الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
لا: للفوضى ، و نعم: للمقاومة
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
11/11/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
حُكي لنا في الخبر, أن امرأتين اختصمتا على طفل, فقالت الكبرى: هذا ولدي. وقالت الصغرى: هذا ولدي. وكان ذلك الحدث زمن سليمان وداود عليهما الصلاة والسلام، وأراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يختبر صدقهما, فحكم بشق الطفل نصفين, لتأخذ كل امرأة نصفًا, فما كان من الصغرى إلا أن صاحت: إنه ولدها، لا تشقوه نصفين، إنه ليس ولدي، لكنه ولدها, ففهم سليمان عليه الصلاة والسلام أنه ولد الصغرى.
هذا الخبر وظَّفه يومًا من الأيام بعض الدارسين والمتأملين حين كان الأجنبي يخطط لتقسيم بلده, فاقتبس صورة من هذا الحديث, ليقول للناس وقتها: من كان وطنيًا وبينه وبين بلده انتماءٌ فلن يختصم مع أحدٍ إذا أريد تقسيمُ بلده، في السؤال لمن هذا البلد؟
وسيكون حرصه متوجهًا إلى سلامة البلد أولًا، وهو ديدن الشرفاء والأمناء.
أقول هذا وقد علم كل فاهم بعدما رأى ما رآه من الأجنبي الذي يملك القوة المادية ويخطط لبلاد المسلمين أن المخطط هو تقسيم بلاد المسلمين, وتقسيم المقسم كما يقولون، وما هي العراق عنا ببعيد.
أقول هذه الكلمات لأؤكد على بعض الحقائق التي ينبغي أن لا نختلف عليها, وأذكر أمورًا ثلاثة:
1- بلادنا سورية هي قلب الشام, فبلاد الشام هي ما بين الفرات والنيل: سورية, ولبنان, والأردن, وفلسطين التي سيناء منها.
سورية فيها قنسرين التي خُيِّر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما خُيِّر أن تكون دار هجرة له، فقد خير كما في سنن الترمذي بين البحرين ويثرب وقنسرين، وقنسرين من أعمالها مدينة حلب.
سورية فيها دمشق التي أثنى عليها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, وحض إن أمكن على اختيار دمشق بين منازل بلاد الشام. وهي التي سيكون فيها يومًا من الأيام فسطاطُ المسلمين.
قال صلى الله عليه وسلم: (فسطاط المسلمين في الغوطة, قرب مدينة يقال لها دمشق).
واليوم جاء دور سورية, وأصبحت هذه البلدة الطيبة الخيرة المباركة من أرض بلاد الشام المُستهدَف الأول بعد العراق، والمراد تذويب ثقافتها، وتفكيكها جغرفيًا، وتذويب هويتها, وإضعافها، والطعن في قلبها وصدرها باستعمال الذرائع، ولن يعدمَ الأجنبي ورقة يستطيع من خلالها تقديم ذريعة.
2 - الحقيقة الثانية: أن الثبات والامتناع عن التنازلات ينبثق من ثقافة هذا المجتمع، فترك التنازلات, والثبات أمام المحنة, هو مما يعبر عن مكنونات هذا المجتمع في بناءه.
3 - الحقيقة الثالثة: التي لا يختلف العقلاء عليها, كون المقاومة بكل أشكالها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحربية, الخيارَ الأول في هذا المجتمع، وهي خير من الفوضى.
هذه الحقائق الثلاثة التي أُثمنها وأؤكد عليها ذكرها رئيس البلاد، ولا أعتقد أن أحدًا في الساحة الإسلامية أولًا, يختلف أنها حقائق ثابتة، وفي ساحة الشرفاء ثانيًا، ومن في قلبه وصدره حرص على البلد وحرص على الوطن.
لكنني أقول: إن كان في خطاب السيد رئيس البلاد استغرابٌ من لفظة المصالحة, التي بدا له في دلالتها تضمُّنُ وجودِ التخاصم السابقِ لها، فإنني أقول لسيادته: إن المصالحة لفظٌ لا يستلزم التخاصم فنحن مدعوون إلى المصالحة مع الذات، وطالما أننا نؤكد على حقيقة وحدة المجتمع في المحنة والأزمة، فإن المصالحة مع الذات لا تعني التخاصم فيما يبدو لنا.
فالإنسان نفسه يستطيع أن يصالح بين عقله ونفسه في داخله حينما يُقرِّب العقل من النفس، فيضبط النفسَ بضوابط العقل، ويفتح للنفس طرقها المشروعة، فهي عملية مصالحة مع الذات.
نحن لا نريد مفهوم المصالحة المستلزم للتخاصم بافتراض مجموعة من الأطراف المتخاصمة, لا..
إننا نفترض مجتمعًا واحدًا يقف أمام محنة وأزمة لابد فيها من المصالحة الذاتية فيه, بل لابد من المصارحة والمصالحة، فنحن نحتاج إلى المصارحة ونحتاج إلى المصالحة.
والمصارحة منا كشعوب وقيادات لا تنطلق من أصل تجريحي، إنما تنطلق في مفاهيمنا من حقيقة النصيحة الكبرى التي جعلها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أصلًا لبناء المجتمع: (الدين النصيحة)
جعل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم، فالمصارحة التي تنبعث من مفهوم النصيحة، و الرغبة في التماسك والترابط, لابد من وجودها سابقة للمصالحة.
وهكذا وفي ترتيب البيت الداخلي كما أشار سيادته أقول لابد لنا أن نفعل شيئا ما, يلغي ولو بعض الظن والوهم، ويلغي المسافة بين الشعوب وقياداتها.
إن الشعوب الإسلامية حريصة في هذه الأزمات أن تكون قريبة من قياداتها, وربما كان حرص الشعوب أكبر من حرص القيادات على القرب من الشعوب, لكن لابد في هذا الوقت من الحرصين معًا.
لابد من المصارحة المتبادلة, ولابد من المصالحة المتبادلة في البدن الواحد الذي هو المجتمع الواحد.
وينبغي أن لا نُخدع وأن لا ننصرف عن هذه المصارحة والمصالحة ببعض الظواهر الانفعالية التي تخرج من الإنسان عفويةً من غير تكلُّف, فقد سار الناس في الأمس القريب في العراق, قبل أن يهوي الصرح الكبير, الذي يحمي أرض العراق, أعني الجيش العراقي, وقبل أن تتمزق أجهزته؛ ورأى الناس كيف خرجت الألوف تصيح بالروح والدم..
هذه الظواهر الانفعالية ينبغي ألا تصرفنا عن حقيقة المصارحة الذاتية والمصالحة الذاتية.
من ضروريات هذه المرحلة أن نُؤجِّل ما يحتاج إلى وقت طويل.
وأشار سيادة رئيس البلاد إلى قضايا تحتاج إلى دراسة مطولة, كقانون الأحزاب وغيره.., لكن هناك أمورٌ ينبغي لنا في المصارحة والمصالحة الذاتية أن لا نجعلها مشروعًا طويلًا.
أولًا: من جهة مصارحة القيادات لشعوبها ومصالحتها:
أ - المصارحة:
تكون القيادات مصارحة لشعوبها حينما تسارع في إظهار الصدق الإعلامي, وهذه قضية لامسها سيادته في الخطاب الأخير, حينما دعا أن تكون وسائل الإعلام المحلية سابقة في الخبر لوسائل الإعلام الأخرى, ليحصل نوع من الثقة في المجتمع الواحد.
الصدق الإعلامي الذي ليس فيه تزييف, ولا مجاملات, ولا صرف عن الحقيقة.
ب - المصالحة:
من مصالحة القيادات لشعوبها في المجتمع الواحد, وبالسرعة الممكنة:
- عدم التمييز بين مواطن ومواطن. ونستطيع في هذه المرحلة تحقيقها بالسرعة التي لا يُعيقها إلا خائن, لأنها قضية لا تحتاج إلى طول دراسة. وذلك بالابتعاد التام عن كل أنواع التمييز بين مواطن ومواطن, والمواطنة وحدها تكفي للمساواة, مهما كان انتماء هذا المواطن العقائدي أو الحزبي أو الطائفي.., فلا ينبغي في هذه المرحلة أن تُشاهَد البئر المعطلة و القصر المشيد. وهكذا يبدأ في المصالحة التغيير من خلال إجراء عاجل يتناول بنية المجتمع, دونما إجراءات رسمية تحتاج إلى وقت طويل.
- ترك كل أنواع الوصايات الأمنية، وبالسرعة القصوى فهذه مرحلة ينبغي أن نتجاوز فيها هذا الأمر, الذي يُعبِّر عن عدم الثقة, والأزمة تَلمُّ الشمل: لمَّت الآلامُ مِنَّا شَملَنَا ونَمَتْ ما بينَنَا من نَسَبِ وفي الزمن الذي عاشته بلادنا في الماضي القريب, كانت الوصايات الأمنية على ما يُقرأ, وعلى ما يُكتب, وعلى ما يُسمع, وعلى ما يُرى.. لا نريد أن يُخوِّن بعضنا بعضًا.. كلنا أمنٌ لهذا البلد, ولا يوجد في هذا البلد مع وجود المحنة والأزمة, ومع وجود الشرفاء, ومع وجود الأمناء, إلا من يحرص على وطنه, فكلنا أمنٌ لهذا البلاد حينما نكون يدًا واحدة, لا نريد أن نُفرِّق بين موظف أمن ومواطن؛ لأن كل مواطن هو موظف أمن.
- إن حرية التعبير لن تكون عنصرًا سلبيًا ..لا .. لقد بدأنا جميعًا نشعر في هذا البلد ببعض الحرية, وهاأنا أقف وأتكلم من على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصارحة والمصالحة, وحريات التعبير في هذه المرحلة لن تكون عبئًا علينا, بل ستكون زادًا لنا, وستكون قوة لنا, ذلك أن التعبيرَ يسوق القلب إلى القلب, ويقرِّب العقل من العقل, فإذا الطرفان المتوهمان أنهما بعيدان عن بعضهما؛ يجد كل واحد منهما نفسه في الآخر, ويلتقي مع هذا الآخر على الثوابت, لأن المحنة تجمع على الثوابت أيها الإخوة.
- ثم إن الوجوه التي تحمل التعقل والحكمة في البلد كثيرة كثيرة, ولن أتحدث عن مؤتمر وطني للمصالحة, لكنني أتحدث عن شورى تستفيد فيها قيادات البلاد من الحكمة والعقل فيمن هم على أرض البلاد, من الحكماء والعقلاء, بمعنى ألا تقتصر الشورى على من هم اليوم في القيادة فعليًا، وإن كل من يملك عقلًا وحكمة في هذا الوقت يستطيع أن يقدِّم شيئًا كثيرًا, ولعل اللقاء المتجدد بين القيادات وشعوبها؛ ينبثق عنه شيء كثير فيه نفع البلاد, وفيه الموقف الواحد.
ثانيًا: من جهة مصارحة الشعوب لقياداتها ومصالحتها:
أ - المصارحة:
من مصارحة الشعب للقيادة التعبير الصادق البعيد عن كل أشكال النفاق والمجاملة, فهذه المرحلة لا تسمح بمزايدات نزاود فيها, ولا بمجاملات, ولا بنفاق..
إنني أَعِد سيادته ألا أكون في وقت من الأوقات في هذه المحنة ولا بعدها إن شاء الله مُنافقًا ولا مُجاملًا.
وهذا نوع من أنواع المصارحة, فنحن لا نحتاج إلى مزيد ثناء.
واليوم كنت أقرأ في الصباح: أن النبي صلى الله عليه وسلم, لم يكن يحب الثناء إلا أن يكون من مُكافئ. بمعنى إذا أثنى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد يَرُد له هذا الثناء.
وفي يوم من الأيام, حينما زار السيد رئيس البلاد هذه المدينة حلب, وقف واحد يريد أن يُسمعه قصيدة شعر يثني فيها عليه, فأجابه: لا أحتاج إلى ثناء قولي, إن ثناءك يكون حينما تحوِّل قولك إلى فعل.
نعم يا إخوتي قد شبعنا ثناء قوليًا, وشبعنا نفاقًا فيما مضى, ونحن اليوم نحتاج إلى عمل, ونحتاج إلى حركة، ونحتاج إلى دور فاعل, ولا نحتاج إلى نفاق، ولا نحتاج إلى مجاملات، فهذا هو ما يطلبه منا ديننا ، وهذا هو ما يطلبه منا ربنا، وهذا هو ما يطلبه منا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة).
ب - المصالحة:
المصالحة الذاتية التي تنبثق من ساحة الشعب تتجسد في هذه المرحلة من خلال فتح صفحة جديدة عنوانها الرغبة في البناء، والرغبة في الإصلاح ، والرغبة في التماسك، والنظر إلى ما فات على أنه مرحلة مضت, فنحن نحتاج إلى النظر إلى المستقبل، ونحتاج إلى النظر إلى الواقع، وهكذا تكون المصالحة الذاتية.
- خيارنا التعاون للإصلاح، والتماسك للمقاومة.
- لا نتحالف مع الأجنبي أبدًا، وننبذ كل من يتحالف مع الأجنبي.
- شعارنا:
(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].
اللهم إنا نسألك كل الخير للبلاد والعباد.
ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
أقول هذا القول وأستغفر الله.


أعلى الصفحة