الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
خطبة عيد الفطر
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
3/11/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
أمرنا الله سبحانه وتعالى وعلَّمنا إذا ما أتممنا صيامنا كيف نكبِّره ونعظِّمه ونشكره على ما أولانا من نعم، وعلى ما وفقنا إليه من طاعته، قال سبحانه وتعالى جل من قائل:
(وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة : 158].
(وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ) عدة شهر الصيام.(وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)لتعظموه فحقيقة التكبير تعظيم الله ، لتعظموه وقد علمتم أن ما كان من صيامكم وقيامكم إنما هو من فضله وتوفيقه، وهو الذي خلق ونسب إليك.
وفي نهاية الطاعة قد يخطر لقلب الإنسان أن يعظِّم عمله، وقد يخطر لقلبه أن يعظم اعتكافه، وقد يخطر لقلبه أن يعظم صيامه، وقد يخطر لقلبه أن يعظم قيامه، وقد يخطر لقلبه أن يعظم ذكره..
لذلك أخرج الله سبحانه وتعالى الإنسان عن شهود عمله ليكون بعد طاعته هذه معظماً لله وحده.
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
وهكذا يبدأ موسم الشكر بعد موسم التوفيق، فقد وفقنا في مبتدى الأمر وطلب منا الثبات بعد أن تمم لنا توفيقه.
هدانا فلما رأينا هدايته وعظمناه بقي علينا أن نشكر نعمته.
إنه سبحانه لا ينتفع بطاعتنا ونحن الذين ننتفع، ونحن الذين نستفيد من الصيام والقيام، لهذا دعانا سبحانه وتعالى بعد أن وفقنا إلى شكره.
وحقيقة شكره أيها الإخوة ليست مجرد شكر لساني قولي فالشكر هو الثبات على الطاعة، وهو حقيقة الشكر، ينعم علينا بنعمه فندوم عليها ولا تتوجه بعدها إلى معصيته.
(وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فهل ستشكرونه بالثبات على طريق الهداية؟.
وهل ستشكرونه باستعمال نعمه التي أنعمها عليكم فيما يرضيه؟.
وهل ستصرفون أوقاتكم بعد موسم الخير في حركة الجسد بطاعة الله سبحانه في انقياد النفس واستسلامها لأمره ولمراده لتستشعر معنى العبودية؟.
وهل ستشكرونه من خلال توظيف عقولكم في تدبر المنافع التي تعود على خلق الله؟.
وهل ستشكرونه من خلال القلب الخاشع الذي يسعى صاحبه لزيادته وتعيمره بأنوار الإيمان؟. ..
فالشكر الثبات على طاعته جسداً ونفساً وعقلاً وقلباً ليكون الإنسان بعد موسم الخيرات ثابتاً على طاعة الله مواظباً عليها بكل ذراته وجوارحه.
واقرأ بعدها قوله تعالى :
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة : 186] .
إذا سالك العباد عني يا حبيب الله يا محمد (صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً).
إذا سألك عبادي عن وصفي، وعن عاداتي في خلقي.. فقل لهم الجواب: أنا الذي أحوطهم بعنايتي وأكلؤهم بحمايتي وأمُنُّ عليهم بفضلي وإحساني ..
فحين يقول سبحانه (فإني قريب) يعني أنني قريب منهم أعتني بهم ، وقريب منهم أحميهم ، وقريب منهم أُنعم عليهم بفضلي وكرمي فهم غرقى إحساني، أنا القريب منهم أتحبب إليهم في كل نَفَس بالنعم، وأتحبب إليهم في كل نفس بالعطايا، إني قريب وفي قربي متفضل على عبادي، وإن هم بعد ذلك دعوني أستجيب لهم، فأنا أعطيهم قبل أن يتوجهوا بالدعاء إلي ، وأعطيهم حينما يتوجهون بالدعاء إلي، فحينما ينسون الدعاء أحوطهم بعنايتي، أرزقهم وأعطيهم، وحينما يتضرعون بين يدي - والتضرع والدعاء إعلان انكسار وعبودية- فإذا ما استشعروا عبوديتهم ووقفوا بين يدي يتضرعون ويعلنون عبوديتهم أجيب دعائهم وألبي رجائهم.
إنه سبحانه حين قال : (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ثم قال بعدها : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) .
فهو يريد أن يعزز معنى الشكر فيك فلماذا لا تشكره ؟.
أي لماذا لا تشكر ربناً قريباً منك بعطاياه وإحسانه ؟.
كيف تشكر الخلق ولا تشكر من هو قريب إليك بفضله وكرمه وجوده ومنته ووهبه!!
(فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي). فليستجيبوا لرب هذا وصفه.
إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه، حسِّن ظنك به لأجل معاملته فهل عودك إلا حسناً ، وهل أسدى إليك إلا منناً .
(فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي) فإن علموا أن هذا وصفي.. ألا يستجيبون لرب هذا وصفه يدعوهم للكرامة والعطية، يريد لهم الخير في دنياهم، ويريد لهم الخير في آخرتهم.
(فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي) لأن من عرف ما تقدم من الأوصاف سيستجيب. (وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
إن الإيمان يا إخوتي ينور القلب، وإذا تنور القلب تفتحت عين البصيرة، وإذا تفتحت عين البصيرة أبصر رشاده .
(وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
حيرة الناس اليوم وضياعهم عن طريق الرشاد لأن عين القلب لا تبصر، فلو أن عين القلب أبصرت حين يتنور القلب بأنوار الإيمان فإن ذلك سيقودهم إلى إبصار الرشاد، فلا يمكن لمجتمعنا أن يكون راشداً إلا إذا تعمر بالإيمان، لأن الإيمان يُنور البصيرة، وإذا تنورت البصيرة أبصر طريق الرشاد، فالضلال سببه عمى القلب، وعمى القلب سببه عدم وجود أنوار الإيمان.
أيها الإخوة هذا يوم فرح بفضل الله، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر فقال: (للصائم فرحتان، فرحة يوم فطره - وهذا هو يوم فطرنا- وفرحة عند لقاء ربه) .
هذا يوم الفرح الأول ، ونسأله تعالى أن يتمم لنا بالفرح الثاني .
وهذا يوم الجائزة فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبوابا لطريق فنادوا أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل) يمن بالخير لأنه وفقنا في شهر رمضان، ثم يثيب عليه الجزيل من الثواب مع أنه هو الذي تفضل في الابتداء.
(إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبوابا لطريق فنادوا أغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتهم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا –يعني إذا صلوا صلاة عيد الفطر كما صليتم- نادى مناد إلا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة).
اللهم امنن علينا بالجائزة عاجلاً وأجلاً يا رب العالمين، وأمنن على أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالجائزة عاجلاً وآجلاً يا رب العالمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة