الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
الجماعية الإيجابية حاجَةٌ مُلحة في مراحل البناء
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
2/12/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
لا تعاني المجتمعات من الظلم، إلا حينما يوجد تجمُّعٌ للشر، ولن تتبدل الموازين حتى يوجد تجمُّعٌ للخير.
فالتجمُّعٌ حاجةٌ تتقدَّمُ ظُهورَ مفردات الخير على أرض الواقع.
وعادة ما يفرز تجمُّعُ الشر مبدأ التفريق لكل ما هو خَيِّرٌ، ليسود وحده.
واقرؤوا في كتاب الله تبارك وتعالى حديثه عن فرعون مصر حين وصفه فقال:
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) [القصص: 4].
فأفرز علوه وظلمه، وما جمعه من حوله من تجمُّعٍ للشر مبدأَ التفريق للخيِّرين ليبقى في طغيانه وعلوه، وانفراده بالسيئات دون أن يوجد تجمُّع يحاسبه.
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ)ومن لوازم ذلك أنه: جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا، أي فَرَّقهم ولم يترك لهم تجمُّعاً، وحينما شعر فرعونُ أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، ومن معه اجتمعوا والتأم شملهم في تكوين جماعي واحد استشاط غضباً وثار غيظاً، ووصف الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) [الشعراء: 52].
أي اجتمعوا في رحلة يتحرك فيها تكوينكم بحركة واحدة، لكن تنبهوا أنكم متبعون لأن هذا التكوين الجماعي لن يُرضي الظلم وأهله، ولن يرضي تجمُّع الشر.
(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) الشعراء:[53-54]
يقول لهم: إنهم تجمُّع، لكنه مستصغر في نظر من ينظر إلى العدد، من غير أن ينظر إلى المدد.
(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) ليدعمَ تجمُّع الشر فقال لهم:(إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ)[الشعراء: 53-55].
ما رأى فرعون منهم رغبة في إزالة حكمه، ولا رغبة في إسقاط دولته، ولا حركة إنقلابية تزيحه عن كرسي سلطنته، لكنه رأى تجمُّعاً، أو تكويناً جماعياً يجتمع على ثوابت الفضيلة.
(وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ).لأن الفضيلة لا تروق لمن اجتمع على المنفعة أو المصلحة أوالشهوة المنبعثة عن رغبات النفس.
(وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) أي وإنا كل من كان حول فرعون نحذر تجمُّعهم.
وحين أراد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم للفضيلة أن توجد على أرض الواقع بمقومات وجودها قصد الهجرة إلى المدينة، وتعلمون كم كان المكِّيون المشركون حريصين كل الحرص على أن يمنعوا وجود التجمُّع في طيبة التي طابت بسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وقد وضع الله سبحانه وتعالى للإنسانية منهاجاً واضحاً، وخاطبها بخطاب يضع ضابط التجمُّع، وذلك بقوله سبحانه:
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وهذه الآية مع قلة كلماتها تضع ضابطاً واضحاً للتجمُّع الإيجابي الذي يفرز الخير، والبناء، ويصلح ولا يفسد، ويعمِِِّر ولا يخرِّب، وينهض بالإنسانية إلى حضارتها ولا يدفعها إلى الوراء.
يقول: إن أنتم أردتم تجمُّع الخير فعنوانه التعاون على البر والتقوى، أما التجمُّع على الشر فعنوانه التعاون على الإثم والعدوان.
وما معنى التعاون على الإثم والعدوان، وما معنى التعاون على البر والتقوى؟.
الإثم: هو المؤذي والمخرب.
والعدوان: هو تجاوز حقك والاعتداء على حقوق الآخرين.
فكل تجمُّع يفرز إيذاء أو تخريباً ينبعث من مفهوم الإثم، وكل تجمُّع يسلب الآخرين حقوقهم هو تجمُّع على العدوان.
فتجمُّع الشر يفرز فعل المؤذي والمخرب، ويفرز الاعتداء على حقوق الآخرين.
ويقابله تجمُّع الخير الذي عنواناه البر والتقوى، فالبر باختصار هو فعل الخير، والبناء، وصناعة النهضة والحضارة، والتقوى: الوقاية من الضار، ولا يكون في هذه الوقاية اعتداء على الآخرين، إنما هي صون وحماية. قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ ِ) [البقرة: 190].
إنه دفاع لا هجوم، ووقاية لا عدوان، فإذا وجد تجمُّع يقوم على فعل الخير والبناء، ونشر العلم، والفضيلة، وتطوير الإنسان، والسير به إلى حضارته مع وجود الوقاية من الضرر، عندها يسمى تجمُّعَ خير.
وتتضح لنا في التوصيف القرآني صورتان توصيفيتان لتجمُّع الشر أينما كان في العالم، ولتجمُّع الخير أينما كان.
فالتجمُّع مطلوب وبه تتوازن القوى، وبانعدام التجمُّع الذي عنوانه الخير، وتفصيله البر والتقوى، سيستمر الظلم والاستبداد والطغيان ويدوم..
وتجمُّعَ الخير لا يفرز شراً ولا عدواناً ولا إيذاءً، أما تجمُّع الشر فيفرز تخريباً وعدواناً وإيذاءً.
تلك هي معاييرنا وموازيننا.
تجمُّع الخير لا يسعى لاستئصال المخالف، واقرؤوا قوله تعالى وهو يصف خطاب تجمُّع الخير للمخالف:
(اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 15].
مفردات هذا الخطاب:
(اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) يعني نواصينا ومقاليد أمورنا بيده.
(لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) فلم يتبنَّ هذا الخطاب مبدأ استئصال أعمالهم، يقول لهم: لنا أعمالنا المعبرة عن حضارتنا، وثقافتنا، ومبادئنا.
(وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) لأنه لا يوجد في مبدأ الإسلام، وفي التقرير الرباني قسر أوقهر أو إزالة اختيار.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف: 29.
أعمالنا تعبر عن مبادئنا، فهي استقامة، وبناء، ونشر حضارة، وعلم، وليس فيها سرقة ولا غش ولا خيانة، بل فيها بر وعطاء وأمانة.
لنا أعمالنا المعبِّرة عن ثقافتنا، ولكم أعمالكم المعبرة عن غايات نفوسكم، لكننا مع ذلك لم نؤمر أن نستأصل أعمالكم.
َ(لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) يعني انقطعت الحجة لأنكم خرجتم عن سبيل الحوار والمنطق إلى لغة القوة والخصام.
فلو أنكم ترجعون إلى ميزان العقل والمنطق لكان بينا وبينكم حجة لكنكم عدلتم عن الحجة إلى الخصومه.
(اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ). هذا في سورة الشورى.
أما في سورة القصص فعبَّر عن الخطاب للمخالف بقوله سبحانه:
(وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) [القصص: 54] فالمخالف يقابلهم بالسيئة وهم يقابلونه بالحسنة.
(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) في التفتي والإنفاق، والعطاء.
(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) وهو الكلام الذي لا نفع له لأنه مجرد شعارات لا تطبيق لها ولا أثر لها على أرض الواقع.
(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)
إنه خطاب الإسلام، إذاً هو خطاب السلام، فالسلام إسلام، والإسلام سلام، وهكذا أقام الإسلام تجمُّع الخير على هذه الأسس التي لا ترتقي الإنسانية إلى ما هو أعلى منها.
(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) لا نبحث عن الجاهلين، ولا نتقصى أمرهم بل نحيل أمرهم إلى الله.
وشتان بين هذا المنهج الذي يعبِّر عن تجمُّع الخيِّر ومبادئه وثقافته, و يقول للمخالف:
(لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)وبين منهج الشر الإقصائي, الذي يصفه الله سبحانه بقوله:
(وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف: 82]
إنه منهج إقصائي إستئصالي, لا يستطيع الحوار مع الآخر, ولا يستطيع المقابلة معه بالحجة.
(أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) فلا ينبغي بحسب منهج تجمُّع الشر؛ أن يبقى أهل الفضيلة والطهارة في بيئة تجمُّع الرذيلة.
وهكذا أيها الأحبة, أقول:
لابد إن كنا نريد بناء مجتمعنا من تجمُّع خير, لأن الفردية لا تقابل الفساد, وحاجة الإنسان إلى التجمُّع من أجل الإصلاح حاجةٌ ملحة من وجوه عديدة:

أولاً: التجمُّع الإنساني الخيِّر يوفر للإنسان حاجاته المادية, واقرؤوا قوله تعالى:
(نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) [الزخرف: 32]
فإذا وجد التجمُّع الخيِّر؛ كان بعضهم كالخادم للبعض الآخر.
وقد قالوا:
فالناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ

فالتجمُّع الخيِّر يفرز بسبب التكامل خدمات الإنسان, ويوفِّر له الحاجات المادية أولاً.
ثانياً: التجمُّع الإنساني الخيِّر يوفر الاشتراك الشعوري عند الفرح والسعادة والحزن..ولا ترتاح النفس في وقت السعادة أو الفرح أو الحزن؛ إلا حينما تعايش هذا الاشتراك الشعوري, فإذا وجد عند الإنسان فرح؛ ينظر فيجد إخوانه يشاركونه فرحه, وإذا أصيب بحزن؛ يجد إخوانه يشتركون معه في الحزن, وإذا كان في سعادة؛ يجد إخوانه يسعدون معه.
إنه الاشتراك الشعوري الذي لا يصل إليه أهل المصالح الفردية.
ثالثاً: يحصل الإنسان في التجمُّع الخيِّر على الصديق.
تمسك إن ظفرت بذيل حر
فإن الحر في الدنيا قليلُ

الأخ الذي ترتاح إليه, وتبثه مكنونات باطنك..
ولا يكون هذا في تجمُّع المصالح أيها الأخوة..
بل يكون في التجمُّع الخيِّر؛ لأن تجمُّع المصالح يكون مبنياً على أساس تبادل المصالح, وكلٌ منهم يحفر حفرة للآخر.
ألم تجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما قاله موسى عليه الصلاة والسلام:
(قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي) [المائدة: 25].
هل تستطيع أن تملك أخًا في الله, وتكون مملوكًا له؟
الصديق الذي حارت المادية في البحث عنه فلم تجده..
فهو لا يوجد إلا في التجمُّع الخيِّر, الذي يجتمع على الفضيلة, والنور, والحب في الله.
رابعاً: التجمُّع الخيِّر فيه فرصة لترتيب الأفكار.
فالأفكار حينما تبقى في قوقعة الفردية تكون مبعثرة, ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى ترتيب في أفكاره حتى يتبادل الرأي مع إخوانه, فإذا تبادل الرأي معهم ترتبت أفكاره, لأنه عند المحادثة والسماع من الآخرين, يبثهم ما يجول في فكره, ويسمع منهم ما يجول في أفكارهم و عقولهم؛ فيخلص إلى محصلة تُرتَّبُ فيها أفكاره.
خامساً: التجمُّع الخيِّر يستفاد فيه من تجارب الآخرين, ومهاراتهم, وخبراتهم.
وذلك إما عن طريق التأثر اللاشعوري, وإما عن طريق الاقتداء الواعي.
فالذي يعيش وحده في فرديته, ولا يعيش في تجربة جماعية؛ لا يرتقي في خبرته.
فالتجمُّع الخيِّر يوفر للإنسان خبرة, وانتفاعاً بمهارات إخوانه.
سادساً: التجمُّع الخيِّر يوفر للإنسان وجود ميزان أمامه, يستطيع من خلاله أن يقارن به نفسه, لا سيما حينما يقارن نفسه بمن تفوقوا عليه.
وقد قال صاحب الحكم العطائية:
(ربما أراك الإحسان من نفسك؛ صحبتك من هو أسوأ حالاً منك)
لكن حينما يوجد الإنسان في تجمُّع خيِّرٍ؛ سيجد من هو أحسن حالاً منه ولو من جهةٍ ما, إما في العلم, والثقافة, وإما في الأخلاق..
إنه سيجد من تفوق عليه ولو من وجه, فلا يوجد شيٌ اسمه: تفوق مطلق, إلا للرسل والأنبياء, وما سوى ذلك فكل إنسان له مزية من وجه ما.
وفي التجمُّع الخيِّر يستفيد الإنسان حينما يقارن نفسه بإخوانه من كل الوجوه.
أما حينما يكون في فرديته, أو يعيش المثالية من خلال القراءة في الكتب فقط، دون تجربة إنسانية جماعية إنسانية فسيتحول فيما يطرحه إلى المثالية؛ لأن ما في الكتب يدعو غالبا إلى المثالي, أما في التجربة الجماعية فيمكن أن يتحقق شيء منه.
إذاً التجمُّع الخيِّر يوفر للإنسان فرصة مقارنة مع من تفوق عليه, ولو من بعض الوجوه, وهكذا يقوّم نفسه ويرتقي بها.
سابعاً: التجمُّع الخيِّر يوفر للإنسان التعاون مع إخوانه في حل المشكلات والمعضلات الطارئة.
لأن المشكلات لابد أن توجد في حياة الإنسان, ولابد أن توجد فيها المعضلات, ومن خلال المشورة والتعاون العملي؛ يستطيع مع إخوانه أن يتجاوز المشكلات والمعضلات.
ثامناً: التجمُّع الخيِّر يساعد في التحول من الضعف إلى القوة.
لأنه يتحول من (أنا) إلى (نحن).
ونحن نعيش اليوم حالة أنا, مع البعد عن نحن.
فإذا تحدث الإنسان يتحدث عن أنا, ولا يتحدث عن نحن, ولا يمكن لنا أن ننتقل من ضعفنا إلى قوتنا؛ حتى نتحدث بلغة نحن.
ولا يمكن أن نتحدث بلغة نحن؛ حتى نترابط, ولا يهمني أيُّ اسم لهذا الترابط: (التآخي, الوطنية, التعاون الإنساني...) سمِّه ما شئت، فالمهم أن يوجد هذا الترابط, لنرتقيَ من أنا إلى نحن, وعندها نتحول من الضعف إلى القوة, وعندها يُحسب للخير حساب, وعندها حين يفكِّر تجمع الشر؛ لا يرى أنه وحده يستطيع أن يخفض ويرفع, ويعطي ويمنع..؛ إنما يحسب للخير ألف حساب.
تاسعاً: التجمُّع الخيِّر يوفِّر للإنسان شعوراً نفسياً بالأمن.
لأنه عضو في تكوين جماعي, وطالما أن هذا التجمُّع الخيِّر جسد واحد, إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ فسينعكس هذا على شخصيته, وحالته النفسية, فينتقل من الخوف والتردد والاضطراب, إلى الشعور النفسي بالأمن, والخوف والتردد والاضطراب مشكلة كادت أن تكون سائدة في مجتمعاتنا الإسلامية, وفي مجتمعات عالمنا الثالث.
الأمر العاشر والأخير: التجمُّع الخيِّر يعين في الارتقاء الخلقي.
فالفردية تكون فيها الأنانية, ويعيش الإنسان فيها حالة الكِبر, والاعتزاز بالنفس, والعُجب, والبُخل.., لأنه يريد أن يجمِّع حول نفسه وحده.
لكن حينما ينتقل إلى التجمُّع الخيِّر يتخلى عن الأنانية, ويتحلى بأخلاق الجماعية, ويوجد فيه الإيثار, والتفتي وخدمة الآخرين, ويوجد فيه الكرم..
وهكذا يكون التجمُّع الخيِّر سبباً في ارتقاء الأخلاق.
وإذا أردنا باختصارٍ أن نشير إلى أكبر مزايا التجمُّع الخيِّر, أقول هي ثلاثة:
1- هو تجمُّع مبني على الخيِّر, والبناء, والنفع العام, وليس فيه أي إضرار.
2- هو تجمُّع استيعابي, لا توجد فيه بذور الإقصاء, أو الاستئصال للمخالف.
3- هو تجمُّع يعتمد الوضوح؛ لأنه لا يبطن الشر, لهذا لا يخاف من إعلان ما يتبناه.
وليقرأ العالم كله تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للإثم, وهو تعريفٌ يدعونا إلى الوضوح, والحديث صحيح أخرجه الإمام مسلم:
(الإثم ما حاك في صدرك, وكرهت أن يطَّلع عليه الناس.)
إذاً نحن مع الوضوح, ولا نخاف من شيءٍ يطَّلع عليه الناس.
أنا أنصح فأقول: حينما لا يُفسح المجال للتجمُّع الخيِّر في ساحة الوضوح؛ سيوجد التجمُّع في بيئة ليس فيها وضوح, وسيوجد التجمُّع في الظلام, وفي الكهوف, وفي البيوت.., والظلام لا يفرز إلا ظلاماً, وحقداً, ولا يورث إلا نيَّة سوء..
لهذا..يا من يُخطط للمجتمعات في العالم: فليفهم الجميع أن التجمُّعَ الخيِّر يبقى خيِّراً حينما يبقى في ضوء الشمس.
وحينما يضيَّق عليه, وحينما يعتمد الآخرون معه مبدأ: أخرجوا آل لوط من قريتكم؛ عندها سنرى بذور التطرف في شباب كانت وجوههم كالشمس مشرقة, حين كانوا يحملون النور بشجاعة, ويحملون معه سماحة وسماحاً, وإيثاراً وعطاءاً, وسيتحولون بسبب التضييق إلى بذور التطرف الذي نحاربه؛ لأنه بعيد عن منهجنا, وثوابتنا, ومبادئنا, وثقافتنا..
لكن ماذا نفعل حينما لا يفهم الآخرون مضمونات تجمُّع الخير, وماذا نصنع حينما يسعى الآخرون لتحويل التجمُّع الخيِّر المشرق المضيء, إلى ظلام يحمل بذور الظلام, وينشر أفكار الظلام.
فإلى الجماعية الإيجابية, في بلد مُنفتح للجميع..
إلى الجماعية الإيجابية لنبني معاً بلادنا, وحضارتنا, ونهضتنا, لنستوعب حيوية الشباب, ولنمنع وقوعهم في حُفر التطرف.
اللهم إني قد بلغت, اللهم فاشهد.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول واستغفر الله.
أعلى الصفحة