهلية، فهو يخاف أن يذهب ابنه ويقول: أمير المؤمنين يقول لك يا أم المؤمنين عمر يستأذن.
قال: لا تقل أمير المؤمنين، أنا لم أعد الآن أمير المؤمنين، انتهى دوري، قال: فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
"مرَّ يومًا على مزبلة فاحتبس عندها, فتأذى أصحابه بريحها، فقال: هذه دنياكم التي تحرصون عليها" أي: أتحبُّون أن تروا الدنيا؟ هذه هي دنياكم.
فأراد أن يمثل لهم بمثال واقعي، وهذا يستفيده سيدنا عمر من فعل النبي عليه الصلاة والسلام لأن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان عندما يريد أن يمثّل لهم الدنيا، تارة يقول لهم: جناح بعوضة، تارة يمسك بأذن الجدي المشوّه، النبي عليه الصلاة والسلام دخل السوق والأصحاب يبيعون ويشترون، فأمسك جدْياً أسك، يعني مُشوه، أذناه مقطوعتان، وهو ميت فقال صلى الله عليه وسلم: (من يشتري هذا بدرهم؟ قالوا يا رسول الله لو كان حياً لكان عيباً، يعني إذا رآه أحدنا حيًا لا يشتريه فكيف وهو ميت؟! فلما أثار سول الله اشمئزازهم من هذا المشهد، قال: (للدنيا أهون عند الله من هذا عندكم)
وهكذا فعل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه حيث أوقف الناس عند المزبلة فقال: هذه دنياكم.
سيدنا عمر لا يمكن أن يُتحدث عنه بكلمة ولا بعشرين كلمة، لكن قطوف من أجل أن نعود إلى أنفسنا لنوقف أنفسنا أمام هذه النماذج، أنا لا أحكي لكم عن رسول، ولا أحكي لكم عن نبي، أحكي لكم عن رجل من الأمة، وهكذا عندما نجد شخصاً ليست العصمة له ولكنه كان وقافاً عند كتاب الله، كان في حالة على ما رأينا من الاستقامة، والأمانة، والتواضع والزهد، والترفع على الدنيا، والاعتزاز بالله تبارك وتعالى،... فمثل هذا النموذج عندما نضعه أمامنا فإننا نراجع حساباتنا الشخصية، كل واحد يراجع حساباته الشخصية ويقول هذا نموذج غير معصوم، الرسل والأنبياء لهم العصمة، لا يستطيعون أن يعصوا، لكن هذا النموذج الطائع المقتدي، المهتدي بالله تبارك وتعالى وبرسوله، هذا نموذج يجب أن نضعه أمامنا، في زمن المادية في الزمن الذي أصبح الناس فيه يجتذبون الدنيا، كما قال الإمام الشافعي:
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها
الآن الناس أصبحوا يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، وليس بدنياهم، كما قال القائل رحمة الله عليه قال:
نرقِّع دُنيانَا بتمزيقِ دِينِنَا فَلا دينُنَا يبقى ولا ما نُرقِّع
نأخذ قطعة من ديننا ونضعها رقعه لدنيانا.
ففي هذا الزمان الذي أصبح المؤمن فيه غريباً، أصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، في مثل هذا الزمان يحسن أن نذكر هذه النماذج لعلنا نعيد الحسابات في معاملاتنا الشخصية، في رؤيتنا، فيما نرجوه من تخطيط وتدبير.
هل الدنيا هي أكبر همّنا اليوم أم لنا رسالة؟
هل يعيش الإنسان المسلم اليوم وهو يحمل رسالة ما, أم أنه يعيش ليأكل ويشرب؟
هناك من يعيش ليأكل، وهناك من يأكل ليعيش، فارق كبير بين من يعيش ليأكل وبين من يأكل ليعيش، الفرق كبير.
المؤمن له رسالة عظيمة، فعندما نرى هذه النماذج فإننا قد نغيِّر من أحوالنا وقد نتأثر مما نرى من هذه النماذج التي هي ثمرات عمل الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }[الفتح:29]
|