الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
الإسلام دين الحياة أيها القوميون
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
5/8/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
الإسلام دين الحياة أيها القوميون
يحاول من يسمون أنفسهم اليوم بالقوميين، في وقت فقدان التوازن الذي تعيشه أمتنا اليوم، وفي وقت الحيرة الذي نتلفت فيه يمنة ويسرة نبحث عن هوية واضحة لمشروع بناء وتنمية، يحاول القوميون أن يسرقوا تجربة عاشتها أمتنا ليغيروا مقاصدها، بل إنهم يحاولون أن يسرقوا ثوابتنا..
ومن العجيب أن بعضهم يتحدث ليقول: إن المجتمع الذي أنشأه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والدولة التي كان من خلالها انطلاق النور، وكانت من خلالها انطلاقة نهضة إنسانية شمولية، من العجيب أنهم يحاولون أن ينسبوا كل ذلك إلى القومية.
وإن كل من يتأمل ولو للحظة، أو لساعة.. في رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ سيرته المطهرة يجد أنه صلى الله عليه وسلم بدأ مجتمعاً إنسانياً عالمياً، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يدعو إلى قومية ولم تكن منطلقاته صلوات الله وسلاماته عليه منطلقات قومية.
لقد سار سلمان من الشرق بعيداً يبحث عن الحقيقة حتى وصل إلى أقدام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتتصل معاني قومية فارس بأنوار إنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، وحُمل بلال وأُسر ليكون معبراً في مجتمع المدينة عن عالمية هذا الإسلام الذي يرتقي فيه الحبشي فوق الكعبة ليقول مسمعاً كل العالم: الله أكبر.
واليوم وفي فوضوية الطروحات نجدهم يحاولون تحييد المنطلقات الإسلامية التي تقدر على بناء الإنسانية ليقولوا إنها لا تقدر على بناء الأمة في هذا الإقليم، وليقولوا إنها لا تقدر على بناء مجتمع صغير في مساحة صغيره، وإنه لعجبٌ عجاب..
لهذا أحببت - قبل التعليق - أن أعرض مقدمة لقبسات من حياة هذا النبي الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يبني أمة متكاملة واضحة المعالم، واضحة في احتوائيتها، واضحة في شموليتها، واضحة في طروحاتها، واضحة فيما تملكه من مقومات بناء النهضة المادية مع ترسيخ معاني أنوار الله سبحانه وتعالى في القلوب والأرواح.
والدين في منظورنا وفي منطلقات رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يعني مجرد محبة ورحمة كما يقول القوميون، لا..
إن ديننا يطرح منطلقات نهضةٍ وبناء، وهو دين متجدّدٌ ومرنٌ ومتطورٌ وقابل للتعامل مع كل المستجدات، تلك هي حقيقة ينبغي أن يفهمها كل من يتحدث عن الإسلام، وكل من يتحدث عن أن الإسلام ينحصر في المسجد وفي الصلاة، وفي التبتل والدعاء وحسب، لا.. إن الإسلام احتوائي أولاً ولا يلغي الآخر، ومجتمع المدينة الذي أنشأه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي كان المجتمع النموذجي في تعدد الثقافات، ففيه ثقافة اليهودي المخالف في الدين، وفيه ثقافة المنافق الذي يفعل كل أفاعيل الكافرين، لكنه يُظهر إعلان انتماء إلى المجتمع الواحد، واحتوائية الإسلام في المجتمع ذاك كانت عنواناً على أن الإسلام كان وسيبقى إلى يوم القيامة احتوائياً لا يلغي الآخر.
نعم ربما يحكم أولئك الجهلة على الكل من خلال البعض، فيحكمون على الإسلام من خلال بعض العقول الضيقة التي لا تعبر عن منطلقات الإسلام، والذي يعبر عن منطلقات الإسلام هو محمد عليه الصلاة والسلام.
وقبل التعليق أقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشأ مجتمعاً يجمع بين عنصرين اثنين:
العنصر الأول: هو عنصر البناء النهضوي المادي.
والعنصر الثاني: فهو عنصر الصلة بالله سبحانه وتعالى، والاستمداد منه سبحانه وتعالى، وهو الإيمان الذي يورث في القلوب علاقات إنسانية نموذجية لا يقدر أحد من القوميين ولا الماديين ولا من غيرهم أن ينشئه مهما تحدثوا عن المثاليات ومهما تحدثوا عن أن الأرض أو الوطن أو القوم.
إن السلوك والحضارة المادية المتألقة لا تتألق إلا حينما تستمد إنسانيتها وعلاقاتها من الشعلة التي تتوقد في القلب إيمانًا وتفرز سلوكياً مثالياً ونموذجيا من العلاقات المتميزة.
في مكة : بدأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسالته وكان صلى الله عليه وسلم يؤسس حقائق الإيمان هناك، وكان يصلهم بالله، وكان يطلب منهم أن يوجهوا قلوبهم إلى الله، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن سور وحصن لتلك المبادئ، وعن النهضة التي بها تحمى المبادئ؛ لذلك كان وهو في مكة يبحث عن النصرة، والنصرة تعني نصرة إنسانية، ونصرة مالية، ونصرة بالسلاح وبالمال، ونصرة بالنفس وبكل ما يملكه الإنسان.
إنه تسوير المبادئ، التي لا ينبغي أن تكون في الفضاء فلا حامي لها يحميها.
لهذا كان صلى الله عليه وسلم يخرج إلى المواسم، في منى، ويقابل الناس جميعاً، وكل من ورد إلى الحج، فيبحث عن النصرة فيهم، حتى أراد الله سبحانه وتعالى تشريف المدينة (يثرب)، وأراد أن يشرِّف قومها الأنصار، ليكونوا سور المبادئ، وحصنها، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة كما تعرفون، ولما اجتمعوا قال لهم صلى الله عليه وسلم:
(تبايعوني على السمع والطاعة..)
إنه  القائد الأعلى، وهي الدعوة إلى التنظيم والمجتمع المستقبلي المتماسك الذي فيه البنية القوية القادرة على حماية المبادئ.
وهو الإنشاء المتماسك الذي فيه مركز القائد الممثل للمبادئ، والذي يُعلن للعالم أنه يحمل للإنسانية كل خير ونور.
(تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل...)
في كل الأحوال وفي كل الظروف مهما طرأ طارئ من الطوارئ.
(..والنفقة في العسر واليسر..)
أي الإمداد بالمال والله سبحانه وتعالى جعل المال سببًا لقيام نهضة ، قال تعالى:
(وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) النساء:5
(..وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر...)
إنها منذ اللحظة الأولى رسالة نشر لكل معروف، أي رسالة نشر لكل ما يتقبله القلب السليم، وإبعاد لكل ما تنكره الفطرة، فالمعروف هو ما عرفته الفطرة السليمة، والمنكر هو ما أنكرته الفطرة السليمة.
إنه صلى الله عليه وسلم لم يقل (على الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج) لكنه أعطى المقاصد عنوانها فقال:(..وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)
(وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم..) أي أريدكم شجعاناً، إنه صلى الله عليه وسلم، لا يريد الجبناء، ولا يريد المتخاذلين، ولا يريد المهزومين، ولا يرد الرعاديد..
إنه صلى الله عليه وسلم يريد الرجال الشجعان... لأن بناء المجتمع لا يقوم إلا على أكتاف الرجال، على أكتاف الشجعان لا على أكتاف المهزومين الذين يبحثون عن مصالحهم وأهوائهم ويركضون حيثما كانت لا...
(وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمتم عليكم..) وحين يقول صلى الله عليه وسلم فتمنعوني فهو لا يعني أن يمنعوا أعداءه من الوصول إلى بشريته ، لكنه  يمثل المبادئ، ويمثل الرسالة التي هي هدية الله تعالى إلى الإنسانية، وحمايته تعني حماية المبادئ وحماية الرسالة.
(..وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمتم عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبنائكم ولكم الجنة...)
ولمّا اجتمعوا قال العباس بن عبادة:
يا معشر الخزرج- يقول لقومه- هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟
قالوا : نعم.
(أي هل فهمتم مقتضى العقد)
قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس.
(أي : المنكرون عليكم كثير، والذين يُعلون لواء الباطل وراياته كثير..)
فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة.
( أي إذا كنتم ترون في ذهاب أموالكم مصيبة)
وأشرافكم قتلاً.
(أي إذا قتل أشرافكم، ورجالكم)
أسلمتموه
(أي حين يقتل أشرافكم وزعمائكم وتنتهي أموالكم تسلمونه؟)..
فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف،..فخذوه.
(أي.. يقول لهم انتبهوا لمفردات العقد.. )
فهو والله خير الدنيا والآخرة
قال الأنصار في العقبة فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف فمالنا بذلك يارسول الله؟
( أي ما جزائنا إن نحن فعلنا هذا ؟ )
هل جزائنا عضوية في مجلس الأمن، ليكون عندنا فيتو؟
هل جزائنا أن يقال لنا أنتم سادة التاريخ، وليسجل التاريخ اسم أنا..؟
قال الجنة.
قالوا ابسط يدك.فبسط يده فبايعوه.
في المدينة:
لما انتقل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وانتقل المهاجرون نفِّذ ما اتفق عليه.
ومن نماذج ذلك أن الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.
فقال المهاجرون تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمر.
الأنصار يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم أموالهم.
فمن كان عنده أرض بنخيلها فنصف أرضه للمهاجري ونصف أرضه له، لكن المهاجرين يقولون لا.. نحن نريد أن تقسموا الثمر لنا ( أي نريدها جاهزة)
نحن أتينا لنكمل حمل المبادئ.
فالمهاجرون الذي تربوا في مدرسة الثلاثة عشرة سنة مسؤولون عن حمل المبادئ، ومسؤولون عن متابعة الطريق ليكونوا في الصف الأول، وهم يقولون: نحن لا نريد أن نعمل معكم، فالهجرة ستستمر في حمل المبادئ والرسالة، والنصرة ستستمر في دعمها، قالوا سمعنا وأطعنا، نقسم الثمر بيننا، فطول العام نخدم النخيل، وفي نهاية العام نقسم الثمر بيننا، فكان الأنصار إذا قسموا أخذوا من أوراق الأشجار، لأن أوراق الأشجار (أي سعف النخيل) كان يستعمل في البناء فوضعوه مع التمر الأقل ثم يعطون التمر الأكثر للمهاجرين ويأخذون التمر الأقل ويقولن نحن أخذنا معه سعف النخيل.
وقالت المهاجرون: يا رسول الله ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن بذل من كثير ولا أحسن مواساة في قليل، قد كفونا المؤونة، وأشركونا في المهنأ فقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله.
إنهم يتسابقون على الخدمة، هذا يخدم المبادئ بكل ما أوتي، وهذا يدعِّم المبادئ.. ثم يستبقون على الأجر، قال صلى الله عليه وسلم:
(كلا.. أنتم شركاء في الأجر ما أثنيتم عليهم به)أي لا تقولوا نحن أصحاب الفضل ونحن أصحاب الرسالة ، ونحن القادة،..
(وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَينَكمْ) البقرة: 237.
(ودعوتم الله عز وجل لهم)
وكان من الأنصار قيس بن سلع وكان كثير الإنفاق إلى حد لا يتصور، فالأنصار قسموا نصف أموالهم أما قيس بن سلع فكان كثير الإنفاق إلى درجة لا يتصورها عقل، فجاء إخوة قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوه فقالوا إنه يبذّر ماله، ويجيب قيس فيقول: يا رسول الله آخذ نصيبي من الثمر فأنفقه في سبيل الله وعلى من صحبني؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال:
(أنفق ينفق الله عليك)
دعّم المبادئ، فإن هذا لا يسمى مذموماً أبداً.... فأقره المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ذلك نموذج من العلاقات بين المهاجرين والأنصار.
النصرة التي تحمي الهجرة، والهجرة التي تحمي المبادئ.
أما العلاقات بين المهاجرين أنفسهم:
ويا ليت الدعاة يسمعون، ويا ليت الذين يتحدثون عن حماية الإسلام وعن الأفكار، وعن الدعوة، وعن نشر العلم.. يا ليتهم يسمعون، هل كانت العلاقة بينهم تنافسية؟ هل كانت العلاقة بين هؤلاء القادة من المهاجرين علاقة تقوم على أساس التنافس، وإبراز الذات؟
خذوا هذا النموذج حتى تظهر الحضارة التي أنشأها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، هل تقوم هذه الحضارة على أساس القومية.
نال أبو بكر من عمر يعني وقع فيه. أي أخطأ أبو بكر مع عمر، فلما علم أنه أخطأ معه جاء إليه..
أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينـزل فيه القرآن:(إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) التوبة: 40. يأتي هذا الصاحب المكرم إلى عمر يقول: استغفر لي يا أخي، فيقابل عمرُ أبا بكر بغضب، ويعود أبو بكر ويستغفر ويقول استغفر لي يا أخي، لكن عمر لا يرضى.
ويخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ذلك له.
يا رسول الله أخطأت مع عمر وذهبت إليه ورجوته أن يستغفر لي، ولا يرضى.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل؟
يقول عمر: والذي بعثك بالحق نبياً ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له وما من خلق الله أحب إلي بعدك منه يا رسول الله.
في كل مرة كنت استغفر له, وفي هذه المرة لم استغفر, ويقول: وما من خلق أحب إلي بعدك منه.
يقول أبو بكر: أنا والذي بعثك بالحق ما أحد بعدك أحب إلي منه.
هل نرى هذا في واقع الدعاة؟
وهل نرى هذا في حملة المبادئ؟
وهل نرى هذا فيمن يدافعون عن الإسلام، فإن أخطأ أحدهم يجبر الكسر, ويرتق الخرق؟
أم أننا نعيش حالة اتساع الخرق, والتمزق, والبعد, والرغبة في المصلحة, والرغبة في الأنا, والرغبة في الذات؟
حول المدينة:
هل كان هذا مختصاً بالمدينة وواقعها؟
لا.. لأن الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المبادئ لم ينحصر في الموقع الذي كان يجلس ويقيم فيه.
حول المدينة, خرج أبي بن كعب, إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجمع الصدقة, فلما أتى رجلاً وأخبره أن الزكاة عليه (ابنةُ مخاض) بحسب حساب الزكاة المعلوم:. يعني صغيرة من الإبل, (النوق).
لكن ذلك الرجل يتعجب, فهذه ناقة صغيرة, وهو يريد أن يرسل ناقة كبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول: (ذاك ما ليس لبن فيه ولا ظهر.)
يعني هذه لا تصلح للركوب, وليس فيها اللبن الذي تشربون.
وهذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها.
يقول أبي, كيف آخذ ما لم يأذن رسول الله به.
كالذي يذهب ليأخذ من الزكاة اثنان ونصف بالمائة, فيعطيه رجل عشرة بالمائة, والصحابة كانوا يخافون لأنهم بايعوا رسول الله على الانضباط.
يأتيان إلى المدينة ويذهبان معاً إلى رسول الله , فأبي لا يريد أن يأخذها, والرجل يريد أن يعطيها, ويقول: هذه خير لكم, تركبون عليها وفيها لبن..!
ويجتمعان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقول: يا رسول الله ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر, وقد عرضت عليه ناقة عظيمة فتية ليأخذها فأبى علي, وهي ذي قد جئتك بها يا رسول الله فخذها, قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك.)
أين هذا.., يا من يبحث في أنظمة الضرائب..
والذي يريد أن يدفع الضريبة اليوم يتهرب منها بطرق ملتوية, ويقدم الرشوة لجامع الضرائب.. هذه هي مفرزات الأنظمة القومية.
وتلك هي مفرزات النظام العالمي الإنساني المحمدي...
فأين تجدون هذا يا دعاة القومية؟
هل وجدتم دافع الضرائب يقول لجامع الضرائب: أريد أن أضع عشرة أضعاف من الضريبة التي علي؟ وهل سمعتم بهذا؟
وهل نعيشه..؟ ويحاولون سرقة دُرَّتِنَا, ويقولون: إن محمداً صلى الله عليه وسلم بنى دولة قومية. أهذه دولة قومية..!؟
الدولة التي مجتمعها يقوم على المبادئ, ويُحصن بالحضارة المادية؟.
وخرجت الفتوحات بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: وانتشرت شرقاً وغرباً, وهُزمت الحضارات المادية أمامها, التي لم تكن تقوم على المبادئ المُسوَّرة بالنهضة,
وقال هرقل الملك الإمبراطور الرومي, قال لجيشه, لقادتهم المدججين بالسلاح, الذين أقاموا قوة مادية عجب الزمان منها, قال: فما بالكم تنهزمون.؟
و يجيبه واحد من القادة: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار.
فهل تفرز القومية صيام النهار وقيام الليل.؟
إن الإسلام لا ينتج مجرد صيام بالنهار وقيام بالليل فقط؟ لا..
فالإسلام حضارة متطورة تتعامل مع كل جزئية.. أعطونا أيها الماديون جزئية لا يتحدث الإسلام فيها... التهمة الوحيدة الموجهة إلينا, أننا نلغي الآخر.
وهذا كذب؛ فنحن لا نلغي الآخر.. فالخادم اليهودي كان يخدم رسول الله في بيته.
وعلي أمير المؤمنين البطل عَمِلَ أجيراً في بستان يهودي.
فمن الذي قال نحن نلغي الآخر.
ومن الذي قال إننا لا نعطي الآخر مكانته واعتباره.
تلك هي أكذوبة, أو هو الحكم على الكل من خلال البعض الجاهل، وهذا مالا ينبغي أن يُسمح أن يكون معبراً عنا..وعو إسلامنا، فنحن أمَّة الشمولية, وأمَّة الإنسانية, وأمَّة العدالة, وأمَّة الاحتواء..
وفُتحت الفتوحات, وعاد سلمان الذي جاء من فارس, ووقف على أقدام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, عاد إلى مدائن كسرى حاكماً عليها وأميراً..
عاد سلمان ليكون أمير المدائن, فهل قلَّد كسرى؟
وما الذي حصل بعد الفتوحات؟..
هل تغيرت النفوس حينما امتلأت الجيوب؟
هل انتشرت الرشوة, وسُرقت الموارد؟
ما الذي حصل؟.
اسمعوا.., وليسمع العالم.., وليفهم العالم إسلامنا:
يأتي رجل من أهل الشام إلى المدائن, من بني تيم الله, معه حمل تين, فيرى أمير المدائن سلمان في السوق, يلبس عباءة دون أن يعرف أنه أمير المدائن, ولما رأى رثَّة ثيابه.. لما رأى عباءة سلمان الرثة, ظن أنه أجير في السوق, فقال لسلمان: تعال احمل, تعال احمل,
المخاطَب أميرُ المدائن, لكن كانت ثيابه ثياب أفقرهم.
هل رأينا هذا فيمن يزعمون القومية, والنصرة للقومية, والدفاع عن القومية مثل هذا..؟
هل أنتجت القومية مثل هذا..؟
وماذا قال له سلمان, هل قال له: هل تعرف من تخاطب؟
ألا تعرف أنني أنا الأمير؟ هل قال سلمان هذا؟
هل قال له ألا تعرف من أنت، يا أيها اللاجئ الغريب, وأنت في حمايتنا وحماية دولتنا..؟
سلمان الذي كان صاحب القصر الجمهوري في المدائن ( بمفهوم العصر ) ويخاطبه هذا الرجل فيقول: تعال احمل سلة التين.
ويأتي سلمان ويحمل, ولا يخبره عن نفسه, ولا يقول إنه حاكم المدائن وأميرها, ويراه الناس ويعرفون أنه سلمان, وأنه الأمير, ويقولون: هذا الأمير (يعرِّفون الغريب) هذا أميرنا سلمان, أمير المدائن.
يقول سامحني لم أعرفك. وبدأ يفكِّر, ما هي عقوبتي, وماذا سيفعل بي سلمان الأمير، وأنا فعلت ما فعلت؟.
يقول سلمان: لا والله حتى أُبلِّغك منزلك.
سأحملها حتى أوصلك لمنـزلك. فهل تفرز القومية مثل هذا..!!؟؟

كان صلى الله عليه وسلم يقول للناس: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا.)
واليوم نقول: (لا إله إلا الله) ولا نفلح.. فلماذا..؟ولماذا لا تظهر علينا علامات الفَلاَح..؟
والجواب:
الفارق بين الفريقين: أنهم تفاعلوا مع معناها, ونحن تحركت بها ألسنتنا..
الفارق أنهم فهموها, فهموا بقلوبهم, مِن (لا إله إلا الله), أنه لا يستحق التعظيم إلا الله, فلم يعظِّموا غيره.
وقلنا: (لا إله إلا الله) بألسنتنا وعظَّمنا الأشياء, وعظَّمنا الخلق..
قالوا: (لا إله إلا الله) وفهموا أنه عقد التزام وانضباط سلوكي, وانقياد واستسلام لله..
فهموا أنه عقد يُوَقَّع, فوَقَّعوا العقد حينما قالوا: (لا إله إلا الله)
ونحن قلنا: (لا إله إلا الله) ولم ننضبط, ولم نشعر أنه عقد التزام..
فكيف نفلح..؟
قالوا: (لا إله إلا الله) وأدركوا أنه لا رقيب على سلوكهم إلا الله, ولم يبالوا بأي رقيب يراقبهم إلا الله.
ونحن قلنا: (لا إله إلا الله) ولم نلاحظ غير الخلق رقيباً.
قالوا: (لا إله إلا الله) فقاموا بواجباتهم, ولم يظلم بعضهم بعضاً, لوم يسرق بعضهم بعضًا, ولم يغش بعضهم بعضاً, ولم تنتشر بينهم ظاهرة الفساد المالي والإداري والسياسي..
نحن قلنا: (لا إله إلا الله) بألسنتنا, وسرق بعضنا بعضاً, ونهب بعضنا بعضاً, وأكلنا ثروات بلادنا, وأكل بعضنا بعضاً, وظلم بعضنا بعضاً, وسرق بعضنا بعضاً..
لا يمكن أن نفلح, لأننا لم نفهم (لا إله إلا الله) ؛ ولا يفهم القوميون أنها تبني نهضة حينما تنفذ إلى باطن الإنسان..
إن (لا إله إلا الله) لا تُوجِد مجرد الرحمة والمحبة فقط, إنما تبني حضارة وتتفاعل مع الواقع.
قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي: (لا إله إلا الله) وعدلوا..
وقال حكامنا في عالمنا الإسلام: (لا إله إلا الله) وسرقوا.., ونهبوا.., وظلموا..
فكيف يمكن أن نفلح..!
هل نحن لا نملك طرحاً؟
من الذي يقول هذا؟
إننا نملك, ونفهم أن (لا إله إلا الله) هي التي تجعلنا نتعامل مع كل إنسان على وجه الأرض, على أنه أخ لنا.. رضيه الله له عبداً فكيف لا نرضاه لنا أخاً..
قالوا (لا إله إلا الله).., وكانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع..
وقلناها ونحن نغط في سُبات المضاجع..
قالوها.., فكانت صلاتهم خاشعة, وكانت معاملتهم مستقيمة.
وقلناها وكانت صلواتنا حركات لا خضوع فيها ولا خشوع..
قالوا: (لا إله إلا الله) ورأينا أنهم خرجوا عن أموالهم وأنفسهم لله..
وقلناها ونحن نمسك المَال خشية الإنفاق..
قالوا: (لا إله إلا الله) وصبروا على الحق..
ونحن قلنا: (لا إله إلا الله) ونتضجر ولا نصبر على الحق..
قالوا: (لا إله إلا الله) وصبروا عن المغريات والشهوات والنـزوات..
وقلنا: (لا إله إلا الله) وتهاوينا أمام الشهوات, والمغريات..
إذاً كيف نفلح..؟
أين عقد الانضباط السلوكي الذي تقتضيه (لا إله إلا الله) ؟
ولئن كان أولئك القوميون ينشرون في صحفهم السورية المقالات الكبرى, التي يسخرون فيها من المنابر العرجاء, والصحف الصفراء..
أقول: إن المنابر لم تعد عرجاء, وستمشي.., وستمشي من خلالها نهضة..
وأقول: إن كانت يوماً من الأيام عرجاء, فلأنها كانت تسير على مبدأ السكوت عن الحق.
وأما الصحف التي يصفونها بأنها الصفراء, فإنها أثمن من الذهب الأصفر..
نعم نحن لا نعني أننا ينبغي أن نأتي بالكتب الصفراء لنطبقها في زماننا الأسود.
لا.., لكننا سنحول الكتب الصفراء إلى بيضاء, لتنير زماننا الأسود فيصير بها الأبيض.
ونحن ملتزمون بالتطوير العلمي والثقافي.
لقد تحولت كتبنا الصفراء إلى بيضاء بالتطوير والتحديث والتقانة..
وسنقدم مشروعات تطوير...
لكن.., أقول: اربؤوا بأنفسكم, واخجلوا على أنفسكم, يا من لا تقدمون إلا الثرثرة والكلام, وخاطبوا باحترام كتباً كانت في يوم من الأيام سبب نهضة أجدادكم. اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, أقول هذا القول واستغفر الله.
أعلى الصفحة