الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
15/9/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
في مثل هذا الشهر، شهرِ شعبان المكرّم، من السنة الثانية للهجرة، أنـزل الله سبحانه وتعالى أمره بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام والكعبة المشرَّفة.
أراد الله سبحانه وتعالى بهذا التشريع حِكَمًا كثيرة، منها لفتُ الانتباه إلى الصلة الوثيقة بين شريعة سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وملَّتِه، وملَّةِ سيِّدِنا إبراهيمَ الذي بنى الكعبة.
وحينما نجد كتاب الله سبحانه وتعالى يوثق الصلة بين ملَّة سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وملّة سيدنا إبراهيم ندرك هذا التناسب.
يقول تعالى: {قُلْ} والخطاب موجَّهٌ إلى حبيبنا وإمامنا ومولانا سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم {إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161]
وقال أيضًا: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} والخطاب موجَّهٌ أيضًا إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]
فقد كان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أشبهَ الناسِ خَلْقًا، وخُلُقًا، ومقصدًا، ووجهةً .. بسيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
وقد بيَّنَ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في وصف سيدنا إبراهيم في حديث المعراج أنه أشبه الناس بصاحبكم، أي به صلى الله عليه وسلم.
ونـزل القرآن متحدثًا عن ذلك الحدث الكبير الذي حصل في مثل هذا الوقت، وفي مثل هذا الشهر، شهرِ شعبان، حيث نـزل في القرآن توضيحٌ وتفصيلٌُ يقول فيه سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
{وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنـزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ، قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ، أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ، سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 135-143]
إنها آيات تتحدث بتفصيل وتوضيح، وتعالج أصل توجُّه هذه الأمة وأصل مقصودها، وتعالج موضوع مفاصلتها، وموضوع هويتها، وموضوع تميزها ...
قد تبدو في ظاهرها وكأنها تتحدث عن تحويل القبلة الظاهرة المجرَّدة، من التوجه إلى بيت المقدس، إلى التوجه من حيث الجهة إلى الكعبة المشرفة، لكن القرآن الكريم يحيط الموضوع بأبعاد فكرية وعلمية بعيدة، تظهر من خلالها مضموناتٌ ما أحوجنا إليها في وقت الاضطراب الثقافي، وفي وقت الهجمة الثقافية والفكرية على ديننا الإسلامي، الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يظهره {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28] وفي هذا الوقت الذي يجهل فيه الجاهلون إسلامَنا، ويجهلون أو يتجاهلون قدرَ سيِّدِنا وإمامِنا الإنسانِ الكاملِ، سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
لنقرأ هذه الآيات بقليل من التمعن والتأمل والتدبر:
- {وَقَالُواْ} أي اليهود والنصارى.
- {كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} فجعلوا الدعوة إلى اليهودية والنصرانية سببَ الهداية.
- {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} فثبَّت بذلك الأصلَ الذي ينتمي إليه دين سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والذي ينطلق منه الإسلام بوجهته ومقصوده وتوازنه واعتداله وإمامته للناس .. لأن الله سبحانه وتعالى جعل سيِّدَنا إبراهيم إمامَ الناس {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]
وهكذا فالدين الموصول بسيِّدنا إبراهيم هو الدين الإمام، وسيِّدُنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة إلى العالمين.
- ثم أجاب الله سبحانه وتعالى بقوله: {قُولُواْ} أي جميعًا يا من يسكن على هذه الأرض.
والخطاب على الخصوصية هو لأمَّة سيِّدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وعلى العموم هو لكل الناس.
- {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنـزلَ إِلَيْنَا} أي قولوا: آمنا بالله وآمنا بالقرآن الذي أنـزل على سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
- {وَمَا أُنـزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} فتجلت عالمية الإسلام، وتجلّت خصوصيته العظيمة التي لا تجعله منحازًا إلى رسول من الرسل، إنما يعظِّم بتعظيم الله كلَّ أنبيائه ورسله وأحبابه وأوليائه.
- ثم قال سبحانه وهو يتحدث عن الذين قالوا: "كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا": {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} أي إن هم آمنوا بسيدنا إبراهيم، وآمنوا بالنبيين من بعده، وآمنوا بموسى وعيسى، وآمنوا بخاتمهم سيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بما أنـزل إليه (أي بالقرآن).
وهنا لم يقل سبحانه: بشبيه ما آمنتم به، أو بنظير ما آمنتم به، إنما قال: {بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ} أي إذا كان إيمانهم متطابقًا تطابقًا تامًّا مع إيمانكم بالله ورسله، وبسيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم النبي الرسول الخاتم المرسَل إلى العالمين كافة، وبالقرآن العظيم الذي أنـزل عليه.
- {فَقَدِ اهْتَدَواْ} أي إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، وإلى مُراده الشرعيِّ في أرضه.
- {وَإِن تَوَلَّوْاْ} ولو عن مفردة واحدة من هذا الذي عدَّه القرآن.
- {فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} أي إنما تبعثهم نفوسهم وأهواؤهم على الشقاق، وعلى إحداث الفتن في كلِّ يوم {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} [المائدة: 64]
فهم يصرُّون على النـزاع، وعلى الاختلاف، وعلى إحداث الفتنة، وعلى إحداث الشق في الأسرة الإنسانية ..
ديننا لم يُكره أحدًا على الإسلام، إنَّما أعلن شعاره: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256], وكذلك قال: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]
لقد صالح العالم كله: فصالح الوثنيَّ، واليهوديَّ، والمسيحيَّ ... ولم يكره أحدًا على الإسلام أبدًا، فهو دين العدالة الذي لا يرضى الظلم، والذي يعطي للإنسان إنسانيَّته.
ولا تكتمل إنسانية الإنسان حتى يدفع عن نفسه الظلم، فإذا صار كالخراف: لا يقدر ولا يريد ولا يفكر أن يدفع عن نفسه الظلم ... فإنه لا يرتقي إلى سُدَّة إنسانيته.
لهذا قال سبحانه يوم أنـزل آية القتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] لأنه أراد رفع الظلم عن الإنسان ليرتقي إلى إنسانيته.
وتعجَّبت تلك الشعوب التي دخل الإسلام إليها، بل وكل الشعوب العالمية، وقد رأوا أن الفاتحين يدخلون هذه البلاد لكنهم لا يسرقون كما تفعل الجيوش التي تغزو البلدان، ولا يفسدون حرثًا، ولا يقطعون نسلاً، ولا يحرقون شجرة ...
تعجَّب الناس وهم يرون الفاتحين يدخلون بلادهم ليعملوا، وليأخذوا المال، وليشتروا البضاعة بأموالهم وبالعملات المحلية التي يستعملها أهل تلك البلدان.
ولم يعرف التاريخ في يوم من الأيام غازيًا يدخل، إلا أنه يستبيح المال، ويستبيح الأرض، ويستبيح الإنسان ...
لكن الإسلام دخل بالعدالة وأزال الظلم، وكان الفاتحون رمز عدالة، وكانوا يكسِرون حواجز الظلم عن الناس، حتى يرتقي الإنسان إلى إنسانيته.
وها هو العالم قد فُتح، ووُجدت المعاهدات الدولية، التي أصبح الإنسان من خلالها يستطيع أن يرحل من مكان إلى مكان، ويستطيع أن يقول رأيه، ويستطيع أن يتحدث بمعتقده، وما بقي إلا أن يدفع الظلم عن نفسه في أرضه.
فإذا كان يستطيع الإنسان أن يبلِّغ الإسلام بلسانه وبكلمته، وأن يبيِّنَ الحقَّ، فإنه في جهاد، مع أنه لا يستعمل السلاح، لأنه ينشر الدعوة ويحاور، حتى لو لم يؤمِن أحدٌ من الناس.
هو في جهاد لأن غاية الجهاد إنما هي التبليغ، وشتَّان بين التبليغ الذي هو إيصال المعرفة إلى الناس في العالم ثم هم يختارون، وبين ما حصل على سبيل المثال في إسبانيا عندما أُكره الناس على ترك أديانهم.
ولم يحصل هذا في تاريخ الإسلام.
الإسلام كان يبلِّغ الدعوة ويكسر الحواجز التي تحول دون ذلك، فإذا وصلت الدعوة إلى الناس فقد قام هذا المسلم بما أمره به إسلامه.
وعلى هذا فإن الإسلام يتبنى نشر العدالة وتبليغ المبدأ، ولا يتبنى الإكراه أبدًا، ولا يكون في حال من الأحوال سببَ قمعٍ من أجل أن يدخل الناس في الإسلام.
هذا هو إسلامنا..
فمتى سيفهم الذين لا يفهمون؟
وإلى متى سيبقى من يُصرُّ على شقاقه وعناده؟
وإلى متى سيبقى هؤلاء إما جاهلين أو متجاهلين عظمةَ الإسلام وسموَّه وإنسانيَّته، وعظمةَ سيِّدِنا محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام الذي ما جاء إلا بمكارم الأخلاق، وما جاء إلا بالرحمة، وما جاء إلا بالنور...؟
قال سبحانه وتعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ} [المائدة: 15] وأراد به سيِّدَنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم, وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
هذا هو حبيبنا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الذي كان يحرص على نشر النور ..
إنه صاحب القلب الرحيم ..
وصاحب القلب الرؤوف ..
وصاحب القلب الذي يتألم حتى لا يقع الناس في نار جهنم ..
قرأتُ في كتاب الباحثة "أنِّي ماري شيمل" التي لا أشك في إسلام قلبها وإن لم تكن معلنةً إسلامها، وعلى كُلٍّ حتى لو لم تكن مسلمة فإنها مستشرقة منصفة، تقول وهي تصف المستشرقين الغربيين:
"لقد حرص المستشرقون الغربيون على تصوير محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بصورة السياسيِّ العنيف الشهواني، ولم يكونوا يدركون ذلك الجانب الذي يمتلئ به قلبه، ولم يكن لديهم تصوُّرٌ عن أخلاقه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولا عن توجُّهه إلى الله سبحانه وتعالى، ولا عن حاله مع الله ... والذي كان - كما تقول الباحثة فيه - إذا نام تنام عيناه ولا ينام قلبه".
- ثم قال تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ} لأن الله سبحانه وتعالى تكفّل بإظهار دينه وحفظ ذكره {إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
- {وَهُوَ السَّمِيعُ} لما يقولونه من الانحراف.
- {العَلِيمُ} أن العاقبة للمتَّقين، وأن العاقبة هي لأهل الحقِّ، وإن جحدوا وعاندوا ونازعوا وكذبوا وافتروا ...
- {صِبْغَةَ اللّهِ} أي هي فطرة الله التي نجدها في قلب الإنسان أيًا كان: شرقيًّا أو غربيًّا، شماليًّا أو جنوبيًّا، فالإسلام بمضموناته يجد جذوره في قلب كل إنسان، حتى ولو لم يسمع هذا الإنسان بالإسلام يومًا من الأيام، لأن الله سبحانه خلق الإنسان مستعدًّا لهذا الإسلام.
- {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} أي نحن له ملتزمون بما أَمَرَ، ولا نعبد غيره، ولا نشرك به سواه، ولا نتوجَّه إلى أحدٍ مهما كان، بشرًا أو مَلَكًا أو حجرًا ..
- ثم قال: {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ} لأنهم كانوا يصرُّون على التميُّز، ويقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، والإسلام يصرُّ على المساواة الإنسانية، لذلك قال:
- {وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}
وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ)، وشتَّان بين تصوُّرٍ يقول صاحبه: أنا متميز عنك لأنني من أبناء الله وأحبائه، وبين من يقول: بل إن البشرية متساوية، لا يتميز فيها أحد على أحد، فأبو الإنسانية واحد، وربُّ الإنسانية واحد.
- {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} وتلك هي المفاصلة السلوكية.
فإذا كنـتم تثيرون الفتن فنحن ننشر مبدأ ترك الفتن، {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]
فهوية أعمالنا أننا ننشر العلم ..
هوية أعمالنا أننا نتقن العمل إن نحن التزمنا بأمر ربنا ..
هوية أعمالنا أنها تتوجه إلى مرضاة ربنا ..
- لذلك قال: {وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ}
فأعمالنا منضبطة بشرع الله سبحانه وتعالى الذي أنـزله، والذي فيه كل العدالة وكل التوازن، من غير إفراط ولا تفريط.
قال سبحانه وهو يدلُّ على المفاصلة الاعتقادية: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] إلى أن قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].
وهنا دلَّ على المفاصلة السلوكية حين قال: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ}.
فلنا سلوك منضبط لا ينبعث من أهوائنا، لكنه ينبعث من خلال توجيه الله سبحانه وتعالى لنا والميزان {قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: 25].
أما فهم هذا الرأس الذي يدّعي أنه يمثل المسيحية؟
أما فهم أن الإسلام ليس دينًا ظاهريًّا؟
أما فهم أن الإسلام هو الدين الذي وضع القواعد مع النص، فلم يكن النص إلا منطلقًا يمر بالقواعد ليكون العقل أساسًا فيه؟
فالعقيدة الإسلامية مصدرها النقل والعقل، والسلوك الإسلاميُّ مصدره أيضًا النقل والعقل، فالسلوك مصدره الفقه الذي يستند إلى الاجتهاد، والاجتهاد لا يكون إلا بالعقل الذي يستنير بالنقل ويمشي من خلال القواعد.
الإسلام دين المنطق في العقيدة، ودين المنطق والعقل في السلوك.
إذًا: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا} السلوكية المنضبطة بالفقه المرن الذي يتسع لكل زمان ومكان، ويقرأ المستجدات ويفهمها، ويقدِّم الحلول، بنوع من المنطقية والواقعية، ولا يعيش المثالية الموهومة.
- ثم قال: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى} وهنا نجد أن القرآن الكريم يدخل في الحجة من خلال المنطق.
وما معنى هود؟ وما معنى اليهود؟
الهَوْدُ في اللغة: التوبة، وما سمي اليهود يهودًا إلا بعد أن تابوا عن عبادة العجل، فلما تابوا سُمُّوا هودًا، أو يهوداً.
فهل تاب سيدنا إبراهيم عن عبادة العجل؟
إن المنطق يأبى أن يُطلق هذا اللفظ على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لأنه كان في كل أحواله مستسلمًا لله.
أمره الله سبحانه وتعالى أن يذبح ولده فاستسلم هو وولده {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103].
وأُمر بنو إسرائيل أن يذبحوا بقرة، لا أن يذبحوا أولادهم، {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71].
فلا يتناسب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع المذنبين التائبين.
ولكنهم وإن أُطلق عليهم هذا الاسم يحتاجون إلى توبةٍ بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى والتزام شريعة سيدنا محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام.
وما سُمِّي النصارى نصارى إلا لأن تلاميذ المسيح نصروا سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام.
فهذه الآيات تعالج القضية معالجة منطقية، وتقول لهم: أَعمِلوا عقولَكم، فهل يصح في المنطق أن يقال: إن إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا؟
اقرؤوا مضمون اللفظ واستعملوه في محله.
ولقد مرَّ معي في نسخ الإنجيل الحاضرة حوارٌ بين المسيح واليهود، قال اليهود فيه: نحن أبناء إبراهيم، فأجابهم المسيح: لا بل أنتم أبناء إبليس، لأنكم تشبهونه بالأعمال ولا تشبهون إبراهيم.
- ثم قال: {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} فالله سبحانه وتعالى يوجِّه إلى منهج العلم، ويدلهم.
تعلموا منهج العلم، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يعلمكم المنطقية في الطرح، لأن اللفظ لا يتناسب مع المعنى، أما تستطيعون في المنطق أن تربطوا بين لفظة ودلالاتها؟
- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ}
ألم ينـزل وصف سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في التوراة والإنجيل؟ فلماذا تكتمونه؟
ومن أظلم ممن كتم وقد قرأ في كتابه وصفَ سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل؟
إنه ظلم عظيم، حين يقرأ الإنسان كتابًا أُنـزل من السماء، ويقرأ فيه وصفَ سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأنه رسول الله الخاتم، ثم يكتم.
وكان اليهود الذين دخلوا في الإسلام في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤون على الأصحاب وصفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ووصفَ أمَّته، وقد نَقَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله مضموناتِ وصفه في التوراة.
بشَّر سيدنا عيسى بسيدنا محمَّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، كما جاء وصفه صلى الله عليه وسلم في التوراة، فعلماء الكتاب يعلمونه على الحقيقة.
ولا أظنُّ أن رأسًا - يصل إلى ما وصل إليه حتى صار ممثِّلاً للمسيحية - لا يقرأ ما جاء في كتبه من وصف سيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
إذًا، هو الشقاق الذي ينبغي على الإنسان أن يترفع عنه.
والذي سمعناه من الكلام في القنوات الفضائيَّة إما أنه يدل على تجاهل مع العلم، أو أنه يدلُّ على جهل، وفي كلتا الحالتين فالأمر مصيبة.
اتصلتُ بعقلاء المسيحية وكبارهم، واتصلوا بي، وأنكروا ذلك، وقالوا: لا نوافق على ما قيل.
وقلنا: نحتاج إلى موقفٍ معلَنٍ صريح، فلا يكفي الاتصال طالما أننا نبني مجتمعًا متماسكًا، وطالما أننا لا نقلد، وطالما أن العاقل لا يقلد، فإن قلَّدَ شخصٌ منا يكون عابدًا للمقلد، وهكذا قال ربنا: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [التوبة: 31]
فلا يصح التقليد في هذه الحالة، ولا يُعذَرُ عظيمٌ من عظماء المسيحية (في مجتمعنا هذا، لأن مجتمعنا ليس فيه اليهودية، فإن كان هناك في المجتمعات العالمية الأخرى عقلاءُ من اليهود فليعلنوا).
لا يصح الصمت في حالٍ من الأحوال.
ويُنقَل ويُستشهَد في محضرٍ يحضره الأعلام ويسمعه العالم، بنص قاله حاقدٌ جاهل، يصف سيِّدَنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم بأنه ما جاء إلا بالأفعال الشريرة الشيطانية.
وعندما سمعت النبأ أردت توثيقه، لأن خبرًا كهذا يشكل صدمة، فرجعت إلى أكثر المصادر العالمية والمصادر الحيادية، فتبيَّن أن هناك تواطؤًا، أي اشتراكًا، فاشترك الجميع في ذلك، حتى استطعنا تكوين صورة كاملة وباللغات.
أبلغني الخبر من قرأ نص الخطاب باللغة التي قالها صاحب الخطاب، ولم نكن نريد التجني قبل التوثيق.
لكنني أعجب، وأعْتُبُ، وأكاد أشجب .. وأقول: إنه من المعيب بعد كل هذا أن يدَّعيَ بعض أبناء جلدتنا، الذين يظهرون بالصورة الإسلامية، أننا لم نفهم ونريد استيضاحًا.
وهل كل من في البرلمان الباكستاني لا يفهمون؟
يأتي شخص ويشتمك ويشتم أبناءك ويشتم دينك .. وتقول له: أنا لم أفهم؟
أليس هذا معيبًا؟
هل بلدنا بلدٌ لحرية الكلمة؟
إذًا، فلنتحدث بوضوح.
إن لم يكن يُسمَحُ للكلمة الحرة بالظهور، فليقضِ الله أمرًا كان مفعولاً.
سنقول الحق.
لكن أليس من المعيب أن لا يكون لنا موقف؟
البرلمان الباكستاني في الدولة العلمانية يدين إدانة كاملة، والهيئات الإسلامية في تركيا تدين إدانة كاملة، واتحاد علماء المسلمين في العالم يدين إدانة كاملة .. ونحن لم نفهم ونريد استيضاحًا.
لا مشكلة عندنا عندما يقال: أصلح خطأك فقد أخطأتَ، ونحن لا نريد اعتذارًا، فقد سئمنا من هذا.
ونحن أصحاب واقعيَّة في الطرح، وأصحاب منطقيَّة، وما عندنا معصوم إلا الرسل عليهم الصلاة والسلام، والله هو الذي ينـزل الحقَّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإذا أخطأ شخصٌ ما فينبغي عليه أن يرجع عن خطئه، لأنه أساء إلى الإسلام وأمة الإسلام ورسول الإسلام.
ينبغي أن يكون لنا موقف، ولا أريد أن يكون هذا الموقف إسلاميًّا مجرَّدًا، بل أريده إسلاميًّا مسيحيًّا، لنؤكد أننا نفهم الإسلام، وأن مسيحيي الشرق يفهمون الإسلام أكثر مما يفهمه الغربيون الذين لا يعرفون اللغة العربية ولا دلالاتها، ويطَّلعون على الإسلام من خلال أقلام مستشرقين كتبوا عنه بحسب تصوُّراتهم.
فلا بد من موقف..
ويكفي في المواقف التي يُساء فيها إلى سيِّدِنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الرمزِ الأكبرِ، ويساء فيها إلى الإسلام ومنهجه الرباني العظيم ... أننا نبقى في صورةٍ هي أشبه بصورة الخجول والحيي في أحسن الأحوال.
فليكنْ لنا موقفٌ كمجتمعٍ إسلاميٍّ مسيحيٍّ شرقيٍّ، ولنقل: نحن لا نقلِّد مخطئًا، فلتقل المسيحية العاقلة: نحن لا نقلد مخطئًا حتى ولو كان رأسًا.
أمَا سمع هؤلاء أن امرأةً وقفت أمام رأس الأمة الإسلامية التي ليس فيها طوائف - فقد كانت أمة واحدة، وما تزال إن شاء الله - وقفت أمام سيدنا عمر الذي كان يمثل المرجعَ الدينيَّ الأعلى، ويمثل المرجع السياسي الأعلى، وقالت له: أخطأتَ يا عمر؟!
فليتعلم هؤلاء، وليقولوا لعظمائهم: أخطأتَ وارجع عن خطئك، وعندها لن يتحرك الفوضويون، وعندها نستطيع بناء المجتمع وبناء الحضارة، بناءً متماسكًا، لا يستند إلى الشقاق لكنه يستند إلى العِلم، ويستند إلى الحق، ويستند إلى الإنصاف.
- ثم قال: {وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} أي: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فهذا من شعارات الإسلام.
- {وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} حينما يقعون في الخطأ.
- {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ} الذين لا عقول لهم.
- {مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} لماذا توجهوا من بيت المقدس إلى الكعبة؟
- {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقد استوقفني قوله تعالى: {يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ} على التنكير، ولم يقل: إلى الصراط المستقيم.
لماذا؟
لأنه سبحانه وتعالى إذا أمر بأمر، وإذا بَلَغَنَا عن النبي المرسل الأمرَ، فهذا الأمر هو صراط مستقيم بالنسبة لنا، فإذا نسخه وأمرنا بغيره فإنه صار صراطًا مستقيمًا، وصار الرجوع إلى ذلك الأول انحرافًا.
وهذا يدلُّ على القاعدة الشرعية التي تقول: "الحسن ما حسّنه الشرع".
فلا حسن لذاته، ولا قبيح لذاته، بل الحسن ما حسَّنه الشرع.
والصراط المستقيم لا نهتدي إليه إلا من خلال توضيح الله، ومن خلال بيان الله، ومن دلالة سيدنا محمد رسول الله، عليه الصلاة والسلام.
- {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} لا إفراط فيها ولا تفريط، فنحن أمة التوازن والاعتدال.
- {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} أي لتكونوا الشاهد والمعيار على المفْرِط والمفَرِّط.
- {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} لأنه معيار التوازن على الإطلاق، وهو رمز التوازن بين البشرية والروحانية، فهو صلى الله عليه وسلم رمز التوازن في الأخلاق، ورمز التوازن في المعاملة، ورمز التوازن في السلوك .. فهو مركز التوازن، وهو مظهر الاعتدال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
- {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} فهل فهمتم أن هذا الرسول ناطقٌ رسميٌّ عن الله؟
وهل عرفتم أن هذا الرسول لا ينطق عن الهوى؟
وهل عرفتم أن هذا الرسول لو تقوَّل على الله بعض الأقاويلِ لأخذ منه اليمين ولَقَطَعَ منه الوتين؟
فهو مؤتمر بأمر الله، وقال الله له: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ولا أن يفعل فعلاً إلا بأمر إلهي.
{إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} المؤتمرَ بأمر الله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله.
هذه حقيقة، فإذا فهمها يعرف من هو محمد صلى الله عليه وسلم.
- {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ} أي هذا الاتباع وهذا النظر إلى من لا ينطق عن الهوى، إنما ينطق عن الوحي، لكي يستسلم له {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]
فأما الذين هدى الله فإن سرورهم في اتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الذين أضل الله فإن المشقة كل المشقة، وإن المصيبة كل المصيبة، تكون عليهم حين يقال لهم: اتبعوا رسول الله.
- {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} فالذي اتبع أمر الله سبحانه وتعالى في المنسوخ قبل أن ينسخ هو على صراط مستقيم، وأما بعد النسخ فلا بد أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد وجَّهه إلى هذا الأمر، وكأنه سبحانه يقول لهؤلاء: جاء محمد صلى الله عليه وسلم فعطلت شريعتُه شريعةَ موسى وعيسى.
وينـزل عيسى عليه الصلاة والسلام فيجد إمام المسلمين قد شرع في الصلاة فيقتدي به، معلنًا ولاءه لسيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوجه قلوبنا إليه، وأن يجعل اعتمادنا في الأمور كلها عليه، وأن يجعلنا ممن يهتدي بهدي سيدنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ويسير على خطاه، ويهتدي بأقواله وأفعاله وأحواله.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة