الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Books كتب
 
العقيدة الميسرة
توحيد
 
(الدِّينُ وَأَرْكَانُهُ)
الدِّينُ: هُوَ الشَّرَائِعُ الإِلهِيَّةُ التِي اخْتَارَهَا اللهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ ولِلْمُعَامَلَةِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وهو المنهجُ الرَّبَّانِيُّ الهَادِي إلى طَرِيقِ الخَيرِ أَصْحَابَ العُقُولِ السَّلِيمَةِ، مَنِ اختارَهُ ورَضِيَهُ فَهُوَ المُسْلِمُ الفائزُ بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَرْكَانُ الدِّينِ: الإِسْلامُ، والإِيمَانُ، والإِحْسَانُ. .
الإسْلامُ: هوَ الانْقِيَادُ لأحكامِ اللهِ تعالى المنـزلةِ على رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. .
أَرْكَانُ الإسْلامِ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامةُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَومُ رَمَضَانَ، وَحجُّ البَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليهِ سَبِيلاً. .
الإيمَانُ: هُوَ التَّصْديقُ القَلْبِيُّ والرِّضَى بِاللهِ تعالى رَبًّا، وَبالإسْلامِ دِينًا، وَبِالقُرْآنِ إِمَامًا، وَبِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولاً، وَيَنْشَأُ عَنْهُ الانْقِيَادُ لأحْكَامِ اللهِ تَعَالى، والإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ. .
أَرْكَانُ الإِيمَانِ: هِيَ: الإيمَانُ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَومِ الآخِرِ، وَالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى. .
الإِحْسَانُ: أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. .
الدَّلِيلُ عَلى أَرْكَانِ الدِّينِ مِنَ النَّقْلِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، الذي أَخْبَرَ فِيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهُ جَاءَ يُعَلِّمُنَا دِينَنَا، وَفِيهِ الكَلامُ عَلَى الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ [أخرجاه في الصَّحِيحَين]. (الفُرُوضُ العَينِيَّةُ وَالكِفَائِيَّةُ)
الفَرْضُ العَينِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ رَبُّنَا طَلَبًا جَازِمًا مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ فِعْلَهُ.
الفَرْضُ الكِفَائِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ رَبُّنَا طَلَبًا جَازِمًا مِنْ جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ فِعْلَهُ، فَإِذا قَامَ البعضُ بِهِ سَقَطَ عَنْهُمْ جَمِيعًا.
الفُرُوضُ العَينِيَّةُ: خَمْسَةٌ:
1 - مَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالَى وَالإِيمَانُ بِهِ.
2 - مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ العِبَادَاتِ وَأَداؤُهَا.
3 - مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ المُعَامَلاتِ المُحْتَاجِ إِلَيهَا والاسْتِقَامَةُ فِيهَا.
4 – مَعْرِفَةُ الحَلالِ وَالحَرَامِ لِلْوُقُوفِ عَلَى حَدِّ الشَّرْعِ فيها.
5 - تَزْكِيَةُ النَّفْسِ.

(الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ)
الوَاجِبُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ المَولَى فِعْلَهُ طَلَبًا جَازِمًا، فَيُثَابُ العَبْدُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
المَنْدُوبُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ المَولَى فِعْلَهُ طَلَبًا غَيرَ جَازِمٍ، فَيُثَابُ العَبْدُ عَلَى فِعْلِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
المُحَرَّمُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ المَولَى تَرْكَهُ طَلَبًا جَازِمًا، فَيُثَابُ العَبْدُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
المَكْرُوهُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا طَلَبَ المَولَى تَرْكَهُ طَلَبًا غَيرَ جَازِمٍ، فَيُثَابُ العَبْدُ عَلَى تَرْكِهِ وَلا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
المُبَاحُ الشَّرْعِيُّ: هُوَ مَا أَذِنَ الشَّارِعُ بِفِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيرِ تَرْجِيحٍ لأَحَدِهِمَا عَلى الآخَرِ.
نُسَمِّي هَذِهِ الخَمْسَةَ السَّابِقَةَ: أَقْسَامَ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.



(الحُكْمُ العَقْلِيُّ)
الوَاجِبُ الذَّاتيُّ العَقْلِيُّ: هُوَ ما يَقْبَلُ الثُّبوتَ فَقَط لِذاتِهِ، ولا يَقْبَلُ الانْتِفاءَ، كَوجُودِ مَولانَا، أو هو مَا لا يُصَدِّقُ العَقْلُ عَدَمَهُ.
المُسْتَحِيلُ الذَّاتيُّ العَقْلِيُّ: هُوَ ما يَقْبَلُ الانْتِفاءَ فَقَط لِذاتِهِ، ولا يَقْبَلُ الثُّبوتَ، كَالشَّرِيكِ لِمَولانَا، أو هُوَ مَا لا يُصَدِّقُ العَقْلُ وُجُودَهُ.
الجَائِزُ الذَّاتيُّ العَقْلِيُّ: هُوَ ما (يَقْبَلُ الثُّبوتَ وَيَقْبَلُ الانْتِفاءَ) لِذاتِهِ، كَوُجُودِنَا، أو هو مَا يُصَدِّقُ العَقْلُ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ.
نُسَمِّي هَذِه الثلاثةَ التي سَبَقَ ذِكرُهَا: أَقْسَامَ الحُكْمِ العَقْلِيِّ.
مَعْنَى (يَجِبُ) في قَولِهِمْ (يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ صِفَاتِ المَولَى):
أَي (يَجِبُ شَرْعًا)، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ المَولَى طَلَبَ مَعْرِفَةَ صِفَاتِهِ طَلَبًا جَازِمًا، فَيُثَابُ العَبْدُ عَلَى مَعْرِفَتِهَا وَيُعَاقَبُ عَلَى الجَهلِ بها.
ومَعْنَى (يَجِبُ) في قَولِهِمْ (يَجِبُ لِمَولانَا عِشْرُونَ صِفَةً):
أَي (يَجِبُ عَقْلاً)، وَالمَعْنَى: لا تَقْبَلُ هذه الصِّفَاتُ العِشْرونَ الانتفاءَ، أو لا يُصَدِّقُ العَقْلُ عَدَمَ هَذِهِ الصِّفَاتِ العِشْرِينَ.

(الوَاجِبُ وَالمُسْتَحِيلُ العَرَضِيَّانِ)
الوَاجِبُ العَرَضِيُّ: هُوَ جَائِزٌ عَقْلِيٌّ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ، كَبَعْثِ الأَجْسَادِ يَومَ القِيَامَةِ، عَرَضَ خَبَرُ المَولَى جلَّ وَعَزَّ بِوُقُوعِهِ، فَوَجَبَ عَلَينَا شَرْعًا أَنْ نَجْزِمَ بِوُقُوعِهِ.
المُسْتَحِيلُ العَرَضِيُّ: هُوَ جَائِزٌ عَقْلِيٌّ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ، كإِيمَانِ أَبِي لَهَبٍ، عَرَضَ خَبَرُ المَولَى جَلَّ وَعَزَّ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْنَا شَرْعًا أَنْ نَجْزِمَ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ.

(المَعْرِفَةُ والإِيمَانُ)
المَعْرِفَةُ: هِيَ الجَزْمُ المُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ عَنْ دَلِيلٍ.
والمَعْرِفَةُ غَيرُ الإِيمَانِ: فَالإِيمَانُ تَابِعٌ لِلْمَعْرِفَةِ، وَقَدْ يَعْرِفُ العَبْدُ وَلا يُؤْمِنُ بِدَلِيلِ قَولِهِ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14].

(المُكَلَّفُ وَحُكْمُ المُقَلِّدِ)
المُكَلَّفُ: هُوَ البَالِغُ، العَاقِلُ، سَلِيمُ الحَوَاسِّ (وَلَوِ السَّمْعُ أَوِ البَصَرُ فَقَط)، الذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ.
والمُقَلِّدُ الذِي يَجْزِمُ بِالعَقَائِدِ جَزْمًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مِنْ غَيرِ دَلِيلٍ أَصْلاً: هُوَ مُؤْمِنٌ إِذَا تَحَقَّقَ الرِّضَى في قَلْبِهِ، لَكِنَّهُ عَاصٍ إِنْ كَانَ لَدَيهِ الأَهْلِيَّةُ لِلنَّظَرِ في الدَّلِيلِ.

والدَّلِيلُ الوَاجِبُ شَرْعًا (وُجُوبًا عَينِيًّا) لِلْخُرُوجِ عَنِ التَّقْلِيدِ: هُوَ الدَّلِيلُ الإِجْمَالِيُّ وَلَيسَ التَّفْصِيْلِيَّ، كَمَا إذا سُئِلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ مَولانَا؟ فيَقُولُ: الدَّلِيلُ هُوَ هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ، مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ فيه.
أَمَّا الدَّلِيلُ التَّفْصِيْلِيُّ فَهُوَ فَرْضٌ كِفَائِيٌّ.

(العَقَائِدُ الإلهيَّةُ)
(الصِّفَاتُ التي تَجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهَا)
الوَاجِبُاتُ العَقْلِيَّةُ فِي حَقِّ مَولانَا جَلَّ وَعَزَّ التِي كُلِّفْنَا بمَعْرِفَتِهَا شَرْعًا: هِيَ:
الوُجُودُ، وَالقِدَمُ، وَالبَقَاءُ، وَالمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ، وَالغِنَى، وَالوَحْدَانِيَّةُ، وَالقُدْرَةُ، وَالإِرَادَةُ، وَالعِلْمُ، وَالحَيَاةُ، وَالسَّمْعُ، وَالبَصَرُ، وَالكَلامُ، وَكَونُهُ تَعَالَى قَادِرًا، وَمُرِيدًا، وَعَالِمًا، وَحَيًّا، وَسَمِيعًا، وَبصيرًا، وَمُتَكَلِّمًا.
المُسْتَحِيلاتُ العَقْلِيَّةُ في حَقِّ مَولانَا جَلَّ وَعَزَّ التِي كُلِّفْنَا بمَعْرِفَتِهَا: هِيَ:

العَدَمُ، وَالحُدُوثُ، وَالفَنَاءُ، وَالمُمَاثَلَةُ لِلْحَوَادِثِ، وَالافْتِقَارُ، وَالتَّعَدُّدُ، وَالعَجْزُ، وَالكَرَاهَةُ، وَالجَهْلُ، وَالمَوتُ، وَالصَّمَمُ، وَالعَمَى، وَالبَكَمُ، وَكَونُهُ عَاجِزًا، وَمُكْرَهًا، وَجَاهِلاً، وَمَيِّتًا، وَأَصَمَّ، وَأَعْمَى، وَأَبْكَمَ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
الجَائِزُ العَقْلِيُّ في حَقِّ مَولانَا جَلَّ وَعَزَّ: فِعْلُ كُلِّ مُمْكِنٍ أَو تَرْكُهُ، كَالْخَلْقِ وَالرَّزْقِ وَالإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْألونَ} [الأنبياء: 23].

(الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ)
(الوُجُودُ)
لا يَبْحَثُ عِلْمُ العَقَائِدِ في كُنْهِ وُجُودِهِ تَعَالَى، إِنَّمَا البَحْثُ هُوَ في الدَّلِيلِ المَصْنُوعِ الذِي يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ.
الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى مِنَ العَقْلِ: هُوَ هَذَا الكَونُ، فَإِذَا كَانَ العَقْلُ لا يَتَصَوَّرُ حُصُولَ كِتَابَةٍ مِنْ غَيرِ كَاتِبٍ، ولا بِنَاءٍ مِنْ غَيرِ بانٍ، فَكَيفَ يَتَصَوَّرُ أَنَّ الكَونَ بِكُلِّ مَا فِيهِ مِنْ إِتْقَانٍ: بِصُوَرِهِ وَأَفْلاكِهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ... لا يَدُلُّ عَلَى صَانِعٍ أَبْدَعَهُ وَسَوَّاهُ؟!
والدَّليلُ السَّابقُ يَفتَرِضُ أَنَّ الكَونَ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ، وهيَ حقيقةٌ ثابتةٌ دليلُها: مَا يُشَاهَدُ فِي الكَونِ مِنْ تَغَيُّرِ أَوصَافِهِ المُعَبَّرِ عَنْهَا بِالأَعرَاضِ، حَيثُ تَتَنَاوَبُ فِيها الأضدادُ، فَالظُّلْمَةُ تَنْعَدِمُ وَيَظْهَرُ النُّورُ، وَالنُّورُ يَنْعَدِمُ وَتَظْهَرُ الظُّلْمَةُ، وَالحَرَكَةُ تُوجَدُ فَيَنْعَدِمُ السُّكُونُ، وَالسُّكُونُ يُوجَدُ فَتَنْعَدِمُ الحَرَكَةُ، وَكُلُّ مَا وُجِدَ بَعْدَ عَدَمٍ فَهُوَ حَادِثٌ، فَأَوصَافُهُ (أَي أَعرَاضُهُ) حَادِثةٌ.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الأَوصَافُ مُلازِمَةً لِلذَّوَاتِ كَانَتِ الذَّوَاتُ حَادِثةً أَيضًا، لأَنَّ مُلازِمَ الحَادِثِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ.
وَقَدْ دَلَّ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَومَهُ عَلَى أَنَّ الذِي يَعْبُدُونَهُ مِنَ الكَوَاكِبِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ، حِينَ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ متغيِّرٌ، وَالمُتَغَيِّرُ حَادِثٌ، فَلا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلهًا.


قَالَ تَعَالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيهِ اللَّيلُ رَأى كَوكَبًا قَالَ هَذَا رَبيْ فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لا أحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبي فَلَمَّا أفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِني رَبي لأَكُوننَّ مِنَ الْقَومِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبي هَذَا أكْبَرُ فَلَمَّا أفَلَتْ قَالَ يا قَومِ إِني بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِني وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أنا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 76-79].
وُجُودُ مَولانَا:
- وَاجِبٌ لا يَصِحُّ انْتِفَاؤُهُ.
- لا ابْتِدَاءَ لَهُ وَلا انْتِهَاءَ.
- لا يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ وَلا بِالمَكَانِ.
- لَيسَ لَهُ شَكْلٌ وَلا حَدٌّ.
- لا يَسْتَنِدُ إِلى شَيءٍ لأَنهُ ذَاتِيٌّ، وَإِلَيهِ يَسْتَنِدُ كُلُّ شَيءٍ.
- أَظْهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَهُوَ الذِي لَيسَ مَعَهُ شَيءٌ، وَلَولاهُ مَا ظَهَرَ للعِيانِ شيءٌ.
الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إَِّلا الضَّلالُ} [يونس: 32].



(الصِّفَاتُ السَّلبِيَّةُ)
(القِدَمُ)
مَعْنَى القِدَمِ: أنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا ابْتِدَاءَ لِوُجُودِهِ، فَهُوَ الأَوَّلُ بِلا بِدَايةٍ.
دَلِيلُ قِدَمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ العَقْلِ: هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ، لأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَو لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا لَكَانَ حَادِثًا، وَلَو كَانَ حَادِثًا (أَي: مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ ويَقْبَلُ العَدَمَ) فَسَيَكُونُ مُفْتَقِرًا عَاجِزًا، وَلَنْ تُوجَدَ هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ.
فَلَمَّا شَاهَدْنَا المَخْلُوقَاتِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قِدَمِ صَانِعِهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ، فَمَنْ كَانَ افْتِقَارُ المَخْلُوقَاتِ إليهِ وَاجِبًا لا يَكُونُ وُجُودُهُ إِلا وَاجِبًا، أَي لا يَصِحُّ عَدَمُهُ أَزَلاً وَلا أَبَدًا.

الدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {هُوَ الأَوَّلُ} [الحديد: 3]، وَقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيرُهُ) /أخرجه البخاري.

(البَقَاءُ)
مَعْنَى البَقَاءِ: أنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا انْتِهَاءَ لِوُجُودِهِ، فَهُوَ الآخِرُ بِلا نِهَايَةٍ.
دَلِيلُ بَقَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ العَقْلِ: هُوَ دَلِيلُ قِدَمِهِ، لأنَّهُ تعالى واجِبُ الوُجُودِ، فلا يَصِحُّ عَدَمُه أزلاً ولا أبدًا.
الدَّلِيلُ عَلَى بَقَائِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {وَالآخِرُ} [الحديد: 3].

(المُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ)
مَعْنَى مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ: هُوَ أَنَّ ذَوَاتِ الحَوَادِثِ لا تُشْبِهُ ذَاتَهُ تَعَالَى، وَصِفَاتِ الحَوَادِثِ لَيسَتْ كَصِفَاتِهِ تَعَالَى، وَكذلكَ الأَفْعَالُ المخْلُوقَةُ للحَوادِثِ لَيسَتْ كَأَفْعَالِهِ تَعَالَى، وعَلَيهِ فَمَولاَنَا جَلَّ وَعَزَّ:
- لَيسَ جِرْمًا [وهُوَ ما يأخذُ قدرَ ذاتِهِ مِنَ الفَرَاغِ (أي ما يَأخُذُ حَيِّزًا)] (أي ليس جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنْ أَجْزَاءٍ، ولا جَوهَرًا [وَهُوَ الجُزْء الصَغِير الذي لا يَتَجَزّأ]).
- وَلَيسَ فِي مَكَانٍ.
- وَلَيسَ فِي زَمَانٍ.
- وتَنـزهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الكَونِ، كَمَا تَنـزهَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَاتٌ.
- وتَعَالَى عَنْ أَنْ تَحُلَّهُ الحَوَادِثُ، أَو يَحُلَّ هُوَ فِي الحَوَادِثِ.
- وَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَتَّحِدَ بِهَا.
- ولاَ يَتَّصِفُ بِقِلَّةِ الأَجْزَاءِ وَلاَ كَثْرَتِهَا.
- وَلاَ يَبْعَثُهُ غَرَضٌ مَا عَلَى فِعْلٍ مِنَ الأَفْعَالِ، أَو حُكْمٍ مِنَ الأَحْكَامِ [راجع بحث الجائز في حقه تعالى والحكمة والغرض].
- وَلا يَحْتَاجُ إِلَى الوَسَائِطِ، بِأَنْ يَخْلُقَ قُوَّةً وَيُودِعَهَا فِي الأَسْبَابِ العَادِيَّةِ [راجع بحث السبب العادي].
الدَّلِيلُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى للحَوَادِثِ مِنَ العَقْلِ: أَنَّهُ تَعَالَى لَو لَم يَكُنْ مُخَالِفًا للحَوَادِثِ فَسَيَكُونُ مُمَاثِلاً لَهَا، وَلَو كَانَ مُمَاثِلاً لها فَسَيَكُونُ مِثْلَهَا عَاجِزًا مُفْتَقِرًا، وَلَنْ يُوجَدَ شَيءٌ مِنْ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ بِسَبَبِ ذلكَ العَجْزِ، فَمُشَاهَدَةُ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَيسَ عَاجِزًا، ولا مُمَاثِلاً لِلمَخْلُوقَاتِ.
الدَّلِيلُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى للحَوَادِثِ مِنَ النَّقْلِ: قَولُه تَعَالَى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} [الشورى: 11]، وَقَولُهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ ربِّكَ رَبِّ الْعِزَّة ِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180]، وَقَولُهُ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ} [الإخلاص: 4].

(الغِنَى)
مَعْنَى الغِنَى: القِيامُ بِالنَّفْسِ.
أَو هُوَ الاستِغْنَاءُ عَنِ المَحَلِّ "أَي الاستِغْنَاءُ عَنْ ذَاتٍ يَقُومُ بِهَا"، وَالاستِغْنَاءُ عَنِ المُخَصِّصِ "أَي المُوجِدِ".
فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيسَ بِصِفَةٍ، لأَنَّ الصِّفَةَ لا تَتَّصِفُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، وَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ، كَالْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ وَالقُدْرَةِ وَالحَيَاةِ وَكَونِهِ عَالِمًا وَمُرِيدًا وَقادِرًا وَحَيًّا، إِذًا فَلَيسَ هُوَ بِصِفَةٍ بَلْ هُوَ الذَّاتُ العَلِيَّةُ الأَقْدَسُ جَلَّ وَعَزَّ.

وَهُوَ أَيضًا تَبَارَكَ وَتَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ مُوجِدٍ يُوجِدُهُ لأَنَّهُ سُبْحَانَهُ القَدِيمُ البَاقِي.
الدَّلِيلُ عَلَى غِنَاهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ العَقْلِ قِسْمَانِ:
1- الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَيسَ بِصِفَةٍ: أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُتَّصِفٌ بِصِفَاتٍ ثُبُوتيَّةٍ، لأَنَّ الصِّفَةَ لا تَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، بَلِ الذَّاتُ هِيَ التِي تَتَّصِفُ بِهَا.
2- وَالدَّلِيلُ عَلَى غِنَاهُ تَعَالَى عَنِ الموجِدِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ قِدَمِهِ.
الدَّلِيلُ عَلَى غِنَاهُ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {يَا أيهَا النَّاسُ أنتمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ} [فاطر: 15].

(الوَحْدَانِيَّةُ)
مَعْنَى الوَحْدَانِيَّةِ:
- أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى لَيسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ أَجْزَاءٍ.
- وَلَيسَ مَعَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَاتُ شَريكٍ.
- وَأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَيسَتْ مُتَعَدِّدَةً، فَلَيسَ يَتَّصِفُ تَعَالَى بِعِدَّةِ صِفَاتٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَّفِقَةٍ بالاسمِ أَو المَعْنَى، كَأنْ يَكُونَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمٍ أَو أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةٍ أَو أَكْثَرُ مِنْ قُدْرَةٍ، بَلْ عِلْمُهُ وَاحِدٌ يَنْكَشِفُ بِهِ الوَاجِبُ وَالجَائِزُ وَالمُسْتَحِيلُ، وَإِرَادَتُهُ وَاحِدَةٌ، وَقُدْرَتُهُ وَاحِدَةٌ فَعَّالٌ بِهَا لِمَا يُرِيدُ.
- وَلَيسَ مَعَ صِفَاتِهِ تَعَالَى صِفَاتٌ مِثْلُهَا.
- وَأَنَّهُ تَعَالَى المُنْفَرِدُ بالأَفْعَالِ كُلِّهَا.
- وَلَيسَ مَعَهُ مُؤَثِّرٌ يُشَارِكُهُ فِي فِعْلٍ مِنَ الأَفْعَالِ.
أَي لا ذَاتَ مَعَ ذَاتِهِ، وَلا وَصْفَ مَعَ وَصْفِهِ، وَلا فِعْلَ مَعَ فِعْلِهِ.
وَأَمَّا ذَوَاتُ الحَوادِثِ وصِفَاتُها وَأَفْعَالُهَا فَهِيَ مِنْ خَلْقِه، الذي هو مِنْ أَفْعَالِهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى.
دَلِيلُ الوَحْدَانِيَّةِ مِنَ العَقْلِ: هَذِه المَخْلُوقَاتُ، لأَنَّهُ تَعَالَى لَو لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا فَسَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الشُّرَكَاءِ عَاجِزًا لمُشَارَكَةِ غَيرِهِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ عَاجِزًا فَلَنْ تُوجَدَ المَخْلُوقَاتُ، فَوُجُودُ المَخْلُوقَاتِ دَلِيلٌ عَلَى الوَحْدَانِيَّةِ.
دَلِيلُ الوَحْدَانِيَّةِ مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].
وقَولُهُ تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إَِّلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163].
وقَولُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ} [الزمر: 62].
وقَولُهُ تَعَالَى: {واللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96].

(الشِّرْكُ وَالكُفْرُ)
الشِّرْكُ: إِدْخَالُ الغَيرِ مَعَ اللهِ تَعَالَى.
وَالكُفْرُ: الجَهَالَةُ وَالجُحُودُ بِاللهِ تَعَالَى.
أَنْواعُ الشِّرْكِ:
1 - شِرْكُ الاسْتِقْلالِ: وَهُوَ إِثبَاتُ إِلهَينِ مُسْتَقِلَّينِ مُنْفَرِدَينِ، وَهُوَ مِثْلُ شِرْكِ المَجُوسِ.
2 - شِرْكُ التَّبْعِيضِ: وَهُوَ تَرْكِيبُ الإِلهِ مِنْ آلِهَةٍ ثلاثةٍ، وَهُوَ شِرْكُ النَّصَارَى.
3 - شِرْكُ التَّقْرِيبِ: وَهُوَ عِبَادَةُ غَيرِ اللهِ تَعَالَى، كَالأَصْنَامِ وَالمَلائِكَةِ تَقَرُّبًا إِلى اللهِ تَعَالَى، وهُوَ شِرْكُ مُتَقَدِّمِي الجَاهِلِيَّةِ.
4 - شِرْكُ التَّقْلِيدِ: وَهُوَ عِبَادَةُ غَيرِ اللهِ تَعَالَى تَقْلِيدًا وَتَعَصُّبًا لِلآبَاءِ وَالأَجْدَادِ، وَهُوَ شِرْكُ مُتَأَخِّرِي الجَاهِلِيَّةِ.
5 - شِرْكُ الأَسْبَابِ: وَهُوَ إِسْنَادُ التَّأثِيرِ إِلى الأَسْبَابِ، بِاعْتِقَادِ أَنَّ الطَّعَامَ مَثَلاً يُشْبِعُ بِذَاتِهِ، وَالثَّوبَ يَسْتُرُ بِذَاتِهِ، وَهُوَ شِرْكُ الفَلاسِفَةِ وَالطَّبَائِعِيِّينَ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ شِرْكُ القَدَرِيَّةِ الَّذِينَ اعْتَقَدُوا التَّأثِيرَ لِقُدْرَةِ العَبْدِ فَقَالُوا: "إِنَّ العَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ"، فَلَزِمَ مِنْ قَولِهمْ هَذَا: القَولُ بِتَأثِيرِ الأَسْبَابِ بِقُوَّةٍ مُودَعَةٍ فِيهَا.
6 - شِرْكُ الأَغْرَاضِ: وَهُوَ العَمَلُ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى لِنَيلِ مَدْحٍ أَو رِيَاسَةٍ أَو مَالٍ أَو غَيرِ ذَلِكَ.
حُكُم الأَرْبَعَةِ الأولى: الكُفْرُ بِإجْمَاعٍ، وَحُكُمُ السَّادِسِ: المَعْصِيَةُ مِنْ غَيرِ كُفْرٍ بِإجْمَاعٍ.
وَالتَّفْصِيلُ في الخَامِسِ: فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الأَسْبَابَ العَادِيَّةَ تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا (أي بِطَبْعِهَا أو عِلَّتِها) كَفَرَ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا تُؤَثِّرُ بِقُوَّةٍ أَودَعَهَا اللهُ فِيهَا فَهُوَ فَاسِقٌ، إلا أنْ يكونَ جاهلاً فيُعَلَّمُ.

(السَّبَبُ العَادِيُّ)
السَّبَبُ العَادِيُّ: هُوَ الشَّيءُ الذِي اعْتَادَ الإِنْسَانُ بِالتَّكْرَارِ أَنَّهُ يَقْتَرِنُ بمُسَبَّبٍ، فَإِنْ وُجِدَ هَذا السَّبَبُ وُجِدَ المُسَبَّبُ عَادَةً، وَإِنْ عُدِمَ عُدِمَ المُسَبَّبُ عَادَةً.
كَالدَّوَاءِ، اعْتَادَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَقْتَرِنُ بِالشِّفَاءِ، فَالدَّوَاءُ هُوَ السَّبَبُ العَادِيُّ، وَالشِّفَاءُ هُوَ المُسَبَّبُ، وَالطَّعَامُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَالشِّبَعُ هُوَ المُسَبَّبُ، وَالنَّارُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَالإحْرَاقُ هُوَ المُسَبَّبُ، وَالشَّمْسُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَالضِّيَاءُ هُوَ المُسَبَّبُ، وَالسِّكِّينُ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَالقَطْعُ هُوَ المُسَبَّبُ.
والسَّبَبُ العَادِيُّ لا يُؤَثِّرُ في المُسَبَّبِ بِذَاتِهِ وَلا بِقُوَّةٍ خَلَقَهَا اللهُ تعالى وَأَودَعَهَا فيهِ: فلَيسَ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى في الكَونِ تَأْثِيرٌ، ولَو كَانَ لِلدَّوَاءِ تَأْثِيرٌ بِذَاتِهِ وَبِهَذَا التَّأْثِيرِ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ، لَتَعَدَّدَ المُؤَثِّرُ، وَهُوَ يَتَنَافَى مَعَ الوَحْدَانِيَّةِ للهِ تَعَالَى الثَّابِتَةِ بالنَّقْلِ وَالعَقْلِ، وكَذَلِكَ يُقَالُ في بَقِيَّةِ الأَسْبَابِ العَادِيَّةِ.
وَلَيسَ في هَذِه الأَسْبَابِ العَادِيَّةِ قُوَّةٌ مَخْلُوقَةٌ مُودَعَةٌ، فَلَو أَنَّ مَولانَا خَلَقَ قُوَّةً وَأَودَعَهَا في هَذِهِ الأَسْبَابِ، لكَانَتْ وَسَائِطَ بَينَهُ تَعَالَى وَبَينَ المُسَبَّبَاتِ، وَلا يَحْتَاجُ إِلى الوَسَائِطِ إِلاّ المَخْلُوقُ الحَادِثُ، وَهُوَ تَعَالَى مُخَالِفٌ لِلحَوادِثِ.

وَافْتِرَاضُ القُوَّةِ المُودَعَةِ في الأَسْبَابِ يَعْنِي أَيضًا أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى لمْ تَتَعَلَّقْ في كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، لأَنَّ قُدرَةَ الإِلهِ مُطْلَقَةٌ لا يُقَيِّدُهَا مُقَيِّدٌ، فَلَو قَيَّدَهَا مُقَيِّدٌ مَا فَسَتَكُونُ حَادِثةً، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ.
فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى واحِدٌ في أَفْعَالِهِ، يَخْلُقُ المُسَبَّبَ عنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ عَادَةً، وَقَدْ يَخْلُقُ المُسَبَّبَ مِنْ غَيرِ سَبَبٍ خَرْقًا لِلعَادَةِ، وَقَدْ يَخْلُقُ السَّبَبَ مِنْ غَيرِ مُسَبَّبٍ خَرْقًا لِلعَادَةِ أَيضًا.

(خَوَارِقُ العَادَاتِ)
تُخْرَقُ العَادَةُ في الحَالاتِ الآتيةِ:
1 - مُعجِزَةً لِرَسُولٍ، فَيَظْهَرُ خَارِقُ عَادَةٍ بَعْدَ بِعْثَتِهِ تَصْدِيقًا لَهُ، كَانْشِقَاقِ القَمَرِ لِلنَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [رَاجِع سُورَةَ القَمَرِ: 1].
2 - أَو إِرْهَاصًا لِرَسْولٍ، فَيَظْهَرُ خَارِقُ عَادَةٍ قَبْلَ بِعْثَتِهِ تَهْيِئَةً لَهُ، كَسَلامِ الحَجَرِ عَلَيهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بِعْثَتِهِ [رَاجع الحديث الذي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ ج5ص89 ورَوَاهُ أيضًا مُسْلِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ].
3 - أَو كَرَامَةً لِوَلِيٍّ صَالِحٍ، فَيَظْهَرُ خَارِقُ عَادَةٍ عَلَى يَدِهِ تَأييدًا مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَإِكْرَامًا، كَإِتْيَانِ صَاحِبِ سُلَيمَانَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بِعَرْشِ بَلْقِيسَ [راجع سُورَةَ النَّمْلِ: 39-40].
4 – أَو إِعَانَةً لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَدُعَائِهِمْ [كَمَا في الاسْتِسْقَاءِ، راجِع الحَدِيث رَقَم 3507 في البُخَارِيُّ].
5 - أَو اسْتِدْرَاجًا لِفَاسِقٍ كَذَّابٍ، فَيَظْهَرُ خَارِقُ عَادَةٍ عَلَى يَدِهِ وَفْقَ مُرَادِهِ، كَمَا يَكُونُ في فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَالِ [راجِع الحَدِيثَ رَقَم3160 في البُخَارِي].
6 - أَو إِهَانَةً لِفَاسِقٍ، فَيَظْهَرُ خَارِقُ عَادَةٍ عَلَى يَدِهِ عَلَى غَيرِ مُرَادِهِ إِهَانَةً لَهُ، كَمَا حَصَلَ لِمُسَيْلَمَةَ الكَذَّابِ حِينَ سمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَقَ في بِئْرٍ فَفَارَتْ، فَبَصَقَ هُوَ في بِئْرٍ فَجَفَّتِ البِئْرُ وَغَارَتْ [راجِع الجَامِعَ في السِّيرَةِ النَّبَويَّةِ: ج4ص453].
وَالتَّفْرِيقُ وَاجِبٌ بَينَ المُعْجِزَةِ التي هِيَ تَصْدِيقٌ مِنَ اللهِ تَعَالى لِلرُّسُلِ وَبَينَ خَوَارِقِ العَادَةِ الأُخْرَى الَتي مِنْهَا الاسْتِدْرَاجُ الظاهرُ عَلَى يَدِ الفُسَّاقِ والكَاذِبِينَ.
فَحَقِيقةُ الإعْجَازِ في المُعْجِزَةِ هِيَ إِثبَاتُ عَجْزِ المُنْكِرينَ المُكذِّبِينَ عَنْ أَنْ يَأتُوا بِمِثْلِ المُعْجِزَةِ، لأنَّ المُعْجِزَةَ أمْرٌ خَارِقٌ لِلعَادَةِ يَقْتَرِنُ بِدَعْوَى الرَّسُولِ لِلرِّسَالَةِ مَعَ التَّحَدِّي وعَدَمِ إمْكَانِ أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ أنْ يُعَارِضَ هَذِهِ المُعْجِزَةَ بِأَنْ يَأتيَ بِمِثْلِهَا، وَمَولانَا جَلَّ وعَزَّ لا يَخْلُقُ خَارِقَ العَادَةِ مُقْتَرِنًا بِدَعْوى الرِّسَالَةِ عَلى أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّسَالَةِ إلاّ عَلَى يَدِ رَسُولٍ، فَلا يَخْلُقُ مِثْلَهُ عَلى يَدِ كَذَّابٍ.
هذا قَبْلَ بِعثَةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ والأنْبِياءِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، لاحْتِمَالِ بِعْثَةِ رَسُولٍ قَبْلَهُ، وأمَّا بَعْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يلتَبِسُ الأمْرُ لأَنَّ كُلَّ ادِّعاءٍ للرِّسَالَةِ بَعْدَهُ مُكَذَّبٌ بِصَريحِ القُرآنِ الكَريمِ بِقولِهِ تَعَالى عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].

(الأَمْرَاضُ أَسْبَابٌ عَادِيَّةٌ)
مَعْنَى قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ (الَّذي رَواهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ) "لا عَدْوَى" [صَحِيحُ مُسْلِمٍ، الحَدِيثُ رَقَم 5761]: أَنَّ الأَمْرَاضَ لا تُعْدِي بِنَفْسِهَا وَلا بِقُوَّةٍ مَخْلُوقَةٍ مُودَعَةٍ فِيهَا، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يَخْلُقُ التَّأْثِيرَ عِنْدَهَـا، فَهِيَ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَلا يُعَطِّلُ هَذَا الاعْتِقَادُ النَّهْيَ الشَّرْعِيَّ عَنِ الذَّهَابِ إِلى مَحَلِّ الأَوبِئَةِ وَالخُرُوجِ مِنْهَا، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ.


(خَلْقُ الأَفْعَالِ الاخْتِيَارِيَّةِ وَكَسْبُ العَبْدِ)
كَمَا أَنَّ قُدْرَةَ العَبْدِ المَخْلُوقِ لا تُوجِدُ الذَّوَاتَ فَهِيَ لا تُوجِدُ الأَفْعَالَ الاخْتِيَارِيَّةَ، فَالعَبْدُ لا يَخْلُقُ بقُدْرَتِهِ كِتَابَتَهُ وَقِرَاءَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَأَفْعَالَهُ: وَأَفْعَالُنَا الاخْتِيَارِيَّةُ مَخْلُوقَةٌ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيسَتْ قُدْرَتُنَا المَخْلُوقَةُ وَاسِطَةً بَينَ مَولانَا والأَفْعَالِ، لَكِنَّ الأَمْرَ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ في بَحْثِ السَّبَبِ العَادِيِّ، فاخْتِيَارُ العَبْدِ سَبَبٌ عَادِيٌّ، وَاقْتِرَانُ الفِعْلِ المَخْلُوقِ بِقُدْرَةِ العَبْدِ الحَادِثَةِ هُوَ المُسَبَّبُ، وَلَيسَ لِغَيرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الكَونِ تَأثِيرٌ، لأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الوَاحِدُ في أَفْعَالِهِ.
كَسْبُ العَبْدِ: هُوَ اقْتِرَانُ قُدْرَةِ العَبْدِ الحَادِثَةِ بِالفِعْلِ المَخْلُوقِ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
يَسْتَطِيعُ العَبْدُ أَنْ يَجْمَعَ بَينَ شُعُورِهِ بِاخْتِيَارِهِ، واعْتِقَادِهِ أَنَّ الفَاعِلَ في الكَونِ وَاحِدٌ هُوَ اللهُ تَعَالَى، وأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لَمْ يَكُنْ: وذلك حِينَ يَعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ الشُّعُورِ بِالاخْتِيَارِ هُوَ الحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ، وَأَنَّ مَحَلَّ الاعْتِقَادِ هُوَ القَلْبُ، فَلا تَنَافِيَ لاخْتِلافِ المَحَلَّينِ: الأَوَّلُ في جَوَارِحِ العَبْدِ، وَالثَّانِي في قَلْبِهِ.
أَشَارَ مَولانَا إِلى الرُّؤْيَةِ الإِسْلامِيَّةِ بِقَولِهِ تَعَالَى: {أفَرَأيتمْ مَّا تَحْرُثونَ} [الواقعة: 63].
وَأَشَارَ إِلى التَّصْدِيقِ الإيمَانيِّ والاعْتِقَادِ المُطَابِقِ لِلوَاقِعِ بِقَولِهِ تَعَالَى: {أأنتمْ تزْرَعُونهُ أمْ نحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64].
وَلا يَسْتَطِيعُ العَبْدُ إِنْكَارَ شُعُورِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَالتَّكْلِيفُ الشَّرْعِيُّ مُتَنَاسِبٌ مَعَ حَوَاسِّهِ وَاخْتِيَارِهِ.
وَاعْتِقَادُ العَبْدِ بِانْفِرَادِهِ تَعَالى في أفْعَالِهِ – كَمَا تَقَدَّمَ - مَحَلُّهُ القَلْبُ وَلَيسَ الحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ، فَيُصَدِّقُ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنًا أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ، مِنْ غَيرِ بَحْثٍ في كَيفِيَّةِ انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالخَلْقِ، الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ تَنـزَّهَ عَنْ تَكْيِيفِ العُقُولِ، قَدِ اخْتَصََ بِهِ مَولانَا سُبْحَانَهُ.
وَالشُّعُورُ بِالاخْتِيَارِ هُوَ مِنَ رُكْنِ الإِسْلامِ، وَالاعْتِقَادُ بانْفِرَادِهِ تَعَالى في أَفْعَالِهِ هُوَ مِنْ رُكْنِ الإِيمَانِ.

(مَعْنَى لا إِلهَ إِلا اللهُ)
مَعْنَى لا إِلهَ إِلا اللهُ: أَنَّهُ لا يَسْتَغْنِيْ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَلا يَفْتَقِرُ إِلَيهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ إِلا اللهُ تَعَالَى، وَلا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلا اللهُ، أَي لا يَسْتَحِقُّ العُبُودِيَّةَ لَهُ إِلاَّ اللهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ.


(صِفَاتُ المَعاني)
(القُدْرَةُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بقُدْرَةٍ قَدِيمَةٍ، بَاقِيَةٍ، مُخَالِفَةٍ لِقُدْرَتِنَا الحَادِثَةِ، غَنِيَّةٍ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدَةٍ، تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ المُمْكِنَاتِ، يُوجِدُ المَولَى بِهَا المُمْكِنَ وَيُعْدِمُهُ وَفْقَ إِرَادَتِهِ.
والمُمْكِنَاتُ مَجْمُوعَةٌ فِي البَيتَينِ:
المُمْكِنَاتُ المُتَقَابِلاتُ
أَزْمِنَةٌ، أَمْكِنَةٌ، جِهَاتُ،
وُجُودُنَا وَالعَدَمُ، الصِّفَاتُ
كَذَا المَقَادِيرُ، رَوى الثِّقَاتُ


الدَّلِيلُ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].

(الإِرَادَةُ)
الوَاجِبُ اعتِقَادُهُ في إِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بإرادةٍ قَدِيمَةٍ، بَاقِيَةٍ، مُخَالِفَةٍ لإرَادَتِنَا الحَادِثةِ، غَنِيَّةٍ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدَةٍ، تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ المُمْكِنَاتِ، يُخَصِّصُ المَولَى بِهَا المُمْكِنَ وَفْقَ عِلْمِهِ.
الدَّلِيلُ عَلَى إِرَادَتِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14].

(العِلْمُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في عِلْمِ اللهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أنَّ الله تَعَالى مُتَّصِفٌ بِعِلْمٍ قَديمٍ، بَاقٍ، مُخَالِفٍ لِعِلْمِنَا الحَادِثِ، غَنِيٍّ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدٍ، تَنْكَشِفُ بِهِ جَمِيعُ الوَاجِبَاتِ وَالجَائِزَاتِ وَالمُسْتَحِيلاتِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالوَاجِبَاتِ وَالجَائِزَاتِ وَالمُسْتَحِيلاتِ تعلُّقَ انكشافٍ مِنْ غَيرِ سَبقِ خَفاءٍ.
الدَّلِيلُ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75].
وقَولُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلا تَضَعُ إَِّلا بعِلْمِهِ} [فاطر: 11].


(الحَيَاةُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في حَيَاةِ اللهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أنَّ الله تَعَالى مُتَّصِفٌ بحَيَاةٍ قَدِيمَةٍ، بَاقِيَةٍ، مُخَالِفَةٍ لحياتِنا الحَادِثةِ، غَنِيَّةٍ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدَةٍ، ولا تَعَلُّقَ لها بِشَيءٍ [والتَّعلُّق: هوَ اقْتِضاءُ الصِّفَةِ أمرًا زائدًا على قيامِهَا بالذَّاتِ].
الدَّلِيلُ عَلَى حَيَاتِهِ تَعَالَى مِنَ النَّقْلِ: قَولُهُ تَعَالَى: {هُوَ الحَيُّ} [غافر: 65].
الدَّلِيلُ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحَيَاتِهِ مِنَ العَقْلِ: هَذِهِ المَخْلُوقَاتُ، لأَنَّهُ لَو انْتَفَى شَيءٌ مِنْ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ لمَا وُجِدَتِ المَخْلُوقَاتُ، لأَنَّ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ إذا أرَادَ فِعْلَ شَيءٍ لا يَفْعَلُهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالفِعْلِ، ثمَّ يُرِيدُ الأَمْرَ الذِي يَفْعَلُهُ، ثمَّ يُبَاشِرُ فِعْلَهِ بِقُدْرَتِهِ، وَلا بدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الفَاعِلُ حَيًّا.
هَذا مَا يَتَعَقَّلُهُ العَقْلُ في المَخْلُوقِينَ، وأمَّا مَولانا جَلَّ وعَزَّ فَلا تَرْتِيبَ في صِفَاتِهِ، إذِ التَّرْتِيبُ هُوَ لِتَعَقُّلِنَا.


(السَّمْعُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في سَمْعِهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِسَمْعٍ قَدِيمٍ، بَاقٍ، مُخَالِفٍ لِسَمعِنَا الحَادِثِ، غَنِيٍّ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدٍ، تَنْكَشِفُ بِهِ ذَاتُهُ تَعَالى وَصِفَاتُهُ، وَتَنْكَشِفُ بِهِ المَوجُوداتُ الحَادِثةُ جميعًا، وَتَعَلُّقُ السَّمْعِ هو تَعَلُّقُ انْكِشَافٍ مُغايرٍ للانْكِشَافِ بالعِلْمِ والبَصَرِ.


الدَّلِيلُ عَلَى سَمْعِهِ تَعَالى: هُوَ مِنَ النَّقْلِ، وهُوَ قَولُهُ تَعَالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: 1].
وَقَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [غافر: 56].

(البَصَرُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في بَصَرِهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِبَصَرٍ قَدِيمٍ، بَاقٍ، مُخَالِفٍ لِبَصَرِنَا الحَادِثِ، غَنِيٍّ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدٍ، تَنْكَشِفُ بِهِ ذَاتُهُ تَعَالى وَصِفَاتُهُ، وتَنْكَشِفُ بِهِ المَوجُودَاتُ الحَادِثةُ، وتَعَلُّقُ البَصَرِ هو تَعَلُّقُ انْكِشَافٍ مُغَايرٍ للانْكِشَافِ بالعِلْمِ وَالسَّمْعِ.
الدَّلِيلُ عَلَى بَصَرِهِ تَعَالَى: هُوَ مِنَ النَّقْلِ، وَهُوَ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنهُ بِكُلِّ شَيءٍ بَصِيرٌ} [المُلْك: 19].
وَقَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [غافر: 56].

(الكَلامُ)
الوَاجِبُ اعْتِقَادُهُ في كَلامِهِ تَعَالَى مَعَ الإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِكَلامٍ قَدِيمٍ، بَاقٍ، مُخَالِفٍ لِكلامِنَا الحَادِثِ، غَنِيٍّ عَنِ المُخَصِّصِ، وَاحِدٍ، يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ الوَاجِبَاتِ وَالجَائِزَاتِ وَالمُسْتَحِيلاتِ، فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالوَاجِبَاتِ والجَائِزَاتِ والمُسْتَحِيلاتِ تَعَلُّقَ دِلالَةٍ.
كَلامُ اللهِ تَعَالَى الذَّاتِيُّ الأَزَلِيُّ الذي اتَّصَفَتْ بِهِ ذَاتُهُ العَلِيَّةُ أَزَلاً هُوَ غَيرُ الأَلْفَاظِ الَّتي عَلَى الأَلْسِنَةِ التَّالِيةِ لِلقُرْآنِ الكَرِيمِ، وَغَيرُ الحِبْرِ الذِي عَلَى أَورَاقِ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ، فالحُرُوفُ المَكْتُوبَةُ في المُصْحَفِ الشَّرِيفِ أَشْكَالٌ كِتَابِيَّةٌ تُشَاهَدُ بِالعَينِ، وَالأَلْفَاظُ التِي عَلَى الأَلْسِنَةِ أَصْوَاتٌ تُسْمَعُ بِالآذَانِ، وَالأَشْكَالُ الكِتَابِيَّةُ وَالأَصْوَاتُ لا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّهَا حَادِثةٌ.
وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الوَصْفَ القَدِيمَ يَحُلُّ في المُصْحَفِ يَلْزَمُهُ إِذَا احْتَرَقَ المُصْحَفُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ وَصْفَ اللهِ القَدِيمَ قَدِ احْتَرَقَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَالصِّلَةُ بَينَ مَا كُتِبَ وَسُمِعَ وَبَينَ الكَلامِ الأَزَلِيِّ القَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى: هِيَ أَنَّ مَا كُتِبَ وَسُمِعَ دَالٌّ عَلَى كَلامِ اللهِ تَعَالَى القَدِيمِ إِجمَالاً، وَعَلَى بَعْضِ مَدْلُولاتِهِ تَفْصِيلاً، وَكَمَا أَنَّنَا إِذَا كَتَبْنَا اسْمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في وَرَقةٍ دَلَّ مَا كُتِبَ عَلَيهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَكُنْ مَولانَا حَالاًّ في تِلْكَ الوَرَقَةِ، فَكَذَلِكَ الصِّلَةُ بَينَ الأَلْفَاظِ وَالكَلامِ الأَزَلِيِّ، وَكَمَا أَنَّنَا إِذَا ذَكَرْنَا اللهَ تَعَالَى كَانَ الذِّكْرُ حَادِثًا والمَذْكُورُ قَدِيمًا، فَكَذَلِكَ إِذَا قَرَأنا القُرْآنَ كَانَتِ القِرَاءةُ حَادِثةً وَالمَقْرُوءُ قَدِيمًا.

ويُطْلَقُ شَرْعًا لَفْظُ (القُرْآنِ) و(كَلامِ اللهِ) عَلَى الوَصْفِ القَدِيمِ، ويُطْلَقُ عَلَى القِرَاءةِ وَالأَلْفَاظِ الحَادِثَةِ.
الدَّلِيلُ عَلَى كَلامِهِ تَعَالَى: هُوَ مِنَ النَّقْلِ، وَهُوَ قَولُهُ تَعَالَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
وَقَولُهُ تَعَالَى: {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253].

(الصِّفَاتُ المَعْنَوِيَّةُ)
كَونُهُ تَعَالَى قَادِرًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالقُدْرَةِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ القُدْرَةِ.
كَونُهُ تَعَالَى مُرِيدًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالإِرَادَةِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ الإرَادَةِ.
كَونُهُ تَعَالَى عَالِمًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالعِلْمِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ العِلْمِ.
كَونُهُ تَعَالَى حَيًّا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالحَيَاةِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ الحَيَاةِ.
كَونُهُ تَعَالَى سَمِيعًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالسَّمْعِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ السَّمْعِ.
كَونُهُ تَعَالَى بَصِيرًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالبَصَرِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ البَصَرِ.
كَونُهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّصَافِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِالكَلامِ، وَدَلِيلُهُ هُوَ دَلِيلُ الكَلامِ.

(لَفْظُ الإِرَادَةِ وَلَفْظُ المَشِيئَةِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ)
لَفْظُ الإِرَادَةِ وَلَفْظُ المَشِيئَةِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ: قَدْ يَرِدُ لَفْظُ الإِرَادَةِ مُرَادِفًا لِلَفْظِ المَشِيئَةِ، كَمَا في قَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أمْرُهُ إِذَا أرَادَ شَيئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالإِرَادَةِ الكَونِيَّةِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالخَيرِ وَالشَّرِّ وَالإِيمَانِ وَالكُفْرِ، فَلا يَكُونُ في مُلْكِهِ تَعَالَى إِلا مَا شَاءَهُ، أَي أَرَادَهُ إِرَادَةً كَونِيَّةً.
وَقَدْ يَرِدُ لَفْظُ الإِرَادَةِ مُرَادِفًا لِلَفْظِ المَحَبَّةِ وَالرِّضَى، كَمَا في قَولِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185]، وَهُوَ كَقَولِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة: 205]، وَقَولِهِ تَعَالَى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الإِرَادَةِ بالإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ، وَهِيَ لا تَتَعَلَّقُ إِلاَّ بِالطَّاعَةِ وَالخَيرَاتِ التِي أَمَرَ بِهَا مَولانَا عَلَى لِسَانِ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.




(الجَائِزُ في حَقِّهِ تَعَالَى)
الجَائِزُ في حَقِّهِ تَعَالَى: فِعْلُ كُلِّ مُمْكِنٍ أَو تَرْكُهُ، وَأَفْرَادُهُ كَثِيرَةٌ لا تُعَدُّ، مِنْهَا:
خَلْقُهُ تَعَالَى لِلأَشْيَاءِ، وَرَزْقُهَا، وَإِمَاتَتُهَا، وَإِحيَاؤُهَا، وَإِرسَالُ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَإِثابَةُ المُطِيعِ، وَتَعْذِيبُ العَاصِي، وتَنـزُّلُ القَضَاءِ وَالقَدَرِ، وَرُؤْيَةُ المُؤْمِنِينَ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الآخِرَةِ، وَإِيجَادُهُ تَعَالَى لِلحِكْمَةِ في أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ..

(الحِكْمَةُ الجَائِزَةُ وَالغَرَضُ المُسْتَحِيلُ)
الحِكْمَةُ: هِيَ المَصْلَحَةُ وَالمَنْفَعَةُ العَائِدَةُ عَلَى المَخْلُوقَاتِ، بِسَبَبِ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى، أَو حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِـهِ، كَأَنْ تَظْهَرَ مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ خَلْقِهِ تَعَالَى لِلنَّحْلِ مَثَلاً، وَمَنْفَعَةٌ وَمَصْلَحَةٌ مِنْ حُكْمِ تَحْرِيمِهِ تَعَالَى الخَمْرَ، مِنْ غَيرِ أَنْ تَكْونَ هَذِهِ المَصْلَحَةُ بَاعِثَةً لَهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الفِعْلِ أَو ذَاكَ الحُكْمِ، وَخَلْقُ هَذِهِ المَنْفَعَةِ وَالمَصْلَحَةِ جَائِزٌ لَيسَ بِوَاجِبٍ عَلَيهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَهَذِهِ الحِكْمَةُ الجَائِزَةُ هِيَ غَيرُ الغَرَضِ المُسْتَحِيلِ، الذِي هُوَ بَاعِثٌ يَبْعَثُهُ عَلَى فِعْلٍ أَو حُكْمٍ لِيَعُودَ ذَلِكَ عَلَيهِ أَو عَلَى خَلْقِهِ بِالمَنْفَعَةِ ودَفْعِ المَضَرَّةِ.

مِثَالُ الغَرَضِ عِنْدَ المَخْلُوقِ: حِينَ يُرِيدُ الإِنْسَانُ المَاءَ في البَادِيَةِ يَحْفُرُ في الأَرْضِ بِئْرًا، فَالغَرَضُ هُوَ المَاءُ، وَالفِعْلُ هُوَ الحَفْرُ، وَقَدْ كَانَ الغَرَضُ بَاعِثًا عَلَى الفِعْلِ بِسَبَبِ اضْطِرَارِ صَاحِبِ ذَلِكَ الغَرَضِ إِلى غَرَضِهِ.
مِثَالُ الغَرَضِ المُسْتَحِيلِ في فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِ تَعَالَى، وَفي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِهِ:
مِثَالُ الغَرَضِ المُسْتَحِيلِ في الفِعْلِ: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْلُقَ مَولانَا الجَنَّةَ وَالنَّارَ مَثَلاً بِغَرَضِ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، لِتَكُونَ لَهُ تَعَالى مَنْفَعَةٌ وَمَصْلَحَةٌ أو دَفْعٌ للمَضَرَّةِ عَنْهُ بِخَلْقِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وتَنْدَفِعُ بذلك تُهْمَةُ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ، بمعنى أنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلُقْ جَنَّةً وَلا نَارًا اتُّهِمَ بِتِلْكَ التُّهْمَةِ، فَيَكُونُ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ الفِعْلِ مَدْفُوعًا إِلَيهِ لِجَلْبِ المَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَتَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلونَ} [الأنبياء: 23].
مِثَالُ الغَرَضِ المُسْتَحِيلِ في الحُكْمِ: مِنَ المُسْتَحِيلِ أَنْ يَكُونَ مَولانَا مُضْطَرًّا لِتَحْرِيمِ الخَمْرِ وَالزِّنَى مَثَلاً لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ خَلْقِهِ، وَلَيسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، لأَنَّ مَولانَا هُوَ خَالِقُ الضَّرَرِ، الفعّالُ لما يُريدُ، فَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الضَّرَرَ بِدُونِ ذَلِكَ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ الحُكْمِ أَو ذَلِكَ الفِعْلِ حِكْمَةٌ، وَهِيَ المَنْفَعَةُ لِلخَلْقِ مِنْ غَيرِ أَنْ تَكُونَ بَاعِثَةً لَهُ تَعَالَى، وَمِنْ غَيرِ أَن يَكُونَ مُضْطَرًّا إِلَيهَا، فَهَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ لَيسَ بِمُسْتَحِيلٍ، وَكَذَا يُقَالُ في جَمِيعِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ: الحِكْمَةُ فِيهَا جَائِزَةٌ، وَالغَرَضُ فِيهَا مُسْتَحِيلٌ.

(العَدْلُ وَالظُّلْمُ)
عَدْلُهُ تَعَالَى لا يُقَابِلُهُ الظُّلْمُ: فَالعَدْلُ وَالظُّلْمُ يَتَقَابَلانِ في المَخْلُوقِ، أَمَّا مَولانَا فَالمُقَابِلُ لِعَدْلِهِ فَضْلُهُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ فَلا يُتَصَوَّرُ أَصْلاً في حَقِّهِ تَعَالَى لأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلِيٌّ، وَمَعْنَاهُ: التَّصَرُّفُ في مُلْكِ الغَيرِ بِغَيرِ إِذْنِ مَالِكِهِ، وَلا مُلْكَ لِغَيرِ اللهِ تَعَالَى، وَلا شَرِيكَ لَهُ في خَلْقِهِ، قالَ الإمامُ اللقّانيُّ في جَوْهَرَتِـهِ:
فَإِنْ يُثِبْنَــا فَبِمَحْضِ الفَضْلِ

وَإِنْ يُعَذِّبْ فَبِمَحْضِ العَــدْلِ

(الفَرْقُ بَينَ إِحْدَاثِ الكَونِ وَحُدُوثِهِ)
مُلاحَظَةٌ فِي الفَرْقِ بَينَ إِحْدَاثِ الكَونِ وَحُدُوثِهِ:
إِحْدَاثُ الكَونِ: أَي خَلْقُهُ تَعَالَى لَهُ، وهُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَالفِعْلُ جَائِزٌ في حَقِّهِ تَعَالَى، فهُوَ الفَعَّالُ لِما يُرِيدُ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23].
أَمَّا حُدُوثُ الكَونِ: فَيَعْنِي أَنَّ وُجُودَهُ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَ
مِ، أَي أَنَّهُ لَيسَ قَدِيمًا، وَحُدُوثُ الكَونِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى، وَالحُدُوثُ لِلكَونِ وَاجِبٌ عَقْلِيٌّ، وَقِدَمُهُ مُسْتَحِيلٌ.
(العَقَائِدُ النَّبَوِيَّةُ)
(صِفَاتُ الرُّسُلِ)
الوَاجِبُ العَقْلِيُّ في حَقِّ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: أَرْبَعُ صِفَاتٍ هِيَ: الصِّدْقُ وَالأَمَانَةُ وَالتَّبْلِيغُ وَالفَطَانَةُ.
الصِّدْقُ في حَقِّهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُمْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَمُطَابِقًا لاعْتِقَادِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَيَصْدُقُونَ في كُلِّ مَا يُبَلِّغُونَهُ عَنِ المَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلا يَقَعُ مِنْهُمُ الكَذِبُ في شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ لا عَمْدًا وَلا سَـهْوًا.
دَلِيلُ صِدْقِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنَ العَقْلِ وَمِنَ النَّقْلِ: الدَّلِيلُ مِنَ العَقْلِ ظُهُورُ المُعْجِزَاتِ عَلَى أَيدِيهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، بِإِظْهَارِهِ تَعَالَى لِلْمُعْجِزَةِ عَلَى أَيدِيهِمْ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: صَدَقَ هَذَا العَبْدُ في كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِّي، فَلَو كَذَبُوا فَصَدَّقَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالمُعْجِزَةِ يَكُونُ تَصْدِيقُهُ لَهُمْ كَذِبًا، لأَنَّ تَصْدِيقَ الكَاذِبِ كَذِبٌ، وَالكَذِبُ مُحَالٌ في حَقِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، لأَنَّ الكَذِبَ هُوَ مُخَالَفَةُ الخَبَرِ لِلعِلْمِ، وَتَصْدِيقُهُ لَهُمْ هُوَ خَبَرٌ فِعْلِيٌّ [والخَبَرُ نَوعَانِ: قَولِيٌّ (أَو حَقِيقِيٌّ)، وَفِعْلِيٌّ (أَو حُكْمِيٌّ)، فَالْقَولِيُّ كَأَنْ تُخْبِرَ بِكَلامِكَ عَنْ شَيءٍ مَا، وَالفِعْلِيُّ كَأَنَ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّ المَلِكَ يُصَدِّقُ زَيدًا، وَعَلامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرِمُهُ بِهَدِيَّةٍ يُقَدِّمُهَا لَهُ فَيُقَدِّمُ المَلِكُ لَهُ الهَدِيَّةَ أَمَامَ المَلأِ، فيَكُونُ الخَبَرُ بِفِعْلِ المَلِكِ لا بِقَولِهِ]، وَخَبَرُهُ تَعَالَى هُوَ وَفْقَ عِلْمِهِ، وَالخَبَرُ وَفْقَ العِلْمِ لا يَكُونُ إِلاَّ صِدْقًا، فَخَبَرُهُ تَعَالَى لا يَكُونُ إِلا صِدْقًا.
وَالدَّلِيلُ مِنَ النَّقْلِ قَولُهُ تَعَالَى: {وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52].

الأَمَانَةُ في حَقِّهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: هِيَ حِفْظُ جَمِيعِ جَوَارِحِهم الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ مِنَ الوُقُوعِ في مُحَرَّمٍ أَو مَكْرُوهٍ أَو خِلافِ الأَولَى.
الدَّلِيلُ عَلَى أَمَانَتِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنَ العَقْلِ وَمِنَ النَّقْلِ: الدَّلِيلُ مِنَ العَقْلِ أَنَّهُمْ لَو لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ بِأَنْ خَانُوا فَوَقَعَ مِنْهُمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مِنْ مُحَرَّمٍ أَو مَكْرُوهٍ، لَكُنَّا مَأمُورِينَ بِفِعْلِ المَنْهِيِّ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتدُونَ} [الأعراف: 158].
وَلا يَصِحُّ أَنْ نَكُونَ مَأمُورِينَ بِمُحَرَّمٍ أَو مَكْرُوهٍ، لِقَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28].
وَكَذَلِكَ لِمَا يَنْتُجُ مِنَ التَّنَافي، وَهُوَ اجْتِمَاعُ كَونِ الخِيَانَةِ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ نَهْيِهِ تَعَالَى عَنْهَا، وَكَونِهَا طَاعَةً بِسَبَبِ أَمْرِهِ تَعَالَى لنَا بِاتِّبَاعِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَالدَّلِيلُ مِنَ النَّقْلِ قَولُهُ تَعَالَى: {وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].

التَّبْلِيغُ في حَقِّهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بَلَّغُوا كُلَّ مَا أَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِتَبْلِيغِهِ لِلخَلْقِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْهُ شَيئًا لا نِسْيَانًا وَلا عَمْدًا.
الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوُبِ التَّبْلِيغِ مِنَ العَقْلِ وَمِنَ النَّقْلِ: الدَّلِيلُ مِنَ العَقْلِ أَنَّهُمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَو كَتَمُوا شَيئًا مِمَّا أُمِرُوا بِتَبْلِيغِهِ لَكُنَّا مَأمُورِينَ بِكِتْمَانِ العِلْمِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِمْ، وَكُنَّا مِنْ جِهَةٍ أخْرَى مَنْهِيِّينَ عَنِ الكِتْمَانِ لِقَولِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتمُونَ مَا أنـزلنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159]، فَيَجْتَمِعُ المُتَنَافِيَانِ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ في العَقْلِ.
وَالدَّلِيلُ مِنَ النَّقْلِ قَولُهُ تَعَالَى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ} [المائدة: 99].

الفَطَانَةُ في حَقِّهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مَعْنَاهُ الذَّكَاءُ وَالحِذْقُ بِحَيثُ يَكُونُ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى إِبْطَالِ دَعَاوي الخُصُومِ وَمُحَاجَجَتِهِمْ.
الدَّلِيلُ عَلَى فَطَانَتِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنَ العَقْلِ وَمِنَ النَّقْلِ: الدَّلِيلُ مِنَ العَقْلِ هُوَ أَنَّ إِقَامَةَ الحُجَجِ عَلَى الخَصْمِ لا تَكُونُ إِلا مِنَ الفَطِنِ، فَلَو لَمْ يَكُونُوا فُطَنَاءَ لَمَا قَدِرُوا عَلَى إِقَامَةِ الحُجَّةِ، وَقَدْ ثبَتَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الحُجَجَ فَوَجَبَتِ الفَطَانَةُ لهمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
وَالدَّلِيلُ مِنَ النَّقْلِ قَولُهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتينَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَومِهِ} [الأنعام: 82].


المُسْتَحِيلاتُ في حَقِّهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: هِيَ الكَذِبُ، وَالخِيَانَةُ، وَالكِتْمَانُ، وَالبَلادَةُ، تَنـزَّهُوا عَنْ جَمِيعِهَا عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.
الدَّلِيلُ عَلَى المُسْتَحيلاتِ في حَقِّهِمْ عَلِيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ: هوَ نَفْسُ دَلِيلِ الوَاجِبَاتِ.


الجَائِزُ في حَقِّ الرُّسُلِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: وُقُوعُ الأَعرَاضِ البَشَرِيَّةِ التِي لا تُؤَدِّي إِلى نَقْصٍ في مَرَاتِبِهِمُ العَلِيَّةِ، كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكاحِ وَالمَرَضِ غَيرِ المُنَفِّرِ وَالجُوعِ وَالفَقْرِ وَالغِنَى وَأَذِيَّةِ الخَلْقِ لَهُمْ وَالنِّسْيانِ بَعْدَ التَّبْلِيغِ وَالسَّهوِ في الأَفعَالِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصَّلاةِ، وَالنَّومِ لأَعْيُنِهِمْ لا لِقُلوبِهِمْ...
الحِكْمَةُ مِنْ وُقُوعِ المَرَضِ بِهِمْ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَالجُوعِ وَالفَاقَةِ وَأَذِيَّةِ الخَلْقِ لَهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ أَصْفِياءُ اللهِ تَعَالَى: أنَّهُمْ بِذَلِكَ تَزْدَادُ مَرَاتِبُهُمُ العَلِيَّةُ عُلُوًّا، وَيَتَسَلَّى بِهِمُ المُؤْمِنُونَ عَنِ الدُّنْيَا، وَيَنْتَبِهُونَ إِلى خِسَّةِ قَدْرِهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَلَو كَانَ لَهَا مَوقِعٌ عِنْدَهُ لأَعْطَاهَا لِهَؤُلاءِ وَهُمْ أَشْرَفُ الخَلْقِ عِنْدَهُ.

(العَقَائِدُ السَّمْعِيَّةُ)
(المَلائِكَةُ)
هُمْ مَخْلُوقَاتٌ نُورَانِيَّةٌ {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِالْجُمْلَةِ وَأَخْبَرَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ تَفْصِيلاً، فَوَجَبَ الإِيمَانُ بذَلِكَ، وَالَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ تَفْصِيلاً: (جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ المَوتِ، وَرَقِيبٌ، وَعَتِيدٌ، وَمُنْكَرٌ، وَنَكِيرٌ، وَخَازِنُ الجَنَّةِ رِضْوانُ، وَخَازِنُ النَّارِ مَالكُ) [رَاجِعِ: البَقَرَةَ (97)، السَّجْدَةَ (11)، الزُّخْرُفَ (77)، ق (18). وَرَاجِعِ الحَبَائِك في أَخْبَارِ المَلائِك لِلْسُّيوطِي].

(الكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ)
هِيَ كُتُبٌ مُنـزلَةٌ عَلَى رُسُلِ اللهِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فِيهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى الوَعْدُ وَالوَعِيدُ وَالأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي وَالقَصَصُ وَالأَخْبَارُ، وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ ثابِتٌ لا شَكَّ فِيهِ وَلا رَيبَ، أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ وَأَخْبَرَ عَنْ بَعْضِهَا تَفْصِيلاً، وَالتِي أَخْبَرَ عَنْهَا تَفْصِيلاً هِيَ: (التَّورَاةُ) المُنـزلَةُ عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى، وَ(الزَّبُورُ) المُنـزلُ عَلَى سَيِّدِنَا دَاوودَ، و(الإِنْجِيلُ) المُنـزلُ عَلَى سَيِّدِنَا عِيسَى، و(الفُرْقَانُ) المُنـزلُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَيهِمْ جَمِيعًا وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، وقَدْ أَنـزلَ تَبَارَكَ وتَعَالى صُحُفًا على بَعْضِ رُسُلِهِ كَصُحُفِ إبْراهِيمَ وصُحفِ مُوسَى عَلَيهمَا الصَّلاةُ والسَّلامُ [رَاجِعْ: آل عمران (34)، النِّسَاءَ (163)، الأعلى (19)].

(الرُّسُلُ)
الرُّسُلُ هُمْ رِجَالٌ مِنَ البَشَرِ أَرْسَلَهُمُ اللهُ تَعَالَى لإِرْشَادِ عِبَادِهِ، لا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلا اللهُ، أَخْبَرَ عَنْهُمْ تَعَالَى بِالْجُمْلَةِ، وَأَخْبَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ تَفْصِيلاً، فَوَجَبَ الإِيمَانُ بِذَلِكَ، وَالَّذِينَ أَخْبَرَ عَنهُمْ تَفْصِيلاً هُمْ: (سَيِّدُنا آدَمُ، وَسَيِّدُنَا إِدْرِيسُ، وَسَيِّدُنَا نُوحٌ، وَسَيِّدُنَا هُودٌ، وَسَيِّدُنَا صَالِحٌ، وَسَيِّدُنَا لُوطٌ، وَسَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ، وسَيِّدُنَا إِسْمَاعِيلُ، وَسَيِّدُنَا إِسْحَاقُ، وَسَيِّدُنَا يَعْقُوبُ، وَسَيِّدُنَا يُوسُفُ، وَسَيِّدُنَا شُعَيبٌ، وَسَيِّدُنَا مُوسَى، وَسَيِّدُنَا هَارُونُ، وسَيِّدُنَا دَاوودُ، وَسَيِّدُنَا سُلَيمَانُ، وَسَيِّدُنَا أَيُّوبُ، وَسَيِّدُنَا ذُو الكِفْلِ، وَسَيِّدُنَا يُونُسُ، وَسَيِّدُنَا إِلْيَاسُ، وَسَيِّدُنَا الْيَسَعُ، وَسَيِّدُنَا زَكَرِيَّا، وَسَيِّدُنَا يَحْيَى، وَسَيِّدُنَا عِيسَى، وَسَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَيهِمْ وَعَلَى سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ) [رَاجِعِ: البَقَرَةَ (24)، الأَعْرَاف (64)، الأَنْعَامَ (83.86)، مَرْيَمَ (12)، مَرْيَمَ (56)، الأَنْبِيَاءَ (85)، الشُّعَرَاءَ (142143)، الفَتْحَ (29)].
الصِّلَةُ بَينَ مَعْنَى الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ: الرَّسُولُ وَالنَّبيُّ كُلٌّ مِنْهُمَا أُوحِيَ إِلَيهِ بِشَرْعٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ شَرْعِهِ فَهُوَ الرَّسُولُ النَّبِيُّ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بتَبْلِيغِهِ فَهُوَ النَّبِيُّ فَقَطْ، وَعَلَيهِ فإنَّ كُلَّ رَسُولٍ نَبيٌّ، وَلَيسَ كُلُّ نبيٍّ رَسُولاً.

(اليَومُ الآخِرُ)
هُوَ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنيَا، وَهُوَ يَومُ القِيَامَةِ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهِ مِنْ قُبْورِهِمْ، أَو لِقِيَامِهِمْ بَينَ يَدَي خَالِقِهِمْ، وَهُوَ يَومُ النُّشُورِ لأَنَّ النَّاسَ يُنْشَرونَ فِيهِ، وَهُوَ يَومُ العَرْضِ لأَنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ فِيهِ، وَهُوَ يَومُ المَوقِفِ لأَنَّ النَّاسَ يَقِفُونَ فِيهِ..
نَعْتَقِدُ أَنَّ البَعْثَ فِيهِ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّشْرَ حَقٌّ، وَأَنَّ الحَشْرَ حَقٌّ، وَأَنَّ الوُقُوفَ حَقٌّ، وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ حَقٌّ، وَأَنَّ الحِسَابَ حَقٌّ، وَأَنَّ الكُتُبَ حَقٌّ، وأَنَّ الوَزْنَ حَقٌّ، وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَأَنَّ الحَوضَ حَقٌّ، وَأَنَّ دُخُولَ أَهْلِ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ حَقٌّ، وَأَنَّ دُخُولَ أَهْلِ النَّارِ في النَّارِ حَقٌّ، وَأَنَّ رُؤْيَةَ المُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ حَقٌّ، وَأَنَّ حَجْبَ الكُفَّارِ عَنْ رَبِّهِمْ حَقٌّ، وَأَنَّ جَمِيعَ أَهْوَالِ الآخِرَةِ حَقٌّ، وَأَنَّ جَمِيعَ نَعِيمِهَا حَقٌّ.

(القَدَرُ)
مَعْنَى الإِيمَانِ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ: اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَنَا مِنْ خَيرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضُرٍّ.. هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، أَوقَعَهُ عَلَينَا بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَهُوَ منكَشِفٌ في الأزَلِ بعِلمِهِ، وقَدْ دَلَّ عَليهِ كلامُهُ.
وَالإِيمَانُ بالقَضَاءِ وَالقَدَرِ هُوَ الرُّكْنُ السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الإِيمَانِ.

نَسْأَلُهُ تَعَالَى إِيمَانًا لا يَرْتَدُّ، وَنَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ حَبِيبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في أَعلَى جِنَانِ الخُلْدِ.
وَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

د. محمود أبو الهدى الحسيني

المراجع
- القرآن الكريم
- الباقلاّني القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، 1980 م، الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، دار الهجرة بيروت دمشق، 208 ص.
- البخاري الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، 1976.
- الدسوقي الإمام محمد، حاشية الدسوقي على أم البراهين، دار الفكر، بيروت 239 ص.
- ابن حنبل الإمام أحمد، 1313 هـ، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المطبعة الميمنية، ستة مجلدات.
- البناني أبو إسحاق إبراهيم الأندلسي، 1309 هـ، المواهب الربانية في شرح المقدمات السنوسية، المطبعة الأزهرية المصرية، القاهرة،50 ص.
- الزايد سميرة، 1987، الجامع في السيرة النبوية، المطبعة العلمية، ستة مجلدات.
- السنوسي أبو عبد الله محمد بن يوسف، شرح أم البراهين بهامش حاشية الدسوقي على أم البراهين، دار الفكر بيروت، 239 ص.
- الشعراني الشيخ عبد الوهاب، 1959 م، اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، جزءان.
- ابن عبد السلام العز، 1995، رسائل في التوحيد، دار الفكر المعاصر بيروت، 48 ص.
- العلوي أحمد بن مصطفى، 1367 هـ، مبادئ التأييد في بعض ما يحتاج إليه المريد، المطبعة العلوية مستغانم، 104 ص.
- النيسابوري الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج، 1994 م، صحيح مسلم بشرح النووي، دار المعرفة بيروت، 18 جزءًا.
- الهاشمي محمد بن الهاشمي التلمساني، 1960، مفتاح الجنة في شرح عقيدة أهل السنة، مطبعة الترقي، دمشق، 263 ص.
أعلى الصفحة