الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم الحديث السادس
رياض الصالحين
درس الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في جامع العادلية بحلب
3/2/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
قال وعن معاذٍ رضي اللَّه عنهُ قال : بعَثني رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلى اليَمن فقال : (إِنَّكَ تأْتي قَوْمًا منْ أَهْلِ الكتاب ، فَادْعُهُمْ إِلى شَهَادةِ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللَّه ، وأَنِّي رسولُ اللَّه ، فَإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذلكَ ، فَأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه تَعالى افْتَرَض عَلَيْهِمْ خمْسَ صَلواتٍ في كلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ ، فأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه تَعَالى افْتَرَض علَيْهِمْ صَدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهم فَتُردُّ عَلى فُقَرائِهم ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلَكَ ، فَإِيَّاكَ وكَرائِم أَمْوالِهم وَاتَّقِ دَعْوةَ المظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) متفقٌ عليه .
هذا حديث جليل في منهج الدعوة والتربية، الحبيب صلى الله عليه وسلم يرسل من أصحابه صحابياً قال له يوماً من الأيام: (يا معاذ إني أحبك) يرسل من يدعو إلى الله تعالى وهو موصوف بالمحبوبية، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب شخصاً لطبعه أو لحسنه البشري، إنما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه يرى فيه محبوبية الله تبارك وتعالى له { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الاتباع وأنه بهذا الاتباع حائزٌ على محبوبية الله تعالى، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه الله، وبعد ذلك فإنه أرسله إلى قوم من أهل الكتاب, ولم يقل له اتركهم على دينهم، إنما قال: له ادعهم إلى الإسلام، فهو يعلمنا أن لا نكره أحداً على الإسلام لكننا ندعو الجميع إلى الإسلام { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] هذا منهج وسلوك، لكن الدعوة موجهة إلى كل البشر بما فيهم أهل الكتاب، فينبغي علينا أن نشرح لهم عقيدة الإسلام.
أول خطوة في الدعوة تثبيت الإيمان بالله تبارك وتعالى في القلوب، هذه أول خطوة قبل أن يتحدث مع الناس في الحلال والحرام، يجب أن يصل القلوب بربها، ويوجه القلوب إلى باريها، إلى صانعها، إلى مبدعها، يذكر القلوب بوحدانية باريها, وأنه وحده الذي له مقاليد السموات والأرض، لا يرفع غيره، ولا يخفض غيره، ولا يعز غيره، ولا يذل غيره، وليس في الكون مؤثر معه، فإذا اطمأنت القلوب إلى وحدانية الله تبارك وتعالى، وتوجهت إليه، ورسخ فيها الإيمان، وصح فيها التوكل، فإنها بعد ذلك تنتظر ما يمليه عليها هذا الصانع الواحد سبحانه، توجهت إلى الواحد لكنها تنتظر من الواحد توجهاً، وتوجه الواحد إلى البشرية كان بإرسال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ علمنا منه صلى الله عليه وسلم ما يريد الله تعالى منا، ولذلك رتب الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان بالله، ثم بعد ذلك وجَّههم إلى العبادة الروحانية التي يكررها الإنسان في اليوم خمس مرات، هذا التكرير إنما هو تذكير وتنوير {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29] فكل مخلوق محتاج إلى الله، فهذه الصلاة التي يكررها المسلم المؤمن في اليوم خمس مرات تذكره بحاجته إلى الله، تذكره بعبوديته لله، يقول فيها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فيلتزم العبودية لله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن تظهر العبودية في إنسان حتى يكون في موقف العبدية بين يدي الله تبارك وتعالى في الصلاة، إذ الصلاة هي التي تُنتج في الإنسان حسن الأوصاف، لذلك قال سبحانه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإذا صحَّت الصلة بالله تبارك وتعالى، وحسنت الأحوال أنتج حسن الأحوال حسن الأفعال.
إذاً أول ما ينبغي على الإنسان أن يفهمه من هذا الحديث ويتعلمه، أن أول شيء ينبغي البدء به في الدعوة إلى الله هو تثبيت الإيمان في القلوب, وتوجيه القلوب إلى الله تبارك وتعالى، فإذا توجهت القلوب إلى الله تبارك وتعالى عند ذلك تقول: يا ربنا ماذا نفعل؟ فيأتيها الأمر من الله تبارك وتعالى من خلال توجيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وتقريراته وما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
ثم يأتي بعد ذلك تدريب باطن الإنسان على الوصال، لينتقل من القطيعة المادية إلى الوصال الروحاني، فإذا صح هذا الوصال الروحاني انطلق منه إلى التطبيقات العملية، التطبيقات العملية لا يكون الاختبار فيها صحيحاً حتى يُختبر الإنسان في المال، وذلك لأن النفس جبلت على حب المال {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] أي: يحب المال، فالصراع بين النفس والروح يظهر عندما يُختبر الإنسان في ماله، لأنه يصلي ويصلي ويصلي، ومن المفترض أنه حينما تصح صلاته تنتصر الروح على النفس، لكن إذا كانت صلاته خامدة خافتة ليس فيها حياة ولا حيوية، ليس فيها نور الوصال، لن تنتج استقامة في المال والمعاملة، ولهذا جاءت مرتبة على وصال الروح، فإذا دخل الإنسان في الوصال الروحاني -الوصال الروحاني دعاوي يمكن أن يدعيها الإنسان- فنقول له: تعال إلى الاختبار, الاختبار لا يظهر إلى عند المال كما قال أبو العلاء المعري:
سَبِّح وَصَلِّ وَطُف بِمَكَّـــــــــــــــةَ زائِراً سَبعينَ لا سَبعاً فَلَستَ بِناسِكِ
جَهِلَ الدِيانَةَ مَن إِذا عَرَضَت لَهُ أَطماعُهُ لَم يُلفَ بِالمُتَماسِـــــــــــــكِ
لما سئل رجل عن رجل آخر, فأثنى عليه أمام سيدنا عمر رضي الله عنه, قال له سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ قال: لا, فقال سيدنا عمر: ما عرفته, لأنه عند الاختبار المالي تظهر المعادن, وكم رأينا ممن اشتغلوا بالأوراد, وبدؤوا يذكرون الاسم الأعظم, وبدؤوا يتحدثون بالفرق والجمع, بمجرد أن وقفوا أمام اختبار مالي صغير سقطوا في الحال, ولذلك القضية ليست كما يقال: هذا دخل الخلوة, هذا يصلي, هذا..... نقول: لا لا, الأمر معكوس لا نستطيع أن نتعرف نجاح التجربة الروحانية, أو نجاحه في الوصال الروحاني حتى ننظر في معاملاته المالية, فإذا رأينا أن روحه قد انتصرت على نفسه في معاملاته المالية عند ذلك نقول: إنه نجح, إذاً إذا ذكر الإنسان الاسم الأعظم ثم رأيناه يَفسد أو يُفسد أو يضطرب سلوكه, فهذا لا يعيب منهج الروح, ولا منهج التربية, إنما هذا الفشل الذي ظهر قد أظهر عوار هذا الذي توهم وأوهم نفسه وإخوانه أنه قد نجح في وصال الروح, فعندما يأتي شخص ويأخذ الأوراد ويسلك طريق التربية هذا ليس بالضرورة أن يكون ناجحًا, سلوكه لا يعني نجاحاً, الذين يدخلون الامتحان الروحاني والاختبار الروحاني يدخلون بالمئات لكن الذين يخرجون منهم بنجاح بالعشرات, فانتبهوا يا إخوتي, وإذا أراد كل واحد منا أن يتعرف إلى نجاحه في تجربة الروح, أو في وصال الروح, فإن عليه أن ينظر إلى معاملاته المالية, فإذا وجد الاستقامة على أمر الله فيها, فليفهم أنه قد نجح في وصال الروح, وإذا رأى أنه مضطرب في المعاملات المالية عند ذلك عليه أن يعيد مرة ثانية وثالثة ورابعة أن يعيد تثبيت باطنه في حقائق التوحيد والتوجه إلى الله تبارك وتعالى, يقول قائلهم:
قلت: خذ روحي فقال: الروح لي خل دعواها وهـــــــــــــات الجـــــسدا
الدعاوي سهلة, ولكن عند الاختبار تظهر الحقائق, فإذا رأيناك عند الاختبار قد بعت نفسك ومالك لله حقيقةً {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111] هذا انتصار الروح, انتصار الروح عندما يبيع النفس والمال لله, وهكذا يفهم الإنسان الصادق من الكاذب.
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باعوا أنفسهم وباعوا أموالهم, تركوا أموالهم وتركوا أوطانهم, بذلوا الجهد في الوقت بذلوا الجهد في المال, بذلوا الجهد في كل ما آتاهم الله سبحانه وتعالى, لكن نجد شخص مسبحته طويلة, ولكن عندما ننظر إليه في المعاملات نرى أنه خمول كسول لا يبذل لله تبارك وتعالى, متعلقٌ بالدنيا عندما يُدعى إلى البذل من أجل الله سبحانه وتعالى ورسوله تراه هارباً وفاراً من الطريق الذي ينشر النور في الأرض, هذا لا يمكن له أن يخدع نفسه ويقول: أنا بعت نفسي ومالي لله, نقول له: لا تضحك على نفسك, إذا ضحكت على الناس وصدقوك, فعلى الأقل اصدق مع نفسك, وقل: أعترف أمام نفسي أني مهزوم لست منتصرًا, والمهزوم أمام نفسه مهزوم أمام كل الناس, فإذا صح كل هذا إذا صح صدق توجه القلب, واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحت عبادة الروح ووصالها, وصح بذل المال, فعليه أن يلاحظ المظالم, فإن الإنسان ربما يجتاز كل هذه العقبات, ثم يقع في عقبة المظالم.
قد تغتاب الناس بلسانك فيكبك لسانك في النار, ماذا استفدت؟ كل ما حصلته ضاع, هذا هو المفلس الذي حكى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي يوم القيامة, وقد شتم هذا, وضرب هذا, وأكل مال هذا, فيؤخذ من حسناته, ويوضع في موازينهم حتى إذا لم يبق له حسنات أُخذ من سيآتهم ثم وضعت عليه ثم أمر به فكبكب في النار, المعاملة بيننا وبين الحق سبحانه وتعالى تبنى على المسامحة, وأما المعاملة مع الخلق فتبنى على المشاححة يعني الخلق لا يسامحونك, إنما الحق يسامحك, خاصة في يوم يقول كل الناس فيه: نفسي نفسي نفسي, لا أحد عنده استعداد أن يتخلى عن حسنة واحدة, لا أحد عنده استعداد أن يرى دينًا له عندك وهذا الدين ممكن أن يدخله الجنة, وكل الناس يصيحون: نفسي نفسي, ما الذي يخلصك من بين يديه في هذا الوقت العصيب, وأنت قد اغتبته, انتبه, لسانك هذا ربما يقودك إلى ورطة كبيرة ويدك ورجلك وكل ما تفعله إذا كان فيه ظلم للناس يمكن أن يقودك إلى ورطة توقع الإنسان في عذاب الله تبارك وتعالى, ولذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الترتيب لكي نلاحظه في سلوكنا التربوي, وفيما نريده من أجل النجاة والفوز {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] هذا يكون بمنهج تربوي هذا المنهج التربوي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين علم سيدنا معاذ رضي الله عنه كيف يدع الناس وكيف يربيهم في طريق الدعوة إلى الله, وطريق القرب لذلك فهذا درس عظيم والنبي عليه الصلاة والسلام قال: واتق دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب لأن العذاب قد يأتي في الدنيا معجلاً وقد يؤخر إلى الآخرة لكن المظلوم لا يرد الله تبارك وتعالى له الدعاء, يمكن أن يظلم الإنسان الناس بلسانه, يمكن أن يظلم الناس بقلمه, يمكن أن يظلم الناس بأفعاله, لذلك فلينتبه الإنسان, وينبغي عليه أن لا يتسرع فيما يتعلق بالناس, عليه أن يلاحظ حقوق الخلق, وأن لا يقع في هذه الورطة الكبيرة بظلمه للناس.
(واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) لو أن هذا المنهج أخذ بعين الاعتبار لكان الصلاح عامًا في مجتمعنا, لو أننا نعتني بهذا المنهج وبهذا الترتيب, فسيكون هناك صلاح عام في مجتمعنا.

أعلى الصفحة