الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
رسالتنا إلى العالم الإسلامي - الحلول المقترحة - الجزء الثاني
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
24/3/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
الرسالة العالمية التي أرسل بها
حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تدعونا إلى أن نكون في
خطابنا أصحاب عالمية, حتى ولو كنا نعيش المحن الإقليمية.

وهذا يقتضي كما تقدم أن يكون لنا خطاب
للمسلمين ولغير المسلمين.

خطابنا للمسلمين نُصحيٌّ ترشيديٌّ،
يعيد إليهم حقيقة دين الإسلام، وخطابنا لغير المسلمين تعريفيٌّ, يُعرِّف الذين
تاهوا وضاعوا، بعظمة هذا الإسلام، وبنور هذا القرآن، وبهدي السيد محمد رسول الله
عليه الصلاة والسلام.

لذا أفردنا فيما مضى حديثا عن خطابنا
إلى الشرق غير المسلم بإجمال، وحديثًا عن خطابنا إلى الغرب غير المسلم بإجمال
أيضا، ثم انتقلنا إلى الحديث الثالث المختصر الذي أوجّهه إلى عالمنا الإسلامي.

وفي الحديث الماضي تحدثت عن الحلول
المقترحة في عالمنا الإسلامي، بعد حديثٍ عن ماهيته، لكن الحديث لم يتم بعد.

فقد تحدثت بإجمال عن المطلوب منّا
ثقافيا، وتربويًا ودعويًا واجتماعيًا واليوم أكمل الحديث عن المطلوب منا إعلاميا،
واقتصاديًا وسياسيًا.

فالحديث عن جزء واحد دون غيره يعني
أننا لا نتحدث عن شمولية هذا الدين، فلابد من الحديث عن المطلوب على المستويات
كافة، لأن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بدين لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ويقدّم
فيها ولها تأصيلًا أو تفصيلًا.

يقدم تأصيلًا لتُستنتج منه الفروع،
ويقدم في بعض القضايا تفصيلًا لأنها ثابتة لا تتغير.

على المستوى الإعلامي

حين أتحدث: لا أتحدث عن الإعلام الرسمي
في العالم الإسلامي وحسب، إنما أتحدث عن المطلوب منا على المستوى الشعبي والخاص.

أليس من حقوق الشعوب أن يكون لها
إعلام خاص؟

أليس هذا موجودًا في كل البلاد؟

إذًا ففي بلادنا الإسلامية ينبغي أن
لا يكون الإعلام حكرًا على الإعلام الرسمي، وهكذا نسطيع أن نتحدث عن تطور، وحضارة وتفاعل
إنساني.

وقد مضى الزمان الذي يسمح فيه
للإنسان أن يتحكم بالإنسان، كان هذا المتحكم كبيرًا أو صغيرًا، غنيًا أو فقيرًا،
حاكمًا أو محكومًا.

وزماننا هذا الذي نعيش فيه هو بداية تفاعل
إنساني حضاري، وهي حقيقة بدأت تظهر، وهي بدأت بانفتاح إعلامي وجّهه غير المسلمين، من
خلال حرية التعبير، وبدؤوا يؤكدون هذه القاعدة، ثم أدركوا بعد ذلك أن الأمر لا
يمكن أن يبقى موجهًا من جهة واحدة، ولا يمكن أن يكون موجهًا من خلال ثقافة العولمة
وحدها التي توجه إلى العالم كله..

وفجأة رأينا أن الإعلام الذي كان
يمثل الجهة الرسمية فيما مضى في الستينات والسبعينات والثمانينات، بدأ يتحول إلى
إعلام عالمي يصل إلى كل بقاع الدنيا، وبدأت شيئًا فشيئًا تفتح قنوات تتسرب منها
الحقيقة، ويتسرب منها العلم.

واليوم يستطيع الإنسان أن يستخدم
الوسائل التي تصل إلى الآخر، القريب والبعيد.

ها نحن نتحدث اليوم ويسمعنا في الشرق
والغرب من يسمعنا ولو كان هذا عبر الشبكة الحاسوبية على مستوىً محدود ، وقريبًا يجب
أن يكون لنا سعي دؤوب وجاد لنُسمع في القنوات الفضائية الخاصة.

ومن الذي يملك الحق في أن يمنعنا حتى
نوصل ثقافتنا!؟

لسنا مع صدام السلاح مع السلاح، لأنها
لغة المتخلفين إلا في الدفاع عن الأوطان، وهي لغة من لا يملك مبدأ قويًا، أما الذي
يملك مبدأ ثقافيًا وحضاريًا قويًا فإن سلاحه هو الحجة، وإبراهيم عليه الصلاة
والسلام الذي كان للناس إمامًا كان صاحب حجة.

(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا
إِبْرَاهِيمَ)[الأنعام: 83]

إنه لم يرفع السلاح في وجه نمرود لكن
النمرود بُهت، و صار ضعيفًا أمامه.

النمرود الذي لا يملك مبدأ ولا حجة
صار صغيرًا أما إبراهيم فكان المنتصر الغالب.

ذلك هو المنهج الذي ينبغي علينا
كدعاة أن نفهمه وأن نتبناه، في عالم أصبح مختلطًا، وهو الآن يستعد لدخول معرفة
جديدة، ويستعد لقبول الإسلام...

إنه اليوم يحتاج إلى الإسلام بعد
اضطرابه الشديد، ونحن المقصِّرون في استعمال الوسائل، ونحن المقصرون في المطالبة
بحقوقنا التي هي ملك للإنسان.

فينبغي علينا إعلاميًا على جميع
المستويات المرئية والمقروءة والمسموعة أن نلاحظ الأمور الآتية:

أولًا: ينبغي إعلاميًا أن نُجل ثقافة
الفضيلة، وأن نحبب بالأخلاق والفضائل، وأن ننظر إلى الانحلال على أنه انحدار
إنساني.

يستطيع الإعلام اليوم أن يُغير
القناعات.

اليوم يقول الإعلام للناس: إن تعدد
الزوجات ظلم.

والله يقول غيرَ ذلك، فهو تشريع من
تشريعات ربنا، لكن من يتابع القنوات التي تبث يلاحظ خطة لتنصير العالم الإسلامي من
خلال هذا الخُلق، ولتغيير القناعات.

وفي هذا الإعلام المشوه يقول الولد
لأبيه ماذا فعلت أمي حتى تعاقبها؟.

أيها الجاحدون، يا أعداء الله، هل
عاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب نسائه عائشة وقت تزوج بعدها ثمانية؟

إن كنتم تصرون على نشر انحرافكم
الخلقي فإننا نملك حضارة وثقافة ونصرُّ على نشرها أيضًا، وينبغي أن نشرحها.

وهذه جزئية صغيرة أتيت بها كمثال.

والجزئيات كثيرة منها تصوير الإسلام
على أنه يصادر الحريات، وعلى أنه يلغي الآخر، وعلى أنه يمثل العنف، وعلى أنه يكبت
ويُخرس الناس... وكلها أكاذيب لا علاقة لها بالإسلام، فالإسلام هو الانفتاح،
والإسلام هو السعة، والإسلام هو العالمية، والإسلام هو الاحتوائية...

إن الإسلام لا يحتاج إلى الكذب
والمجاملة والمداهنات، حين يتحدث مع الآخر، لا..

إنه مع احتفاظه بثوابته يستطيع أن
يقول الحقيقة وأن يتفاعل مع الآخر ويستوعبه.

ينبغي أن نمارس دورًا يقدم قناعة
ثابتة للناس على أن ثقافة الانحلال، والعهر هي انحدار إنساني.

فلسنا نبحث عن الـ Super stars بل نبحث عن التحبيب بالفضائل، و الأدب.

أين التنافس الأدبي الذي أصبح لا يحكى
إلا على وجه السخرية، فإذا حكي الشعر أو القصة، أو رموز حضارتنا الثقافية لم تحكَ
إلا في معرض السخرية.

رجل العصر هو المطرب والفنان
والفنانة والمغنية والراقصة، أما الأديب، والشاعر، والعالم، و المبتكر و المخترع والأستاذ
الكبير، فإنه مُهمَّش!

كم تتقاضى الراقصة أو المغنية في
ساعة في الإعلام وكم يتقاضى- إن تقاضى- أستاذ عندما يقدم مادة نافعة تحفِّز
المجتمعات وتسير بها إلى حضارتها!.

إذًا نحن في مأساة إعلامية، وقد آن
لنا أن نمارس دورنا.

لماذا لا يكون لنا في مدينة حلب
عاصمة الثقافة الإسلامية قناة فضائية خاصة معبرة عن الشعب، تعبر عن أهل حلب، وتسير
في أسواق حلب، لكن لا على المستوى الرسمي ولا في الإعلام الرسمي، ومدينة حلب هي أنموذج
متميز في الحضارات المشتركة، والثقافات المشتركة، فلماذا لا يعبر الشعب من خلال
الإعلام الخاص عن ثقافة حلب، وعن حضارة حلب، وحضارة حلب ماهي إلا جزء من الثقافة
الإسلامية، والثقافة الإسلامية كما قلت هي ثقافة احتوائية لا تلغي الآخر.

الأمر الثاني ينبغي أن نؤكد على
المستوى الإعلامي أنه قد آن لنا أن نقدم إعلام النهضة على إعلام الرياضة.

فاليوم يأخذ إعلام الرياضة حيزًا
كبيرة، وهي خطة تنفذ، ويستثار من خلالها الشباب.

لسنا ممن يلغي الرياضة، لكننا نلاحظ الأولويات.


إننا لا نلغي أن ينام الإنسان، ولا
نلغي أن يأكل، ولا نلغي أن يكون له رياضة لأن هذا هو جزء من حياته، لكننا حين نجعله
من أولويات الإنسان فيسلَّط الضوء على نومه أوطعامه أو شرابه أو رياضته، فهي لعبة
مفضوحة تهمش فيها أسباب النهضة، ومعها تقدم ثقافة العري والعهر على ثقافة النهضة.

وكما فرحت عندما كان افتتاح احتفالية
حلب عاصمة للثقافة الإسلامية بافتتاح الجامع الكبير في حلب، وهي رمزية عظيمة، أن يكون
الابتداء بافتتاح الجامع، لكنني بعد الافتتاح الخاص حين انتقلنا إلى الافتتاح
العام رأينا ما لا يتناسب مع الافتتاح، فرأينا الراقصات، ورأينا المظاهر المشوِّهة
لثقافتنا.

أقولها بصراحة مع كوني عضوا في
اللجنة الثقافية، لكنني والله لا أرضى ولا أرضى ولا أرضى عما تم في الافتتاح
الثاني العام، لأنه لا يتناسب مع مضمون ثقافتنا الإسلامية.

ثالثا- على المستوى الإعلامي ينبغي
لنا أن نهتم اهتمامًا شديدًا ومن خلال المتخصصين بالقصة الهادفة، كبديل عن القصة
الهادمة.

واليوم تفعل المسلسلات فعلها بالناس،
في البيوت، وتنجذب الأسرة إليها على مستوى النساء، وعلى مستوى الأطفال، وعلى مستوى
الشباب،...

أتظنون أن أمتنا ليس فيها المجيدون
الذين يكتبون أحسن القصص!؟

لا.. والله إن لدينا من يُتقن القصص،
ومن يتقن إخراج القصص، لكن نحتاج إلى ذلك المنبر الخاص، وأؤكد وأقول (المنبر الخاص)
فقد سئمنا من المنابر الرسمية.

المنبر الخاص يعبّر عن الشعوب.

ونحن نؤمن بفريق العمل الذي يقدم ما
يعبر عن الجماعة، والمجتمع، فلن نحتكر لحساب أشخاص دون أشخاص، عندما نقدم الثقافة،
لكننا لا نشوه.

القصة الهادفة مهمة، وكم استعمل
القرآن الكريم القصة، وكم تعددت في القرآن الكريم القصص!!

إن غير الملتزمين أدركوا أثر القصة،
ويستعملونها الآن في مسلسلاتهم، أما نحن فلا نستعمل تلك القصة, ولا نملك الوسيلة
التي تُقدِّم فيها هذه القصة!.

إننا بحاجة إلى فهم عالمنا, واستعمال
وسائله؛ حتى نصل من خلال الوسائل غير المباشرة, والأساليب التي تمس أحاسيس
الإنسان, وتمس شعوره؛ إلى الغايات النبيلة, وتحقيق الفضيلة.

على المستوى الاقتصادي:

أولًا - ينبغي أن نؤكد على الاهتمام
بالموارد الذاتية الإسلامية.

صحيح أننا لسنا من أنصار التقوقع,
ولا من أنصار العُزلة عن العالم..

لا.. فنحن أمة تحترم المعاهدة, وتحترم
التبادل التجاري والصناعي.., لكن فرِّقوا بين تبادل القوي مع الضعيف, وبين تبادل
الند للند..

مبادلاتنا مع العالم اليوم هي
مبادلات بين المواد الأولية التي تخرج بالأثمان الرخيصة, مع التقانة الصناعية
المتطورة التي تأتي بأعلى الأثمان!.

إذًا نحن لا نعيش حالة تبادل الند مع
الند.

نحتاج أولًا إلى الاهتمام بمواردنا
الاقتصادية الإسلامية, حينما تنفتح السوق الإسلامية المشتركة, وهذه ليست أحلاما,
إنها حقوق الشعوب, فلا تقولوا: إنه يتحدث بالأحلام..

إنها حقوقنا الإنسانية..

لمَ لا تفتح السوق الإسلامية
المشتركة التي يكون فيها إسقاط الضرائب الجمركية فيما بين البلاد الإسلامية.

وبعد هذا انظروا إلى مستقبل التبادلات
بين العالم الإسلامي والعالم الغير الإسلامي.

عندها سترون عِزًّا, وسترون كرامة, وسترون
الآخر مضطرا إلى احترامنا.

ثانيًا: الاهتمام بالمبدعين
والمبتكرين.

حتى لو كان هذا الابتكار في حي صناعي
صغير مثل حي العرقوب في حلب, أي مبتكر لا ينبغي أن يُهمَّش, ولا أن تُمارس عليه
الضغوط ولا أن تفرض عليه الضرائب, بل ينبغي أن يكون للمُبتكر الحوافز المشجعة..

وهو ما حصل في العالم الصناعي, ماذا
صنعت ألمانيا, وماذا صنعت اليابان؟

كيف يعيشون اليوم, أيشجعون الابتكار,
أم يشجعون السوبر ستار..؟

فنحن بدلًا أن نُشجِّع الابتكار,
نُشجِّع السوبر ستار..!!

ثالثًا وعلى المستوى الاقتصادي,
مطلوب منا:أن نشجع المشروعات التنموية التي تقوم على الأسس الإسلامية, لا تتعامل
بالربا, بل تتعامل بالشركة, ونتعامل بالمُرابحة, وفق القواعد الاقتصادية
الإسلامية, ولا نخجل من هذا, ولماذا نخجل!!

لماذا لا نخجل إذا تعاملنا بالربا,
وإذا تعاملنا بالمُرابحة والشركة نخجل!!

حتى لا يُقال عنّا إسلاميون..!

لا.. نحن إسلاميون, ولْيسمع الجميع..

فهل هذا ذنب, حين نختار ثقافتنا؟

أليس بلدنا بلد الثقافة الإسلامية!

أليست بلادنا, والشرق الأوسط, والعالم
الإسلامي.كذلك.؟

لماذا نستورد ثقافة الغير

أخبرني اقتصادي, أن الفائدة وصلت في
اليابان إلى الصفر.

إنهم بدؤوا يفهمون, وهناك دراسات
اقتصادية غربية أوربية, تدعو إلى التحول عن أسلوب الربا..

وها نحن ندرس على المستوى المحلي
الإقليمي مشروع البنوك الإسلامية..

لكن لماذا نتأخر..؟

إن الوقت يسابقنا، فينبغي أن نكون
أصحاب شجاعة, وجرأة.., وخطوات ثابتة..

أقول للحكومات: اتحدي مع الشعوب, وإذا
اتحدت مع الشعوب ستجدين أن النهضة يمكن إحداثها بسرعة, وأن العدو الخارجي لا
يستطيع أن يقتحم.

وحينما تخاف الحكومات من الشعوب,
وتحتكر لنفسها قضايا كثيرة, على المستوى الإعلامي والاقتصادي والسياسي.., ولا تريد
أن تشترك مع الشعوب؛ ستخاف من تلك الشعوب.

رابعًا: ينبغي أن نعتبر مشاركة أصحاب
الأموال في هذا الوقت ضرورة مُلحَّة.

صحيح أن الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام, كان أنصارهم في بداية بعثتهم من الفقراء, لكن بعد ذلك, جاءت مرحلة ثانية,
ولئن كان من أوائل من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلال وعمار وخبَّاب..,
نرى من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الرحمن بن عوف, وعثمان بن عفان,
ونرى سادة الدنيا من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لابد أن نلاحظ أن قوله تعالى:

(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء
أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا) [النساء: 5]

ينبغي ألا نوجد هوة أو مسافة بين
الدعوة وبين أصحاب الأموال, وينبغي أن يفهم أصحاب الأموال أن المصلحة تتحقق حينما
يُشجِّعون المشروعات الحضارية التنموية؛ وأن ذلك سيعود عليهم بالفائدة والنفع.

المطلوب الثالث:هو المطلوب سياسيًا:

أولًا - إن المرحلة التي تعيشها
أمتنا الإسلامية في هذه الأيام, تطلب منا أن نتحول من الفكر الإقليمي إلى الفكر
العالمي.

وكما يحاول أعداؤنا تجزيء المجزَّأ,
وإثارة النعرات والقوميات والعرقيات والطائفيات, علينا أن نواجه الأمر فكريًا بعكس
ذلك تمامًا, بمعنى: أن يصبح ألمنا ألم من يتألم في أندنوسيا.ومن يتألم في المغرب.ومن
يتألم في قرطبة.و من يتألم في الهند وباكستان وكشمير.و من يتألم على أرض فلسطين
المباركة.

وفلسطين.. فيها القدس, والقدس ليست لشعب
فلسطين وحدهم, فالقدس هي أولى القبلتين وهي للعالم الإسلامي كله.

القدس هو الحرم الثالث الذي يهفو إلى
ِإشراقته وأنواره كل مسلم في العالم.

يهفو إلى أنواره مسلم شرقي أو غربي,
أو عربي..

القدس لا يملك حق المناقشة فيها
فلسطيني وحده, فالفلسطيني هو جزء من هذا العالم الإسلامي, والقدس هي مركز في
العالم الإسلامي كله..

وهكذا حينما ننتقل من الفكر الإقليمي
إلى الفكر العالمي؛ نكون قد بدأنا لتأسيس دولة الأمة الإسلامية الواحدة.

نعم فأول مرحلة في تأسيس دولة الأمة
الواحدة: تغيير الإدراك المحدود.

واليوم إدراكنا محلي وإقليمي, وحينما
نرقى إلى الإدراك الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون إدراكنا:
(كُنتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ) لم يقل: كنتم سوريين, ولا فلسطينيين ولا عراقيين ولا مصريين.., إنما قال:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ)

إن هذا لا يلغي الخصوصيات الإقليمية
فالمصطفى قال:.(اللهم بارك لنا في شامنا)
(..ويمننا..) لكن الرابطة رابطة الأمة.

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ)
[آل عمران: 103]

وحبل الله القرآن

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا
وَلاَ تَفَرَّقُواْ) أي ارتبطوا برابطة الأمة الواحدة.

وثِقوا أن التغيير القادم, لن يكون
تغييرًا إقليميًا, بل سيكون تغييرًا عالميًا.

ثانيًا على المستوى السياسي: ينبغي
أن نتدرَّب وأن نُدرِّب أفراد الأمة على الشورى.

وذلك في كل مستوى, فإذا كنت في
الأسرة درِّب الأسرة على الشورى, وإذا كنت في المصنع درِّب من يعملون في المصنع
على الشورى, وإذا كنت في المدرسة درِّب أساتذة المدرسة على الشورى, لأن الله
سبحانه وتعالى بيَّن خصوصيتنا حين قال:

(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)
[الشورى: 38]

ونحن الآن بسبب التأثر بالتاريخ والحاضر
تحوّلنا إلى استبداديين, وتحوّلنا إلى دكتاتوريين, وتحوّلنا إلى فرديين.., وغيرنا
مع أنه لا يملك ثقافة الإسلام, لا يعمل إلا من خلال فريق العمل!

أما نحن فما تزال الاستبدادية متجذرة
فينا..!

ثالثًا: وأقولها بصراحة: ينبغي أن
نهتم بالشعوب وأن نفكِّر فيها في الأولوية أكثر من اهتمامنا بالحكومات.

فإذا كنَّا نعطي الحكومات اهتمامًا, فينبغي
أن يكون اهتمامنا بالشعوب في عالمنا الإسلامي مُقدَّمًا بالدرجة الأولى على
الاهتمام بالحكومات؛ لأن المستقبل القادم هو للشعوب لا للحكومات.

أخيرًا وعلى هذا المستوى السياسي
أقول:

ينبغي أن نُدرِّب الأمة ونُدرِّب كل
الناس في عالمنا الإسلامي, على كل المستويات, المحلية والإقليمية وعلى مستوى
الأمة, أن نُدرِّبها على ممارسة حق الحرية, وهو حق إنساني.

هو حق ينبغي أن يتنبه الإنسان إليه
في عالمنا الإسلامي, فلا ينبغي أن يُسمح لأحد بمصادرة هذا الحق.

أقول مرات ومرات: تذكَّروا أن سيدنا
محمدًا صلى الله عليه وسلم حينما بدأ الدعوة إلى الله, لم ينتظر موافقة أمنية من
أبي جهل ولا من أبي سفيان..

فالحق هو حقك؛ لأنك إنسان, فكن صاحبه
بحق, وإلا فلن تكون مُستحِقًَّا أن تكون صاحب هذا الحق.

على أي شيء تخاف..!

قال سيدنا علي رضي الله تعالى عنه.








أي يومين من الموت أفِر
يوم لا يقدر لا أرهبه




يوم لا يُقدر, أم يوم قُدِر
ومن المقدور لا ينجو الحذر





انطلق وتحرر من خوفك, وكن إنسانًا؛
عندها ستكون مُستحِقًا لحقك.

اللهم رُدَّنا إلى دينك ردًَّا جميلًا,
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

أقول هذا القول واستغفر الله.
أعلى الصفحة