الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
حتى نمتلك الآية الكبرى
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
7-5-2004
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
حتى نمتلك الآية الكبرى
قال الله تبارك وتعالى :
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) المؤمنون(50).
وقال سبحانه على لسان صالح عليه الصلاة والسلام :
( قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً) المؤمنون(50)
وفي معرض ما كنا نتحدث فيه من التقابل بين الدعوة والفرعنة قرأنا قوله تعالى :
(اذهب إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) (17-21) النازعات
وطالما أننا نتحدث عن منهج فلا بد لنا أن نقف عند ( مفردة الآية ) ، لأن الآية هي بينة تسوق إلى هداية , وتُعين على قبول الحق , ولا يضير أن تكون الآية عادية أو خارقاً للعادة ، فقد سمى الله تبارك وتعالى الليل والنهار آيتين ، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً) الإسراء (12) .
وقدرة الله تبارك وتعالى يستوي عندها العادي وخارق العادة ، لأنه سبحانه وتعالى على شيء قدير ..
فالداعية الذي يدعو ويسوق الناس إلى الهداية لا بد له في منهج الدعوة من الآية , فقد تحدثنا عن التزكية . (هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى) النازعات (18).
وتحدثنا عن التعريف : (وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى) النازعات (19)
ولا بد أن نقف يا أخوتي عند مفردة الآية :
( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) النازعات(20)
وقبل الانتقال إلى منهج الدعوة ومضمون الآية دعونا نتساءل :
لقد عرفنا أن موسى عليه الصلاة والسلام جاء فرعون بآيتين ، بآية العصا وبآية اليد البيضاء، لكن القرآن هنا يوقفنا عند آية يسميها الآية الكبرى ، فهو يشير إلى آية واحدة، مع أنه الله تعالى أرسل موسى بآيتين
وبين الحق سبحانه وتعالى الآيتين بقوله :
(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى) طه (9-23).
فصرح القرآن الكريم أن موسى عليه الصلاة والسلام أرسله الله سبحانه وتعالى بآيتين، لكنه هنا في سورة النازعات يقول :
(اذهب إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) النازعات(17-21).
فلماذا خص إحدى الآيتين وسماها الكبرى ؟ وأي منهما هي الكبرى ؟
ينبغي أن نصل إلى فهمها ، وأن نأخذ من دلالاتها ..
وقد أشرت فيما مضى إلى الرمزية التي تشير إليها كل من الآيتين ، فآية العصا تشير إلى الترهيب والتخويف ، فمنهجٌ ليس له حماية هو منهج يستطيع كل معتد أن يعتدي عليه , فآية العصا هي آية قوة وترهيب وتخويف ..
وآية اليد البيضاء هي آية تبيين وتنوير وهي آية دعوة ..
والله سبحانه وتعالى يقول هنا :
( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) النازعات (20)
فأي منهما كانت الكبرى ؟
أولاً : إن يد موسى عليه الصلاة والسلام من غير شك هي أشرف وأعظم وأكبر في دلالتها من عصاه ، فيده ذاتية وعصاه عرضية ، ولا يمكن أن تكون دلالة يد موسى وهو نور أرسله الله سبحانه وتعالى إلى العباد كدلالة العصا ..
اليد منسوبة إلى ذات موسى ، والعصا منسوبة إليه نسبة عرضية ..
فالسياق الاستدلالي يقتضي أن تكون آية اليد أكبر من آية العصا .
ثانياً : النص في سورة طه الذي قرأناه يقول الله سبحانه وتعالى فيه :
(قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى(22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى) طه (2023)
وإذا أعدنا ترتيب الكلمات نستطيع أن نقرأ النص قراءة تفسيرية ، أي : لنريك الكبرى من آياتنا , فجعل ذلك مختصاً بالآية الثانية التي أظهرها ، التي هي آية اليد البيضاء.
ثالثاً : صرح في سورة الزخرف بأن الآية اللاحقة هي أكبر من الآية السابقة :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ(47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا) الزخرف (48-47)
يعني وما نريهم من آية لاحقة إلا هي أكبر من أختها السابقة ..
فكان الاستدلال يشير إلى أن الآية الكبرى هي آية اليد البيضاء باعتبار النسبة إلى موسى عليه الصلاة والسلام ..
وكان النص في سورة طه يشير إلى أن الكبرى من الآيتين إنما هي آية اليد البيضاء ، وكان التصريح في سورة الزخرف يؤكد أن الآية اللاحقة هي أكبر من أختها السابقة ، وهكذا وباعتبار هذه الأمور الثلاثة يكون معنى قوله تعالى :
(فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى) النازعات (17-21) أي: فأراه اليد البيضاء .
وهذا يوقفنا ونحن نتحدث في المنهج أمام قضية لابد لنا أن نستوعبها وأن نتبناها :
فإذا كنت أيها الداعية تحمل آيتين ، إذا كنت صاحب قوة ، أو كنت صاحب دولة ، أو كنت صاحب سلطان تستطيع من خلاله التأثير بطريقة ما عَبر القوة والتخويف ، فلا بد أن تعلم أن الأصل فيك إنما هو الدعوة ..
تذكر أن اليد البيضاء ذاتية ، وأن العصا عرضية ..
آية الدعوة في الداعية آية ذاتية ، واستعمال القوة والترهيب والتخويف عرضي ..
لا يلجأ إليه إلا لحاجة ضرورية .
وعندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يعرّف محمداً صلى الله عليه وسلم قال :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء (107) .
إنها الآية الكبرى ..
آيتنا الكبرى الدعوة ..
آيتنا الكبرى أننا نحمل في أيدينا النور وننشره في العالم ..
التخويف عرضي عندنا ، فحينما لا يرتدع المعتدي عن عدوانه فيحتل أرضاً ، أو يغتصب مغتَصباً في بلادنا فإن ذلك يدعو إلى استعمال الدعاة للعصا ، ليكونوا أصحاب تخويف وصد ورد لكيد ذلك المعتدي ..
أما الأصل فينا الذي على العالم كله أن يعرفه فهو آية اليد البيضاء ، وآية التنوير والدعوة.
فليعرف ذلك الذين يبحثون عن الإسلام ، وليعلمه الذين لا يعرفون ما هو الإسلام .
وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي . ( أخرجه البخاري ).
لكن الله سبحانه وتعالى قال :
( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى ) النازعات (20-21)
فلماذا كذب فرعون ؟ ولماذا يكذب الفراعنة؟ ما هو سر التكذيب؟

الرحمة والدعوة والتنوير والتبيين منهجنا ، وهو الشيء الذاتي فينا ، ونحن نحمل إلى العالم النور ، لكن لماذا يكذب الفراعنة ، وما هو سبب التكذيب والعصيان ؟
وما هو السبيل حتى نزيل التكذيب من قلوبهم ومن عقولهم ومن نفوسهم ؟
وقد أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر يبلغ ما بلغ الليل والنهار وقال تعالى :
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (33)التوبة
والذي لا يصدق هذه الحقيقة ظالم لنفسه جهول ، لأنه يُكَذِّبُ من علم ما كان وما يكون ، يكذب خبر العالم الذي خلق الكون وعلم ما كان فيه وما سيكون ..
قالوا في الماضي بحتمية ظهور الشيوعية ، وسقطت الشيوعية ..
أما حتمية ظهور الإسلام فلم ينقلها (كارل ماركس) ولا غيره، فالذي أخبر عن حتمية ظهور الإسلام إنما هو الله :
( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (33)التوبة
فلا بد أن ينتهي التكذيب ولا بد أن ينتهي الإعراض ، لكن هل سيحصل هذا بأن يتنزل دلو من السماء فيه التبيين أم أنكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويا أيها الشباب وياأيها الباحثون ويا أيها العقلاء سترفعون اليد البيضاء ( الآية الكبرى ) ، التي تحملون من خلالها التبيين والتنوير والهداية .
قال الله سبحانه وتعالى:
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف (146).
فبين الحق سبحانه وتعالى مقدمتين ونتيجة :
المقدمتان : تكذيب وغفلة , والنتيجة استكبار ..
ومع الاستكبار لا يقبل آية ولا تبييناً ، ويعمى عن رؤية اليد البيضاء .
إذا حصل الاستكبار كان مانعاً من رؤية الآية ، وكان مانعاً من فهم الدعوة .
إذاً فإذا رأيت الاستكبار فتش عن أسبابه ، وأزل أسبابه ، فإذا أزلت أسبابه يزول الاستكبار ، ذلك هو المنهج التربوي في الدعوة .
أليس شعب أمريكا مكلفاً قد أرسل إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
أليست شعوب أوربا مكلفة قد أرسل إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
أليست شعوب الصين واليابان مكلفة قد أرسل إليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟.
قال الله لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ) بشرقهم وغربهم ...
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ) الأعراف (158).
فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أرسل إلى أمريكا ، وأرسل إلى الصين ، وأرسل إلى الهند ، وأرسل إلى اليابان ، وأرسل إلى شعوب أوربا ، فمن الذي سيوصل مضمون رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذه الشعوب كما نزلت إلا شباب أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟.
إنَّ من الخطأ أن نحرك شباب أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في اتجاه واحد : أن نقول لهم تهيؤا فإن جاء عدوكم فاضربوه بالقنابل والسلاح ، دون أن نهيئهم لما هو أصل ذاتي في شخصية أبناء أمة سيدنا محمد ، وذلك الأصل الذاتي هو الدعوة ، أو اليد البيضاء ، فإذا وجدنا تقصيراً في الدعوة فإن ذلك يعني تقصيراً في الإعداد ، ويعني تقصيراً في المنهج، ويعني خلطاً للأوراق ، وبسبب اختلاط الأوراق وبسبب الانفعالات والحمية ننصرف عن وظيفتنا الكبرى ..
لهذا انحصر منهج الدعوة لإزالة الاستكبار في الأرض في إزالة سببيه اللذين هما : التكذيب والغفلة ، فإذا استطعنا أن نزيل التكذيب والغفلة بمنهج واقعي تطبيقي مدروس يتناسب مع المخاطبين في العالم عند ذلك نستطيع أن نزيل الاستكبار .
وأستطيع أن ألخص أسباب إزالة التكذيب والغفلة بأمور أربعة بها نستطيع إقناع العالم بالإسلام لو أننا فهمنا مضامينها فهماً صحيحاً ، ولو أننا استطعنا أن نؤطرها بأطر صحيحة ، وأن نقدمها بأسلوب يتناسب مع الواقع ، هذه الأمور الأربعة تتفرع عن معنى الآية الكبرى وهي :
أولاً – آيات الكون :
ثانياً – آيات القرآن :
ثالثاً- آية المصطفى عليه الصلاة والسلام :
رابعاً – آيات التاريخ :
1 - ما معنى أن نخاطب الآخر بآيات الكون ؟.
المادي ليس له نظرٌ إلاّ في متاعه ومتعته .. نظره في ماله وما يحصل له من الشهوات بسبب ذلك المال .. لا يسعى إلا في اتجاه واحد هو تحقيق كثرة المتاع وكثرة المتعة ..
فلا بد من تحويل نظره خارج متاعه ومتعته ، وهذا ما قدمه النداء الإلهي للإنسان في قوله تعالى :
(قُل انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (101)يونس.
إنه نداء صاعق يباغت صاحب المادية مباغتة شديدة ..
(قُل انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (101) يونس.
أليس فيهما النظام والتناسق؟. أليس فهما التوظيف والمنافع ؟. هل تجد فيهما تناقضاً؟ هل تجد فيهما تضارباً ؟ أما تنظر إلى هذا المشهد البديع المتناغم ، وأنت ترى حركة النجوم ، وأنت ترى حركة الأفلاك ، وأنت ترى دقة التوازنات ؟
مشهد بديع متناسق منتظم :
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ) الملك (3)
فما تجد نقصاً أو خللاً.
(فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور) الملكٍ (3) .
لعلك لم تنظر جيداً فأعد النظر ، لعل نقصاً قد وجد ولم تلحظه فأعد النظر ..
قل للمادي انظر فوقك وتحتك ، انظر إلى ما يحيط بك ، هل تجد إلا التناسق ؟
هل تجد إلا الانتظام ؟ هل تجد إلا الروعة ؟..
فإذا نظر المادي نظرة واحدة سيحول نظره عن متعته ومتاعه .
فإذا أكملت الخطاب قلت أيها الإنسان المخلوق: يا من أنت الصنعة التي صنعت في أحسن تقويم ، أترضى أن تكون وحدك في هذا الكون البديع المتناسق المنتظم ، أترضى أن تكون وحدك المضطرب الشاذ ؟ أترضى أن تكون متناقضاً مع الكون كله ، الكون كله منتظم ، والكون كله متناسق ، أترضى أن تكون وحدك المضطرب الشاذ في ذلك المشهد البديع؟.
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) الملك (1-2).
لتكون أيها الإنسان متناسقاً ومتناسباً مع المشهد البديع الذي يحيط بك.
لابد في يوم من الأيام أن يصحوا الغارقون في المتع والمتاع ليقولوا :
(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير) (10) الملك. .. لو كنا نوظف الحواس والعقول .
إذاً فالأمر الأول هو تحويل نظر المادي من متاعه ومتعته ؛ فإذا نظر لابد إلا وأن تصل الحجة إلى باطنه ، لأن الله سبحانه وتعالى قال :
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ )(149) الأنعام
إنها حجة تبلغ أعماق النفس ، فإذا وجدت ستبلغ أعماق النفس ، وتحرك جذور القلب .
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ) إبراهيم (24)
وفي كل إنسان الاستعداد لأن تغرس شجرة الحق فيه مهما كان ذلك الإنسان بعيداً : (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) الروم (20) .
إذاً فكم تقصر أيها الإنسان حين لا تحرك أرض قلب ذلك الإنسان ..
الحجة بالغة لكنك لا تستعملها ..
الحجة لها من القوة ما يبلغ أعماق القلوب ، لكنك أنت المقصر والآثم والمسؤول أمام الله تعالى .. ماذا يصنع أولئك الذين لم يسمعوا بها ولم تبلغهم ؟
أنت الذي لم تبلِّغهم .. إذا أردت أن لا يعود عليك الاستكبار بالأذى أزل أسبابه ، وقد قصرت في إزالة أسبابه، إذاً فتحمَّل نتائجه وأنت ترى مشاهد الأسرى في العراق وغيرها والذين وقعوا في التكذيب والغفلة والاستكبار والإنكار يرتكبون أفظع الجرائم الإنسانية وأنت سبب ذلك .
لو أن ذلك الإنسان حوَّل نظره خارج متاعه ومتعته سيترفع عن ذلك ..
لو أن ذلك الإنسان وصل النور إليه سيترفع عن هذا العمل القبيح البشع ..
الحجة بالغة لكنك لم توصِّل الحجة ، وجاء الذي لم تبلغه الحجة ليطأ بحذائه العسكري أرضك وعرضك.

ثانياً– آيات القرآن :
قال الله سبحانه وتعالى :
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (9)الإسراء
ألا يبحث الناس اليوم عن الأقوم ؟
ألا يبحثون عن الطريقة المثلى للعيش ؟
وها هو القرآن يقدم إليهم ذلك ..
ولابد أن تقنع الآخرين كما أقنعتهم بآيات الكون أنهم محتاجون إلى التناسق والتناسب مع الكون ، ولابد أن تبين لهم ما في القرآن ، فالقرآن كنز ..
عندما اجتمعنا بأساطين الغرب وجدنا أنهم يجهلون الكثير عن القرآن ؛ لأنهم قد تأصلت في عقولهم فكرة الفصل بين العلم والدين ، هكذا فهموا من خلال واقع دينهم ، فكان الدين بالنسبة لهم لاهوتية لا تتصل بالعلم ، وكان العلم لا علاقة له بالدين .. إذا دخل إلى الكنيسة يتعطل العلم، وإذا دخل إلى العلم يتعطل الدين !
لم يفهموا أن الإسلام هو الذي يتطابق فيه العلم مع الإيمان ، ويجتمع المختبر فيه مع الجامع ، وتجتمع الجامعة فيه مع الجامع ، بل يكون الجامع فيه جامعة ، وتكون الجامعة فيه جامعاً .
انظروا إلى قوله تعالى :
(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (1)الطلاق.
إذاً أيها الإنسان أنت الذي قد خسر ؛ لأنك حدت عن طريق فيه نفعك ..
هذا نفعك وأنت تعرض عنه ، إذاً فقد ظلمت نفسك .
(وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(57)البقرة.
مفردات القرآن الطريق الأقوم :
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(90)النحل.
مفردات الطريق الأقوم :
(وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) الأنعام(151)
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (41)الروم
- حرم الخمر ليحمي عقلك أيها الإنسان ، وحرم الزنى ليحمي نسلك أيها الإنسان ، وحرم السرقة والغشَّ ليحمي مالك أيها الإنسان ...
- نظم أسرتك ، نظم علاقات الإنسان ، نظم علاقة الجار بالجار ، نظم علاقة الحاكم بالمحكوم ، نظم علاقة المحكوم بالحاكم .
- هذب أخلاق الإنسان ، وزكى سلوكه ...
وهكذا ينبغي أن تقدم آيات القرآن بعد آيات الكون .. عندها يستطيع الإنسان أن ينظر إلى الكون وأن يقرأ في القرآن ليجد طريقه ومنهاجه وأسلوب حياته.
ثالثاُ- آية شخص المصطفى صلى الله عليه وسلم :
فإذا انتقلت إلى آية شخص المصطفى عليه الصلاة والسلام فإنك تختصر القضية كلها ، والعالم اليوم يحتاج أن تقنعه بمحمد صلى الله عليه وسلم ..
اليهودية اليوم تعبث لتشوه صورة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا عرف العالم من هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا نشرت القصص التي تتحدث عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم، ستصل آية شخصه الكريم ، وللقصص لها أثر كبير في الغرب ، فهو يقرأ القصص قراءة جنونية ، والقصة تؤثر فيه ، لذلك وظفت الأفلام في الغرب توظيفاً ظهر أثره في توجهات الشعوب .
والمثنوي الذي هو ديوان جلال الدين الرومي الشعري – مثلا - اقتحم أمريكا ، وأصبح أكثر كتاب يطبع هناك ؛ لأنه يحمل القصص والعبر فيها ..
ونحن أمة فيها القصص القرآني ، وفيها قصص سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكننا بحاجة إلى تقديمها بأسلوب شيق يوصل الفكرة والمضمون دون يضرب شعور الآخر ليثيره ..
إذا أردنا تعريفهم بآيات شخص المصطفى نقرأ لهم قصة ذلك الرجل مِنْ بَنِي تَمِيمٍ الذي جاء فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ .. أخرجه البخاري .
ونقرأ لهم قصة الرجل الذي أَقْبَلَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ ؟! أخرجه البخاري .
ونقرأ لهم قصة الرجل الذي أَقْبَلَ ورَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ شَيْئًا فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُرْجُونٍ – أي بعود كَانَ مَعَهُ - فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَقَالَ يا رسول الله أوجعتني فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَالَ فَاسْتَقِدْ . أخرجه النسائي .
هذه قيادة محمد صلى الله عليه وسلم فأرونا قائداً كهذا .
وكان صلى الله عليه وسلم عند عائشة فأرسلت أم سلمة بقصعة فيها طعام فلما رأت عائشة القصعة وقد أمسك بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من عائشة إلا أن ضربت يد رسول الله . ( راجع الحديث في سنن النسائي )
زوجة تضرب يد زوجها !! ومن هو زوجها ؟ هو إمام الأمة الأكبر وإمام التاريخ سيد العالمين .. زوجته تضرب يده ، ماذا لو أن زوجتك ضربت يدك ؟.
ماذا صنع رسول الله ؟ هل مزقها إرباً ؟. هل حطم رأسها ؟
ولمّا ضربت عائشة يدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطت القصعة ، وهذا يدل على شدة ذلك الضرب ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أشد أولي العزم عزماً، وهذا يدلُّ بالمنطق الفيزيائي أن الضربة كانت قوية ..
فماذا صنع صلى الله عليه وسلم ؟ سقطت القصعة وانكسرت فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ، كُلُوا فَأَكَلُوا فَأَمْسَكَ حَتَّى جَاءَتْ بِقَصْعَتِهَا الَّتِي فِي بَيْتِهَا ، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الرَّسُولِ ، وَتَرَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْهَا..
وغاية ما وصل إليه صلى الله عليه وسلم في معاقبة أزواجه عندما تظاهرن عليه أنه هجرهن ، وفي هذه الحادثة لم يهجر عائشة ولم يعاقبها .
ذلك هو شخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
والله لو أن العالم عرف من هو محمد صلى الله عليه وسلم لعشق محمداً ، لأن الإنسان مضطر أن يعشقه حين يعرفه قال تعالى :
(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ )المؤمنون(69)
فأين نحن من تعريفهم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو الآية العظمى المقنعة بالإسلام ؟
4 – آيات التاريخ :
كل الكتب الموجودة و وثائق التاريخ تتحدث عن قصة الطوفان مثلاً ، فمن المجمع عليه تاريخياً حصولُ طوفان كبير أغرق العالم ، فطوفان نوح الذي وجد في الكتب ووجد في وثائق التاريخ نموذج يستفاد منه في الدعوة وإقناع الآخرين بالإسلام .
قال الله فيه :
(وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ) (37)الفرقان
وقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ(14) فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)(15)العنكبوت.
فإذا وظفنا آيات التاريخ وأرجعنا المشتغلين به إلى كتبه ووثائقه نستطيع إقناع الآخرين بالإسلام من أبناء جلدتنا ومن غير أبناء جلدتنا .
إننا نمتلك الحجة البالغة .. نمتلك آيات الكون ، ونمتلك آيات القرآن ، ونمتلك آية التعريف بشخص الحبيب سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم ، ونمتلك الاستدلال بالتاريخ ، وبهذا نستطيع إشهاد العالم الآية الكبرى ..
هذا إن كنا أصحاب اطلاع وقراءة ، وإذا كنا على مستوى الأداء ..
أنا لا أريد منكم يا شباب أن تمسكوا بالسبحة وتجعلوا دينكم جلوساً في زاوية وتنتهي القضية، لا ..
إنه جزء ينور قلوبكم لكن أين السلوك ؟
أين الثقافة أين العقل ؟. أين المعرفة ؟ أين الأداء؟. أين الهوية ؟ أين الشخصية ؟. أين الآية الكبرى التي تمتلكونها ؟
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .


أعلى الصفحة