الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
نموذج التكوين الجماعي من منظور إسلامي
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
15/7/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
نموذج التكوين الجماعي من منظور إسلامي
لم تقتصر عناية الإسلام بتكوين الفرد, لكنها أظهرت عناية خاصة بتكوين الجماعة، والتكوين الجماعي تظهر خصوصيته ومعالمه في الإسلام بمقارنته مع التكوينات عند غير الإسلام .
لفت انتباهي إلى هذا تكرير ذكر أنموذج (الهرم) في النظريات المادية الغربية المادية التي تتحدث عن التكوين الجماعي, ومع أنها ذكرت بآليات مختلفة, لكنها تدور في دائرة تلك النظرية الأصلية.
فتشتُ علّي أرى ذلك النموذج مذكوراً في تكوين الإسلام للجماعة, أو المجتمع, فوقع نظري على أنموذجٍ آخر ؛ أتمنى على من يدرس مفاهيم الجماعة والمجتمع أن يأخذه بعين العناية, وأن يدرسه وأن يتأمله تأملاًَ متفحصاً.وهو (أنموذج الجسد).
وبين (الجسد) و(الهرم) رأيت تبايناً كبيراً.
ونموذج الجسد في التكوين الجماعي مذكورٌ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير, والذي يقول فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(مَثَلُ المُؤمنين في تَوادِّهِم وتَراحُمِهم وتَعاطُفِهم مَثَلُ الجَسَد.)
سمحت لخاطري أن يجول بين التكوينين، ورأيت الفروق بين النموذجين كبيرة.
فالهرم كتلة مادية جامدة, تتناسب مع المنطلقات المادية..
أما الجسد فهو جسم حي, يتناسب مع المنطلقات الإسلامية, فالذي أنزل المنهج رب حي, ليصنع به أمة حية, وقال الله سبحانه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)
ثانياً-
أن الهرم كأنموذج استعمل يوماً ما ليكون داخله ميت..أما الجسد فإن الله سبحانه وتعالى خلقه ونفخ فيه الروح..
وشتان شتان بين التكوين الذي مضموناته ميّتة, وبين التكوين الذي مضمونه الروح.
ثالثاً: غالباً ما يكون التشكيل الهرمي مصنوعاً بشرياً, لأن هذا التشكيل يندر في الطبيعة وجوده تلقائياً, يكون غالباً مصنوعاً بشرياً, وهو يتناسب في المنطلق مع القانون الوضعي الذي يضعه البشر.
ولا يكون الجسد إلا مخلوقاً ربانياً, فهو يتناسب مع التشريع الرباني.
الأمر الرابع: أن الذين يتحدثون في أنموذج الهرم يعتبرون ذروة الهرم وأعلاه رمزاً للإدارة..
أما الإدارة في أنموذج الجسد فهي وسطه ومركزه, وأعني بذلك القلب, والشواهد على ذلك كثيرة..
منها الحديث الذي أخرجه البيهقي في شعب الإيمان, وفيه:
(القلب ملك, وله جنوده, فإذا صلح الملك صلح جنوده, وإذا فسد الملك فسدت جنوده.)
ويشهد لهذا حديث متفق عليه, يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(لا وإن في الجسد مضغة, إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب.)
قال الشارح ابن حجر رحمة الله عليه:
وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن, وبصلاح الأمير تصلح الرعية, وبفساده تفسد.
وهكذا يتضح من خلال النص؛ أن إدارة الجسد في المنظور الإسلامي تنطلق من القلب, ولئن كان هذا الجدل بين المشتغلين بالطبيعة وعلومها في الماضي, لئن كان الجدل سائراً عن تقديم الدماغ على القلب, أو تقديم القلب على الدماغ, فإنه من المؤكد بمفاهيم الطب أو بمفهوماته:
أن الدماغ لا يستغني عن القلب, أما القلب فإنه يستغني عن الدماغ, فلا يستمد القلب أمره من الدماغ, لكن انقطاع الإمداد من القلب عن أي جزء في الجسد بما فيه الدماغ يعني التموت.
وهكذا يلتقي مفهوم النص مع مفهوم البحث التجريبي العلمي.
وهكذا يظهر أن الإسلام يقدم أنموذجاً يستحق الدارسة، حين يريد الإنسان تقديم تكوين جماعي واضح المعالم, أو حين يريد رسم آليات لمجتمع تظهر فيه الحياة بكل معانيها.
وهكذا وجدت يا إخوتي أن واقع السيرة النبوية, وأن واقع سيرة السلف الصالح رضي الله عنهم, يتناسب مع هذا المعنى..
ففي التكوين الجماعي الذي أنشأه سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, كان صلى الله عليه وسلم قلب ذلك التكوين, وكان الاتصال بين القلب وبين أجزاء الجسد؛ الذي هو التكوين المجتمعي أو الاجتماعي الذي أنشأه الحبيب صلى الله عليه وسلم, حاصلاً, فكان التواصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حاصلاً, وهذا يتناسب تناسباً تاماً مع اتصال القلب بكل أجزاء الجسد.
الذين يتحدثون في أنموذج الهرم, يعلمون أن ذروة الهرم لا تلتقي إلا بما كان لصيقاً بها..
أما أنموذج الجسد الحي، فإنه يتصل بكل أجزاء الجسد, والتطبيق كان من خلال تواصل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الطفل, ومن خلال تواصله مع الرجل, ومن خلال تواصله مع الشيخ العجوز, ومن خلال تواصله مع النساء.., فكان صلى الله عليه وسلم ربما استوقفته المرأة العجوز فيقف لها, وربما استوقفه الصبيان فيقف لهم..
فكان تواصل الحبيب صلى الله عليه وسلم حاصلاً من خلال ذلك التكوين, وهذا يتناسب تناسباً تاماً مع الأنموذج.
بل إن الله سبحانه وتعالى عاتب نبيه الذي هو قلب المجتمع؛ أو قلب التكوين الجماعي, في سورة في القرآن، عاتبه في أعمى جاء يريد التواصل معه, لكن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان وقتها مشغولاً بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ مشغولاً بدعوة بعض الزعماء, لعلهم يدخلون في الإسلام؛ وكانوا على الشرك, فأنزل الله سبحانه وتعالى:
(عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الأَعْمَى) عبس: 1-2
وكان عمر رضي الله عنه؛ كما تذكر السير, كان تستوقفه العجوز وهو خليفة المسلمين فيقف لها.
وكان رضي الله تعالى عنه ربما حمل على ظهره؛ كما تسمعون وتقرؤون, ربما حمل الغذاء إلى الضعفاء بنفسه..
وهذا يمثل حقيقة الإمداد الذي ينطلق من القلب.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأقرع بن حابس, حين نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقبل سبطيه, قال: أوتقبلون صبيانكم, إننا لا نقبّل صبياننا. أخبر الأقرع أنه لديه عشرة صبيان لا يقبل واحداً منهم. فأجابه صلى الله عليه وسلم:
(أو أملك لك إن نزع الله من قلبك الرحمة.)
وهذا يعني أن القلب إنما هو محل الرحمة..
وهذا يعني أن القلب لا يمثل تواصلاً مادياً مجرداً, إنما يحمل الشعور والمشاعر.
وهكذا يا إخوتي نجد أن فهم الجسد ينقلنا إلى فهم التكوين؛ لأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يُجمل، والدارسون عليهم أن يفهموا ذلك الإجمال من خلال التدبر، ومن خلال تفصيل يكون فيه نظر الإنسان متجاوزاً أو عابر مسافة السطح القشري إلى داخل ذلك الأنموذج.
ومن خلال فهم متواضع، وقفت أمام أنموذج الجسد أنظر إليه، فرأيت يا إخوتي أن القلب يرسل إلى كل أجزاء الجسد هواء نقياً فيستعمله الجسد ثم يعيد إلى القلب الدم وهو يحمل السموم.
إنها قضية من خلاله يستطيع لإنسان تلمس بعض المعاني:
القلب الذي هو الإدارة في التكوين الجماعي الذي تمثله الإدارة في التكوين الجماعي، يرسل ذلك القلب دماً يحمل هواء نقياً؛ فيستعمل الجسد ذلك الهواء النقي ثم يعيد الدم إلى القلب وقد امتلئ بالسموم؛ فيرسله القلب إلى الرئتين إلى الجهاز التنفسي ليطرح فيهما السموم وليتزود منهما بالهواء مرة ثانية، ثم يعيده إلى القلب فيعيد القلبُ ذلك الدم الحامل للهواء النقي الجديد إلى الجسد...
قلت هل نستطيع أن نأخذ شيئاً من هذا الأنموذج الذي نقرؤه في الجسد لنعك
أعلى الصفحة