الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
السلوك الموسوي المقابل للطغيان الفرعوني الجزء الأول
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
16-4-2004
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
السلوك الموسوي المقابل للطغيان الفرعوني
الجزء الأول
كان حديثنا عن الفرعون بأشكاله ، وعن الفرعنة التي تتجدد بالصور المتعددة في كل زمان ، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم سمى فرعون زمانه وعينه ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده :
عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قال : انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ضُرِبَتْ رِجْلُهُ وَهُوَ صَرِيعٌ وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ... فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرِ طَائِلٍ فَأَصَبْتُ يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَالَ فَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا قَالَ قُلْتُ آللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ قَالَ فَخَرَجَ يَمْشِي مَعِي حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ هَذَا كَانَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ...
فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهلٍ فرعونَ زمانه .
وفي تفسير قوله تبارك وتعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا(31)الفرقان
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أبو جهل .
وهذا التقابل بين الفرعنة والدعوة يسوقنا حين نتحدث عن الفرعنة إلى الحديث عن مقابلها من الدعوة المستمرة ..
فلا يظهر فرعونٌ فرداً أو جماعة أو إدارة ، إلا ويُطلَب من أصحاب الحق أن يتمثلوا لمقابلته منهجاً مُوسوياً ..
والمصطفى صلوات الله وسلامه عليه كان يستعمل المثال الموسوي بين أصحابه ، فقد قال لعلي رضي الله عنه:
أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي ..
ورحم الله من قال : ( و صرت موسى زماني ) .
وكما أن الفرعنة رمزية تدوم وتستمر ببقاء الفراعنة في صورهم وأشكالهم العديدة، فكذلك الموسوية تدوم ، لا من حيث النبوة والرسالة، لكن من حيث المنهجية المقابلة للفرعنة ..
وهذا يدعونا أن نستقرئ المنهج الذي وضعه ربنا تبارك وتعالى وبيَّن مفرداته لمقابلة الفراعنة ..
وربما لفت انتباهَ المتدبر لكتاب الله أنَّ أكثر القصص تكراراً فيه وشرحاً وتفصيلاً هي قصة موسى عليه الصلاة والسلام ، فهي الرسالة الآخرة قبل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ورسالة عيسى عليه الصلاة والسلام كانت مصدقة لرسالة موسى ..
وحين يحكي القرآن ذلك التقابل بين الفرعنة و الموسوية ، لا بد للدعاة أن يتلمسوا ذلك المنهج الموسوي برمزيته ومفرداته ومضامينه في القرآن الكريم لا سيما وأننا في زمن الفرعنة الجديدة التي تطغى وتبغي وتعتدي ..

أولاً - نقرأ في كتاب الله تبارك وتعالى مفردة مهمة وهي وجوب الدعوة عند حصول الطغيان الفرعوني .. فقد قال سبحانه وتعالى :
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)طه ، (17) النازعات
وقال مخاطباً موسى ومؤازره عليهما الصلاة والسلام وهو في النتيجة خطاب للدعاة :
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)طه
فالطغيان لا ينبغي أن تترك عنده الدعوة ، إنه يستثير العواطف والانفعالات ، ويستفزُّ القلوب كما استفزَّ فرعونُ أهل الإيمان قبلُ مِنَ الأرض ..
لكنَّ مقابلته ينبغي أن تستند إلى منهج .
مشكلة أمتنا اليوم أنها تقابل الطغيان بانفعالاتٍ ولا تقابل الطغيان بمنهج ..
بل إن أعداءنا ليفرحون حين يجدون أن الذي يقابل طغيانهم هو مجردُ مظاهراتٍ وإحراقُ أعلام..
يخططون ويدبرون ويدمرون ويصنعون ولا يتركون وسيلة من الوسائل أو مخططاً من المخططات إلا ويطبقونه على أرض الإسلام ؛ ويزينون للأمة أن الذي يدُلُّ على حرارة الإيمان في القلوب أن يصيح الناس في المظاهرات ، وأن تحرق الأعلام والتماثيل الورقية والقماشية ..
وعلَّمنا قرآننا أن نقابل الطغيان بمنهج ، وأن نقابل الجهالة بعلم .
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24)طه ، (17) النازعات
لا تهرب من الفرعون واذهب إليه ، وليس منهجك في مقابلته أن تصيح فيه ، إنه أحمق جاهل غبي متطاول لا يملك منهجاً .. يملك بيده قوة مادية ، لكنه فاقدٌ للمنهج ، يريدك أن تصيح في مقابلته ، والقرآن يدلك كيف تقابل الطغيان ، وكيف تتعامل مع الجهالات ..
نعم إن الدفاع عن الأرض والذبَّ عن العرض واجب ينبغي أن يستعمل الإنسان فيه كل ما يملكه من السلاح والقوة ، وسلمت الأيدي التي تدمر سلاحَ العدوِّ مدافِعَةً عن الأرض والعرض على أرض العراق وفلسطين ..
لكن ماذا يصنع باقي الأمة ؟
هل يجب على الأمة كلها أن تتحرك في شرقها وفي غربها إلى العراق وفلسطين أم أن هنالك منهجاً مواكباً يواكب ذلك الجهاد الذي يقوم به أولئك الأبطال ؟
وتعرفون أنَّ الشُغل الشاغل للأمة اليوم هو التجارة والصناعة والزراعة وتثمير الأموال مع غفلة عن المنهج المقابل للفرعنة ..
وربما طرح البعض قضية المقاطعة الاقتصادية على أنها غايةُ ما ينبغي لنا أن نفعله ، لأننا لا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك ، فإخواننا في العراق وفلسطين يقاتلون بالسلاح ولا نستطيع إلا أن نقاطع بضائع أمريكا ..
ذلك هو تصور ساذج ، فالطغيان مركب معقد ينبغي أن يقابله المسلمون بمنهج مدروس .
المفردة الأولى إذاً : هي وجوب الدعوة عند حصول الطغيان الفرعوني .

ثانياً - هذه الدعوة المطلوبة ليست أفكاراً إنسانية ، ولا آراءَ بشريةً .. إنها رسالة ربانية يحملها الداعي ويوصلها إلى العالم ، ويبلغها إلى الفرعون مستخدماً في تبليغها كُلَّ الوسائل .. فمضمون هذه الدعوة لا يستند إلى الفكر الإنساني والرأي البشري ..
قال تعالى :
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)الشعراء
أي إننا نحمل من الله تعالى رسالة إلى البشر وأنت أيها الفرعون من البشر .. إننا ننقل مراد الله الشرعي ، ونحن لا نقابل إرادتك بإرادتنا ، لكننا نقابل إرادتك الطاغية بإرادة الله تعالى العادلة ، ونقابل عشوائيتك وفوضويتك وعدوانك وبغيك بنظامٍ ربانيٍّ وضعه خالق الإنسان ، وهو الأعلم بالإنسان ، حتى تنقلب الحربُ من حرب بيني وبينك إلى حرب بينك وبين الله .
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16)الشعراء
قال فرعونُ :
فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) من هذا الذي تنقلون رسالته إلي ؟
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى(51)قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى(52)الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى(53)طه
وفي موضع آخر :
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ(23)قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ(24)قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ(25)قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ(26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(28)قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ(29)الشعراء
ومن تأمل في هذه المحاورة فإنه يجد تقابل المعرفة مع الجهالة ، ويجد تقابل العقل والدلائل والبينات المفصَّلة مع القوة المادية التي لا تستند إلى عقل أو معرفة ، فموسى يقول : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50) طه
يتحدث عن الحقائق ، وكيف تجتمع القدرة مع الحكمة ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَهْدًا
فهي حكمة باهرة يستقر الإنسان من خلالها على الأرض
وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ..
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ..
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ ..
وما يكون من الفرعون إلا أن يصرف العقول ويستثير الانفعالات ويوجه التهم :
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ إن موسى كان يتحدث بالمعرفة والعقل والدلائل والبينات ، ولا يملك الفرعون أن يقابله بها لأنه لا يملك منهجاً ، إنه يملك الشتائم ويملك الاصطلاحات الفوضوية التي يستطيع أن يوجهها كما يشاء :
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ .. ، لكن هل صرف ذلك موسى عن المحاورة أم أنه تابع المنهج دون أن يصرفه ذلك التدخل الفرعوني الذي لا يعدو كونه أسلوب شتائم :
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ(27)قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ... فأنا أتحدث معكم إن كنتم تعقلون
قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ .. ، فكان المنهج الفرعوني يستند إلى شتيمة وقوة مادية يملكها في يده لأنه لايستطيع أن يقابل منهجاً بمنهج ..
أليست هذه هي الحالة التي نعيشها اليوم ، والإدارة الصهيونية الأمريكية لا تملك من البيِّنات شيئاً ولا تستند إلى المنطق أو العقل ، وتصف كل من أرادت أن تعتدي عليه بأنه من محور الشر ، وبأنه مصدر الإرهاب ، وبأنه مَجْمَعُ الدمارِ الشامل ؟
ثم ترعد وتزبد ، وتُتْبِعُ ذلك باستعمال قوتها .. تريد أن تكون الفرعون الأعلى الذي لا يملك منهجاً ولا ثقافة إنسانية ، وتريد أن تمهد لتلك الفوضوية والعشوائية بالقوة ! لكن ماذا صنع الدعاة ؟
كنت أنوي أن أتحدث في مفردات المنهجِ الموسوي الثمانية ، لكن دعونا لا نتعجل ، دعونا نفهم تلك المفردات مفردةً مفردةً ..
ونحن لسنا بحاجة إلى صراخ لكننا بحاجة إلى منهج ..
ماذا صنعنا ؟ أين البينات ؟ أين رسالتنا التي تصل إلى شعوب العالم ؟
وسوف يأتي مستقبلاً في شرح مفردات المنهج الموسوي دورُ اللغة ودورُ الإعلام ، حين طلب موسى عليه السلام أن يرسل الله سبحانه وتعالى معه هارون لأنه الأفصح ، ولأنه المؤازر الذي يصدقه ..
وعلى كلٍّ فماذا صنع الدعاة في هذه المفردة ؟
أين الرسالة الربانية التي يتم تقديمها باللغة الواضحة المختلفةِ عن التشدق والتنميق والتزويق ؟
الرسالةُ التي تقدم مادة معرفية تُخرج ذلك المادي في الشرق وفي الغرب عن عبثيته وماديته وتربطه بحقيقة التوحيد بالدلائل والبينات ، والخطاب الناعم الحكيم ..
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)طه
فلا بد من خشونةٍ تردُّ المعتدي على الأرضِ المحتلة ، ولا بد من ليونة تخاطب شعوب العالم التي لا تعرف الله تعالى وتتخبط في التصورات الفاسدة والأوهام ..
أين الدعوة ؟ أين الرسالة الربانية التي تمت صياغتها بما يتناسب مع مفاهيم العصر ؟ وباللغة التي يستطيع الناس في هذا العصر أن يفهموها ..
الرسالة التي تستخدم الأمثلة المستجدة على أرض الواقع ، وتستخدم المفردات المعاصرة ..
أين المترجمون الذين يحولون هذه اللغة المعرفية إلى كل لغات العالم ؟
أين الصادقون الذين يحملون مضمون هذه الرسالة من خلال العبودية لله سبحانه ، ومن خلال نفي الحظوظ .. ومن خلال الارتفاع فوق المآرب .. ومن خلال الترفع عن النفسانيات التي تفرق بين المسلم والمسلم والجماعة والجماعة ، وتنصهر فيها همة المخلص مع همة أخيه الصادق المخلص ؟
ما دور كل واحد منّا ؟ أتظنون أنه دور قد اختص به فرد دون فرد ؟
لا ... إن كل واحد منكم ؛ بل إن كل واحد من أمة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم يستطيع أن يساهم في نشر تلك الرسالة الربانية .. هذا يشارك بالمال وذلك يساهم في النشر .. في التسجيل .. في التصوير .. في العمل المتكامل .. الذي فيه اللغة وفيه الإعلام وفيه المال وفيه الثقافة ..
يوظف كل إنسان تخصصه في خدمة الدعوة ..
إن علينا أن لا ننتظر عدونا حتى يدخل في بلادنا ثم لا يكون في جهادنا إلا أن نحمل السلاح ضده ، لا... إننا نملك سلاحاً رحيماً قوياً يستطيع اختراق القلوب ، أسلحتهم لا تخترق إلا الأجساد .. أسلحتهم إذا اخترقت الأجساد تمزقها ، سلاحهم القنابل العنقودية.. وأسلحتنا إذا دخلت إلى القلوب أحيتها وملأتها نوراً ومعرفة .. كم خصصت أيها الإنسان للدعوة من وقتك ؟
كم خصصت أيها الإنسان للدعوة من مالك ؟
كم خصصت أيها الإنسان للدعوة من جهدك ؟
كم خصصت أيها الإنسان من الوقت لتتعلم فيه كيف تدعو ؟ولتتعلم فيه كيف توظف اختصاصك ؟
هل جئت إلى الدعاة تسألهم إن تخصصي كذا فما هو دوري في الدعوة ؟
أم أنك قلتَ جزى الله الدعاة خيراً فهم يقومون بما عليهم من الواجب ..
وأنت ما هي مساهمتك ؟
كان ينادي منادي رسول الله يا خيل الله اركبي فيسرعون .. وفي وقت آخر كان يأمر بالتعليم ويرسل القراء شرقاً وغرباً .. واحد يجهز غازياً والآخر يغزو .. ويشتركان في الثواب ، واحد يكفل عيال الغازي ، والثاني يغزو ...
أمة متكاملة متكافلة مترابطة تشعر بالواجب وتتجمع في ذلك الواجب ..
ليست مقابلة الطغيان يا أمة الإسلام شرقاً وغرباً بإحراق الأعلام ولا بالمظاهرات ، وفِّروا انفعالاتكم ، إن مقابلة الطغيان لا تكون إلا بالمنهج المعرفي والوسائل المدروسة التي يكون فيها جهدٌ فاعل يتعاضد فيه الفكر مع العمل مع المال ، ويستعمل فيها كل الوسائل الممكنة ..
لماذا لا يسعى أغنياءُ بلاد الشام في هذا التكامل المنشود ؟
أيعجزون أن ينشئوا قناة فضائية واحدة ؟
لكننا لا نعرف كيف نتعاون .. وإذا كانوا لا يستطيعون أن يقوموا بمثل هذا بمفردهم أليس يعتبر هذا اليوم من أكبر المشروعات الإسلامية الضرورية ؟
أين القناة الإسلامية المعبرة عن الإسلام ؟ والقنوات تجدون خيرها أقلَّ من شرها ..
أين القناة التي تحمل التوازن وتقدم المعرفة ؟
أين أؤلئك الذين يملكون المليارات ويسخرونها للمصالح الخاصة ؟
أيقولون لا يرخص لنا ؟
الفضاء واسع والأرض كبيرة ... ألم تكن أرض الله واسعة ؟
لكن اعذروني إن قلت لكم : إننا نعاني كما عانى موسى عليه الصلاة والسلام حين عبر القرآن الكريم عن إجابة قومه له بقوله سبحانه :
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ (83)يونس
هذا هو واقعنا .. ألن نتحرر من الخوف يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟
هذه رمزية موسوية في الملة المحمدية ، فنحن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، اليهود أعداء موسى ، ونحن أحق بموسى لأننا نلتزم منهج موسى في الملة المحمدية ، وما علينا إلا أن نتحرر من الخوف والكسل والخمول .
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أقول هذا القول وأستغفر الله .


أعلى الصفحة