الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
معززات الاستقامة بعد رمضان
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
12/11/2004
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
بسم الله الرحمن الرحيم
للعتق من النار في آخر شهر رمضان علامات, يستطيع الإنسان أن يستبشر عند رؤيتها ..
ما الذي يُدخل الإنسانَ في النار إلا خبثُ باطنه , وتلوثُ ظاهره بنجاسات المخالفات والمعاصي والفسوق, فإذا توجه قلبُه إلى غير الله تبارك وتعالى لم يكن قلبه عند ذاك سليماً, ويستحق عذاب النيران, وحينما يتلطَّخ ذلك الجسد بالفسوق والمعاصي والمخالفات يستحق أن يكون من أهل النار ..
فهما عنصران اثنان :
ظاهر الإنسان وباطنه.
فإذا كان ظاهره وسلوكه منضبطاًٍ بأوامر الله سبحانه ...
وإذا كان باطنه متوجهاً إلى الله سبحانه وتعالى قد صفا قلبه في محبة الله سبحانه وتعالى والإخلاص له والصدق بين يديه ..
مثل هذا يا إخوتي حين يخرج من شهر رمضان, سيجد أنه ينفر من المعصية : (وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)الحجرات:7
فإذا وجد نفسه حين يخرج من شهر رمضان بعد الصيام والقيام أنه تحوَّل إلى حال جديدة أصبح فيها قلبه كارهاً للفسوق والمعاصي, وأصبحت جوارحه مبتعدة عن مخالفة الله سبحانه وتعالى فليستبشر فإنه اعتق من النار.
وإذا وجد أنه صام وقام فتحسنت أحواله ونالته المغفرة في آخر شهر رمضان, لكنه يعود بعدها إلى تلوث الباطن والظاهر فإنه ممن يعود ثانية إلى النيران ولا يزال بعيداً عن معاني العتق ..
ففي شهر رمضان تغلق أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان, فمن اعتق من النيران سيكون كل من سلوكه وقلبه متحولاً إلى حال يرضي الله سبحانه.
وهكذا تستطيع أيها الإنسان أن تعرف نفسك, ترى هل أنت من أهل العتق من النار الذين أشار إليهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ؟
إنه تحول أو هداية كما عبر القرآن الكريم, بقوله سبحانه وهو يشير إلى انقضاء شهر رمضان
(وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ) – أي عدة رمضان-(وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)
أي ولتعظموا الله سبحانه وتعالى لأنه كان صاحب الفضل عليكم في تلك الهداية, فما حصلت هداية بواطنكم واستقامة ظواهركم إلا بإعانة من الله
(وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)
فخرجتم بعد انقطاع وتَبَتل واعتكاف وقنوت وتذلل وخشوع وركوع وخضوع وانكسار, فوجدتم أثر ذلك بعد رمضان ..
إذا وجدنا يا إخوتي تلك الهداية في قلوبنا, ولمسنا أنوار الإيمان, وذقنا حلاوة الرضى والتوجه إلى الله سبحانه وتعالى فإن علينا أن نتوجه بصدق إليه سبحانه لنقول:
(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)آل عمران:8
فقد حصَّلتَ الهداية وحصَّلتَ ذلك الانقلاب, لكنْ لازِم باب الله سبحانه وقل بذل وخضوع: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
وتذكر قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(أعمى العمى الضلالة بعد الهدى)
وربما يقول قائل: إنني في شهر رمضان أعتاد دخول المساجد, وطاعة الصيام تُطَهِر باطني, وعبادة القيام تُدَرِبُ جوارحي وبدني على العبادة, لكن من أين لي أن أستديم هذا الحال بعد شهر رمضان!
فما في رمضان كان يدفعني إلى الطاعة والصفاء, لكن كيف لي أن أستديم هذا الحال, وألا أقع في العمى بعد الضلالة, وألا أقع في الزيغ بعد الهدى...؟
معززات الاستقامة يا إخوتي أهمها أمور ثلاثة ، ولتكن عناوين كبرى لنا بعد رمضان:
1- أما الأمر الأول فهو أن ننتبه إلى قيمة الوقت في حياة الإنسان :
الوقت عملة صعبة, وأنفاسك عملة صعبة ..
ستصرف هذه العملة, فإما أن تصرف في زاد تدخره لك عند الله سبحانه وتعالى لتجده حين تنتقل إلى الدار الآخرة, وإما أن تصرف تلك العملة الصعبة في ما لا طائل منه أو في مخالفة أمر الله.
إذا خرج نفسك لن يعود, ولديك عدد محدود من الأنفاس, فإن أنت فرَّطت في هذا العدد دون أن تأخذ زاداً فيه لقلبك ولآخرتك, فقد ضيعت العملة الصعبة النادرة التي تملكها أيها الإنسان.
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
(إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ
إذا أمسيت فاملأ مساءك بالطاعة ولا تقل في الصباح أطيع, وإذا أصبحت فاملأ صباحك بالطاعة لله سبحانه ولا تقل أنتظر المساء, فما تدري هل ستصل إلى المساء ؟
هل ستنتهي أنفاسك قبل المساء ؟
هل تنتهي أنفاسك قبل الصباح؟
(وخذ من صحتك لمرضك): فحين تكون قوياً تذكر أنك ستضعف بعدها, وستصاب يوماً ما بالمرض, ولن تكون وقتها قادراً على العطاء.
(ومن حياتك لموتك): لأنك حينما تفارق الحياة إلى الموت ستفقد كل العملة الصعبة, التي هي أنفاسك.
واقرؤوا قوله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)الفرقان:62
يعني إذا فاتك أن تطيع الله في الصباح, فليكن المساء بديلاً عن ذلك الصباح, فرطت في الصباح أو فرطت في المساء فتدارك, تلك فرصتك الأخيرة ..
ففي الحديث الذي قرأناه رغبة ألا يضيع الصباح وألا يضيع المساء, لكن إذا ضاع, فإن الله سبحانه في القرآن الكريم ينبه إلى ضرورة تدارك الفائت ..
لا أن تتدارك سنة فاتت, لكن أن تتدارك صباحك في المساء, أو أن تتدارك مساءك في الصباح, تلك هي فرصتك
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)
فهو الوقت الذي تستطيع أن تجد فيه بديلاً, لأنك فرَّطت في ساعات, أما أن تكون ناسياً أياماً أو شهوراً, فلن تجد عند ذلك ما يعوضك مما فاتك.
من نام عن حزبه - والحزب الدعاء - وفاته الدعاء فإنه يستطيع أن يدعو بذلك الدعاء قضاءاً.
2- أما المعزز الثاني فهو أن تلاحظ تأييد الله سبحانه وتعالى وإعانته لك في الدنيا حينما من أهل الاستقامة والتقوى.
لقد رأينا كيف أنه سبحانه وتعالى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في بدر, استقاموا فأيدهم, وأنزل الملائكة خادمة لهم, واقرؤوا قوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ،وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)الطلاق:2-3
التقوى سبب رزق, والتقوى سبب إعانة, والتقوى سبب تأييد, ولو أن المسلمين في العالم عادوا إلى التقوى لهزموا عدوهم, فنحن لا نهزم لضعف أسلحة , إنما نهزم حين نهزم أمام نفوسنا, ونهزم حين نفقد التقوى, وحينما نجد أن قوة المادة هي التي تنصرنا ..
إننا أمة لا تنتصر إلا بالتقوى .. أمة لا تنتصر إلا بالتوجه إلى الله
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لكم )الأنفال:9
ذلك هو عنواننا حينما يواجهنا عدونا, لكنْ تبلَّد الإحساس في العالم الإسلامي ..
يرون المذابح شرقاً وغرباً, ويرون المِحَن التي تنزل, ويقول كل منهم: لن يصل إلي, مذبحة في الفلوجة .. مذبحة في تيمور .. مذبحة في البوسنة والهرسك .. مذبحة في كوسوفو .. ولا علاقة لي بها.
تبلَّد الإحساس, ولم يدرك هذا المسلم أن عالمه هو أمة واحدة, ولم يدرك أن التغيير في عالمه هذا لا يكون إلا بالدعوة إلى الله ، وحين نرجع إلى ديننا, وحين نرجع إلى ربنا, وحينما تتغير أسرنا, وحين يتغير سلوكنا, عندها ننتصر على عدونا, ثقوا بذلك...
فالتأييد والإعانة في الرزق, وفي التجارة, وفي الصناعة, ومن التأييد أن يولي علينا سبحانه وتعالى خيارنا (كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)
إذاً المعزز الأول معرفة قيمة الوقت ..
والمعزز الثاني لدوام الاستقامة بعد شهر رمضان أن ندرك أن كرامتنا في الدنيا هي بالتقوى, قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) الحجرات:13
فعزتنا وكرامتنا مستمدة من التقوى, ولا كرامة أعظم من الاستقامة, ولا إهانة كالمعصية؛ حين يقع الإنسان في الفسوق يقع في الخذلان.
3- أما المعزز الثالث فهو أن تتذكر المرجع والمعاد إلى الله تعالى عند كل سلوك فتوازن بين نتيجته في الدنيا ونتيجته في الآخرة :
ربما تنظر وأنت في سوقك إلى معاملة تُدِرُ عليك ربحاً عاجلاً وقد تكون مخالفة لأمر الله, فتحب العاجلة ولا تلاحظ قوله تعالى وهو يخاطب أهل الربا بقوله: (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)البقرة:279
يغش, لا ينصح من يشتري منه, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا)
فإذا لاحظنا عند كل سلوك نتيجته في الآخرة كما نلاحظ نتيجته في الدنيا ووازنا بين العاجلة والآجلة, قال تعالى:
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُورَحْمَةَ ربه)الزمر:9
في معاملتك, في كل وقت من أوقاتك, في كل سلوك, في بيع, أوفي شراء, في صلاتك , أو في زكاتك , أو في أسرتك, وفي أولادك, وفي عيالك, وفي أصحابك, في مجتمعك, وفي وطنك, إن أنت لاحظت أن أثر سلوكك هذا ينقسم إلى قسمين: أثر عاجل وأثر آجل.
ربما تحلو المعصية لك, ربما تثور غريزتك, لكنك توازن بين العاجل والآجل, أي شيء في هذه الدنيا لا تجده أضعافاً مضاعفة في الآخرة, في جنة عرضها السماوات والأرض.
لا بد أن نراجع حساباتنا ونحن نتحدث عن قضية الآخرة..
ترى هل تستحق هذه العاجلة أن نُفرِّط بالآجلة!
وتبدأ الآجلة يا إخوتي عندما يلفظ الإنسان روحه.
جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم والبيهقي وغيرهما:
(عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به)
اجعلوا هذا الحديث في بيوتكم, وفي أسوقكم, اذكروا هاذم اللذات, فالذي لا يتذكر مفارقة الدنيا لابد أن قلبه سيغفل.
وقال صلى الله عليه وسلم:
(إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة-يعني إذا انتهى أجله- نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه-لأنه عبد مؤمن- كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحَنوط من حَنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء -يعني من فم السقاء, من فم القربة-فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي-يعني في الجنة-
وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فيفرق في جسده-يهرب,تهرب الروح إلى الجسد,تتفرق, تختبأ في الجسد- فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول-الشوك الحديدي إذا كان عليه الصوف المبلول- فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمي بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله عز وجل: أكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له: من ربك فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجىء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة)
(دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مصلاه-كما يروي الإمام الترمذي رحمه الله- فرأى ناسا كأنهم يكتشرون-أي يضحكون, - قال أما انكم لو أكثرتم ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا من ذكر هادم اللذات الموت فانه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم-يخاطبك قبرك كل يوم وأنت لا تدري, ولا تسمع, لا أتحدث عن قبر جارك, قبرك يناديك, حتى ولو كان في الصين يناديك , يتحدث معك قبرك كل يوم- فيقول: أنا بيت الغربة أنا بيت الوحدة أنا التراب وأنا بيت الدود،فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا وأهلا، وأما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري الي فإذا وليتك اليوم وصرت الي فسترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة.
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحبا ولا أهلا أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري الي فإذا وليتك اليوم وصرت الي فسترى صنيعي بك، قال فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه-أضلاع الشمال تصبح يمين, واليمين تصبح شمال, من ضغطة القبر-قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض قال ويقيض له سبعون تنيناً لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا، فينهشنه ويخدشنه حتى يقضى به إلى الحساب. قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار)
احضروا هذا يا إخوتي عند كل سلوك, عند كل عمل, اقرؤوا قوله تعالى وأنت في الأسواق, وأنتم في البيوت, ونحن في بيوتنا نوافذ على العالم, نستطيع أن نشارك في سماع القرآن, ونستطيع أن نشارك في سماع العهر, اقرؤوا قوله تعالى:
(هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ ، مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ، وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ، إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ، هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ، هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) غساق يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم يا إخوتي: (لو أن دلواً من غساق يهرق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا) لم يبق في الدنيا شخص إلا تأثر بنتنه, (وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ، هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ) يقول أهل النار وهم يرون فوج مقتحم داخلاً (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ، قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَباً بِكُمْ) الذين سبقوا إلى النار يقولون للداخلين الذين تَبِعوهُم في دخول النار: لا مرحباً بكم (لَا مَرْحَباً بِهِمْ)
كارل ماركس دعا إلى الإلحاد يوماً, وسارتر دعا إلى الكفر والوجودية يوماً, وميكيافيللي دعا إلى أن تكون الغاية مبررة للوسيلة مهما كانت تلك الوسيلة قذرة ..
ومشى الغرب متبعاً لميكيافيللي, ومشى شرق العالم متبعاً ماركس, ومشى أهل الجنس يتبعون سارتر, وهكذا..
فمن سيتبع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
انظروا إلى تلك اللحظات التي يصفها القرآن بين المُتَّبِعين والمُتَّبَعين من أهل النار (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ) يقول المُتَّبَعون الأئمة, أئمة الكفر والضلال يقولون : (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ, قَالُوا) يقول المُتَّبِعون لأئمة الكفر الذين اتَّبَعوهم:
(قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ، قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) عَذِّب من اتَّبَعناهم من أئمة الكفر عذاباً ضعفاً
الآن صرتم تتوجهون وتدعون إلى الله وتطلبون أن يزيد أئمتكم من العذاب في النار ؟
في الدنيا لم يكن لديكم دعاء أو توجه ولا في الاستقامة أي قرار.
(قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ) أين أولئك الذين قلنا عنهم : هؤلاء محور الشر, أين هؤلاء ؟
لا نجدهم معنا ..
(وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ , أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ، إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّار)ِص:49-64
ترى ألا يكون هذا معززاً كافياً...
فإن كانت لديك هذه المعززات الثلاثة, ستكون بعد شهر رمضان في الاستقامة والصفاء كما كنت في شهر رمضان, وستكون عبد الله لا عبد الأزمان.
اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك, في هذه الجمعة الأخيرة من شهر رمضان أن تجعلنا من أهل العتق من النار.
ردنا إلى دينك رداً جميلاً, اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
تب علينا توبة نصوحاً يا رب العالمين ..
أقول هذا القول واستغفر الله
أعلى الصفحة