الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
من أسباب نجاح الدعاة
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
21-5-2004
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
من أسباب نجاح الدعاة
يعيش الناس في حالة من الفوضى والاضطراب داخل عالمنا الإسلامي وخارجه ، فقد شغل الناس بالمادة ولم يبق من الروحانية والتواصل مع حقائق الإسلام إلا القليل الذي تجده في البقاع التي يعتدي عليها أعداء الله ، أما في المناطق الأخرى فتجد انشغالاً ونسياناً ..
أليس هذا عجيباً ؟
لم لا يستفيد الإنسان وهو يرى بأم عينه كيف يدخل أعداء الله إلى المجتمعات الفوضوية المتفككة المشغولة بمادتها انشغالاً فوضوياً ..
في الغرب نظموا واقعهم المادي ، وكانوا بعيدين عن حقائق وحي السماء ، أما أمتنا ، فكادت أن تفقد الأمرين الروحي والمادي .
في مثل هذا الواقع لا مخرج للأمة مما هي فيه إلا حين تعود الدعوة الصادقة التي تعيد إلى الأمة تماسكها وروحانيتها ، حتى تعود مترابطة كأمة أخرجها الله تعالى للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
إذاً فحين نتحدث عن الدعوة لا نتحدث ونحن في منأى عما يعيشه إخواننا في فلسطين، وما يعيشه إخواننا في العراق ، وما يعيشه المسلمون في الشرق وفي الغرب ، لا ، إن الحديث في الدعوة يعني استعداد أمتنا الأكبر ..
وأي شيء يعيد لنا هويتنا إلا الدعوة ؟ وأي شيء يحيينا ويوقظنا إلا الدعوة؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال (24).
إن حديثنا حينما يتنقل بين آثار الدعوة ومضامينها وأسباب نجاحها فما ذاك بالبحث النظري المجرد الذي نسطر فيه الأفكار ، لا ، إنه حديث النفس مع النفس ، الحديث الذي نضعه أمام قلوبنا وعقولنا ، حتى نكون المنتفعين به أولاً حين نحوله إلى سلوك وواقع وتطبيق .
وفي معرض حديثنا عن الدعوة التي قابلت الفرعنة :
(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه (24) .
علينا أن نعود إلى كتاب الله تبارك وتعالى حتى نتلمس أسباب النجاح فيها ، ولعلنا نقف اليوم أمام مفردات ثلاثة ، هي جزء من مفردات كثيرة .
فعندما كلف الله سبحانه كليمه بالدعوة طلب من الله سبحانه وتعالى أموراً ثلاثة :
( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي ) طه (26-29) .
فالمفردات : انشراح الصدر ، وتيسير الأمر والتعبير الواضح .
ثم طلب بعد ذلك المؤازرة: ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي) طه(29).
فكانت الأمور الثلاثة التي سبقت المؤازرة ، تتركز في ذوات الدعاة .
1 – انشراح الصدر :
حينما منّ الله سبحانه وتعالى على حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال له:
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) الشرح (1) ، وكان ذلك بمعرض المنّة، وأمره سبحانه في خاتمة السورة أن يواصل الدعوة : (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) الشرح (7) ، أي واصل دعوتك في الليل وفي النهار ، فقد زوده بالمقدمات قبل أن يكلفه.
فموسى عليه الصلاة والسلام يطلب من الله سبحانه وتعالى شرح الصدر قبل الانطلاق بالدعوة، والله سبحانه وتعالى يزود حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بمقدمات الدعوة قبل أن يكلفه بها .
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) ، والمقدمة : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) .
لكن ، إذا كانت الآيات تشير إلى منّة ، فمن أين للإنسان أن يكون صاحب المنة، والمنة إنما هي محض فضل وإنعام وإحسان ، لكنه تعالى لم يترك هذا الإنسان ينتظر من غير أن يدله على الطريق.
يقول تعالى :
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ، فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الزمر (22) .
فصرّح القرآن وهو يتحدث عن مفردة شرح الصدر للإسلام ، أن شبب انشراح الصدر هو نور من الله سبحانه وتعالى ، سببه ذكره .
ومفهوم الذكر لا ينحصر عند الأوراد المأثورة ، لأن مفهومه في القرآن كبير , فالصلاة ذكر :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْم الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه )الجمعة(9)
لكن متى تكون الصلاة ذكراً , هل تكون الصلاة ذكراً حينما نحرك أجسادنا فننحني ونقوم دون أن يكون لحقيقة التذكر أيّ وجود في بواطننا ؟
أتسمى حركات الصلاة ذكراً ؟ والذكر تذكر ، والذكر أن يكون المذكور حاضراً في القلب .
وسمى الله سبحانه وتعالى العلم ذكراً :
فقال سبحانه وتعالى :( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) النحل(43)
والعلم في هذه الآية هو العلم المذكر بالله .
وسمى الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ذكراَ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر(9)
وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أناس يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم , ولا يجاوز تراقيهم , فلم يكن القرآن في حقهم ذكراً .
الذكر ما ذكَّرك , فإذا وصل الذي يدعو إلى الله تبارك وتعالى إلى حال التذكر حتى كان مذكوره في باطنه حاضراً , فإن ذلك يفسح لقلبه ولصدره مساحات يتحقق من خلالها الانشراح .
رحم الله صاحب الحكم العطائية إذ يقول :
- نُورٌ مُسْتَوْدَعٌ فِي القُلُوبِ ، مَدَدُهُ النُّورُ الوَارِدِ مِنَ خَزَائِنِ الغُيُوبِ .
- شُرُوقُ الأَنْوَارِ عَلى حَسَبِ صَفَاءِ الأَسْرَارِ
- أَنارَ السَّرَائِرَ بِأَنوَارِ أَوْصَافِهِ ، لأَجْلِ ذَلِكَ أَفَلَتْ أَنْوَارُ الظَّوَاهِرِ , وَلَمْ تَأْفُلْ أَنْوَارُ القُلُوبِ وَالسَّرَائِرِ.
- النورُ جُنْدُ القَلْبِ ، كَمَا أَنَّ الظُّلْمَةَ جُنْدُ النَّفْسِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَنْصُرَ عَبْدَهُ أَمَدَّهُ بِجُنُودِ الأَنْوَارِ وَقَطَعَ عَنْهُ مَدَدَ الظُّلَمِ وَالأَغْيَارِ .
- الصَّلاةُ مَحَلُّ المُنَاجاةِ وَمَعْدِنُ المُصَافَاة ، تَتَّسِعُ فِيها مَيَادِينُ الأَسْراَرِ وتُشْرِقُ ‏مِنْهَا شَوَارِقُ الأَنْوَارِ .
- تَسْبِقُ أَنْوَارُ الحُكَمَاءِ أَقْوَالَهُمْ ، فَحَيْثُمَا صَارَ التَّنْوِيرُ وَصَلَ التَّعْبِيرُ .
إذاً فانشراح الصدر اتساعه للحق , واتساعه لا يكون إلا بالأنوار (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ) الزمر(22)
فكان ذلك النور مهيِئاً وموسعاً ومفسحاً, فإذا اتسع ذلك الصدر بنور الله تبارك وتعالى يكون عند ذلك منشرحاً , لكن علينا أن نعلم أن الانشراح قد يكون بالحق وقد يكون بالباطل , فمن الناس من لا تتسع صدورهم إلا للباطل , فإذا ذكر الحق تراهم ينفرون نفوراً , إذا ذكر دين الله تبارك وتعالى توجه قلبه إلى المادة :
(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌا) النحل (106)
فاتسع الصدر بالكفر .
وهكذا .. قابل الله سبحانه وتعالى بين الحالين بقوله سبحانه : (فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ)الأنعام(125)
فإذا ذُكِرَ الله فشعرت أن قلبك ينجذب إلى حضرته , وإذا ذكر الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فرأيت أن قلبك يخفق حباً , وإذا ذكرت الآخرة رأيت اشتياقك إليها فتحن إليها حنين الغائب الذي اشتاق إلى أهله , و إذا ذكرت أعمال الإسلام والقربات التي هي محل مرضاة الله سبحانه وتعالى رأيت قلبك يشتاق إليها , وينفر من كل عمل يسخط الله سبحانه وتعالى , فإن ذلك كله يعني أن الصدر قد انشرح للإسلام , وأنك قد تهيأت للدعوة .
(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا) الأنعام (125)
عندما يذكر الله و يذكر رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتذكر الشهادة وتذكر الآخرة وتذكر مجالس العلم وتذكر مجالس القرآن , ينقبض لذلك ، فهي علامة الضلال لأن النور الذي يوسع الصدر حتى ينشرح به للإسلام قليلٌ أو منعدمٌ وروده على القلب.
وهكذا جعل الحبيب صلى الله عليه وسلم من علامات الإيمان اعتياد المساجد :
( إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان )
ومن السبعة الذين يظللون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله :( رجل قلبه معلق بالمساجد )
فورود النور على القلوب هو سبب الانشراح والنور جند القلب , فهو خادم له يوسعه فينشرح به .
لا بد مع الدعوة من مقدمات في الليل (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ , قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ) المزمل(1-2) ، ولو ركعتان يركعهما في الليل , يكون له فيهما إقبال على الله , ومناجاة بين يدي الله , يستحضر في قلبه أوصاف مولاه فيذل ويسجد ويقترب قبل أن يتحرك لسانه بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ..
إذا وجد هذا الحال النوراني في القلوب , انشرح الصدر بسبب هذا النور , وإذا انشرح الصدر بسبب هذا النور كان ذلك من أول أسباب نجاح الداعي .
إذاً فإذا رأى الإنسان قسوة في قلبه وأنه لا يتسلح بالنور الذي يمهد لانشراح القلوب , فإن ذلك يعني أنه لم يدخل في أول مقدمات نجاح الدعوة .
ومن أسباب الانشراح أن يكون لاجئاً لله سبحانه وتعالى متحصناً به وهي ثمرة حضور أوصاف الحق في القلوب .
والتحصن بالله , بالتعوذ من قوتك بقوته , والتعوذ من وصفك بوصفه .
( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) غافر(27)
(إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ) أي تحصنت بالله , ومن أراد أن يتحصن بالله لا بد له أن يخرج عن نفسه , لأن حضرة الله تبارك وتعالى بابها ضيقة على النفوس , لكن أبوابها مفتحة لمن تخلى عن نفسه وجاء مقبلاً إلى مولاه ذليلاً .
ولما دخل المصطفى صلى الله عليه وسلم حضرة الله في مكة دخلها ساجداً .
إنه جاء صلى الله عليه وسلم فاتحاً أم القرى , وما أدراك ما أم القرى ؟ حيث التجلي الأعظم .
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له :
(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ)البلد (1-2) يدخل هذا البلد ساجداً لأنه متعوذ بربه ، خارج عن نفسه، لأنه لا يريد عند دخوله ملاحظة قدرة نفسه وقوتها .
هذا هو التحصن بالله الذي هو ثمرة ذكر الله ، الذي يهيئ لانشراح الصدور .
2 – تيسير الأمر :
( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ) طه (26). : وهي المفردة الثانية .
وقال الله سبحانه وتعالى للحبيب المصطفى في معرض المنة : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ، فَذَكِّرْ) الأعلى (7-8) .
لأن التيسير من مقدمات نجاح الدعوة أيضاً .
(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ، فَذَكِّرْ) ، والفاء في اللغة للعاقبة ، أي لا يوجد فاصل زمني فكان التذكير يعقب التيسير .
لكن هل تركنا ربنا سبحانه وتعالى ننتظر المنّة دون أن يوجهنا لأسبابها ؟.
أليس لتيسير الأمر مقدمات ؟
نقرأ في كتاب الله تعالى قوله :
(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) الليل (5-7 ) . وهي مقدمات التيسير .
( فَأَمَّا مَن أَعْطَى) . فلم يكن وصفه البخل ، إنه ليس مجرد آخذ ، لكنه يعطي أيضاً ، والعطاء أنواعه كثيرة ، فقد يكون الإنسان آخذاً صرفاً ، وقد يكون آخذاً ومعطياً ، قد تأخذ العلم لكنك لا تعطيه ، وقد تأخذ المال ولا تعطيه، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاك العلم، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاك المال، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاك أنفاسك والله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاك صحتك، والله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاك خلقك ورزقك ...
فماذا أعطيت ؟ (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التوبة (111).
فأما من أعطى من وقته ، و أما من أعطى من صحته ، و أما من أعطى من أنفاسه ، و أما من أعطى من علمه ، وأما من أعطى من جهده ، و أما من أعطى من حاله ، و أما من أعطى من قاله ،وهكذا يتحول الإنسان إلى العطاء قبل أن يصل إلى التيسير ؛ لأن العطاء مقدمة التيسير. قال تعالى :
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المجادلة (12).
إن ذلك يعني أن يكون الإنسان باذلاَ قبل أن يكون آخذاً ، فحينما كانوا يتوجهون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يطلبون الانتفاع كانوا يقدمون قبل ذلك عطاء ، يتحول الواحد منهم إلى معطي قبل أن يكون آخذاً , وقد قلت مراراً : إن من أسباب فشل كثير من الجماعات أن الإنسان حين يكون فرداً فيها يلاحظ حقوقه قبل أن يلاحظ واجباته ، فإذا انقلبت الصورة فأصبح يلاحظ واجباته فبل أن يلاحظ حقوقه يصبح ناجحاً.
الذين يطالبون بالحقوق ماذا قدموا من الواجبات ؟
وهو ديدن الشعوب اليوم – و هي لعبة الإعلام – إذ يتحدثون عن حقوق الشعوب فقط .
علينا أن نتحدث عن واجبات الشعوب لأننا نفهم أن الأصل إنما هو التكليف ، عندما نتحدث عن واجبات الشعوب عندها ستكون واجبات الشعوب مقدمات لحقوقها ، و الشعوب التي تقصر بواجباتها لا تستحق حقوقاً ، والشعوب التي قصرت في واجباتها لا تستحق حقوقاً ، فإذا قمت بواجبك تستحق عندها أن تكون صاحب حقوق.
قال لي أستاذ كريم : لقد أسست كلية اسمها كلية الحقوق لكن ما رأينا كلية أسست اسمها كلية الواجبات .
(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى) فلا يمكن أن حصول التيسير في الأمر إلا بالتقوى ، ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا)الطلاق (2) .... (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) الأنفال (29).
فالتقوى مقدمة التيسير ، فإذا رأيت أيها الطالب أن أمورك لا تدخل في التيسير فافهم أن ثمة نقصاً في المقدمات ، وانظر إلى التقوى ، فإذا كانت التقوى محققة فلا بد أن التيسير سيحصل , تلك هي سنن الله ، وإذا رأيت تعسيراً في رزقك ، أو تعسيراً في علمك ، أو تعسيراً في أسرتك أو تعسيراً في مجتمعك فافهم أن ذلك راجع إلى تقصير في المقدمات .
(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) وهو التصديق الذي هو حال إيماني ، فإذا تعمر القلب بالإيمان تحول إلى ثقة بالغيب تفوق الثقة بالمحسوس .
نحن نثق بالمحسوس لكن ثقتنا بالله ضعيفة ، أما ثقتنا بالمحسوس فهي قوية .
ما أكبر ثقتنا بقوانين المادة ،أما ثقتنا بالسنن التي أخبر الله تعالى عنها و التي هي سنن موجودة حاضرة في الغيب ، فهي ثقة ضعيفة ، فإذا اجتمعت هذه المقدمات الثلاثة: (أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى).
عند ذلك يحصل التيسير .
3 – التعبير الواضح :
وهو السبب الثالث من أسباب النجاح التي طلبها سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام .
فإذا تحقق من يدعو إلى الله سبحانه و تعالى بانشراح الصدر بالأنوار و سلك أسباب تيسير الأمور ، بقي أن يبحث عن التعبير الواضح .
وهي أزمة ينبغي لنا أن لا نتجاهلها ، فينبغي علينا أن نبتعد عن العبارات التعجيزية , وينبغي لنا أن نبتعد عن الإغراب .
وقد طرأ على أمتنا مدة من الزمن أصبحت فيها ظاهرة الإغراب منتشرة ، حتى لقد قال البعض - مع الأسف - حتى يكون ذلك الإغراب حكراً على العلماء ليُرجَع إليهم ! و لا أجد ذلك مسوغاً ، لأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم قال:
( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها)
لغة القرآن لغة بيان واضحة ، ولغة حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم لغة بيان واضحة , إذا قرأنا كلمات إمام من أئمة العلم كالشافعي نجد بياناً واضحاً ما أعذبه ، يدخل إلى أعماق القلوب .
و هكذا .. فإننا مطالبون أيها الأخوة الأحبة أن نلاحظ التعبير الواضح في زماننا ، وعلينا أن نقدم عبارة واضحة في الفقه ، والعقائد ، والأخلاق , وعلينا أن نقدم عبارة واضحة في الأذواق , وعلينا أن نقدم عبارة واضحة في الفكر ..
علينا أن نتحدث بكل لغة ، و حين أقول بكل لغة ، لا أعني باللغات اللغة العربية و الإنكليزية و الفرنسية بل بكل اللغات : بلغة العمل وبلغة السلوك وبلغة الأخلاق وبلغات التعبير المختلفة التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يقدم رسالة التعبير الواضح .
فإذا فهمنا هذه المفردات الثلاثة التي ينبغي أن توجد في ذوات الدعاة قبل المؤازرة عندها نكون قد فهمنا نصف القضية .
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول قولي هذا و أستغفر الله لي ولكم ....



أعلى الصفحة